القائمة الرئيسية

الصفحات


سأتطرق في هاته المداخلة إلى "إشكاليات ثبوت الزوجية"، والواقع أنه قد يقع خلط بين مفهوم "الثبوت" ومفهوم "الإثبات" غير أن الفرق بينهما شاسع.
ذلك أن الثبوت معناه قيام الحجج على ثبوت الأسباب عند الحاكم وفي ظنه،[1] والإثبات معناه إقامة الدليل أمام القضاء بالطريقة التي يحددها القانون على وجود حق متنازع فيه.[2]
فالإثبات يقوم به المدعي والثبوت وصف قائم بذات الشيء المدعى، فإذا أثبت المدعي دعوى أمام القاضي وتثبت عنده حجة على ذلك فعليه أن يحكم بمقتضى تلك الحجة، فالحكم من لوازم الثبوت.[3] لذا فثبوت الزوجية المقصود به ثبوت الزوجية بحكم قضائي وهو ما سأقتصر عليه في مداخلتي، ذلك أنه إذا كانت وثيقة عقد الزواج تعتبر الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج، فإن المشرع أجاز استثناء سماع دعوى الزوجية إذا حالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج (المادة 16 من مدونة الأسرة).

  1-القاعدة وجوب إثبات عقد الزواج بالكتابة :

هل توثيق عقد الزواج هو شرط صحة في الزواج، أم هو مجرد شرط شكلي ؟
لا نجد في الفقه الإسلامي من يقول أن الكتابة تدخل ضمن شروط صحة الزواج، فالزواج عندهم عقد رضائي يكفي لصحته تطابق الإيجاب والقبول وتوافر باقي شروط صحته.
بالرجوع إلى التشريع المغربي نجده سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة (ف5 و41 و32 و43) أو مدونة الأسرة (م65 و67 و68 و69 و13) ينص على أن عقد الزواج لابد وأن يوثق في وثيقة رسمية، تحرر من طرف عدلين منتصبين للإشهاد في مجلس واحد، مما يجعل هاته الوثيقة التي يحررها العدلان كمبدأ هي الوسيلة الأصلية المسموح بها لإثبات عقد الزواج أو العلاقة الزوجية في التشريع المغربي.
لكن إذا كانت الكتابة ليست شرطا من شروط صحة عقد الزواج حسب مقتضيات الفصل 5 من م.ح.ش التي لم تشر مطلقا إلى مسألة تدوين العقد، فإن مدونة الأسرة جعلت من الكتابة شرط صحة في عقد الزواج، إذ تنص في المادة 13 في فقرتها الرابعة، وبصريح العبارة على أنه : "يجب أن يتوافر في عقد الزواج "شرط سماع العدلين التصريح بالإيجاب والقبول من الزوجين وتوثيقه" فعبارة "توثيق" التي لم يتضمنها الفصل 5 من م.ح.ش الملغاة تنصرف وبدون شك إلى كتابة عقد الزواج، فضلا على أن المشرع المغربي نص في الفقرة الأولى من المادة 16 من م.أ على أنه : "تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج".
1-   الاستثناء ثبوت الزوجية بحكم قضائي :
إذا كان المشرع المغربي نص في الفقرة الأولى من المادة 16 على اعتبار وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج، فإنه نص في الفقرات الموالية من نفس الفصل على إمكانية سماع دعوى الزوجين، لكن في فترة انتقالية لا تتعدى 5 سنوات ابتداء من تاريخ دخول القانون الجديد حيز التطبيق مما يعني أن موقف المشرع في المدونة واضح نحو تقليل دور العرف وفرض الإثبات بالكتابة وتقليص مدة إثبات الزوجية في ظرف خمس سنوات.
·       شروط سماع دعوى الزوجية :
-      سماع دعوى الزوجية يتم بواسطة دعوى أمام المحكمة.
-      على المدعي إثبات الأسباب القاهرة التي حالت دون توثيق عقد الزواج.
-      إن الإثبات في هذه الدعوى يخضع لحرية الإثبات.
-   للمحكمة في إطار سلطتها التقديرية للبت في دعوى الزوجية أن تأخذ بعين الاعتبار وجود الأطفال أو عدمهم وكذا الحمل، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين.
-   إن العمل بهذه المقتضيات يتعلق بمرحلة انتقالية فلا تتجاوز 5 سنوات من تاريخ دخول المدونة حيز التنفيذ.

المبحث الأول : إشكاليات مرتبطة بشروط سماع دعوى الزوجية
يتضح جليا من خلال مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 16 من مدونة الأسرة أنه لسماع دعوى الزوجية لابد وأن يتوافر سبب قاهر حال دون توثيق العقد في وقته، فإن وجد هذا السبب أمكن لمن له مصلحة أن يرفع دعوى ثبوت الزوجية وفق إجراءات معينة.

المطلب الأول : ماهية السبب القاهر

إن عدم تحديد المشرع المغربي للمقصود بالسبب القاهر، أدى إلى التوسع في تفسيره من طرف القضاء إلى حد أنه أصبح يشمل جميع الزيجات التي لم توثق ولو لم يكن هناك أي سبب حقيقي.
فهل مفهوم السبب القاهر هو نفسه مفهوم حالة الاستثناء المنصوص عليها في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ؟
بإجراء مقارنة بين الأحكام والقرارات الصادرة في ظل مدونة الأحوال الشخصية وبين الأحكام والقرارات الصادرة في ظل مدونة الأسرة، نستشف جليا أن السبب القاهر يشمل بالإضافة إلى حالة الاستثناء، كل حالة لم يوثق فيها عقد الزواج، حتى ولو كان السبب واهيا، ولا يرقى إلى مستوى السبب القاهر.
×       زواج المغاربة بالخارج :
اعتبر القضاء المغربي سواء في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو في ظل مدونة الأسرة، أن التواجد خارج المملكة في دولة لا توجد فيها قنصلية، من ضمن الحالات الاستثنائية.
ففي قرار أكد على أنه : "حيث تعيب الطاعنة على الحكم خرق مقتضيات الفصل 5 من م.ح.ش، ذلك أنها أدلت بعقد ثبوت الزوجية المحرر بفرنسا ولم يطعن في المطلوب بأي طعن جدي وبالتالي فتسري عليه حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفصل 5 المذكور...".[4]
وجاء في حكم صدر حديثا عن المحكمة الابتدائية بأصيلة أنه : "وحيث أنه بالرجوع إلى المادة 16 من مدونة الأسرة، فقد نص على أنه إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات...
وحيث سعى الطرف المدعي إلى إثبات ما ذكر أعلاه بالإدلاء بنسخة رسمية مترجمة إلى اللغة العربية لزواج مدني فرنسي...
وحيث إنه اعتبارا للوثائق المشار إليها أعلاه... وانسجام وقائع هذه الدعوى مع روح المادة 16 من المدونة وذلك بوجود أسباب قاهرة حالت دون توثيق عقد الزواج المتمثل في سفر الطرفين إلى فرنسا... وتبعا لذلك اقتنعت المحكمة بصحة الدعوى ويتعين الاستجابة لها...".[5]
Ø    حالة عدم الحصول على الإذن بالزواج من الجهات المختصة:
 أوجب القانون في حالات عدة ضرورة الحصول على إذن بذلك طبقا لمقتضيات الفقرة 5 من المادة 65 من مدونة الأسرة، كما ويجب على الجنود ومن في حكمهم الحصول على إذن بالزواج من طرف المحكمة المختصة.
وإذا كانت مواقف محاكم الموضوع في ظل م.ح.ش قد تضاربت بخصوص إدراج حالات تعذر الحصول على إذن بالزواج ضمن حالات الاستثناء، ذلك أننا نجد أحكاما قررت أن عدم التوفر على رخصة الزواج لا يبرر الأخذ بحالة الاستثناء.[6] وأحكاما أخرى قررت أن تعذر الحصول على الرخصة في الزواج يسوغ إعمال حالة الاستثناء.[7]
فإننا نلمس أن الاجتهادات القضائية الحديثة، لم تعد تحصر نطاق الاستثناء في عدم التوفر على رخصة الزواج فقط، بل أصبحت تربطه بجميع الوثائق التي يلزم الإدلاء بها لانعقاد الزواج، وهذا ما أكدته المحكمة الابتدائية بطنجة، ففي حكم صادر عنها حكمت : "...وحيث اتضح من خلال تصريحات الزوجين والبحث المنجز من طرف المحكمة... وأنه لظروف قاهرة تتمثل في عدم إمكانية الحصول على الوثائق اللازمة لعقد الزواج لم يقدم على توثيق الزوجية بينهما.
لذلك وأمام ثبوت ركني الزواج لتوافر رضا الطرفين... تأذن لهما بإقامة رسم ثبوت الزوجية بحسب الوقائع المذكورة...".[8]
v تضارب مواقف القضاء بخصوص سماع دعوى الزوجية من طرف شخص متزوج :
قد يكون الرجل متزوجا بامرأة ما ويريد الزواج من امرأة ثانية، وحتى يتهرب من مختلف الإجراءات القضائية التي وضعها المشرع بشأن التعدد، يلجأ إلى إثبات الزوجية طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 16 من مدونة الأسرة.
جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة ما يلي :
"حيث أن الطالب يهدف إلى الحكم بالإذن... بالتعدد وتوثيق زواجه الثاني... وحيث عزر الطلب بموافقة كتابية على الزواج من الزوجة الأولى وشهادة السكنى وصورة من بطاقة التعريف الوطنية ونسخة من عقد الازدياد، وصورة من بطاقة التعريف الوطنية للمخطوبة...
وحيث علل الطلب بكون الزوجة الأولى تعاني من حالة مرض...
وحيث أكد الطالب، أن له مداخيل أخرى غير الأجرة التي يتقاضاها من الشركة.
وحيث بناء على ما ذكر أعلاه يتعين الاستجابة للطلب والإذن للسيد (ح.ط) بالتعدد وتوثيق زواجه الثاني...".[9]
وعلى هذا المنوال سارت مجموعة من الأحكام صادرة عن المحاكم الابتدائية بطنجة.[10]
غير أنه وعلى العكس من ذلك جاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية بمراكش أنه : "حيث إن المعول عليه في النازلة هو تحديد المفهوم الحقيقي والدقيق للأسباب القاهرة، فهي تعني الأسباب المادية ولا ينصرف مدلولها للأسباب والموانع القانونية التي تحول دون العقد على الزوجة، بمعنى أنه يجب أن يكون المانع الذي حال دون توثيق عقد الزواج هو مانع واقعي، أما إذا تعلق الأمر بمانع قانوني حظر المشرع بمقتضاه أو علقه على استيفاء شكلية معينة، فإنه يجب احترام هذه الشكلية.
وحيث إنه في النازلة فإن الطرفين لم ينجبا أبناء وليست طالبة صحة الزوجية حاملا حتى يشفع لها ذلك في تبرير تحايلها على النص القانوني، وما دام الأمر كذلك فإنه يجب ملاحظة أن طالب صحة الزوجية متزوج بامرأة أخرى وكل ما منعه من توثيق عقد الزواج هو رغبته في عدم اللجوء لمسطرة التعدد، ومن ثم يعامل بنقيض القصد ويكون ذلك مبررا لرفض الطلب".[11]
غير أن الملاحظ أن القضاء المغربي وفي حكم آخر ذهب إلى اعتبار ما لقيه الطالب من معارضة من طرف أبنائه من أجل التعدد يشكل سببا يبرر سماع دعوى الزوجية.[12]
لكن إذا كان الحكم السالف الذكر قد ذهب إلى اعتبار أن المانع يجب أن يكون واقعيا لا قانونيا، وأنه يجب احترام الشكليات المنصوص عليها قانونا، فإن محكمة الاستئناف بالناظور ذهبت في قرار لها إلى أنه "حيث أن المحكمة حصل لديها الاقتناع أن قصر الطالبة إبان العقد وعدم التمكن من الحصول على إذن والدها المفارق لوالدتها مدة عشر سنوات... يعد من الأسباب القهرية الحائلة دون توثيق عقد الزواج".[13]
Ø    العادة المحكمة و سماع دعوى الزوجية ولو لم يثبت السبب القاهر:
جرى العمل القضائي في ظل م.ح.ش على اعتماد العادة التي ورثها الأفراد واستحكمت في نفوسهم والمتمثلة في الاستغناء عن الإشهاد على الزواج بواسطة العدول، موجبا لسماع دعوى  الزوجية.[14]
وغير أنه لم يعتد بحالة اختيار الزوجين العدول عن الإشهاد العدلي بإرادتهما.[15]
لكن في ظل م.أ، سار الاجتهاد القضائي في اتجاه إثبات الزوجية الخالية من الإشهاد حتى ولو لم يبرز طرفي الدعوى الظرف القاهر الذي حال دون توثيق عقد الزواج. ذلك أنه جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة "وحيث اتضح من خلال تصريحات الزوجين وإفادة السلطة المحلية بشأن البحث الاجتماعي الذي كلفت بإنجازه حول التحقق من قيام وثبوت الزوجية بين المعنيين أن السيد (س.ش) وهو فعلا زوج للسيدة (و.د) منذ سنة 2002...
وأنه لظروف قاهرة لم يقدما على توثيق الزوجية بينهما، لذلك وأمام ثبوت ركني الزواج لتوافر رضا طرفيه... تأذن لهما بإقامة رسم ثبوت الزوجية".[16]
كما جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بابن سليمان أنه : "وحيث حضر الطرفان معا لجلسة 07/12/2005 وأوضح المدعي (الزوج) كونه عقد زواجه على المدعية منذ مدة سنة سلفت عن تاريخه.
وأن ظروفا قاهرة حالت دون توثيق رسم النكاح وأن زواجهما مشتهر بين الناس على صداق قدره... وبولاية والد الزوجة، وأن العلاقة الزوجية لازالت مستمرة بينهما إلى حد تاريخه دون انقطاع وأنها زوجته الوحيدة.
وحيث أكدت المدعية (الزوجة) نفس التصريحات أعلاه بما في ذلك قدر الصداق والولاية واشتهار النكاح ومدة العلاقة الزوجية واستمرارها... لهذه الأسباب تصرح المحكمة بثبوت الزوجية...".[17]
وفي حكم آخر صادر عن المحكمة الابتدائية بابن سليمان، تم اعتبار حضور الجماعة في الحفل وثبوت الشهرة والاستفاضة في معاشرة الطرفين يقوم مقام الإشهاد استنادا إلى أحكام الفقه المالكي الذي لا يعتبر العقد ركنا في النكاح.[18]

المطلب الثاني : إشكاليات مرتبطة بصحة إجراءات دعوى الزوجية

ما مدى صحة رفع دعوى الزوجية ؟ وبمعنى آخر إلى أي مدى يتم احترام شروط رفع الدعاوي من صفة وأهلية ومصلحة ؟
إلى أي مدى على المحكمة تطبيق مسطرة الأذونات المنصوص عليها في الفقرة 5 من المادة 65 من مدونة الأسرة ؟
الفقرة الأولى : مدى توافر شروط رفع الدعوى في دعاوي الزوجية
إذا كان الفصل 1 من قانون المسطرة المدنية ينص على أنه لا يصح التقاضي إلى ممن له الصفة الأهلية والمصلحة لإثبات حقوقه. فإن دعاوى الزوجية، وأمام سكوت المشرع المغربي في مدونة الأسرة عن تحديد شروطها، تبقى بدورها خاضعة لمقتضيات قانون المسطرة المدنية غير أن الملاحظ أنه في دعاوى الزوجية تثار مجموعة من الإشكالات.
فبخصوص الأهلية، نجد بعض القضاة يذهبون إلى القول بقبول سماع دعوى الزوجية من طرف القاصرين، استناد إلى ما تنص عليه المادة 22 من مدونة الأسرة التي تجيز لهؤلاء الحق في رفع دعوى الزوجية بعلة أن الزواج الرابط بينهما يعطيهم هاته الإمكانية، ولكون دعوى ثبوت الزوجية تقرر ما هو كائن ولا تنشئ عقد الزواج، أي أن الحكم بثبوت الزوجية حكم تقريري تنصرف آثاره بصفة رجعية إلى وقت إبرام الزواج ولأن المتزوجين يكتسبان الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار الزواج من حقوق والتزامات.[19]
غير أن بعض المحاكم وهي تنظر في دعوى الزوجية تذهب إلى ضرورة حصول الزوج القاصر على الإذن بالزواج من قاضي الأسرة المكلف بالزواج.[20]
ويبقى الأصوب ما تذهب إليه بعض المحاكم من الاكتفاء بحضور ولي القاصر في مثل هاته الدعاوى.
بخصوص شرطي الصفة والمصلحة، فهما مفترضتان عكس ما هو معمول به في قانون المسطرة المدنية، ذلك أنه بمجرد تقديم مقال الدعوى من طرف الزوجين أو أحدهما أو الأبناء حالة وفاة الوالدين[21] يفترض أن له صفة ومصلحة.
لكن الإشكال المطروح هنا هو إذا كان الغرض من ثبوت الزوجية هو حماية حقوق الأسرة وخاصة الأطفال، والأبناء الناتجين عن تلك العلاقة، فلماذا لا ترفع الدعوى من طرف هؤلاء الأبناء في حياة الزوجين أو أحدهما، لاسيما في الأحوال التي يتعذر فيها حصولهم على بعض الوثائق نظرا لعدم تسجيلهم في الحالة المدنية والتي أصبح من شروط التسجيل فيها الإدلاء بعقد زواج.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية لماذا ضرورة رفع هذه الدعاوى من طرف الأبناء حال وفاة أحد الزوجين معا وليس أحدهما فقط، خاصة وأنه بعد وفاة أحد الأبوين يترتب لهؤلاء الأبناء عقد الإرث في تركة أبيهم المتوفى أو تركة أمهم المتوفاة، هذا الحق الذي يتعذر تحصيله ما لم يتم الإدلاء بما يثبت انتسابهم إلى المتوفى منهم.
لعل أن ما يجب أن يعمل بنفي هذا الصدد أن تتدخل النيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في جميع القضايا المرتبطة بالأسرة، وترفع دعوى ثبوت الزوجية لمصلحة هؤلاء الأبناء.

الفقرة الثانية:تنازع قوانين الأسرة في الزمان والإذنونات القضائية:

  إن إشكالة تنازع القوانين في الزمان تطرح بالأخص بالنسبة للإذن بالتعدد والإذن بزواج القاصر.
*   حالة الإذن بالتعدد:  
    قد يحدث ان ترفع دعوى من طرف رجل متزوج بامرأة ما، ويريد استصدار حكم بثبوت زواجه من ثانية. في هاته الحالات فإننا نكون أمام ثلاث حالات:
·       حالة رفع دعوى بثبوت زوجية قامت قبل صدور مدونة الأحوال الشخصية.
·       حالة رفع دعوى بثبوت زوجية قامت في ظل مدونة الأحوال الشخصية وهاته الفترة  التي امتدت على فترتين الأولى من سنة 1953 إلى 1993 والثانية من 2003 إلى 2004.
·       حالة رفع دعوى بثبوت الزوجية قامت بعد صدور مدونة الأسرة.
وأمام كل هاته الحالات فإن الإشكال المطروح هل في جميع هاته الحالات يجب تطبيق مسطرة التعدد المنصوص عليها في الفصول 40 إلى 46 من مدونة الأسرة؟
   أمام غياب نص محدد لما هو واجب التطبيق في كل حالة على حدة فإنه وفي اعتقادنا المتواضع ينبغي أولا واستنادا إلى قاعدة عدم رجعية القوانين لان الأمر هنا يتعلق بحماية  مركز قانوني ينبغي على القاضي ألا يغفل على تحديد الفترة التي يدعي فيها الزوجين أو أحدهما قيام علاقة الزواج.
فإذا تبين له ان الزوجية ثابتة في فترة ما قبل صدور مدونة الأحوال الشخصية أو في ظلها، فإنه استنادا إلى قاعدة عدم رجعية القوانين، لا يجب إلزام الزوج إتباع مسطرة بالتعدد، وذلك لان الأمر هنا يتعلق بحماية مراكز قانونية نشأت قبل فرض مسطرة التعدد غير انه إذا كانت الزوجية المطلوب استصدار حكم بثبوتها نشأت في ظل مدونة الأحوال الشخصية فينبغي التمييز بين ما إذا قامت الزوجية في إطار النص القديم  الذي كان يسمح بالتعدد إلى الحد المسموح به شرعا، فهنا لا مجال لتطبيق مسطرة التعدد. وبين ما إذا قامت الزوجية في إطار النص الجديد الصادر في 10 شتنبر 1993 وعلى القاضي هنا تطبيق مقتضيات الفصل 30 من مدونة الأحوال الشخصية وليس مسطرة التعدد المنصوص عليها في مدونة الأسرة. وعلى العكس من ذلك فإذا ما تم الإدعاء بوجود زوجية بعد دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق فإنه يجت تطبيق مسطرة التعدد إذا كان الزوج متزوجا بزوجة أخرى او أكثر وهذا ما اتجهت إليه بعض المحاكم المغربية.[22]
*   حالة الإذن بزواج القاصرين:
  عرف سن الأهلية شانه شأن الإذن بالتعدد تعديلات ما بين مدونة الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة.مما يطرح نفس الإشكال المطروح على مستوى الإذن بالتعدد. وعلى المحكمة إن ادعى الزوجين قيام العلاقة الزوجية في ظل مدونة الأحوال الشخصية فعلى المحكمة أن تأخذ بعين الاعتبار أن سن أهلية الزواج كان محددا في 15 بالنسبة للفتاة و18 سنة بالنسبة للفتى وألا تجعل الإذن بالتعدد لمن لم يكتمل سن الرشد شرطا لقبول دعاوى ثبوت الزوجية.
ونخلص إلى انه أمام غياب نص قانوني محدد لما هو واجب التطبيق في ظل ادعاء الزوجين أن العلاقة الزوجية قامت في ظل القوانين السابقة الملغاة ،فإنه  وحماية لمراكز قانونية نشأت قبل فرض مسطرة التعدد، أو قبل جعل سن الأهلية في تمام الثامنة عشر ينبغي اعتماد هاته القوانين أثناء النظر في دعوى الزوجية. لكن يجب فتح المجال أمامهم لإثبات ادعائهم بكافة وسائل الإثبات.

المبحث الثاني : إشكاليات مرتبطة بوسائل إثبات الرابطة الزوجية

المطلب الأول : بخصوص سائر وسائل الإثبات

لقد سمح المشرع المغربي بسماع دعوى الزوجية من دون أن يقيد إثباتها بوسيلة مخصوصة، حيث أعطى للمحكمة صلاحية اعتماد سائر وسائل الإثبات في سماع دعوى الزوجية. وجاء في منشور لوزارة العدل[23] أن المطلوب من المحكمة وهي تنظر في دعوى الزوجية أن تعتمد في إثباتها سائر وسائل الإثبات، بما فيها الخبرة وشهادة الشهود والقرائن.
وسنحاول إبراز الإشكاليات المرتبطة بكل وسيلة على حدة.
1-     الإقـــرار :
هو اعتراف شخص بحق عليه للآخر قصد ترتيب حق في ذمته وإعفاء الآخر من إثباته.
ابن عرفة : "الإقرار خير يوجب صدقه حكم على قائله فقط".
والإقرار بالزوجية يكون نافذا متى ادعى رجل وامرأة أنهما زوجان، أو ادعى أحدهما الزوجية وصدقه الآخر، إذ على القاضي في هذه الحالة الأخذ بهذا الإثبات، لكن هل الإقرار يغني عن شهادة الشهود ؟
غير أنه يلاحظ أن هناك تضاربا في مواقف المحاكم بشأن الأخذ بالإقرار كوسيلة من وسائل ثبوت الزوجية. فمثلا محكمة الدار البيضاء تعتمد إقرار الزوجين كحجة كافية لثبوت الزوجية تغني على الشهود في حين تذهب بعض المحاكم إلى أن الإقرار وحده غير كاف لإثبات الزوجية، بل لابد من شهادة الشهود، لأن بها يتحقق الإشهاد المتطلب لصحة عقد الزواج.
هل يدخل ضمن الإقرار كوسيلة إثبات وثيقة التقارر ؟
إذا كان العمل قد جرى في ظل مدونة الأحوال الشخصية على قبول وثيقة التقارر في إثبات العلاقة الزوجية شرط أن يكون الزوجان ليس من أهل البلد وأن لا يتقدم بينهما نزاع وأن يكون التقارر في الصحة.[24]
فإن اعتماد هاته الوثيقة حاليا لوحدها لا يكفي لثبوت الزوجية، بل يمكن تقديمها فقط كوسيلة من وسائل الإثبات التي تخضع لتقدير المحكمة، ذلك أن الزوجية لم تعد تثبت إلا عن طريق المحكمة، وهذا ما أكده منشور صادر عن وزارة العدل بتاريخ 10 أبريل 2004 المتعلق بتطبيق مقتضيات مدونة الأسرة على أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج.
v   هل يجوز للقاصر الإقرار بالنسب؟
           إذا كانت المادة 16 من مدونة الأسرة تنص على أنه يجب على المحكمة أن تأخذ بعين الإعتبار وجود حمل أو أطفال في سماع دعوى الزوجية فإن الإشكال الذي يثار هنا حالة كون الزوجين أو أحدهما قاصرا هو: هل يصح للقاصر الإقرار بالنسب؟
أصبح الإقرار بالنسب في مدونة الأسرة من خصوصية الأب والأم معا، إذ لكل منهما أن يقر بمجهول النسب، فالمادة 160 من مدونة الأسرة تنص على انه :" يثبت النسب بإقرار الأب ببنوة المقر به ولو في مرض الموت، وفق الشروط الآتية:
 أولا: أن يكون الأب المقر عاقلا."
وإذا كان الإقرار بالنسب كوسيلة من وسائل ثبوت النسب،حيث اتفق الفقهاء على مبدأ الأخذ به، في ثبوت النسب، على أن يكون المقر أهلا للتصديق بأن يكون المقر أهلا للتصديق بأن يكون بالغا عاقلا عند الجمهور.ومميزا عند الحنفية، فإن المشرع المغربي وحسب مقتضيات المادة أعلاه اشترط لصحة هذا الإقرار وبالتالي ثبوت نسب المستلحق بالمستلحق أن  يكون المستلحق عاقلا ويقصد بالعقل أن يكون المقر بالنسب كامل الأهلية فلا يكون صبيا ولا مجنونا ولا معتوها.
 والقاصر الذي لم يبلغ سن الرشد القانوني لا يتوافر فيه شرط العقل مما يعني عدم صحة إقراره بالنسب لكن مع ذلك يرى بعض الفقه أنه يمكن للقاصر سلوك مسطرة الإقرار بالنسب وفق نفس شروط أهلية إبرام عقد الزواج .

2-   شهــادة الشهــود :
هي أكبر حجة بعد الإقرار، وتعني تقرير أمر توصل الشاهد إلى معرفته بعينه أو بأذنه.[25]
إذا كانت شهادة الشهود تقتضي إتباع قواعد ومسطرة معينة أشير إليها في الفصول 71 إلى 84 من ق.م.م. فإن الملاحظ أن المجلس الأعلى قد اتجه في قرار حديث إلى إقرار أن اللفيف هو الوسيلة المقبولة شرعا لثبوت الزوجية.
·      شهادة الشهود أمام المحكمة :
هل المقصود بهم الشهود الذين عاينوا واقعة الزواج (الخطبة، الصداق، الدخول...) أم الشهود الذين عاينوا استمرارية الزواج بسند المعاشرة والمخالطة ؟
إذا كان الإشهاد من شروط انعقاد الزواج، مما يلزم كل من يدعي ثبوت الزوجية إثبات شروط انعقادها بشهادة الشهود. فإن الملاحظ أن أحكام المحاكم المغربية تتضارب مواقفها في هذا الشأن ذلك أنه يتعسر على طالب ثبوت الزوجية سيما في حالة ثبوت الزوجية لوفاة أحد الزوجين، والزواج كان منعقدا في السنوات الأولى من القرن الماضي، حيث يصبح من المستحيل على الزواج الذي يريد توثيق زواجه للحفاظ على بعض الحقوق المكتسبة بمقتضى هذا الزواج إثباته بشهود عاينوا واقعة الزواج، ولعل هذا ما يجعل الحاجة إلى اعتماد شهادة السماع ملحة، فتيسيرا لمسطرة ثبوت الزوجية، لا بأس من الاكتفاء بشهادة الشهود الذين عاينوا استمرار علاقة الزوجية بين المدعي والزوج المتوفى، ولو كان هؤلاء الشهود قد ازدادوا بتاريخ لاحق عن تاريخ قيام الزواج، فقط على القضاء ألا يشترط في شهادة السماع أن تكون لفيفا، لأن عدد شهود اللفيف المحدد في اثني عشر شاهدا، يعد اجتهاديا فقط، ولأن المطلوب هو ما يحقق الإثبات في جدية قيام العلاقة الزوجية من عدمه دون أن يتحدد في شكل معين.
·       تناقض بين مقتضيات ق.م.م. وما يتم العمل به في إطار ق.أ :
حجية شهادة الأقارب : ف75 ق.م.م. ينص على أنه لا تقبل شهادتهم في دعاوى ثبوت الزوجية يتم اعتماد شهادة الأقارب.
·       تضارب مواقف القضاء بشأن اعتماد شهادة اللفيف :
إذا كان العمل القضائي في ظل مدونة الأحوال الشخصية قد اضطرد على اعتماد شهادة اللفيف كبديل عن رسم الزواج، الذي يشهد شهوده بسماعهم بالزواج واستمرار العلاقة الزوجية بين طرفيها. فإنه تم التراجع عن اعتماد شهادة اللفيف من طرف المجلس الأعلى في بعض قراراته، حيث أصبح موقف المجلس الأعلى من اللفيف وقوته الإثباتية بطبعه التردد وعدم الاستقرار فقد أكد قرار له على أن الإجراءات التي نظمها المشرع في قانون المسطرة والمتعلقة بشهادة الشهود، ومنها أداء اليمين التي لا تقبل الشهادة إلا بها أصبحت تعم جميع القضايا، بما فيها القضايا التي تطبق عليها قواعد الفقه الإسلامي.[26]
وفي قرار آخر اعتبر "أن اللفيف من حيث الشكل ورقة رسمية، ومن حيث المضمون مجرد شهادة".[27]
كما أنه اعتبر في قرار آخر أن شهادة اللفيف مجرد قرينة فعلية، تخضع في تقدير قيمتها كوسيلة للإثبات لقضاة الموضوع في نطاق سلطتهم التقديرية، لكن سرعان ما تم التراجع عن هذا الموقف، حيث تم إصدار قرارات تعيد للفيف قيمته الإثباتية، فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى : "إن شهادة اللفيف التي يتلقاها العدول نيابة عن القاضي وتسجل عليه، هي بمثابة شهادة العدول في إثبات الحقوق وليس مجرد لائحة شهود".[28]
·       استمرار العمل بشهادة اللفيف في ظل م.أ :
والملاحظ أنه رغم ما كشف عنه الواقع والعمل القضائي من سلبيات بخصوص شهادة اللفيف،[29] فقد استمر العمل والأخذ بشهادة اللفيف حتى في ظل مدونة الأسرة، التي أصبحت تنص صراحة على إمكانية اعتماد سائر وسائل الإثبات في سماع دعوى الزوجية، فقد صدر حديثا قرار للمجلس الأعلى قرر بأن شهادة اللفيف هي الوسيلة المقبولة شرعا لإثبات الزوجية.
لكن إن كان هناك ما يؤاخذ على مثل هذا القرار فليس هو اعتماده لشهادة اللفيف، ذلك أن شهادة اللفيف تكاد تبقى هي الوسيلة الوحيدة للإثبات خاصة لمن يعوزه الدليل للوصول إلى حقه، وبذلك قد يتم تفادي مخاطر اجتماعية خطيرة، فقط على القضاء المغربي إعادة النظر في طريقة إعداد هذا النوع من الشهادة وضبط كل الجوانب المحيطة به، وسد الثغرات التي كشفها التطبيق العملي، وذلك عن طريق إعادة الاستماع إلى الشهود واستفسارهم عن مستند علمهم وذلك بعد أدائهم اليمين القانونية، وهو ما تم اعتماده من طرف المجلس الأعلى، فقد جاء في قرار حديث للمجلس الأعلى "...وأن المشرع أجاز حالة الاستثناء سيما أن للطرفين بنتين وأنه تم الاستماع ابتدائيا إلى بعض شهود اللفيف فأكدوا قيام العلاقة الزوجية...".[30]
3-  اليميـــن : استشهاد الله تعالى على قول الحق مع الشهور لهيبة المحلوف به وجلاله والخوف من عقابه.
إذا كانت القواعد العامة تقضي بأنه يمكن للمدعي أن يطالب بتوجيه اليمين إلى المدعى عليه في الحالة التي يعجز فيها عن تقديم أي إثبات لقيام الزوجية، حتى إذا ما نكل الطرف الآخر عن أداء اليمين، قام ذلك قرينة على صحة ادعائه.
فإنه أمام انعدام الوازع الديني على المحاكم التروي في الأخذ باليمين كوسيلة من وسائل الإثبات.
كما وأنه في حالة رفع دعوى ثبوت الزوجية من طرف قاصر لا يمكن اعتماد هاته الوسيلة، لأن القاصر لا يعتد بيمينه.
4-  القرائــن : دلائل يستخلص منها القانون والقاضي وجود وقائع مجهولة : أدلة غير مباشرة ولا تنصب على الواقعة ذاتها مصدر الحق بل على واقعة أخرى يمكن أن تستخلص منها الواقعة المراد إثباتها.
وإذا كانت القرائن نوعان : قرائن قضائية وقرائن قانونية، فإنه في إطار مدونة الأسرة واستنادا إلى الفقرة الثالثة من المادة 16، تعتبر قرينة وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية من أقوى القرائن الممكن اعتمادها والتي على المحكمة أخذها بعين الاعتبار، خاصة إذا ما تأكد لها انتسابهم إلى المعنيين بثبوت الزوجية.
لكن هل يمكن اعتبار محاضر الشرطة القضائية والأحكام الجنحية قرينة يمكن اعتمادها من طرف المحكمة كوسيلة لثبوت الزوجية من عدمه ؟
القانون الجنائي لا يعرف مسألة بثبوت الزوجية، بل يعتبر العقد الوسيلة الوحيدة لثبوت الزوجية على اعتبار أن كل ما يتعلق بالأسرة والأحوال الشخصية من النظام العام، فإن ادعى شخص أنه متزوج أمام القضاء الجنائي على القاضي الجنائي أن يطلب منهم تسوية وضعيتهم أمام قضاء الأسرة، مع إيقاف البث في القضية إلى حين تسوية وضعيتهم فإذا حدث وتمت تسوية وضعيتهم على القاضي الجنائي أخذه بعين الاعتبار. لكن ماذا لو لم تتم تسوية هاته الوضعية وتمت متابعة الزوجين بجريمة الفساد.
هل قاضي الأسرة وهو يبث في دعوى ثبوت الزوجية المرفوعة لاحقا على صدور الحكم الجنحي، ملزم بأخذه بعين الاعتبار ؟
إذا كانت القاعدة في القانون المدني أن الحكم الجنائي يعقل المدني، فإنه على العكس من ذلك، ففي مجال الأحوال الشخصية فالقضاء يسير في اتجاه القول بعدم سريان هاته القاعدة على ثبوت الزوجية من عدمها. حيث صدر حكم قضائي قرر ثبوت الزوجية رغم إدانة الزوجين بجريمة الفساد.
وإذا كان هذا الحكم قد وضع في اعتباره وجود حمل ناتج عن علاقة الزواج المدعى بتواجدها، فإنه على القضاء المغربي أن يكون حذرا ويضع نصب عينه الحكم الجنائي القاضي لإدانة في الأحوال التي ينعدم فيها وجود أطفال، خاصة حين يتعلق الأمر بشخصين متواجدين في منطقة تعج بالعدول، كمدينة الدار البيضاء والرباط.

المطلب الثاني : بخصوص الخبرة (ماهيتها)

إذا كان المشرع المغربي نص في المادة 16 من مدونة الأسرة على أن الخبرة من الوسائل التي يمكن اعتمادها لثبوت الزوجية، فإنه بالرجوع إلى الدليل العملي لمدونة الأسرة نجده ينص على أنه : "ومن القرائن التي يمكن اعتمادها لوجود العلاقة الزوجية الخبرة المثبتة لعلاقة البنوة إلى المدعى عليه". ففي كلا النصين اعتمد مفهوم الخبرة مجردا دون أن يضيف له صفة معينة، مما يجعلنا نتساءل هل المقصود بالخبرة هنا الخبرة الطبية ؟ أم الخبرة الاجتماعية ؟ أم الخبرة بالمفهوم المحدد في قانون المسطرة المدنية ؟
إن الخبرة بالمفهوم المحدد في قانون المسطرة المدنية إضافة إلى كونها تندرج ضمن سائر وسائل الإثبات فإن اعتمادها في إثبات العلاقة الزوجية يبقى محل نظر، ذلك أن المادة 59 ق.م.م (فق 2) تنص على أنه : "يحدد القاضي النقط التي تجري الخبرة فيها على أساس أن تكون تقنية لا علاقة لها بالقانون".
فالخبرة هنا لها مفهوم فني، والزواج لا يعد مسألة فنية تتطلب تدخل الخبرة لاستجلائها، وإنما عقد ذو طبيعة قانونية، اللهم في حالة ما إذا تعلق الأمر بإثبات الرابطة البيولوجية بين المدعى عليه والأطفال الذين تدعي المدعية أنها ولدتهم على فراشه، فحينئذ نكون أمام قرينة قد تساعد على إثبات تلك العلاقة الزوجية بكيفية غير مباشرة.[31]
كما أن الخبرة الاجتماعية أو البحث الاجتماعي لا يتم اعتماده من طرف المحكمة، التي تقتصر على إجراء جلسة بحث تستمع فيها إلى الزوجين وإلى الشهود لتحيل بعد انتهاء البحث الملف على النيابة العامة للإدلاء بمستنتجاتها الكتابية على ضوء البحث.
والمسلم به لدى المحاكم المغربية أن المقصود بالخبرة هنا هي الخبرة الطبية (الجينية) والتي تفيد بشكل قاطع وجود علاقة بيولوجية بين الأصل والفرع من عدمها.
وإذا كان مسلما أن ثبوت نسب الطفل لأبيه عن طريق تحليل البصمات الوراثية، يؤكد بصفة يقينية معاشرة هذا الأخير لأم الطفل واتصاله بها، فإن ما يثير التساؤل هو هل هذا الاتصال أو المعاشرة لم يأت عن طريق السفاح خاصة إذا ما زعم الأب أنه مجرد زنى؟ فما هو الحكم الشرعي أو القانوني الواجب التطبيق على هذه الوقائع ؟
أغفل المشرع المغربي في المادة 16م.أ التطرق لهذا الإشكال لتدارك هذا الفراغ التشريعي يرى الأستاذ الخمليشي أنه في حالة ادعاء ميلاد طفل من علاقة زواج وإنكار المدعي عليه لهذه العلاقة يتعين اعتبار العلاقة الزوجية دائمة للمبررات التالية[32] :
1-  إذا أنكر المدعى عليه الاتصال بالمدعية، وأفادت الخبرة الطبية كونه الأب البيولوجي للطفل فإن هذه النتيجة تكون مكذبة لادعائه. ومعلوم في مبادئ القضاء أن ثبوت كذب المدعي عليه في جوابه يستلزم تصديق المدعي في دعواه، ولا يقبل من المدعى عليه جوابا ثان مخالف لجوابه الأول الثابت كذبه، فيترتب عن هذا الحكم بصحة ادعاء الأم وعدم قبول أي ادعاء آخر من الأب كالفساد أو الإكراه مثلا.
2-  وفي حالة اعتراف المدعى عليه بالاتصال مع الادعاء أنه مجرد فساد، فإن القواعد العامة تفرض كذلك تصديق الأم، لأن ادعائها العلاقة الزوجية هو الأصل والغالب، إذ لا ينكر أحد أن الزواج هو الظاهرة المألوفة والغالبة في المجتمع المغربي لمعاشرة الرجل والمرأة، ولاسيما ازدياد الأولاد من هذه المعاشرة بعكس ادعاء الأب الزنى.
وينضاف إلى ذلك حسب القواعد العامة في مبادئ التقاضي أن من يدعي خلاف الأصل والغالب هو الذي يكلف بالإثبات. فإذا عجز الأب عن إثبات الزنى الذي يدعيه تعين تصديق الأم والحكم بثبوت العلاقة الزوجية.
3-  من المؤكد في الواقع المعيشي أن الأغلبية الكبرى من دعاوى إثبات الزوجية التي ترفع إلى المحاكم تتعلق بحالات أبرم فيها الزواج فعلا، ولكن عدم توثيقه سهل على الزوج إنكاره والتملص من تبعاته.
ونشير أخيرا إلى أن الخبرة الطبية رغم أهميتها، فإنه تعترضها معوقات وإكراهات، فتحليل الحامض النووي والبصمة الوراثية يعتبر مكلفا بالنسبة لعامة المغاربة الذين لا يستطيعون تحمل نفقاتها، كما أن اعتمادها يؤدي إلى تطويل المسطرة.











 
خاتمة:

وختام القول أن تحديد السبب القاهر الذي حال دون توثيق عقد الزواج يبقى من الأمور التي تدخل ضمن السلطة التقديرية للقاضي الذي عليه أن يراعي مصلحة الأسرة والأبناء من جهة، ويدافع عن القانون وما فرضه من شكليات من جهة أخرى، وذلك بسد الباب في وجه كل من سولت له نفسه اللجوء إلى دعوى ثبوت الزوجية كبديل للتحايل على القانون هذا من جهة.ومن جهة ثانية فإنه أمام غياب نص قانوني محدد لما هو واجب التطبيق في ظل ادعاء الزوجين أن العلاقة الزوجية قامت في ظل القوانين السابقة الملغاة ،فإنه  وحماية لمراكز قانونية نشأت قبل فرض مسطرة التعدد، أو قبل جعل سن الأهلية في تمام الثامنة عشر ينبغي اعتماد هاته القوانين أثناء النظر في دعوى الزوجية. لكن يجب فتح المجال أمامهم لإثبات ادعائهم بكافة وسائل الإثبات.


[1] القرافي : "الأحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام وتصرفات القاضي والأحكام"، مطبعة الأنوار 1375هـ، ص : 37.
[2] عبد المنعم فرج الصدة : "الإثبات في المواد المدنية"، مطبعة مصطفى الحلبي، الطبعة الثانية 1954، ص:5.
[3] آيت الحاج مرزوق : "الإثبات بالكتابة في مدونة الأسرة"، مقال منشور بـ"مدونة الأسرة بين النص والممارسة"، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، العدد 25، المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات، مراكش، الطبعة الأولى 2006، ص : 76.
[4] قرار المجلس الأعلى عدد 835 صادر بتاريخ 16/06/1990، منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى في مادة الأحوال الشخصية، الجزء الثاني 1983-1992، الرباط 1993، ص : 9.
[5] حكم رقم 88-05 صادر عن المحكمة الابتدائية بأصيلة، بتاريخ 05/10/2005، ملف رقم 104-05 (غير منشور).
[6] ونسوق كمثال على تضارب محاكم الموضوع ما قضت به محكمة الاستئناف بمراكش، حيث قررت أن عدم التوفر على الرخصة في الزواج لا يبرر الأخذ بحالة الاستثناء وبالتالي عدم قيام الزوجية.
- قرار بتاريخ 30 أبريل 1985 أورده الأستاذ محمد الكشبور : "الوسيط في قانون الأحوال الشخصية"، مرجع سابق، ص : 272.
[7] حكم عدد 87/434، بتاريخ 18/04/1987 في الملف الجنحي عدد 292/87، منشور بمجلة الندوة، عدد 4، ص :  55.
[8] حكم رقم 970 صادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة بتاريخ 19/05/2005، ملف رقم 168-05 (غير منشور).
[9] حكم رقم 704، صادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة، بتاريخ 14/04/2005، ملف رقم 940/65 (غير منشور).
[10] حكم رقم 697 بتاريخ 14/04/2005، ملف رقم 450/05 (غير منشور).
- حكم رقم 1130 بتاريخ 09/06/2005 ملف رقم 452/05 (غير منشور).
[11] حكم عدد 841 صادر بتاريخ 24 مارس 2005، في الملف عدد 421/8/2005 (غير منشور).
[12] حكم قضاء الأسرة بوجدة، عدد 992، في الملف رقم 2293/05، صادر بتاريخ 07/03/2006 (غير منشور).
[13] قرار رقم 555/06، في الملف رقم 466/5 بتاريخ 27/03/2006 (غير منشور).
[14] قرار المجلس الأعلى عدد 29، بتاريخ 28 يناير 1975، قضية عدد 45546 أورده أحمد الخمليشي : "التعليق على قانون الأحوال الشخصية"، الجزء الأول، ص : 179.
- قرار المجلس الأعلى عدد 193 بتاريخ 08/07/1975، أورده عبد المجيد غميجة : "موقف المجلس الأعلى من ثنائية القانون والفقه في وسائل الأحوال الشخصية"، ص : 62.
[15] قرار المجلس الأعلى عدد 834 بتاريخ 18/06/1991، منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية (1962-1995) منشورات المجلس الأعلى، ص : 143.
[16] حكم رقم 1269، صادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة، بتاريخ 23-06-2005، ملف رقم 88-05 (غير منشور).
[17] حكم عدد 903/05، بتاريخ 21/12/2005، ملف رقم 839/05 (غير منشور).
[18] حكم رقم 872، بتاريخ 07/12/2005، ملف رقم 833-05 (غير منشور).
[19] عبد الصادق مهلاوي : "الإثبات الاستثنائي لعقد الزواج"، مقال : "مدونة الأسرة بين النص والممارسة"، أعمال الندوة الوطنية بكلية الحقوق بمراكش يناير 2006، المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات مراكش، الطبعة الأولى 2006، ص : 102.
[20] عبد الصادق مهلاوي : مرجع سابق، ص : 103.
[21] عبد الصادق المهلاوي : مرجع سابق، ص : 101 و102.
[22] عبد الصادق المهلاوي : مرجع سابق، ص :103.
[23] منشور صادر بتاريخ 2 فبراير 2005 حول موضوع "سماع دعوى الزوجية"، منشورات وزارة العدل "قضاء الأسرة" مجلة متخصصة، جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، دار القلم، الرباط 2005، ص : 196.
[24] أحمد باكو : "الإشهاد على الزواج على مقتضى الفصل الخامس من مدونة الأحوال الشخصية"، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 59، ص : 55.
[25] ادريس العلوي العبدلاوي : "وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي"، مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 1990، ص : 96.
[26] قرار عدد 144 بتاريخ 11 فبراير 1970 منشور بمجلة القضاء والقانون، عدد 96، ص : 336.
[27] قرار المجلس الأعلى عدد 809، بتاريخ 25 دجنبر 1985، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 31، ص : 45.
[28] قرار المجلس الأعلى عدد 354، صادر بتاريخ 21 مارس 1987،ن منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 40، ص : 149.
[29] أنظر عبد اللطيف التغزوتي : "عقد الزواج بين شكلية الكتابة وإشكالية الإثبات"، رسالة نيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، السنة الجامعية 2005-2006، ص : 147 وما بعدها.
[30] قرار عدد 413، مؤرخ في 14/09/2005، في الملف الشرعي 663/2/1/2004 (غير منشور).
[31] محمد الكشبور : "شرح مدونة الأسرة"، الجزء الأول، الزواج، ص : 289 و290.
[32] أحمد الخمليشي : "وجهة نظر"، الجزء الثاني، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ص : 87 و88.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. لدي مشكل وهوا انني تزوجت رجل بدون عقد وعندما هل لي ان اتزوج مرة أخرى بدون اي مشكل

    ردحذف
  2. Casino in Las Vegas: Guide & Info on the Best Casinos in
    Find a 바카라 사이트 Casino in https://deccasino.com/review/merit-casino/ Las Vegas and play games like blackjack, septcasino roulette, craps and more! We've got the 바카라 사이트 complete gaming experience, exclusive restaurants, jancasino

    ردحذف

إرسال تعليق

تقسيم الموضوع