القائمة الرئيسية

الصفحات

ملخص القانون الدولي العام السداسي الثاني PDF S2

ماهية القانون الدولي العام

يسعى القانون الدولي منذ نشأته إلى وقاية المجتمعات من النزاعات والحروب المدمرة. وقد ازدادت أهميته في المرحلة الحالية بعد أن تحقق حد أدنى من السلام في العالم، وابتعد شبح الحرب العالمية، وازداد التواصل بين الدول، وارتبطت المصالح ببعضها البعض، وظهرت علاقات متنوعة سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية وثقافية.
وهذا ما جعل هدف القانون الدولي العام يسعى إلى تقوية الروابط والتعاون بين الشعوب وتحقيق التنمية الشاملة على جميع المستويات.
وقد عرف القانون الدولي تطورا كبيرا من حيث مداه، أشخاصه، موضوعاته، ومصادره. وهو الأمر الذي كان سبب عدم استقرار قواعد محددة وثابتة في نطاق القانون الدولي على غرار القانون الداخلي. كما أن مفهوم السيادة قد حال دون بلورة مفهوم الحكومة العالمية، أو على الأقل توسيع صلاحيات الأجهزة الدولية في مواجهة الدول ذات السيادة.
كما يعكس القانون الدولي واقع القيم الحاكمة والسائدة بين أطراف العلاقات الدولية في مختلف العصور والأزمنة. فمنذ القديم استقر في نفوس البشر بأن السلام يجلب الخير والسعادة للإنسان في كافة نواحي حياته، وأن الحرب تعود بالشر والكوارث والأمراض.
فالإنسان الذي لا يستطيع أن يعيش في عزلة، بدأ بتكوين الأسرة ثم القبيلة ثم الأمة والدولة. وقد شعر بأن مستقبله يتطلب وضع حد للخلافات التي تؤدي إلى النزاع بين الدول، وكذلك إلى المزيد من التعاون في مختلف مجالات الحياة.
  • ماهية القانون الدولي العام
  • الطبيعة والصفة القانونية لقواعد القانون الدولي العام
  • العلاقة بين القانون الدولي العام والقانون الوطني
  • أشخاص القانون الدولي العام
  • قواعد القانون الدولي العام
  • فروع القانون الدولي العام
  • المصادر الأصلية للقانون الدولي ” المعاهدات الدولية “
  • أنواع و خصائص المعاهدات
  • إجراءات صياغة المعاهدات الدولية
  • تطبيق المعاهدة الدولية
  • طرق تفسير المعاهدات و الجهات المكلفة بذلك
  • العرف الدولي كمصدر للقانون الدولي العام
  • المصادر الرسمية للقانون الدولي : المبادئ العامة للقانون
  • المصادر الغير رسمية للقانون الدولي العام
  • دور الفقه في القانون الدولي و العلاقات الدولية
  • مبادئ العدل و الإنصاف و الضوابط التي تحكم تطبيقها

تعريف القانون الدولي العام

حاول الكثير من الفقهاء تعريف القانون الدولي معتمدين على موضوعه، أو أشخاصه، أو أساس الإلزام فيه. وقد تعددت هذه التعاريف واختلفت. ويرجع هذا الاختلاف بالدرجة الأولى إلى التطور الذي عرفه هذا الفرع من القانون سواء من حيث الأشخاص أو الموضوعات التي يحكمها.
ويمكن وضع تعريف بسيط يتفادى عناصر الخلاف ويستوعب التطور المحتمل لهذا القانون سواء من حيث الأشخاص أو الموضوعات وهو أن القانون الدولي هو: “مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العلاقات المتبادلة بين الأشخاص الدولية ،

عناصر القانون الدولي العام

ومن خلال هذا التعريف يمكن تحديد العناصر التي يتألف منها القانون الدولي العام والتي تعتبر محل إجماع فقهاء القانون الدولي وهي:

أولا : يتضمن القانون الدولي مجموعة قواعد قانونية ملزمة

قواعد القانون الدولي تتميز عن القواعد الأخلاقية والمجاملات الدولية. فالأخلاق الدولية هي عبارة عن مبادئ يقرها الضمير العالمي مما يقيد تصرفات الدول دون أن تكون ملزمة من الناحية القانونية. وبالتالي فلا يترتب على مخالفتها أي مسؤولية قانونية. مثال ذلك مساعدة الدول التي تحل بها الكوارث الطبيعية والأزمات.
وقد تحولت بعض القواعد الأخلاقية إلى قواعد قانونية دولية من خلال تضمينها في اتفاقيات دولية مثل الرأفة في الحرب والمجاملات الدولية هي مجموعة من المبادئ التي يفرضها التعامل الودي بين الدول وهي ليست ملزمة قانونا ولا يترتب على مخالفتها مسؤولية دولية مثل مراسيم استقبال رؤساء الدول والتحية البحرية.
كذلك يمكن أن تتحول هذه المبادئ إلى قواعد قانونية عن طريق العرف أو الاتفاقيات كما حصل في مجال الحصانات الدبلوماسية.

ثانيا : إرتباط وثيق بين القانون الدولي ومتلف المتفاعلين في المجتمع الدولي

 يهتم القانون الدولي بعلاقات المجتمع الدولي وأشخاصه وينظمها حيث كانت الدول وحدها تشكل موضوع القانون الدولي، أما الآن فهناك المنظمات الدولية. وكذلك الأفراد أصبحوا خاضعين مباشرة لقواعد القانون الدولي (حقوق الإنسان، تقرير المصير).

ثالثا : يحكم العلاقات بين الأشخاص الدولية

يحكم القانون الدولي العلاقات المتبادلة بين الأشخاص الدولية، وهذا ما يميزه عن القانون الدولي الخاص. فالقانون الدولي العام هو فرع من فروع القانون العام وتضع قواعده الإرادة الدولية. موضوعه العلاقات الدولية وأشخاصه الدول والمنظمات الدولية والأفراد. كما أنه يفصل القاضي الدولي في الدعاوى من خلال الرجوع إلى مصادر القانون الدولي العام ( معاهدات – أعراف..).
أما القانون الدولي الخاص فهو أحد فروع القانون الخاص ويضع أحكامه إرادة المشرع الوطني, يتمثل موضوعه في العلاقة بين الأفراد والشركات من جنسيات مختلفة, كما أنه يفصل القاضي في قضاياه بالاستناد إلى قواعد الإحالة التي تحدد القانون الواجب.

الطبيعة و الصفة القانونية لقواعد القانون الدولي العام

كانت قواعد القانون الدولي محل تكييف متباين من قبل الفقهاء فهناك من يرى أنها تفتقر إلى صفة القانونية وأن أساس الإلزام فيها مرده إرادة الدول. بينما يرى البعض الأخر أن قواعد القانون الدولي ملزمة وأساس الإلزام فيها موضوعي لا ينبع من إرادة الدول فقط وإنما من حاجة المجتمع الدولي إليها, وعليه سوف نستعرض فيما يلي أهم الاتجاهات التي تعرضت إلى هذا الموضوع.

أ – الإتجاه الأول :

يرى أنصاره أن القاعدة القانونية الدولية تفتقر إلى صفة القانون وذلك لأن القاعدة القانونية لا تنشأ إلا في مجتمع منظم وهذا يتطلب وجود هيئة أو سلطة تضع القانون بإرادتها وتفرض احترامه على الكافة بوسائل الجبر أو القهر، وهو الشيء الذي لا يتوفر في القاعدة الدولية.
إن أهم خصائص القاعدة القانونية هو الإلزام، ومفهوم الإلزام يقتضي وجود سلطة تشرف على إيقاع جزاء منظم وهذا غير متوفر, فهي تفتقر إلى التطبيق الفعلي أو السريان الإجباري .حيث أكد أنصار هذا الاتجاه على أن القانون الدولي هو قانون لا يطبق قواعده, وأنه لا سلطة لصاحب الحق على تنفيذ توصياته. والهيئات الدولية الحالية لا يمكن أن ترقى إلى مستوى السلطة العليا التي تسود المجتمع الدولي إذ لا زال مفهوم السيادة يحول دون ذلك. وبالتالي فيمكن وصف القاعدة الدولية بالقاعدة الأخلاقية أو على الأكثر القواعد التي لا زالت في طور التكوين ولم تكتمل مقوماتها. وقد برر أنصار هذا الاتجاه رأيهم بما يلي:

أولا : إنعدام السلطة التشريعية

إن الطريق الطبيعي لوجود أية قاعدة قانونية في المجتمعات الداخلية وفق ما هو معلوم هو المشرع ، و هذا ما تفتقده مبدئيا قواعد القانون الدولي العام. لذلك يشبه عدد من الفقهاء (كانط، هوبز، اسبينوزا، بينتام) حالة المجتمع الدولي بحالة الطبيعة، إذ يرون أن العلاقات بين الدول لا تقوم في غياب مشرع دولي إلا على القوة، و حتى على فرضية وجود معاهدات بينها فهي لا تشكل قواعد ثابتة، إذ يمكن للقوة أن تؤدي إلى إنهائها ما دامت قواعد هذه المعاهدات من وضع الدول إلا من وضع مشرع دولي أعلى منها،
ولذلك يعتبر “أوستن” أن ما يطلق عليه القانون الدولي ليس قانونا بمعنی الكلمة، و إنما هو عبارة عن مجرد أخلاق دولية أو أفكار و مشاعر سارية بين الأمم.

ثانيا : إنعدام الجزاء الإجتماعي المنظم

يقترن تعريف القاعدة القانونية في المجتمعات الداخلية بالجزاء باعتباره الضمانة القوية لحماية هذه القاعدة من الخرق و الانتهاك، و نظرا للطبيعة الخاصة للمجتمع الدولي على اعتباره مجتمعا لا مركزيا من حيث غياب سلطة عليا فيه تتولى توقيع الجزاء على مخالفة القاعدة القانونية الدولية، فإن هذه القاعدة بالأساس تعد غير موجودة، و ما دامت كل قواعد القانون الدولي من هذا القبيل فلا محل للقول بوجود هذا القانون أصلا.

ثالثا : إنعدام السلطة القضائية

لا يعرف المجتمع الدولي نظام السلطات، و يفتقر إلى السلطة القضائية التي يفترض أن تطبق قواعد القانون الدولي على جميع الدول، و لهذا أنكر الفقهاء – المتقدم ذكرهم – الصفة القانونية لقواعد هذا الأخير، فحتى و إن تم افتراض وجود سلطة قضائية دولية ممثلة في محكمة العدل الدولية فإن التقاضي أمامها اختياري يخضع الإرادة الدول، فضلا عن افتقاد أحكامها لضمانات التنفيذ على نحو ما يجري به العمل أمام المحاكم الداخلية.

ب – الإتجاه الثاني:

يؤكد أنصار هذا الاتجاه أن قواعد القانون الدولي قواعد قانونية بالمعنى الكامل وإن الإدعاء بأنها ليست كذلك ليس صحيحا فالقاعدة القانونية في معناها العام هي تنظيم سلوك المخاطبين بأحكامها. وإدراكهم أهمية هذا التنظيم هو الشيء الذي يضفي عليها احتراما بسبب شعور المخاطبين بالقوة الملزمة لهذه القاعدة، ويترتب على هذا المفهوم عدم اشتراط شكلية معينة في القاعدة القانونية.
كما يترتب على ذلك أن جوهر القانون كفكرة مجردة هو جوهر مطلق أي يتصف بخصائص ثابتة، وهذا لا يعني عدم تأثر القاعدة بظروف الزمان والمكان، وإنما عندما تتولد فكرة النظام في مجال معين تأخذ نفس الجوهر ولا يهم مضمون النظام و شكله..
وعليه فإنه يعتقد الاتجاه المؤيد للصفة القانونية أنه لقواعد القانون الدولي العام لا وجود لتلازم بين القاعدة القانونية الدولية والشروط الثلاثة السابقة، و تفصيل ذلك على النحو التالي:

أولا : وجود القانون الدولي مستقل عن وجود سلطة مشرعة له

ينتقد هذا الاتجاه, الاتجاه الأول كونه خلط بين القانون و التشريع، فقد تنشأ القاعدة القانونية في المجتمعات الداخلية على سبيل المثال عرفا، و النموذج هو القانون الإنجليزي، و عليه فعملية التدوين أو الصياغة الرسمية أو التشريع عموما ليست إلا إجراء لاحقا على وجود القاعدة القانونية و إقرارا لها بالصلاحية و الاستمرار.
ومن جهة أخرى فإن القاعدة القانونية ليست دائما وليدة إرادة المشرع، فهناك قواعد كثيرة نشأت عن طريق العرف سواء على مستوى القانون الداخلي أو الدولي وربما كان هذا الحصر نتيجة الخلط بين القانون والتشريع، فالتشريع قواعد مكتوبة صادرة عن سلطة مختصة (التشريعية) وهو مصدر من مصادر القاعدة القانونية ولكنه ليس الوحيد فهناك العرف الذي يعتبر مصدرا غير مكتوب ولا يصدره المشرع ولم ينال ذلك من إلزاميته.
و لأن قواعد القانون الدولي هي عرفية بالأساس فهو قانون بمعنى الكلمة، و إن أنكرنا ذلك فيجب معه أن ننكر على القانون الإنجليزي صفته القانونية و على كل القوانين الداخلية ذات المصدر العرفي، و هذا غير ممكن.

ثانيا : وجود القانون الدولي غير مرتبط بوجود الجزاء

يؤكد هذا الاتجاه أن الجزاء لا يدخل في تكوين القاعدة القانونية بل هو ضمانة لفاعليتها، و عليه فلا ينفي انعدام الجزاء أو ضعفه وجود تلك القاعدة، لأن دوره مقتصر على حمايتها، و من ثمة فإن انعدامه أو ضعفه ليس عيب القاعدة القانونية ذاتها و إنما هو عيب النظام الاجتماعي الذي تطبق فيه، وهذا ليس عيب القانون الدولي وحده بل عيب معظم القوانين الداخلية، فكم من قواعد وضعت و لم تطبق لاعتبارات سياسية و اجتماعية وغيرها .
فالجزاء هو في حقيقته رد فعل اجتماعي يصدر نتيجة مخالفة أحكام القاعدة وليس له شكلا معينة فقد يكون جنائية أو مدنية أو حتى معنوية كما هو الحال في بعض العقوبات التأديبية (التوبيخ في القانون الإداري) ثم أن القاعدة القانونية عندما تتكون قد لا تتضمن الجزاء على مخالفتها كما هو الحال بالنسبة للقاعدة العرفية ولا يعني ذلك أنها غير ملزمة، أما السلطة القضائية فهي أمر لاحق على القانون، فلا توجد سلطة قضائية إلا إذا وجد القانون الواجب التطبيق على المنازعة.
و مهما يكن من أمر فالقانون الدولي رغم ذلك و في كل الأحوال يعرف صورا متعددة و متنوعة من الجزاءات السياسية و الاقتصادية و العسكرية ( المواد من 39 إلى 42 من ميثاق الأمم المتحدة ).

ثالثا : القانون الدولي مستقل عن القضاء ومصادف له

يؤكد هذا الاتجاه أن القانون سابق للقضاء في المجتمعات الداخلية، و القضاء المؤسسي هو محصلة تطور طويل، فتسوية المنازعات الداخلية كانت تتم على يد محكمين أو قضاة شعبيين قبل نشوء القضاء الدائم، و بما أن القانون الداخلي وجد قبل وجود القضاء و من دونه و لم ينكر عليه أحد صفته القانونية، فالقانون الدولي بناء على ذلك يمكن أن يوجد دون وجود القضاء الدولي ، و يبقی مع ذلك قانونا لأن مهمة القاضي عموما هي تطبيق القانون لا خلقه.
ومهما يكن من أمر فالقانون الدولي رغم ذلك لا يخلو كلية من اقترانه بالقضاء، فهناك هيئات التحكيم الدولي و محكمة التحكيم الدائمة المنشأة بمقتضى اتفاقيات لاهاي 1889، و المحكمة الدائمة العدل الدولي 1920 ومحكمة العدل الدولية 1945، فضلا عن المحاكم الإقليمية مثل محكمة العدل الأوربية، المحاكم الإقليمية الحقوق الإنسان: الأوربية – الأمريكية – الإفريقية، المحاكم الدولية الجنائية: نورمبرغ – طوكيو – يوغسلافيا۔ رواندا – المحكمة الدولية الجنائية الدائمة، و إن كانت السمة التقليدية للقضاء الدولي هي ارتضاء الدول فإن هذا الأخير بدأ يتجه تدريجيا إلى الإجبار في ممارسة اختصاصاته، ذلك شأن محكمة العدل الأوربية ، و المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، و المحاكم الدولية الجنائية المؤقتة.

حقيقة القانون الدولي العام

مما تقدم يمكن الوقوف على حقيقة القانون الدولي في ضوء واقع هذا الأخير الذي يؤكد أن قانونية قواعده أمر لا يرقى إليه أدنى شك، و يفترض أن تكون موضع احترام المجموعة الدولية ككل، و شاهدنا في ذلك:
– عدم منازعة الدول في إلزامية القانون الدولي بل خضوعها له من خلال دساتيرها التي تعلي من شأنه و تجعل له الأسبقية على قوانينها الداخلية، بما نشأ عنه مبدأ قانوني هو سمو القانون الدولي على القوانين الداخلية
– عدم مجاهرة دولة ما صراحة بانتهاكها للقانون الدولي أو عدم تقيدها به، بل محاولتها دائما إضفاء المشروعية على سلوكها و إقناع المجتمع الدولي بأنه يتفق مع هذا القانون.
– تأكيد المنظمات الدولية على وجوب احترام القانون الدولي (عصبة الأمم 1919 في مقدمة ميثاقها الأمم المتحدة في ديباجة ميثاقها و مواده 01 و 02 و غيرها…).
و عليه نصل إلى أن القانون الدولي هو قانون وضعي بمعنى الكلمة غاية ما في الأمر أنه قانون تنسيق وتوفيق على خلاف القانون الداخلي الذي هو قانون تبعية و خضوع أو هو (أي القانون الدولي) كما عبر عنه لوتر باخت” و “ستروب” نظام قانوني تعاقدي غير سلطوي.

العلاقة بين القانون الدولي و القانون الوطني

أثارت علاقة القانون الدولي بالقانون الوطني جدلا بين فقهاء القانون تمثل في الخلاف حول الأولوية بين القانونين، و مشكلة التنازع التي قد يتعرض لها القاضي الوطني. فهل توجد علاقة بين القانون الدولي والقانون الوطني؟ وهل هي علاقة مساواة أم استقلال أم علاقة اندماج ووحدة ؟ وما هي الآثار التي تترتب على هذه العلاقة؟
ويسود الفقه الدولي نظريتان حول العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي، ولكل نظرية حجج ومبررات ونتائج.

أولا : نظرية إزدواج القانون

يرى أنصار هذه النظرية أن القانونين منفصلين ويختلفان عن بعضهما سواء من حيث الجوهر أو الأساس أو الأشخاص أو المصدر. أما من حيث المصدر، فإن مصادر القانون الوطني هي عبارة عن مجموعة من القواعد تضعها السلطة الوطنية المختصة (التشريعية) أو أعراف نشأت داخل المجتمع، بينما مصادر القانون الدولي هي اتفاقيات أو معاهدات عقدتها الدول فيما بينها أو أعراف تكونت نتيجة التعامل الدولي.
كما يختلف القانونين من حيث السلطة القائمة على تطبيق القانون فلا توجد سلطة مركزية عليا في المجال الدولي كما هو الحال في المجال الداخلي، ويترتب على ذلك أن القانون الوطني قانون قسري تقترن فيه القاعدة القانونية بجزاء منظم، بينما يفتقر القانون الدولي إلى هذه الخاصية.
هذا بالإضافة إلى الأشخاص، فأشخاص القانون الدولي هم الدول والمنظمات الدولية ، أما أشخاص القانون الداخلي فهم الأفراد.
و قد تعرضت هذه النظرية إلى عدة انتقادات أهمها أنها تتجاهل حقيقة القاعدة القانونية وتخلط بين القاعدة ووسائل التعبير عنها. إن اختلاف مصدر القاعدة القانونية لا يمكن أن يكون سببا لاختلافها، كما لا ينبغي الخلط بين أصل القاعدة ووسائل التعبير عنها. فمصدر القاعدة في القانونين هو الدولة.
كما أن اختلاف المخاطبين بأحكام القاعدة القانونية لا يعني تغيير صفة القاعدة في القانون الداخلي هناك قواعد موجهة للأفراد وبعضها موجه للدولة. كما أن اعتبار القاعدة القانونية معدومة بالنسبة لأحد النظامين وموجودة في نفس الوقت بالنسبة للأخر أمر غير منطقي ولا يؤكد الاستقلال وإنما يؤكد تدخل أحد القانونين في الأخر بإلغاء أحكامه المعارضة له.

ثانيا : نظرية وحدة القانون

يرى أنصار هذه النظرية أنه لا فرق بين القانونين وأنهما يمثلان ظاهرتين في قانون واحد ذلك أن النظام القانوني بجميع فروعه الداخلية والخارجية يشكل وحدة لا تتجزأ تقوم على علاقة التبعية والتدرج بين الفروع. والقاعدة القانونية عمل معياري، ينجم عن حكمة العقل البشري، وعن مبادئ العدالة والإنصاف الثابتة في كل زمان ومكان وتهدف إلى تنظيم سلوك المخاطبين بأحكامها،
وعليه فالقاعدة القانونية واحدة في جوهرها إن اختلف مجال تطبيقها. ولا ينبغي الخلط بين الشكل والمضمون عند الكلام عن ازدواجية المصادر والأشخاص.
و مهما يكن من أمر فإن أنصار مذهب وحدة القانون مع زعمهم بوحدة القانونين الدولي و الداخلي إلا أنهم انقسموا فيما بينهم بشأن أسبقية أو أولوية أحدهما على الآخر وفق ما يلي:

أ : وحدة القوانين مع سيادة القانون الدولي

 يتزعم هذا الرأي الفقهاء: “كليفر” و “ديجي” و “جورج سل” و كلسن” و آخرون، و هم يرون أن قواعد القانونين الدولي و الداخلي تؤلف كتلة واحدة و كلا لا يتجزأ، بل هما فرعان لنظام قانوني واحد و ليس هناك اختلاف بينهما لا في المصادر ولا في الموضوع و لا حتى في الطبيعة على النحو الذي تم توضيحه.
و تأسيسا على ذلك فالقانون الدولي ليس إلا جزء من قانون الدولة (قانون عام خارجي) يختص بتنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى مع اعتباره في الوقت نفسه الجزء الأسمى أو الأعلى من قانونها، و هكذا فالتعارض المحتمل بين القواعد الداخلية و الدولية يتم رفعه بتطبيق قاعدة سمو القانون الدولي على القانون الداخلي من منطلق أن القاعدة الدولية تنسخ تلقائيا القاعدة الداخلية.

ب : وحدة القانونين مع سيادة القانون الوطني

لا ينكر هذا الرأي بدوره وحدة القانونين و اعتبارهما فرعين لنظام قانوني واحد، غير أن أنصاره و منهم كوفمان” يذهبون إلى أن القانون الدولي مشتق من القانون الداخلي، لكن في حالة التعارض المحتمل بينهما يرجح القانون الداخلي لأنه الأصل حيث أن الدول في التزاماتها الدولية محكومة بقانونها الداخلي، لا سيما الدستور الذي يحدد كيفية و نطاق هذه الالتزامات حتى تكسب قوتها القانونية داخل الدولة و تنقذ كما تنقذ قواعد القانون الداخلي.
و لكن هذا الطرح يبدو ضعيفا لتقييده التزامات الدولة بدستورها، لأن الدستور قد يعدل أو يلغي و لكن التزامات الدولة المقررة طبقا له تستمر باستمرار الشخصية المعنوية لهذه الأخيرة.

خلاصة :

الحقيقة أن القانون الدولي و القانون الداخلي لا يؤلفان كتلة واحدة لأنهما نظامان قانونيان مختلفان ، إلا أن القانون الدولي أسمي من القانون الداخلي، و لعل التداخل الكبير بينهما يعكس هذه الحقيقة حيث يتجلى فيما يلي:
1- خضوع الدولة القواعد القانون الدولي يقتضي منها التوفيق بين قواعد هذا القانون و قانونها الداخلي عن طريق إصدار تشريعات تكفل تنفيذ التزاماتها الدولية ، أو تكييف تلك التشريعات مع هذه الالتزامات تعديلا أو إلغاء.
2- تحمل الدولة للمسؤولية الدولية عن كل إخلال أو خرق لقواعد القانون الدولي.
3- تضمن القوانين الداخلية لكثير من القواعد الدولية كقوانين إنجلترا و ألمانيا و إيطاليا و الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في مجال امتیازات و حصانات المبعوثين الدبلوماسيين و الأحكام التي تضمن تطبيق قواعد الحياد أثناء الحرب و المقتضيات التي ينبغي مراعاتها أثناء سريان القتال القانون الدولي الإنساني، و معظم القواعد المتعلقة بحقوق الإنسان.
4- لا يؤكد الواقع الأولي سيادة إحدى النظريتين السابقتين بشكل قاطع، و لكنه يكرس أولوية القانون الدولي وسموه، حيث يثبت العمل الدبلوماسي و الاجتهاد الدولي، و حتى الداخلي أن القانون الأولي و رغم الانتهاكات المتكررة بحقه من قبل الأول لا يمكن أن يكون موجودا ما لم يؤخذ بمبدأ سموه على القوانين الداخلية.
و مما يدل على ذلك مثلا ما ذهبت إليه المحكمة الدائمة للعدل الدولي في آرائها الاستشارية بشأن قضية “المصالح الألمانية في سيليزيا العليا” عام 1926، و “قضية الجماعات اليونانية البلغارية” عام 1930، وكذا قضية معاملة المواطنين البولنديين في دانزغ “، حيث خلصت المحكمة عام 1932 إلى وجوب تطبيق المعاهدة المبرمة بين بولندا و مدينة “دانزغ” بشأن معاملة المواطنين المقيمين في هذه الأخيرة، و ليس القواعد الدستورية لها،
كما رفضت محكمة “تورمبرغ الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية دفوع المتهمين المرتكزة على القانون الداخلي، مؤكدة أن العبرة هي بالقانون الأولي في خصوص الجرائم الدولية.
إن سمو قواعد القانون الدولي ينبع من أهمية المصالح التي يقوم على رعايتها وحمايتها. كما أن القانون الدولي يمكن أن يكتسب السمو كونه من صنع الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي الذي يسمو على إرادة الدول أو أشخاص القانون الدولي.

أشخاص القانون الدولي العام

الدولة باعتبارها ظاهرة تمثل مرحلة تاريخية من مراحل حياة الإنسان ، حياة اجتماعية لا تزال تحظى باهتمام والدولة بوصفها شخص القانون الدولي الرئيس في الماضي . علم التاريخ والاجتماع والسياسة والقانون والحاضر ، انصب اهتمام القانون الدولي العام عليها ولا يزال . وعلى هذا الأساس سننطلق في دراستنا للدولة من زاوية محددة لا تتعدى نطاق أحكام القانون الدولي وقواعده ، متجنبين تناول هذا الموضوع من وجهة نظر الدراسات الدستورية المنصبة أساسا على البحث في تكوين السلطة السياسية ووظائفها في المجتمع وتبيان العلاقة بينها وبين الأفراد .

وعليه فان الذي يهمنا من دراسة الدولة في ضوء أحكام القانون الدولي وقواعده هو تحديد معناها وبيان عناصرها وأشكالها وموضوع الاعتراف بها . ويمكن تعريف الدولة بأنها ( مجموعة من الأفراد يقيمون-على سبيل الاستقرار – في إقليم محدد ، ويخضعون لسلطة حاكمة ، لها السيادة على الإقليم وعلى أفراد المجتمع)
يستخلص من هذا التعريف انه يشترط توافر ثلاثة عناصر أساسية للقول بوجود الدولة هي : الشعب والإقليم والسلطة أي الحكومة ، فإذا فقد عنصر من هذه العناصر فانه لا يمكن القول بوجود الدولة من وجهة نظر القانون الدولي

الشعب :

 الشعب هو مجموع من الأفراد من الجنسين – حتى يتحقق له استمرار البقاء – الذين يعيشون في إقليم الدولة ويرتبط بها برابطة سياسية وقانونية ، فوجود الشعب عنصر ملازم لقيام الدولة مع ما يستتبع ذلك من اختصاصات في إطار السيادة الإقليمية . فليس من العصور الحديث عن دولة بدون توافر عنصر الشعب ، وليس من المنطق في شيء قيام دولة في إقليم مهجور.

الإقليم :

ينصرف اصطلاح إقليم الدولة إلى ذلك الجزء من الكرة الأرضية التي تمارس الدولة عليه سيادتها ويقطن فيه مكانها ويسوده سلطانها ، وهو يتكون من الأرض واليابسة وما يعلوها من الفضاء وما يحيطها من الماء . والعنصر الأصلي فيه هو القطاع اليابس ، إذ لا يوجد ولم يوجد من قبل إقليم بالمعنى المفهوم في القانون الدولي يتكون من عنصر الفضاء وحده أو من عنصر الماء . والإقليم أساسي في قيام الدولة، ذلك أن مجموع الأفراد المكونين لعنصر الشعب لا يمكن أن يكون له كيان مستقل ما لم يقيموا في إقليم معين . فضلا عن أنه شرط جوهري لاكتساب الدولة الشخصية القانونية ، ذلك لان هذه الشخصية تقتضي وجود القدرة على التصرف في نطاق إقليم معين يقيم فيه الشيب بصورة دائمة ، وفي ضوء ذلك لا يتمتع بوصف الدولة القبائل الرحل التي لا تستقر في إقليم على الدوام.

صفات الإقليم

 في مفهوم الدولة الحديث يجب توافر الصفات التالية في الإقليم :
1 – رقعة من اليابسة ، ولا يشترط القانون الدولي في هذه الرقعة مساحة معينة ، فلا يوجد في القانون الدولي حد أدني مطلوب توافره في هذا الشأن . فقد تكون هذه الرقعة كبيرة جدا كما هو الحال في إقليم الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية والصين ، وقد تكون رقعة الإقليم صغيرة جدا بحيث لا تتجاوز بضعة كيلو مترات كما هو الحال في إمارة موناكو وسان مارينو و البحرين . إلا أنه من الناحية الواقعية فان اتساع رقعة اليابسة تمنح الدولة قوة وفعالية من مختلف النواحي لكن ضيق هذه الرقعة لا يؤثر في وجودها وتمتعها بالشخصية القانونية الدولية.
2 – ليس شرطا أن تكون رقعة الإقليم متصلة الأجزاء ، قد يكون إقليم الدولة منفصلا من بعض أجزائه عن بعض كما هو الحال في إندونيسيا والفلبين ، إذ يكون الإقليم من مجموعة جزر متناثرة , كما أنه قد يقع كيم الدولة في قارات مختلفة كما هو الحال بالنسبة لتركيا
3 – الثبات ، بمعنى أن شعب الدولة يقيم فوق أرضها من اجل الحياة الدائمة المستقرة وينبني على ذلك أن القبائل الرجل الذين يستقرون على أراضي الدولة بصورة مؤقتة ثم ينزحون عنها ، لا يصدق عليهم وصف الدولة ، وذلك لعدم استقرارهم في إقليم معين على التوأم
4 – والتحديد ، بمعنى أن يكون الإقليم محصورا ضمن حدود واضحة المعالم ، ويتحدد ذلك بمدى سريان ميادة الدولة أو اختصاصها ، وعليه فلا عبرة للنظرية التي تبنتها روسيا السوفييتية في دستورها الأول في العام 1923م و أعللها دستورها الصادر في العام 1936م والمعروفة بنظرية الإقليم المتموج ، ولا عبرة كذلك بالمذهب النازي الذي كان يتقي نظرية المجال الحيوي التي كانت تنطلق من السماح للدولة بالتوسع في حدودها على حساب الدول المجاورة لإيجاد مجال حيوي يتناسب مع قوة شعب تلك الدول وحيويته ، للحصول على حاجاته الضرورية .

عناصر الإقليم

 يتكون الإقليم من عناصر ثلاث هي :
الإقليم البري ، وهو ذلك الجزء اليابس من الأرض الذي تضمه حدود الدولة وما ينطوي تحته أو يقوم عليه من معالم الطبيعة الجغرافية مثل الجبال والصحاري والبحيرات والقنوات والأنهار التي تقع بأكملها في إقليم الدولة تعد أجزاء من هذا الإقليم ، والشرط اللازم لاعتبارها كذلك وقوعها بأكملها داخل حدود الدولة .
الإقليم البحري ، هو ذلك الجزء من إقليم الدولة الذي تغمره المياه ، وينقسم إلى قسمين أ مياه داخلية ، أي المساحات البحرية التي تضم الموانئ والمضايق وكل المياه الموجودة قبل الخط الأساسي للمياه الإقليمية وتباشر عليه الدولة جميع الحقوق المتفرعة عن سيادتها ، أما المياه الإقليمية فهي ؛ التي تباشر عليها الدولة سيادة كاملة باستثناء في المرور الري للسفن الأجنبية.
الإقليم الجوي ، ويشمل طبقات الجوالتي تعلو إقليمي الدولة البري والبحري

المنظمات الدولية

تعريف المنظمات الدولية هي تجمع إرادي لعدد من الدول تعبيرا عن التعاون الإخباري فيما بينهم في مجالات محددة ( سيامية – طبية – عسكرية … الخ ) وذلك في كيان متميز ودائم له إرادة ذاتية ويتمتع بالشخصية القانونية الدولية العناصر الأساسية للمنظمة الدولية.

أن تكون ذات تجمع إرادي وليس الإلزامي

 نتيجة وجود اتفاق دولي مبرم بينهم ويناط بهذا الاتفاق تحديد أهداف المنظمة واختصاصاتها والأجهزة المختلفة المخول لها تحقيق هذه الأهداف. ويعتبر الاتفاق بين مجموعة من الدول المميز الرئيسي للتفرقة بين المنظمة الدولية الحكومية وغير الحكومية ، حيث عزف المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو ( المنظمة الدولية بأنها كل منظمة دولية لم تنشأ عن طريق اتفاق بين الحكومات وتتسم أهدافها ووظائفها ( غير الحكومية بطابع غير حكومي وتضم نسبة كبيرة من المجموعات أو الأفراد كأعضاء منضمين من بلاد متعددة

أن يكون لها شخصية قانونية مستقلة لها صلة المواد و الاستمرار

وبالتالي يكون لها حقوقها التي تتمتع بها وواجباتها ومسئولياتها التي تلتزم بها وفقا لأحكام القانون الدولي . ورغم تمتع المنظمة بشخصية قانونية تؤهلها لإبرام الاتفاقيات القانونية إلا أنها ليست بالقدر والاتساع المطلوب ، فرغم اتساع حق الدولة في إبرام أي تصرفات أو تعهدات قانونية فليس من حق المنظمة إبرام هذه الاتفاقيات والتصرفات إلا بالقدر الذي يدخل في حدود أهدافها . وبالتالي فإن الشخصية القانونية المستقلة للمنظمة لا تحل يتمتع كل دولة من أعضائها بالشخصية المستقلة لها ، وهذا المبدأ أقرته محكمة العدل الدولية التي اعترفت لهيئة الأمم المتحدة بشخصية قانونية لولية كأمر واقع لا على عمله لتحقيق أهدافها ،
على أن ذلك لا يعني أنها دولة فوق الدول أو أنها تتمتع بشخصية قانونية كتلك التي تتمتع بها الدول الأعضاء ، وإنما هي شخصية دولية تتمتع بحقوق والتزامات دولية للغاية التي تؤدي إلى تحقيق أهدافها . علما بأن هيئة الأمم المتحدة باعتبارها منظمة عالمية تختلف عن المنظمات الإقليمية التي لا تتمتع بأية حقوق إلا في مواجهة الدول الأعضاء فقط

لها إرادة ذاتية مستقلة

 بمعنى أن يكون هيكل إداري وتنفيذي دائم وبميزانية مستقلة بحيث تتعب كافة التصرفات إليها وحدها دون الأعضاء فيها لأن المنظمة تعمل على تحقيق ورعاية المصالح المشتركة وليس التي تخص عضو في ذاته إنما الذي يخص التكوين الشامل للمنظمة

يكون لها هيكل إداري دائم

هذا الهيكل يتكون من أجهزة مستقلة تعمل باسم المنظمة وتعبر عن إرادتها لتحقيق أهداف مشتركة ، ولذلك يضم هذا الهيكل الإداري ما تسمى بالموظفين الدوليين الذين يعملون في خدمة المنظمة بصفة دائمة ومستمرة بموجب عقد بمقتضاه يدين الموظف الدولي بالولاء الوظيفي للمنظمة وليس لدولة معينة ووكالة تلك الدولة التي يحمل جنسيتها ، وهذا الوضع يعطيه حصانة وامتيازات محددة متميزة من الموظفين المحليين
يكون لها ميزانية مستقلة عن ميزانية أعضائها تمولها الدول الأعضاء وتختلف المساهمة من دولة لأخرى بناء على معايير معينة ومنها الدخل القومي وعدد السكان … الخ من المعايير.

قواعد القانون الدولي العام

عنصر الإلزام

يعتبر هذا العنصر من العناصر الرئيسية والهامة للرابطة القانونية الدولية إذا هو الذي يميزها من قواعد الأخلاق والمجالات الدولية التي تراعيها الدول في علاقتها دون أن تكون ملزمة قانونا بأتباعها . فالواقع أن أساس الفكر القانوني يمكن في أن قواعده تتمتع بصفة الإلزام . ومقتضي هذا العنصر أن احترام القواعد الدولية لا يترك لمشيئة كل دولة وإنما هذا الاحترام مفروض عليها سواء قبلت حكم القاعدة أم رفضته. لذا تقترن القاعدة القانونية بجزاء يوقع علي من يخالف حكمها.
ومن العوامل التي تؤكد احترام القاعدة القانونية , وتوقيع الجزاء على من يخالف حكمها, أن توجد سلطات عليها فوق الدول تتولي هذه المهمة على نحو ما نجده في المجتمعات الداخلية التي تعرف السلطة التنفيذية والسلطة القضائية فضلا عن التشريعية . على ضوء هذه الاعتبارات فإننا نجد أن هذه السلطات مفتقدة أو موجودة بصورة بدائية لا تملك أن تمارس دورة فعالة في كفالة احترام القاعدة الدولية وتنفيذها . فهنالك القضاء ولكن اللجوء إليه ليس إجبارية ويجب أن يتم الاتفاق بين الأطراف المعينة على اللجوء إليه قبل عرض الإلزام على المحكمة.
 وهنالك السلطة التنفيذية : وهي مجلس الأمن إذ أن ميثاق الأمم المتحدة قد أعطاه اختصاصات المحافظة علي السن والأمن الدوليين , والقدرة على اتخاذ قرارات ممكن أن تنفذ بالقوة . ولكن نظام العمل في مجلس الأمن يجعله جهازا مشمولا ولا يمكنه أن يتخذ قرارا إلا بموافقة الدول الخمسة الكبرى الأمر الذي قد لا يهزل الوصول إليه دائما .
كذلك فأن مخالفة القواعد القانونية الدولية لا يعفي المخالف من كل مسؤولية بل هنالك من وسائل العقاب جزاءات الطرد والوقف من عضوية المنظمات , وهنالك أيضا الجزاءان الاقتصادية التي يملك مجلس الأمن توقيعها على الدول التي تعتدي علي غيرها . وننتهي إلى أن القواعد القانونية الدولية تمتلك ككل القواعد القانونية أطرافا وموضوعا , كما أنها تنطوي على عنصر الجزاء الذي يوقع على المخالفين لأحكامها.

صفة العمومية في القاعدة الدولية

من الخصائص الرئيسية لكل قاعدة قانونية . بل لكل قاعدة تنظيمية علي وجه العموم خاصية العمومية والتجريد , إذ أن التنظيم يحتاج إلي وضع قواعد لضبط سلوك الأفراد في جماعة ويلزم من ذلك أن تكون القاعدة قابلة للتطبيق على الأشخاص وعلي كافة الوقائع التي تندرج تحت حكمها .. ومن البديهي أن نقول أن هذه الصفة تتوافر في قواعد القانون الدولي العام , ذلك أن هذه القواعد قد تشكلت بإرادة الدول المسيطرة
علي الجماعة الدولية في غضون الفترة ما بين عصر النهضة ( القرن السادس عشر ) وحثي وقت قريب , ومن ثم فهي تعبر عن مصالح هذه الفئة وهي الدول الأوربية وكثيرا ما ضحت هذه الدول بمصالح الغالبية غيرها , أما وقد تعرض المجتمع الدولي التغيرات كمية وكيفية نتيجة ظروف فقد بدأت معارضة العديد من قواعد القانون الدولي التقليدي , معارضة تصل حد إنكار معظم هذه القواعد والقول بضرورة إعادة صياغتها مما يتمشي مع مصالح الجميع أو بما يقيم توازنا ضرورية بين مختلف الأطراف .
ونلاحظ هذه العملية بوضوح في كافة أعمال المؤتمرات واللجان التي تقوم بتقنين القانون الدولي . وذروة التحدي لقبول القواعد القانونية الدولية فيما سبق رفض الإقرار بالطابع الملزم لمعظم قواعد العرف الدولي , لأنها من نتائج العمل الأوربي الغربي ولم توافق عليها الدول الجديدة , ويسايرها في هذا المنطق العديد من الدول الجديدة .
 ومن هنا تبرز أزمة في القانون الدولي المعاصر . من أهم معالمها : أن قسما كبيرا من جانب مجموعة كبيرة من الدول , مما يؤثر في صفة العمومية المفروض توافرها في القواعد القانونية . المطلوب هو أن يكون هنالك حد أدني من القواعد ذات الصفة العامة أو العالمية , تكون أشبة بالنظام الدستوري وتقيم الأوضاع الأساسية للجماعة الدولية

الرابطة القانونية الدولية

أن موضوع الرابطة القانونية الدولية هو ما يقوم بين أشخاص القانون الدولي من علاقات . والواقع أن هذه العلاقات قد مرت بتطورات عديدة تبعا لما مر بأشخاص القانون الدولي من تطورات . ففي العهود الأولي من العلاقات الدولية لم تكن هذه العلاقات تتنازل بشكل رئيسي سوي الجانب السياسي كإرسال واستقبال البعثات الدبلوماسية إلى جانب بعض الصور المحدودة للتبادل التجاري , ولكن اتسعت العلاقات الدولية الآن اتساعا كبيرا بحيث صارت تتناول كافة صور النشاط البشري وفي جميع الحقول الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها .
وكذلك نجد أن ظهور أشخاص قانونية دولية – المنظمات الدولية والأفراد – قد ترتب عليه وجود جديدة من العلاقات التي يقوم القانون الدولي بتنظيمها كتنظيم اختصاص المنظمات الدولية والعلاقة بينها وبين الدول الأعضاء والعلاقات بين بعضها البعض إلى غير ذلك من المسائل .
كذلك تعمل العديد من هذه المنظمات في حقول جديدة على العلاقات الدولية كحقول تنظيم الطيران المدني والاستفادة من اكتشاف الفضاء الخارجي والمواصلات اللاسلكية … الخ. ولعل من أبرز موضوعات القانون الدولي التي تعالج حديثا تلك المتصلة بتنظيم العلاقة بين الدول الغنية والدول الفقيرة بسبب التفاوت في مستوي المعيشة والديون المتقلة وبذلك نخلص إلى أن العلاقات الدولية التي بدأت محدودة في نطاق قد اتسعت لتشمل العديد من قضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

فروع القانون الدولي العام


أسفر التطور المتلاحق لقواعد القانون الدولي العام كما و كيفا عن ظهور فروع جديدة له يمكن تصنيفها من منظور زمني إلى فروع تقليدية و فروع حديثة.

أولا – الفروع التقليدية :

معظم هذه الفروع ظهر قبل نشأة الأمم المتحدة 1945 و إن كان قد انتعش بعد هذا التاريخ، و تتمثل هذه الفروع فيما يلي:

1 – قانون التنظيم الدولي:

 يشمل القواعد التي تحكم إنشاء المنظمات الدولية (مبادؤها و أهدافها، نشاطها، أجهزتها، العضوية فيها التصويت و اعتماد القرارات، إنهاؤها، العلاقات الوظيفية فيما بينها أو فيما بينها وبين الدول، و الأفراد…)
و من هذه المنظمات عصبة الأمم 1919، لأمم المتحدة 1945، الاتحاد الإفريقي 2001…

2 – القانون الدولي الجوي :

يتضمن القواعد الخاصة بكيفية استعمال المجال الجوي لأغراض المواصلات الدولية و تنظيمها للتوفيق بين المصلحة الدولية المشتركة من جهة، و مصالح الدول منفردة من جهة أخرى. و يجد هذا القانون أساسه في عدد من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية باريس 1919 لتنظيم الملاحة الجوية اتفاقية شيكاغو 1944 لقمع الجرائم المرتكبة على متن الطائرات، اتفاقية لاهاي 1970 لمنع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، اتفاقية مونتريال 1971 لقمع الأفعال غير المشروعة ضد سلامة الطيران المدني، هذا فضلا عن إنشاء منظمة الطيران المدني كمنظمة متخصصة في هذا المجال سنة 1947 و دورها في وضع وإثراء قواعد القانون الدولي الجوي.

3 – القانون الدولي البحري:

يعني بالمشاكل الناجمة عن استعمال البحار سواء ما تعلق منها بوسائل النقل البحري أم باستغلال الموارد الطبيعية للبحار استغلالا عقلانيا و متكافئا بين الدول، كما يسعى إلى منع استخدام البحار لتخزين الأسلحة النووية أو لإجراء التجارب الخاصة بها لتطويرها، و كذا منع تلويث مياه البحار .

4 – القانون الدولي الاقتصادي:

يضم مجموعة القواعد التي تبحث الحلول المثلى لتنظيم العلاقات الاقتصادية (التجارية خاصة بين الدول وفق مبدأي العدالة و التكافؤ، و كذا العلاقات بين الدول و المؤسسات الاقتصادية الضخمة التي تساهم في وتيرة التنمية في صيغة استثمارات أجنبية.

5 – قانون القضاء الدولي:

يضم القواعد الخاصة بتشكيل المحاكم الدولية و اختصاصاتها و إجراءاتها و كيفية صدور الأحكام عنها وإمكانية الطعن فيها ، و يجد أساسه في الأنظمة الأساسية للمحاكم الدولية و الإقليمية ( المحكمة الدائمة للعدل الدولي 1920، محكمة العدل الدولية 1945، محكمة عدل أوربا 1950…). (1) 6- القانون الدولي الجنائي: يهتم بوضع القواعد التي تحدد الجرائم الدولية و سلطة العقاب عليها و شروط المسؤولية الجنائية للفرد وحالات انتقائها، و مبادئ الشرعية الجنائية، و إجراءات المحاكمة و العقوبات المقررة لهذه الجرائم، و يجد هذا القانون أساسه في اتفاقية فرساي 1919، و لائحتي محكمتي نورمبرغ 1945 و طوكيو 1946 لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية، و نظامي المحكمتين الدوليتين ليوغسلافيا و رواندا في مطلع تسعينات القرن الماضي المحاكمة منتهكي أحكام القانون الدولي الإنساني، و أخيرا نظام روما الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية 1998

ثانيا – الفروع الحديثة:

جل هذه الفروع ظهر و تطور خلال عصر التنظيم الدولي أي بعد إنشاء الأمم المتحدة 1945، و تتمثل في:

القانون الدولي لحقوق الإنسان :

 يعرف بأنه مجموعة القواعد القانونية المتكونة أساسا من المواثيق و الإعلانات و الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتكريس و حماية عدد من حقوق الإنسان الأساسية بوصفه إنسانا وقت السلم خاصة ، و بيان الضمانات الإجرائية والآليات المرصودة لاحترام هذه الحقوق و إنفاذها. و يجد أساسه في ميثاق الأمم المتحدة 1945، و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، و العهدين الدوليين الحقوق المدنية و السياسية من جهة، و الحقوق الاقتصادية الاجتماعية و الثقافية من جهة أخرى 1966 وسلسلة من الاتفاقيات الدولية الأخرى التي تعنى بحقوق خاصة أو بفئات بشرية معينة ( اتفاقية منع الإبادة 1948، اتفاقية منع التعذيب 1984، اتفاقية حماية حقوق الطفل 1989…)

القانون الدولي الإنساني:

يعرف بأنه: مجموعة القواعد التي تستهدف في حالات النزاع المسلح حماية الأشخاص والمصابين من جراء النزاع، و في إطار واسع حماية الأعيان التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية، و يهدف هذا القانون إلى التخفيف من ويلات الحرب بتحييد من لا يشتركون في القتال ، و حظر استخدام أسلحة معينة كالأسلحة البيولوجية و النووية.
و يجد أساسه في الأعراف الدولية أولا ثم الاتفاقيات الدولية: جنيف 1864، لاهاي 1899، لاهاي 1907 وأخيرا اتفاقيات جنيف الأربع 1949، و بروتوكوليها الإضافيين 1977.

القانون الدولي للتنمية

هر جملة القواعد الواجبة الانطباق على العلاقات الاقتصادية بين الدول النامية و الدول المتقدمة القائمة على ضرورة العدالة و التكافؤ بما يضمن للأولى التنمية المرتقبة، و يأتي كتطوير للقانون الدولي الاقتصادي، و لم يعد لهذا القانون وجود الآن بفعل تغير ميزان القوة على الصعيد الدولي (انهيار المعسكر الاشتراكي) من جهة وبفعل العولمة من جهة أخرى.
و كان يجد أساسه في مقررات مؤتمرات التعاون كمؤتمر شمال جنوب 1974، و الاتفاقيات الدولية كاتفاقيتي ياوندي 1963، 1969، و اتفاقيتي لومي 1975، 1980، فضلا عن توصيات و إعلانات الأمم المتحدة كإعلان الحق في التنمية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت رقم 128/41 في ديسمبر 1968.

القانون الدولي للبيئة:

يضم جملة القواعد التي تعنى بحماية البيئة الدولية و الحفاظ على مواردها لاسيما الأنواع النادرة منها . ويعتبر هذا الفرع من مظاهر التجديد في القانون الدولي المعاصر إذ لم تعد قضايا البيئة محصورة في نطاق القوانين الداخلية، و لعل المؤتمرات والندوات و حتى الاتفاقيات الدولية التي تمت خلال العقود الماضية تعكس مدى عناية القانون الدولي بالبيئة، مثل مؤتمر الأرض المنعقد في ريو دي جانيرو شهر جوان 1992.

القانون الدولي للاجئين:

 هو مجموعة القواعد التي تعنى بتحديد المركز القانوني للاجئ من حيث تعريفه ، و الشروط الواجب توافرها فيه الاعتراف له دوليا بهذا الوصف ، و الحقوق التي يتمتع بها و الالتزامات التي تترتب عليها إزاء دولة الملجأ ومسؤوليتها في التقيد بأحكام هذا القانون، و يجد أساسه خاصة في اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين 1951 وبروتوكولها الملحق 1967 و عدد كبير من قراراتها ذات الصلة.

القانون الدولي للحدود:

يضم القواعد المتعلقة برسم الحدود الدولية افتراضيا و تخطيطها ميدانيا ، سواء كانت حدودا برية أو بحرية أو جوية، وقد ظهر هذا القانون بعد استقلال الدول الإفريقية و الآسيوية و النزاعات التي ثارت بينها حول الحدود، وقد كرس المبدأ القاضي باعتماد الحدود الموروثة عن الاستعمار لوضع حد لادعاءات هذه الأول. و يجد أساسه عادة في الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين الدول المتجاورة أو المتقاسمة حدودا مشتركة، كالاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر غداة استقلالها مع كل من تونس، و ليبيا، و المغرب، و كذا في قرارات المنظمات الدولية و أحكام القضاء الدولي.

القانون الدولي للبحار:

يعني هذا القانون بوضع القواعد التي تحدد المساحات البحرية للدول (مياه داخلية، بحر إقليمي، منطقة متاخمة منطقة اقتصادية خالصة وصولا إلى البحر العالي و الجرف القاري و منطقة التراث المشترك للإنسانية)، وتلك التي تنظم عمليات الاستغلال المشترك بين الدول لثروات البحار و مواردها الحية و غير الحية في السطح والجوف لأغراض اقتصادية و علمية، و يجد أساسه على الخصوص في اتفاقية جنيف 1958، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، و كذا أحكام محكمة العدل الدولية (قضية مضيق كورفو 1949)

القانون الدولي للفضاء الخارجي:

ظهر هذا القانون إثر التنافس الكبير في رحلات غزو الفضاء بين الاتحاد السوفياتي سابقا و الولايات المتحدة الأمريكية، مما دفع بالأمم المتحدة إلى وضع قواعد قانونية لتنظيم استعمال الفضاء الخارجي عن طريق جملة من القرارات القرار المتعلق باستعمال الفضاء الخارجي للأغراض السلمية 1957، و القرار المتعلق بالمبادئ المتعين إتباعها في استعمال الفضاء الخارجي 1961، إلى أن تم اعتماد اتفاقية 1967 المتعلقة بتنظيم نشاط الدول في استخدام الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر و الأجرام السماوية الأخرى.

المصادر الأصلية للقانون الدولي ” المعاهدات الدولية “

المصادر الأصلية _ المعاهدات الدولية

لعبت المعاهدات الدولية دورا هاما في خلق القواعد القانونية الدولية. وهي تعتبر المصدر الرئيسي والأول من حيث الترتيب الوارد في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. وهي من أغزر المصادر في القانون الدولي الحديث وأكثرها وضوحا وأقلها مثارة للخلاف والأكثر تعبيرا عن إرادة الأطراف الحقيقية. والمعاهدات وسيلة اتصال دولية عرفت منذ القديم وقد جرى العمل الدولي على استخدام المعاهدات كوسيلة لتنظيم العلاقات في عهد مبكر، وازداد استعمال المعاهدات بشكل مستمر ومكثف عبر التاريخ حتى كادت أن تصبح الوسيلة الوحيدة في مجال التنظيم الدولي وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية حيث أبرمت أهم الاتفاقيات الدولية، و من أبرزها ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية واتفاقية فيينا للمعاهدات واتفاقيات قانون البحار.

أ- تعريف المعاهدات

عرفت المادة الثانية من اتفاقية فيينا المعاهدة بأنها ” اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر وأيا كانت التسمية التي تطلق عليه “, وبالتالي يتبين لنا من هذا التعريف أن المعاهدة الدولية تتضمن بشكل أساسي العناصر التالية:

– فالمعاهدة هي اتفاق يعقد بين أشخاص القانون الدولي

وهذا المبدأ أخذت به محكمة العدل الدولية الدائمة في حكمها في قضية شركة الزيت الإنكليزية . الإيرانية عندما قررت أن العقد المبرم بين الحكومة الإيرانية وشركة الزيت الأنجلو إيرانية في أبريل 1933 ليس إلا مجرد عقد امتیاز بين حكومة وشركة خاصة أجنبية. (ادعت بريطانية بأن العقد بين إيران والشركة هو معاهدة دولية بين إيران وبريطانية).

المعاهدة إتفاق يعقد كتابة في وثيقة واحدة أو أكثر

وقد حددت اتفاقية فينا نطاق تطبيق أحكامها على المعاهدات المكتوبة  ثم قضت بأن هذا لا يؤثر على القوة القانونية للاتفاقيات غير المكتوبة. وقد أكدت ذلك محكمة العدل الدولية الدائمة في حكمها في قضية غرينلند الشرقية وفيها تقدمت الدانمارك إلى المحكمة القضاء بعدم قانونية ما أعلنته النرويج عام 1931 من أن غرينلید تخضع لسيادة النرويج. وقد استندت الدانمارك على تصريح وزیر خارجية النرويج عام 1919 الذي قرر أن خطط حكومة الدانمارك المتعلقة بسيادتها على كل غرينليد لن يلق عقبات من جانب النرويج. فقد قررت المحكمة أن التعهد الشفهي الذي تضمنه تصريح وزير الخارجية وباسم حكومته في مسألة تدخل في اختصاصه أثناء اتصالات دبلوماسية مع دولة أخرى يعتبر ملزم للدولة التي هو وزير خارجيتها.
والمعاهدة ينصرف اصطلاحها إلى كافة الاتفاقات الدولية مهما كانت التسمية التي تطلق عليها . فهناك تسميات مختلفة منها:

ثانيا- تسمية المعاهدة الدولية

تطلق على المعاهدة الدولية عدة تسميات: المعاهدة، الاتفاقية، الاتفاق، البروتوكول، الميثاق، العهد، النظام التصريح، تبادل المذكرات أو الخطابات، و لا تؤثر هذه التسميات على مدلول المعاهدة الذي يظل واحدا ويقصد به ما تم الإشارة إليه أعلاه، و التمييز بين هذه الكميات شكلي ليس إلا.

1 – المعاهدة:

يطلق عادة مصطلح معاهدة على الاتفاقيات الدولية الهامة ذات الطابع السياسي أو التاريخي أو العسكري كمعاهدات الصلح و التحالف و الصداقة، و المثال معاهدات وستفاليا” لعام 1648، معاهدة الأمم المتحدة للحد من انتشار الأسلحة الذرية لعام 1968، معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي لعام 1989، معاهدة ماستريخت” المنشئة للإتحاد الأوربي لعام 1992

2 – الاتفاقية و الإتفاق:

الاتفاقية اصطلاح يطلق على الإتفاق الذي يتناول عادة مسائل قانونية أو يضع تنظيما قانونيا للعلاقات بين الدول، كاتفاقية “القسطنطينية” لعام 1888 لتنظيم الملاحة في قناة السويس، اتفاقية فينا” لقانون المعاهدات العام 1969، اتفاقية برشلونة لمكافحة التلوث في المتوسط لعام 1976، اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار العام 1982. أما الاتفاق فيطلق على الاتفاقية التي تتناول مسألة قانونية أو اقتصادية، و أحيانا سياسية، كاتفاق يالطا” التقسيم مناطق النفوذ بين أمريكا و الاتحاد السوفياتي لعام 1945، والاتفاق المتعلق بإنشاء حقوق السحب لدى صندوق النقد الدولي لعام 1968، واتفاق کاجلستون” لتعديل النظام الأساسي لصندوق النقد الدولي لعام 1976

3 – البروتوكول

يطلق هذا الاصطلاح على الاتفاق المنصب على تعديل بعض أحكام معاهدة دولية قائمة، أو تنظيم مسائل فرعية تابعة لمعاهدة أصلية، أو بيان كيفية الانضمام لمعاهدة نافذة، كبروتوكول باريس” لعام 1929 المعدل للنظام الأساسي للمحكمة الدائمة العدل الدولي (في إطار عصبة الأمم 1919)، و بروتوكولي “جنيف” لعام 1977 الملحقين باتفاقيات “جنيف” الأربع لعام 1949 المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني.

4 – الميثاق أو العهد

يطلق هذا الاصطلاح على الاتفاقيات التي يراد إبراز أهميتها على الصعيد الدولي، و يتعلق بإنشاء منظمات دولية أو إقليمية ذات اختصاصات شاملة، مثل عهد عصبة الأمم لعام 1919، ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، میثاق جامعة الدول العربية لعام 1945، ميثاق الاتحاد الإفريقي لعام 2001، میثاق مجلس التعاون الخليجي لعام 1981

5- النظام

تطلق هذه التسمية على الاتفاقيات الجماعية المنشئة لهيئات أو أجهزة متفرعة عن هيئات أخرى ذات اختصاص شامل، مثل النظام الأساسي للمحكمة الدائمة العدل الدولي 1920، النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية 1945، الأنظمة الأساسي للمحاكم الدولية الجنائية (يوغسلافيا، رواندا، المحكمة الدولية الجنائية).

6 – التصريح (الإعلان)

تخص هذه التسمية الوثائق التي تتصرف أحكامها إلى تأكيد مبادئ قانونية و سياسية مشتركة، مثل تصريح لندن البحري لعام 1909، تصريح “برلين” لعام 1945 بشأن تولي السلطات العليا في ألمانيا من قبل الدول الحليفة الأربع.

7 – تبادل المذكرات أو الخطابات

 تتعلق هذه التسمية بالاتفاقات الثنائية غالبا التي تتم بتبادل رسائل بين الطرفين أو الأطراف المعنية، و يتبع هذا الأسلوب عادة لضيق الوقت و عدم تمكن الأطراف من الدخول في مفاوضات كلاسيكية، مثل تبادل المذكرات بين مصر و الأمم المتحدة عام 1957 بشأن تحديد المركز القانوني القوات الطوارئ الدولية في الأراضي المصرية.

أنواع و خصائص المعاهدات

أولا- خصائص المعاهدة الدولية:

انطلاقا من تعريف المعاهدة الدولية على النحو الذي تم سابقا، يمكن استنباط خصائصها و هي:

1– المعاهدة الدولية اتفاق يبرم بين أشخاص القانون الدولي:

لا تبرم المعاهدة الدولية إلا بين أشخاص القانون الدولي، و هي بالأساس الدول و المنظمات الدولية، و عليه لا تأخذ وصف المعاهدة الدولية الاتفاقات التي تعقد بين الأفراد و إن كانت ذات أهمية معتبرة على الصعيد الدولي، أو تلك التي تعقد بين دولة و شخص أجنبي سواء كان طبيعيا أو معنويا كالشركات و المؤسسات الاقتصادية و المالية، إذ تعتبر هذه الاتفاقات من قبيل العقود الدولية.

2 – إفراغ المعاهدة الدولية في وثيقة مكتوبة:

إن الغاية من اشتراط الكتابة هي إثبات ما توصل إليه الأطراف بشأن المسائل المتفاوض حولها مسبقا، ولا يلزم أن تتم كتابة محتوى الاتفاق في وثيقة واحدة أو أكثر، و لذلك فالمعاهدات غير المكتوبة- وهذا أمر نادر- حسب المادة 03 من اتفاقية “فينا” لقانون المعاهدات تبقى محتفظة بقيمتها القانونية كاملة بين أطرافها انطلاقا من أن الحقوق و الالتزامات المترتبة على المعاهدة الدولية إنما تستمد من إرادة هذه الأطراف ، لا من كتابتها أو عدم كتابتها.

3- خضوع المعاهدة الأحكام القانون الدولي:

لا بد أن تتجه إرادة أطراف المعاهدة لإخضاعها لأحكام القانون الدولي للتمييز بين المعاهدات الحقيقية والاتفاقات التي لا ترقى إلى مستوى المعاهدة، إذ ليس كل اتفاق يبرم بين أشخاص القانون الدولي يدخل في نطاق المعاهدة و يخضع من ثمة لأحكام القانون الدولي، كالاتفاق بين دولتين على شراء عقار يقع في إقليم إحداهما، أو تخويل إحداهما الأخرى استخدام أو استغلال قطعة أرض واقعة في إقليمها.
و هناك حالات يفرض فيها موضوع الاتفاق نفسه من حيث الخضوع لأحكام القانون الدولي، كاتفاقات التنازل عن الأقاليم، و اتفاقات الصلح (تبادل الأسرى)، و عموما فكل معاهدة دولية يفترض أن تتصل حكما بالقانون الدولي.

4 – ترتيب المعاهدة لأثار قانونية:

تتمثل الآثار القانونية لأية معاهدة دولية في جملة الحقوق و الالتزامات المتبادلة بين أطرافها، و تبدو أهمية التأكيد على هذه الخاصية التفرقة بين المعاهدات الدولية بهذا الوصف ، و ما يعرف باتفاقات الجنتلمان” أو الشرفاء التي تتم بين ممثلي الدول و لكن بصفاتهم الشخصية لا باعتبارهم ممثلين لدولهم، كالتزامهم بإتباع سياسة معينة في المستقبل، أو الاتفاق على اتخاذ موقف إزاء أوضاع دولية معينة ، فليس لمثل هذه الإتفاقات أية قيمة قانونية توجب نفاذها إلا كلمة الشرف التي أبداها هؤلاء الممثلون الذين لا يقع على عاتقهم في الحقيقة إلا التزام أدبي أو معنوي.

ثانيا – أنواع المعاهدات:

1 : معاهدات ثنائية:

 إذا كانت المعاهدة ثنائية كانت المشكلة الناجمة عن التحفظات قليلة أن الطرف الأخر إما أن يبرم الاتفاقية  مع التحفظات المضافة إليها وإما أن يرفض إبرامها وبالتالي يقضي عليها والراجح فقهيا أن التحفظ على المعاهدات الثنائية من الأمور الجائزة سواء سمحت به المعاهدة موضوع التحفظ أم لم تسمح.
وانه يعتبر في جميع الأحوال بمثابة إيجاب جديد أو اقتراح بالتعديل ومن ثمة يتوقف مصيره بل ومصير المعاهدة بكاملها على موقف الطرف الأخر إن شاء قبلها بصورتها الجديدة وان شاء رفضها مع التحفظ عليها ، ومن المتفق عليه في هذا المجال أن قبول التحفظ كما يتم صراحة قد يتم أيضا بطريقة ضمنية وان السكوت عن رفض التحفظ صراحة يعتبر بعد مضي اثنا عشر شهرا من تاريخ استشارة الدولة بالتحفظ أو التاريخ الذي أعلن لبدء نفاد الإلزام بمثابة القبول الضمني له .

2 : معاهدات متعددة الأطراف (جماعية)

المعاهدات الجماعية تشترك في عدد أطرافها يزيد عن دولتين ،وهي قد تكون من حيث المدى الجغرافي إقليمية وقد تكون ذات اتجاه عالمي ،وتنشا المنظمات الدولية عن هذا النوع من المعاهدات الذي تطبق عليه اتفاقية فيينا كما تنطبق على أي معاهدة تعتمد في نطاق منظمة دولية المادة 5 من اتفاقية فينا.
 وكانت المعاهدات الجماعية تتعقد خلال القرن التاسع عشر في مؤتمرات دبلوماسية تلتئم لتنظيم المسائل ذات المصلحة المشتركة ولا تزال هذه الطريقة تستخدم حتى الوقت الراهن ولكن أهميتها أصبحت تتراجع أمام ظاهرة إعداد المعاهدات الجماعية في نطاق (داخل) المنظمات الدولية ،أي على حد إحدى الهيئات أو فرع منظمات التي تمثل فيها الدول الأعضاء أو تحت رعاية هذه المنظمات
وعدد المعاهدات الجماعية كبير للغاية ، لكنه أقل من المعاهدات الثنائية وهي من حيث الموضوع قد تكون ذات طبيعة سياسية أو عسكرية أو حربية أو اجتماعية أو اقتصادية أو قانونية……. .
 وقد تتعلق بالمجال الدولي غير أنها تتضمن في كثير من الأحيان قواعد قانونية موضوعية أو غير شخصية وتنصرف إلى مسائل تتصل بالمصلحة العامة لمجموع الدول. والواقع أنه لا يوجد فارق بين كلا النوعين السابقين من المعاهدات من حيث الآثار القانوني معاهدات ثنائية أذا كانت المعاهدة ثنائية كانت المشكلة الناجمة عن التحفظات قليلة ا أن الطرف الأخر إما أن يبرم الاتفاقية مع التحفظات المضافة إليها وإما أن يرفض إبرامها وبالتالي يقضي عليها.
والراجح فقهيا أن التحفظ على المعاهدات الثنائية من الأمور الجائزة سواء سمحت به المعاهدة موضوع التحفظ أم لم تسمح وانه يعتبر في جميع الأحوال بمثابة إيجاب جديد أو اقتراح بالتعديل ومن ثمة يتوقف مصيره بل ومصير المعاهدة بكاملها على موقف الطرف الأخر إن شاء قبلها بصورتها الجديدة وان شاء رفضها مع التحفظ عليها ، ومن المتفق عليه في هذا المجال أن قبول التحفظ كما يتم صراحة قد يتم أيضا بطريقة ضمنية وان السكوت عن رفض التحفظ صراحة يعتبر بعد مضي اثنا عشر شهرا من تاريخ استشارة الدولة بالتحفظ اور التاريخ الذي أعلن لبدء نفاد الإلزام بمثابة القبول الضمني له .

3 : المعاهدات العقدية و المعاهدات الشارعة:

تكون المعاهدة عقدية إذا كان الهدف من إبرامها مجرد إنشاء حقوق و واجبات متبادلة في إطار مصالح ضيقة و محدودة، و مجالها الغالب المعاهدات الثنائية كمعاهدات الصلح و التحالف و الحدود و التجارة، فيما تكون المعاهدة شارعة إذا كان الهدف منها سن قواعد دولية جديدة أو تقنين قواعد موجودة مسبقا في إطار مصلحة دولية واسعة، كاتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و 1907، و عهد عصبة الأمم 1919، و ميثاق الأمم المتحدة 1945، و اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949.
و يتجلى الفرق بين المعاهدات العقدية و المعاهدات الشارعة في أن الأولى لا تلزم إلا أطرافها، أما الثانية فيمكن أن يتعدى أثرها إلى غير أطرافها، كميثاق الأمم المتحدة (المادة 6/ 02).

4: المعاهدات بالمعنى الدقيق، و الإتفاقات التنفيذية أو ذات الشكل المبسط:

المعاهدات بالمعنى الدقيق في تلك التي يشترط فيها استيفاء كل مراحل إبرامها، بما فيها التصديق و التسجيل والشر، أما المعاهدات التنفيذية أو ذات الشكل المبسط فهي تلك التي يكتفي فيها بمجرد التوقيع كآلية لإنفاذها.
و يعود اللجوء إلى إبرام مثل هذا النوع من المعاهدات إلى عنصري الضرورة و الاستعجال، و من أمثلتها المعاهدات القاضية باستئناف العلاقات الدبلوماسية، و تنظيم الاستعمال السلمي للطاقة الذرية، و المعاهدات الجمركية و البريدية…

5: المعاهدات العامة و المعاهدات الخاصة:

المعاهدات العامة أو المفتوحة هي تلك التي يكون باب العضوية فيها مفتوحا لجميع الدول دون قيد أو شرط ومجالها الغالب المعاهدات الشارعة، و من أمثلتها ميثاق الأمم المتحدة 1945، اتفاقيات جنيف الأربع 1949 الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، أما المعاهدات الخاصة أو المغلقة فهي تلك التي تكون العضوية فيها حكرا على دول معينة غالبا ما تربط بينها الجغرافيا أو أواصر تاريخية أو لغوية أو دينية أو مصالح مشتركة، کالمعاهدات القارية و الإقليمية مثل ميثاق جامعة الدول العربية 1945، میثاق منظمة الدول الأمريكية 1948، و يمكن أن ينصرف مدلول المعاهدات الخاصة إلى المعاهدات العقدية.

6: المعاهدات بالمعنى الدقيق و اتفاقات الشرفاء:

اتفاقات الشرفاء – كما تقدم اتفاقات ذات طابع سياسي محض يعقدها عادة ممثلا دولتين بصفتهما الشخصية موضوعها الإفصاح عن نية مشتركة في إتباع سياسة أو منهج معين أو اتخاذ موقف محدد بشأن قضية دولية ما، و لا تلزم هذه الإتفاقات دولتيهما و لا ترتب أي أثر قانوني في حال عدم تنفيذها لأنها بالأساس غير ملزمة و هذا جوهر الفرق بينها و بين المعاهدات بالمعنى الحقيق.

إجراءات صياغة المعاهدات الدولية

أولا – تحرير أو صياغة المعاهدة:

إذا أفضت المفاوضات إلى اتفاق وجهات نظر الأطراف المتفاوضة، فلا بد من تحرير النتائج المتوصل إليها في قالب مكتوب.  فكيف يتم ذلك، و ما هي اللغة المعتمدة بهذا الخصوص ؟

1 – شكل المعاهدة:

أسفرت الممارسات الدولية على أن المعاهدة الدولية تشتمل عموما على: الديباجة، المتن، الأحكام الختامية، كما قد تشتمل على ملحق أو أكثر:
 أ- الديباجة (المقدمة): تدرج فيها أسماء الدول المشاركة، أو أسماء رؤسائها أو مفاوضيها و ألقابهم ، مع الإشارة إلى أنه قد جرى التأكد من صفتهم التفاوضية، بالإضافة إلى تضمن الديباجة – ضرورة- أسباب ودوافع تبني المعاهدة، و الأهداف المرجوة منها.
ب – المتن (صلب المعاهدة): و تدرج فيه المسائل و الأحكام المتفق حولها، حيث ترد مرتبة و متسلسلة في أبواب و فصول، و فقرات مرقومة على شكل مواد أو نصوص قانونية.
ج – الأحكام الختامية: إضافة إلى ما سبق تتضمن المعاهدة عادة بعض الأحكام الإجرائية ترد في نهايتها وتتعلق بمسائل التصديق و كيفية إتمامه و الجهة المكلفة به، و شروط الانضمام للمعاهدة، و تاریخ بدء نفاذها ومدة العمل بها، و حالات إنهائها أو إيقاف العمل بها، و طرق تعديلها، و توقيعات ممثلي الأول المشتركين في إبرامها حسب الترتيب الأبجدي حسما لأي خلاف محتمل.
د – الملاحق: قد ترفق المعاهدة بملاحق تسمى تصريحات أو بروتوكولات تتضمن تفسيرا لبعض أحكام المعاهدة، أو إيضاحا لوجهة نظر بعض الدول بشأنها، أو بعض البيانات الفنية أو التقنية، أو بعض الجزئيات التفصيلية.

2 – لغة تحرير المعاهدة:

في هذا الصدد نميز بين احتمالين:
أ- إذا كانت أطراف المعاهدة تتحدث لغة واحدة، فتحرر المعاهدة بينها بداهة بهذه اللغة، مثل الدول العربية الدول الفرانكوفونية، أو دول الكومنوالث.
ب – إذا كانت أطراف المعاهدة لا تتحدث لغة واحدة، فهنا نميز بين فروض ثلاثة:
– تحرير المعاهدة بلغة ذات انتشار عالمي واسع سواء كانت لغة أحد الأطراف أو لم تكن، مثل اللغة الإنجليزية.
– تحرير المعاهدة بلغات كل الدول الأطراف أو بعضها، مع اعتبار إحدى اللغات فقط هي اللغة الرسمية للمعاهدة ذات الأولوية عند الإختلاف في تفسير أحكامها.
– تحرير المعاهدة بلغات كل الدول الأطراف على قدم التساوي، و اعتبارها جميعا لغات رسمية لها نفس القيمة القانونية، و هو الحل الأكثر شيوعا و تداولا و طبقا له حرر ميثاق الأمم المتحدة 1945 (الإسبانية، الإنجليزية و الروسية، و الصينية، و الفرنسية)، و تبنته بدورها اتفاقية “فينا” القانون المعاهدات في مادتها 1/85

ثانيا : التوقيع على المعاهدة:

 تكمن أهمية التوقيع بصفة عامة على المعاهدة الدولية في مجرد تثبيت و تأكيد ما تم الإتفاق عليه بشأنها بين الأطراف المعنية. و يطرح التساؤل تبعا لذلك عن أشكال التوقيع، و القيمة القانونية له؟

أشكال التوقيع:

يتخذ التوقيع ثلاثة أشكال: التوقيع النهائي، التوقيع بالأحرف الأولى، التوقيع المرهون بالاستشارة:

التوقيع النهائي:

هو الإجراء الذي يصدر من أشخاص مؤهلين و مخولين صلاحية إبرام المعاهدات الدولية نيابة عن دولتهم، كرئيس الدولة، رئيس الحكومة، وزير الخارجية، أو الأشخاص المزودين بوثائق تفويض تتيح لهم ذلك، و يعد هذا النوع من التوقيع نهائيا لأنه يعكس موقفا مبدئيا دون تردد للدولة بالموافقة على المعاهدة مؤقتا .

التوقيع بالأحرف الأولى:

 هو إجراء أضعف من الأول، لأن دوره يقتصر على مجرد تسجيل حضور ممثل الدولة المعني بالأحرف الأولى من اسمه و لا يعكس أي موقف لا بقبول المعاهدة مبدئيا ولا رفضها، ويلجأ إلى هذا الشكل من التوقيع لضرورات خاصة، كأن تعقد مثلا صلاحية التوقيع النهائي على المعاهدة تبعا الأهميتها أو خطورتها إلى أشخاص أو سلطة أخرى في الدولة أعلى من سلطة الممثل الموقع بالأحرف الأولى. و بذلك يحتاج هذا الشكل من التوقيع لإنتاج أثره بالموافقة المبدئية إلى استكماله بتوقيع نهائي كقاعدة، إلا إذا اتفقت الدول المتفاوضة منذ البداية على إعطائه أثر التوقيع النهائي.
و ذلك ما بينته المادة 12/2-أ من اتفاقية “فينا لقانون المعاهدات ، حيث جاء فيها: “… يشكل إمضاء النص بالأحرف الأولى توقيعا للمعاهدة إذا ثبت أن الدول المتفاوضة قد اتفقت على ذلك…

التوقيع المرهون بالاستشارة:

 في هذا الشكل من التوقيع قد ترى الدولة أنها بحاجة إلى مزيد من الوقت التفكير في المعاهدة و دراستها تقديرا لمدى ملاءمتها لمصلحتها، فتلجأ إلى وضع قيد على سلطة مفاوضها في التوقيع عليها، يتمثل في ضرورة استشارتها لاحقا لاستطلاع موقفها من هذه المعاهدة، ولا يترتب لهذا التوقيع أثر التوقيع النهائي إلا إذا أجازته الدولة لاحقا.
ذلك ما وضحته المادة 12- 2- ب من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات ، حيث جاء فيها: “…يشكل توقيع الممثل للمعاهدة توقيعا مرهونا بالاستشارة إذا أجازته الدولة توقيعا كاملا للمعاهدة….
 وفي هذا يختلف التوقيع بالأحرف الأولى عن التوقيع المرهون بالاستشارة، إذ يبرر الأول بعدم صلاحية ممثل الدولة للتوقيع و يحتاج تبعا لذلك إلى توقيع نهائي يباشره من هو أهل له، فيما يبرر الثاني بعدم تسرع الدولة وأخذها وقتا للتفكير، و لا يحتاج ليكون توقيعا نهائيا إلا لمجرد إجازة لاحقة منها (قبول مبدئي للمعاهدة)

 2 – القيمة القانونية للتوقيع:

المبدأ العام – كما تقدم – أن التوقيع مجرد موافقة مبدئية و مؤقتة للمعاهدة الدولية لا يلزم في ذاته الدولة الموقعة في شيء، حيث يمكنها بعد مدة معينة أن ترفض المعاهدة و لا مسؤولية قانونية عليها في هذا الصدد، فحتى تلتزم الدولة حقيقة بالمعاهدة لا بد أن تستكمل توقيعها النهائي عليها بإجراء آخر هو التصديق.
و لكن استثناء من هذا المبدأ العام و خلافا له، هناك حالات تجعل التوقيع النهائي وحده و في حد ذاته ملزما للدولة التي باشرته، و تتمثل هذه الحالات طبقا للمادة 1/ 12 من اتفاقية ” فينا لقانون المعاهدات في :
أ- إذا نصت المعاهدة ذاتها على أن يكون التوقيع وحده كافيا لإلزام الدولة دون الحاجة لتصديقها.
ب – إذا اتفقت الدول المتفاوضة على أن يكون التوقيع وحده كافيا لإلزام الدولة دون الحاجة لتصديقها. ج – إذا قررت الدولة بمفردها و بإرادتها أن تلزم نفسها بالمعاهدة عن طريق التوقيع وحده، و هذا وقت المفاوضات أو في وثيقة تقويض ممثلها.

ثالثا – التحفظ على المعاهدات الدولية:

إذا كان الأصل أن الدولة لدى موافقتها على المعاهدة الدولية تلتزم بكافة أحكامها، إلا أن هذه الأخيرة قد تستبعد بعض هذه الأحكام من نطاق الالتزام بها أو تعطيها معنى غير ذلك المقصود في المعاهدة ذاتها، و قد استقر الفقه و الممارسة الدوليان على إطلاق مصطلح التحفظ على هذا التصرف.
لذلك ستتناول تعريف التحفظ و مدى مشروعيته، قبوله و الاعتراض عليه، آثاره، سحبه وسحب الاعتراض عليه، إجراءات التحفظ و قبوله و سحبه و الاعتراض عليه و سحب الاعتراض عليه:

 – تعريف التحفظ و مدى مشروعيته:

عرفت المادة 1 / 02 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات التحفظ كما يلي :” يراد بتعبير (التحفظ) إعلان من جانب واحد أيا كانت صيغته أو تسميته تصدره دولة ما حين توقع معاهدة أو تصدقها أو تقبلها أو تقرها أو تضم إليها مستهدفة به استبعاد أو تغيير الأثر القانوني لبعض أحكام المعاهدة في تطبيقها على تلك الدولة.”
من هذا التعريف يتبين أن التحفظ يتخذ شكلين هما: التحفظ الاستعبادي، و التحفظ التفسيري:
التحفظ الاستعبادي : هو ذلك التصرف الذي تستبعد بموجبه الدولة بعض أحكام المعاهدة من التطبيق في مواجهتها، حيث توقع أو تصادق على جل أحكام المعاهدة ما عدا تلك المتحفظ عليها من قبلها.
التحفظ التفسيري: في هذا النوع من التحفظ الدولة لا تلغي أحكام المعاهدة محل تحفظها من التطبيق في مواجهتها، و إنما تكتفي بتفسيرها من وجهة نظرها الخاصة على خلاف التفسير الذي أعطته لها أطرافها مع الإبقاء على هذه الأحكام كما هي في المعاهدة ذاتها .
أما فيما يخص مشروعية التحفظ فينبغي التفرقة بصدده بين المعاهدات الثنائية و المعاهدات الجماعية :
 أ- في المعاهدات الثنائية: في هذا النوع من المعاهدات لا يطرح التحفظ أي مشكلة على الإطلاق، فهو جائز سواء سمحت به المعاهدة أو لم تسمح، باعتباره إيجابا جديدا أو اقتراحا بالتعديل يتوقف مصيره و مصير المعاهدة ككل على موقف الطرف الثاني منه، ففي حال قبوله تظهر إلى الوجود معاهدة جديدة بناء عليه، و في حال رفضه تنهار المعاهدة و تنتهي.
ب – في المعاهدات الجماعية: أما في هذا النوع من المعاهدات فطبقا للرأي الاستشاري المحكمة العدل الدولية الصادر في 1950/ 11 / 06 بشأن إمكانية التحفظ على الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الإبادة الجماعية و المعاقبة عليها لعام 1948 يعتبر التحفظ جائزا شريطة ألا يتعارض مع موضوع المعاهدة أو غرضها.

رابعا – التصديق أو المصادقة على المعاهدة الدولية :

التصديق باعتباره إجراء لاحقا على التوقيع هو إقرار السلطات الداخلية المختصة في الدولة بالموافقة على الالتزام بأحكام المعاهدة بصورة نهائية، و هكذا يضفي التصديق على المعاهدة قيمة قانونية تتأكد بمقتضاها إرادة الدولة بشأنها، و تدخلها حيز النفاذ في مواجهتها .و يطرح التصديق عدة إشكالات تتعلق بطبيعته القانونية، و السلطة المختصة في الدولة بإجرائه، و الشكل الذي ينبغي أن يتم وفقه، و مدى حرية الدولة في إجرائه، و آثاره، و علم رجعيته، و نتناولها تباعا على النحو الآتي :
 الطبيعة القانونية للتصديق، و السلطة المختصة بإجرائه :

الطبيعة القانونية للتصديق:

يعود اشتراط التصديق على المعاهدة الدولية لاعتبارات مهمة تتمثل في :
– منح الدولة فرصة كافية لدراسة المعاهدة و تقدير مدى ملاءمتها لمصلحتها قبل الإقدام على الإرتباط النهائي بها، حيث لا يجوز لها بعده التحلل منها بسهولة.
– استكمال نقص أهلية ممثل الدولة المتفاوض و تصحيحها، لأن في تصديقها ما يعتبر تنازلا أو إجازة منها لتصرف مهمتها خارج حدود تقويضه.
– تمكين البرلمان في الأنظمة الديمقراطية باعتباره ممثلا للشعب، و مدافعا عن مصلحته من المشاركة في دراسة المعاهدة و تقرير ما يراه من خلالها في صالح الدولة.
و بهذا يعد التصديق على المعاهدة الدولية إجراء ضروريا لإدخالها حيز النفاذ و ترتيبها لكافة آثارها القانونية في مواجهة الدول المصدقة عليها، و قد استوجبته اتفاقيات دولية عديدة، منها بروتوكول برلین 1878، معاهدة هافانا 1928، بالإضافة إلى التحكيم و القضاء الدوليين من خلال قرار محكمة التحكيم الدائمة الصادر سنة 1905، و حكم المحكمة الدائمة العدل الدولي الصادر في 1929.
كما دعمت القيمة القانونية للتصديق بعض الممارسات الدولية، يتعلق الأمر مثلا بقرار مجلس العصبة لعام 1936 برفض المساعدة المالية التي طلبتها الحبشة (إثيوبيا حاليا) إثر اعتداء إيطاليا عليها بسبب توقيعها غير المستكمل بتصديقها على المعاهدة المتعلقة بمنح المساعدات المالية الدول المعتدى عليها المبرمة عام 1930، و رفض اليونان تسليم أحد الرعايا الأمريكيين المطلوب من الولايات المتحدة الأمريكية لعدم تصديق اليونان بعد على اتفاقية تسليم المجرمين الموقعة بين الدولتين دون تصديق في مارس 1931.

تطبيق المعاهدة الدولية

المبدأ العام هو دخول المعاهدة حيز النفاذ بمجرد استيفاء كافة مراحل إبرامها فضلا عن توافر شروطها الموضوعية، حيث تصبح ملزمة لأطرافها التي يتعين عليها احترام أحكامها و تنفيذ الالتزامات التي تقضي بها استنادا إلى مبدأ حسن النية المنصوص عليه في المادة 26 من اتفاقية فينا على النحو السابق بيانه.
وعليه فإن إخلال أحد أطراف المعاهدة بحكم من أحكامها يجيز بالمقابل لسائر أطرافها فسخها أو الدفع بعدم تنفيذها أو إثارة المسؤولية الأولية في مواجهة الطرف المعني ، و يثير تطبيق المعاهدة الأولية جملة من الإشكالات تتعلق بكيفية تطبيقها من حيث الزمان ( طريقة و تاريخ السريان)، و تحديد مجال تطبيقها من حيث المكان و من حيث الأشخاص، إضافة إلى إشكالية تعاقب المعاهدات التي تنظم موضوعا واحدا، و أخيرا تطبيق المعاهدة أمام القاضي الوطني،

 أولا- تطبيق المعاهدة الدولية من حيث الزمان:

 يثير تطبيق المعاهدة الدولية من حيث الزمان مسألتين تتعلق الأولى بعدم رجعية المعاهدة، و تتعلق الثانية بإمكانية التطبيق المؤقت لهذه الأخيرة قبل سريانها الفعلي أو دخولها حيز النفاذ.

عدم رجعية المعاهدة الأولية:

 كما تقدم ذكره فالمعاهدة الأولية تبدأ في السريان بالكيفية و التاريخ الذين حددتهما المعاهدة ذاتها أو اتفق عليهما أطرافها، و في حالة غياب كل من النص و الاتفاق فإن سريانها يبدأ باكتمال تصديقات جميع أطرافها المادة 1، 2 / 24  من اتفاقية فينا ، و بالنسبة للدول المنضمة لاحقا فإن سريان المعاهدة في مواجهتها يتقرر بتاريخ هذا الانضمام (المادة 3 / 24) من اتفاقية فينا ، و الاستثناء –  كما تقدم يتعلق بالأحكام الإجرائية التي تبدأ في السريان بمجرد اعتماد نصوصها (توثيقها) (المادة 4/ 24) من اتفاقية فينا.
 و التسليم بالسريان الفوري للمعاهدة الأولية بالكيفية السابقة يستتبع عدم رجعيتها، أي عدم انصراف أحكامها وقواعدها إلى الوقائع التي حدثت قبل إبرامها (المادة 28) من اتفاقية فينا.
و إذا كانت القاعدة العامة هي عدم تطبيق المعاهدة بأثر رجعي، فالاستثناء هو رجعية تطبيقها إذا نصت المعاهدة ذاتها أو اتفق أطرافها على ذلك، و تكمن الحكمة من هذا الاستثناء في رغبة أطراف المعاهدة في إضفاء الصفة القانونية على واقعة أو مسألة سابقة للمعاهدة حتى لا تبقى دون معالجة أو تنظیم سند قانوني وعليه يرمي تطبيقها بأثر رجعي إلى سد فراغ أو ثغرة قانونية وجدا قبل سريان المعاهدة نفسها.

التطبيق المؤقت للمعاهدة الأولية:

يعد التطبيق المؤقت للمعاهدة الأولية قبل سريانها الفعلي (دخولها حيز النفاذ) من المسائل الحديثة في قانون المعاهدات الدولية، و يجد مبرره في الطابع الإستعجالي لبعض الموضوعات التي تتناولها المعاهدة، فقد يكون من المرغوب فيه اتخاذ بعض الإجراءات فورا لمجابهة وضع دولي طارئ لا يحتمل التأخير ، و إلا فات الغرض من إبرام المعاهدة بشأنه أصلا ذلك كأن يتعلق الأمر مثلا بمعاهدة بيئية أو إنسانية أو عسكرية، فالترابط الوثيق للعلاقات الدولية المعاصرة يقتضي تطبيق المعاهدة تطبيقا مؤقتا ريثما يتم دخولها حيز النفاذ.
و يشمل التطبيق المؤقت للمعاهدة المعاهدة ككل أو جزء منها، و يتوقف هذا التطبيق على نص المعاهدة ذاتها أو اتفاق أطرافها عليه.
 و يمكن لأية دولة طرف في معاهدة تطبق تطبيقا مؤقتا أن تنهي هذا التطبيق في مواجهتها بمجرد إخطار بقية أطرافها بنيتها في ألا تصبح طرفا فيها، و لكن هذا الموقف مرهون بسماح المعاهدة بذلك أو النفاق أطرافها على جوازه.

ثانيا – تطبيق المعاهدة الأولية من حيث المكان:

نصت المادة 29 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات على أن : ” تكون المعاهدة ملزمة لكل طرف فيها بشأن كامل إقليمه ما لم يتبين من المعاهدة أو يثبت بطريقة أخرى وجود نية مغايرة. يتبين من استقراء هذا النص أن لتطبيق المعاهدة الأولية من حيث المكان قاعدة و استثناء.

القاعدة في تطبيق المعاهدة من حيث المكان:

القاعدة العامة التي تحكم تطبيق المعاهدة الأولية من حيث المكان هي تطبيق هذه الأخيرة بمجرد نفاذها على كافة أقاليم الدول الأطراف دون استثناء جزء منها، و غني عن البيان أن المقصود بالإقليم في هذا الخصوص هو الإقليم بمجالاته الثلاثة: المجال البري، و البحري و الجوي.
وقد أشارت إلى هذه القاعدة لجنة القانون الأولي بمناسبة إعداد مشروع قانون المعاهدات الدولية بالقول : ” إن ما يجري عليه العمل بين الأول، و كذا قضاء المحاكم الدولية، و مؤلفات الفقهاء يؤيد بوضوح الرأي القائل بأن المعاهدة يفترض فيها تطبيقها على كل إقليم أي طرف من الأطراف المتعاقدة، و ذلك ما لم يتم النص على حل مخالف في المعاهدة نفسها.

الاستثناء من تطبيق المعاهدة على كافة إقليم كل طرف من أطرافها:

إذا كانت القاعدة في تطبيق المعاهدة من حيث المكان على كافة أقاليم الأول أطراف هذه الأخيرة على النحو المتقدم، فالاستثناء هو تطبيق المعاهدة على جزء من إقليم الدولة الطرف ، و استثناء جزء آخر فيه من هذا التطبيق إذا سمحت المعاهدة ذاتها بذلك، أو اتفق عليه أطرافها.
فقد يستفاد من الظروف المحيطة بالمعاهدة بشكل عام أن إرادة أطرافها قد اتجهت إلى استثناء جزء من إقليم طرف أو أكثر من الخضوع لأحكامها، كما هو عليه الحال في المعاهدات الجمركية أو التجارية أو العسكرية.

ثالثا- تطبيق المعاهدات الدولية من حيث الأشخاص:

 القاعدة العامة أن المعاهدة الأولية لا تنطبق إلا بين أطرافها فقط و لا ترتب آثارها إلا في مواجهتهم، و يطلق الفقه على هذه القاعدة ” نسبية أثر المعاهدة، و إذا كان هذا هو الأصل فخلافا له يمكن للمعاهدة أن ترتب آثارا في مواجهة الغير، سواء كانت هذه الآثار حقوقا أو التزامات، و سواء ترتبت برضاه أو بغير رضاه.
و لذلك سنتعرض في فرعين إلى أثر المعاهدة بالنسبة لأطرافها (أولا)، ثم أثر المعاهدة بالنسبة للغير (ثانيا):

1 – أثر المعاهدة بالنسبة لأطرافها (نسبية أثر المعاهدة):

لا تلزم المعاهدة الأولية إلا أطرافها و لا تمتد آثارها إلى غيرها من الأول التي لم تشترك في إبرامها أو تصادق عليها أو لم تنضم لها، عملا بمبدأ نسبية أثر المعاهدة التي قررته المادة 34 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات بنصها على أنه :” لا ترتب المعاهدة أية التزامات على دولة ثالثة و لا أية حقوق لها دون موافقتها.” ويعد هذا النص تماشيا مع ما استقر عليه القضاء الدولي، فقد أكدت على هذا المبدأ المحكمة الدائمة للعدل الأولي في حكمها الصادر في 1927/ 05 / 25 بشأن قضية ” شورزو” بين ألمانيا و بولونيا، حيث جاء فيه : …من الثابت أن المعاهدة لا تنشئ حقوقا و لا ترتب التزامات إلا بين الأول أطراف هذه المعاهدة ذاتها… كما يعد هذا المبدأ من المسلمات في قانون المعاهدات بالنسبة للفقه الدولي الذي يرد أساس المبدأ إلى ثلاثة مبادئ رئيسية تتكامل فيما بينها و هي :

مبدأ سلطان الإرادة:

و الذي يقضي بأن أشخاص القانون الدولي الذين ليس لهم أدني علاقة بإنشاء المعاهدة أو تنفيذها، لا يمكن لهم أن يرتبطوا بها أو يتأثروا بأحكامها.

مبدأ التراضي:

و من مقتضياته سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي – أن العقود و المعاهدات لا تلزم إلا عاقديها أو أطرافها، طبقا لمبدأ المتعاقد عند التزامه أو العقد شريعة المتعاقدين”.

مبدأ المساواة في السيادة بين الدول:

و يقضي بأن الدولة لا يمكن أن تلتزم قانونا بإرادة دولة أخرى وعليه يتعارض هذا المبدأ مع إمكانية من آثار المعاهدة إلى خارج دائرة أطرافها، و يجد مبدأ المساواة في السيادة بين الأول أساسه في ميثاق الأمم المتحدة من خلال المادة 1 / 02 منه.
و عليه فالنتيجة العملية المترتبة عن إعمال مبدأ نسبية أثر المعاهدة الأولية هي أنه لا يجوز لدولة لم تكن طرفا في معاهدة ما أن تطالب بتنفيذ هذه الأخيرة في مواجهتها، أو تستند إليها للمطالبة بحق من الحقوق.

2 – أثر المعاهدة بالنسبة للغير:

 إذا كانت القاعدة هي هيمنة مبدأ نسبية أثر المعاهدة على كل المعاهدات فإن المبدأ نفسه لا يطبق على إطلاقه.
حيث يخضع لبعض الاستثناءات التي يمكن أن تمتد فيها آثار المعاهدة إلى غير أطرافها، فتكسبها بعض الحقوق، وتلقي على عاتقها بعض الالتزامات. و تستند هذه الاستثناءات في نظر الفقه الأولي إلى خمسة مبادئ هي :

– مبدأ الرضا الإيجابي:

 و يقضي بامتداد آثار المعاهدة (حقوقا و التزامات) إلى الغير بسبب قبوله الصريح لذلك، و الذي عادة ما يثبت كتابة، حيث تستند القوة الملزمة للقانون الدولي إلى موافقة الدول، و المثال الأي يجسد هذا المبدأ مثلا المادة 3 / 12 من نظام روما الأساسي للمحكمة الأولية الجنائية التي نصت على أنه يمكن للدولة غير الطرف في نظام المحكمة أن تقبل اختصاص المحكمة بموجب موافقة صريحة (مكتوبة) تودع لدى كتابة ضبط المحكمة.

– مبدأ الرضا الضمني أو المفترض:

 و الذي بمقتضاه يفترض التزام الغير بالمعاهدة و بالتالي امتداد آثارها إليه (حقوقا و التزامات) من خلال سكوته مثلا و عدم اعتراضه، أو من خلال سلوكه الحق الذي يستنتج منه أنه قبل بأحكام المعاهدة، كأن تبدأ دولة غير طرف في معاهدة بتنفيذ أحكامها بصورة انفرادية (المعاهدات البيئية، العسكرية عن طريق اتخاذ تدابير تشريعية أو عملية داخل إقليمها بغرض تطبيق تلك المعاهدة.

– مبدأ الأثر التلقائي:

و الذي يعني أن ممارسة بعض الحقوق يترتب عنه تلقائيا تحمل التزامات مقابلة لها والعكس صحيح، فإذا أبرمت معاهدة ما و قررت حقوقا استفادت منها المجموعة الأولية ككل فضلا عن أطرافها فعلى المجموعة الأولية إذن انطلاقا من مبدأ الأثر التلقائي أن تحترم كذلك الالتزامات الناجمة عنها، فممارسة حق معين يتضمن حتما شروط تلك الممارسة.

العرف الدولي كمصدر للقانون الدولي العام

المصادر الرسمية للقانون الدولي :  العرف الدولي

ظل العرف لعقود طويلة يحتل مركز الصدارة في ظل القانون الأولي التقليدي، و الشاهد في ذلك تتبع المراحل التي مر بها هذا القانون، فقد نشأ نشأة عرفية خالصة، حيث كانت جل مبادئه مبنية على العرف حتى أخذ تسمية القانون الدولي العرفي، و استمر العرف شاغلا لهذا المركز الطلائعي و متصدرا قائمة مصادر القانون الدولي العام إلى وقت قريب، أين نشطت حركة تدوينه و تضاعف عدد المعاهدات الأولية الجماعية ، لاسيما الشارعة منها.
و التي انطوت في جوانب كثيرة منها على تقنين للقواعد العرفية المستقرة و المتداولة في التعامل الدولي، مما أدى إلى إفساح المجال للمعاهدة الأولية التي احتلت المركز السابق للعرف، فيما ارتد الأخير إلى المركز الثاني في ترتيب مصادر القانون الدولي العام.
 مع هذا لم يفقد العرف الأولي مكانته كليا بل بات قرينا للمعاهدة الأولية و ملازما لها، فليس مستبعدا أن يتسبب في إلغائها أو تعديلها في مناسبات معينة، في المقابل يمكن للمعاهدة هي الأخرى أن تقوم بنفس الدور بالنسبة للعرف.
بناء على ما تقدم فإن دراسة العرف الدولي لا تخلو من بعض التعقيدات و الإشكالات، لعل أبرزها يتمثل في ضبط مفهومه واستجلاء طبيعته القانونية.

المطلب الأول: مفهوم العرف الدولي:

لم تنازع المعاهدة الدولية العرف الدولي مكانته كمصدر أول للقانون الدولي العام إلا مع القرن التاسع عشر . حيث تنامي ظهور المعاهدات الأولية و باتت من جانبها تسهم بقسط وافر في إنشاء قواعد القانون الدولي العام من جهة، و بلورة و تثبيت القواعد العرفية القائمة من جهة أخرى عن طريق تدوينها، فمنذ مؤتمر وستفاليا العام 1648 مرورا بمؤتمر فينا لعام 1815 وصولا إلى مؤتمري لاهاي لعامي 1899 و 1907 و ما بعدهما من مؤتمرات دولية ، شهدت أغلب القواعد العرفية تنوينا من خلال عدد من المعاهدات التي توجت بها المؤتمرات الدولية السابقة و غيرها، بالإضافة إلى حملات التدوين التي رعتها كل من منظمة عصبة الأمم 1919 ومنظمة الأمم المتحدة 1945.
 الأمر الذي أضفى على المعاهدة شرعية لم تتوافر للعرف و أذى بها إلى التفوق عليه بفعل التطور الذي طرأ على الحياة الدولية، حيث لم يستطع العرف ببطئه الاحتفاظ بمكانته السابقة ، فتراجع فاسحا المجال للمعاهدة التي أثبتت قدرتها أكثر منه على القيام بهذا الدور، كونها جاهزة دوما للتفاعل مع المستجدات الأولية و التكيف معها لبساطة إجراءاتها و سهولة تعديلها مقارنة مع العرف.

المطلب الثاني : أركان العرف الدولي:

يشترط لنشوء العرف الدولي على غرار العرف الداخلي ركنان أساسيان: رکن مادي و رکن معنوي

أولا- الركن المادي

يتمثل الركن المادي للعرف الأولي في السلوك الذي درج على إتباعه أشخاص القانون الدولي العام من دول ومنظمات دولية، و يصطلح عليه ” السابقة الأولية “، و من الثابت أن السوابق التي تكون الركن المادي العرف الدولي يشترط فيها التواتر، و العموم، و الاتساق و التماثل:

1- التواتر (التكرار):

 يقصد بالتواتر استمرارية و تعاقب و اضطراد السلوك الأولي أو السابقة الأولية المشكلين للركن المادي للعرف الأولي، و شرط التواتر کرسه القضاء الأولي في أكثر من مناسبة، فقد اشترطت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في 1950 بشأن قضية اللجوء السياسي بين البيرو و كولومبيا” أن يكون الملوك التولي متواترا ومودا.
 أما فيما يتعلق بالمدة الزمنية المتطلبة لتكون السلوك الأولي أو السابقة، فالراجح فقها و قضاء أنه من الطبيعي أن ينقضي القدر المعقول من الوقت الذي يسمح بتبلور هذا التصرف أو السابقة و تحقق تواترهما، إلا أن قصر المدة المتطلبة لاستقرار التصرف أو السابقة لا ينهض حائلا دون تكوين القاعدة العرفية، و هو ما أكده القرار التحكيمي الصادر سنة 1969 في قضية الطيران المدني بين فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية ” و المتعلق بالخلاف حول تفسير الاتفاقية المبرمة بين الطرفين سنة 1948.
و تواتر السابقة في هذا الخصوص يقتضي فيها الثبات و الاستقرار، ففي قضية اللجوء السياسي المشار لها آنفا أوضحت المحكمة أن ما طرح عليها من وقائع ينطوي على الغموض ، و عدم التحديد و التناقض على النحو الذي لا يسمح لها بالقول بأن هناك سلوكا متواترا، أو موحدا يصلح أخذه عرفا دوليا.

2 – العمومية:

 إضافة إلى التكرار أو التواتر ، يشترط لتمام الركن المعنوي للعرف الدولي أن يكون الملوك أو السابقة قد درج على إتباعهما عدد كبير من أشخاص القانون الدولي، و بمفهوم المخالفة فسلوك دولة واحدة مهما طال و تكرر لا يكفي بمفرده لتكوين القاعدة العرفية الأولية ما دامت الدول الأخرى لم تسلك مسلك هذه الدولة في مناسبات مماثلة، و عليه فإن عدد الأول المشاركة في السلوك أو السابقة يشكل معيارا للقول بعمومية القاعدة أو قبولها على أوسع نطاق، لكن هل يشترط تبعا لذلك أن تتم هذه المشاركة و هذا القبول من كل الدول أو من بعضها فقط؟
ذهب الاتجاه التقليدي – و هو المرجوح حاليا- إلى اشتراط نصاب الإجماع للقول بتوافر خاصية أو شرط العموم، لكن الرأي الحديث فقها لا يطالب بتصاب أكثر من الأغلبية مع انعدام اعتراض بقية الدول صراحة على هذا السلوك أو السابقة، حيث يقوم انتقاء الاعتراض الصريح دليلا على قبول هذه الدول ضمنيا للملوك أو السابقة.
و إن كانت عمومية الملوك مسألة نسبية بدورها على غرار التكرار أو التواتر، فالسلوك الصادر مثلا عن دولتين فقط و هما الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفياتي سابقا بشأن استخدام الطاقة النووية ، و المتمثل في التصريحات المتبادلة بينهما و الالتزام بها لسنوات من طرفهما و من طرف، بقية الأول تبعا لهما ، يمكن اعتباره في هذا الصدد مسابقة أو سلوكا عاما مكونا لعرف دولي دونته معاهدة 1967.
و هذه النسبية التي تحيط بخاصية أو شرط العموم ، هي التي تؤدي فيما بعد إلى ما يعرف بالعرف العالمي والعرف الإقليمي، أو العرف العام و العرف الخاص كما سيتبين فيما بعد.

3 – اتساق السلوك أو التمائل:

 يقصد بهذا الشرط أن تكون سلوكات أو تصرفات الدول المكونة للركن المادي للعرف الدولي متماثلة أو موحدة أي ألا تكون متعارضة أو متناقضة، و ذلك ما أكدته محكمة العدل الأولية في قضية اللجوء السياسي 1950 المشار لها سلفا، و كذا في حكمها الصادر سنة 1960 في قضية حق المرور في الإقليم الهندي”، حيث رأت أنه ليس هناك سبب لعدم الاعتداد بالتعامل المتواصل و المستمر بين دولتين، و المقبول منهما لإدارة علاقاتهما كأساس للحقوق و الالتزامات المتبادلة بينهما .
 في قضية اللجوء السياسي” أنكرت المحكمة الطابع العرفي للسلوك المدعى به، و ذلك لكونه منطويا على غموض و عدم تحديد و تناقض ، بما ينأى به عن التواتر و الوحدة أي الاتساق و التماثل ، غير أن ذات المحكمة و في حكمها الصادر في 1951 بشأن قضية المصايد” رأت أن القدر اليسير من التناقض لا يحول دون إنشاء القاعدة العرفية الأولية.

ثانيا – الركن المعنوي:

 لا يكفي الركن المادي بمفرده لتحويل السلوك أو السابقة الأوليين إلى عرف دولي، فلا بد أن يقترن هذا الركن بالركن المعنوي، و يعني هذا الأخير عموما تكون عقيدة لدى من ينتهج السلوك المكون للركن المادي للعرف مؤداها أن السير على مقتضى ذلك السلوك قد أصبح واجبا قانونيا، أي أن من يأتي السلوك إنما يأتيه لأنه يعتقد بأنه تعبير عن القانون.
و عليه ينبغي أن يكون السلوك الأولي قد صدر مع اعتقاد أشخاص القانون الدولي و شعورهم بإلزاميته ، لأنه متضمن لحق أو واجب قانوني، و تظهر أهمية الركن المعنوي للقاعدة العرفية في كونه يمثل معيارا للتمييز بينها و بين بقية القواعد المرعية في العلاقات الأولية كقواعد الأخلاق و المجاملات الدولية ، إذ تفتقد هذه القواعد العنصر المعنوي المتمثل في الشعور و الاعتقاد بإلزاميتها، على خلاف القاعدة العرفية الدولية.
وقد أكدت محكمة العدل الأولية في حكمها الصادر سنة 1969 بشأن قضية الجرف القاري لبحر الشمال” بين ألمانيا من جهة، و الدانمارك و هولندا من جهة أخرى أن السلوك المكون للممارسة المعنية يجب أن يكون في ذاته أو بالطريقة التي تم بها دليلا على الاعتقاد بأن هذه الممارسة صارت ملزمة وفقا لقاعدة من قواعد القانون الدولي، لذلك فإن الأول المعنية يجب أن تشعر أنها تتصرف وفقا لما يساوي الالتزام القانوني…
 هذا و تجدر الإشارة إلى أن عنصر الاعتقاد أو الشعور بالإلزام يجب ألا يقتصر على الدول التي يصدر عنها السلوك أو السابقة، و إنما ينبغي أن يتوافر لدى بقية الدول الاعتقاد نفسه بأن ذلك السلوك أو تلك السابقة إنما يصدران عن إلزام قانوني، لأن هذه الأول يمكنها الحيلولة دون استقرار العنصر المعنوي بإبداء اعتراضها أو احتجاجها على هذا السلوك أو هذه السابقة، مثلما حدث بالنسبة لتحديد مسافة البحر الإقليمي حيث عبرت دول كثيرة عن معارضتها لتحديد بعض الأول لمسافة بحرها الإقليمي بما يتجاوز ثلاثة أميال ، معتبرة مسافة الثلاثة أميال آنذاك عرفا دوليا ملزما .

المطلب الثالث: أنواع العرف الدولي:

 نجد على مستوى العرف التولي ما يسمى بالعرف العام العالمي، و العرف الخاص (الإقليمي)، كما أسفر تطور القانون الدولي منذ ستينات القرن الماضي عن بروز ما يسمى بالعرف الآني أو الثوري.

أولا- العرف العام العالمي:

 العرف العام أو العالمي هو ذلك الحرف الذي يسري على كافة أشخاص القانون الدولي دون استثناء، و بالتالي لا ينحصر في جزء معين من الكرة الأرضية، أو يقتصر تطبيقه على العلاقة بين عدد محدد من أشخاص القانون الدولي دون الأشخاص الأخرى، و قد قررت محكمة العدل الأولية في قضية الجرف القاري ” المشار لها سلفا أن الطبيعة العامة للقاعدة العرفية التي يجب تطبيقها على كل أعضاء المجتمع التولي و بطريقة متساوية لا يمكن استبعادها ، أو وضع تحفظ بشأنها من جانب واحد ، أو وفقا لإرادة أحد أشخاص المجتمع الدولي .

ثانيا – العرف الخاص (الإقليمي):

 يصطلح عليه أيضا بالعرف القاري أو المحلي ، و هو العرف الذي يقتصر تطبيقه على قارة معينة أو في إطار علاقات بين عدد محدود من الدول الأول العربية، الإسلامية، الإفريقية، الأوربية، الأمريكية…)، و على الدولة التي تدعي وجود هذا النوع من العرف أن تقوم بإثباته ، حيث يقع عليها عبء الإثبات أمام القاضي أو المحكم الأوليين، و غالبا ما ينتشر العرف الخاص بين مجموعة من الأول تربطها صلات تاريخية و حضارية وعقائدية أو حتى ظروف مشتركة سياسية و اقتصادية و غيرها (دول العالم الثالث مثلا)، فعلى مستوى منظمة الأول الأمريكية المنشأة بموجب میثاق بوقوتا 1984 توجد مجموعة من الأعراف الأمريكية.

المصادر غير الرسمية للقانون الدولي العام

إن العقل البشري مهما تقدم به العلم لا يمكنه وضع جميع القواعد اللازمة أو المحتمل لزومها في المستقبل مما يصلح لحل كل ما قد ينشأ من منازعات بين الأطراف، و نتيجة هذا القصور أو الفراغ القانوني قد لا يصل القاضي بشكل مباشر إلى القواعد التي تصلح للتطبيق على النزاع الماثل أمامه، إلا من خلال الاستعانة والاسترشاد بمصادر أخرى (القضاء و الفقه) أو بما يمليه عليه ضميره القضائي و تستوجبه العدالة حسب منظوره، محاولا تحري الموضوعية إلى أبعد حد ممكن (مبادئ العدالة و الإنصاف).
ترجمة لهذا المسعى نصت المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية على أن المحكمة تطبق: “…أحكام المحاكم و مذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم، و يعتبر هذا أو ذاك مصدرا احتياطيا لقواعد القانون … لا يترتب عن النص المتقدم ذكره أي إخلال بما للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقا لمبادئ العدل والإنصاف، متى وافق أطراف الدعوى على ذلك.”
و المصادر الاحتياطية للقانونالدولي العام حسب مدلول المادة هي تلك المصادر التي تساعد على التعرف على القاعدة القانونية الأولية و تحديد مضمونها دون أن تكون مصدرا مباشرا لهذه القاعدة، و بسبب خصوصية هذه المصادر فإن القاضي الأولي لا يمكنه مبدئيا الاعتماد عليها بمفردها، بل يتخذها كوسائل استرشادية الإصدار حكمه.

 أحكام المحاكم:

 أحكام المحاكم بمفهوم المادة 38 هي مجموع الأحكام و القرارات التي تصدرها مختلف الهيئات القضائية والتحكيمية، الدولية و الوطنية.
 و لأن جانبا من الفقه يرفض الامتداد بسياق النص إلى هيئات التحكيم الدولية و المحاكم الوطنية، فإننا سنحدد المحاكم المقصودة في إطار نص المادة 38، ثم نقف على طبيعة الأحكام التي تصدرها هذه المحاكم

المطلب الأول: المحاكم المقصودة بنص المادة 1/38  من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية:

إن عموم نص المادة 1 / 38 يفيد بشموله لأحكام المحاكم الدولية بصرف النظر عن كونها دائمة أو مؤقتة. و لذلك فهو ينصرف إلى المحاكم النظامية و هيئات التحكيم ، و بصرف النظر عن كون المحاكم النظامية تمثل قضاء بين الدول (محكمة العدل الدولية) أو قضاء في مواجهة الأفراد المحاكم الدولية الجنائية، كما يشمل المحاكم الوطنية، حيث يمكن أن يستدل من قضائها على استقرار أحكام طبقت بعض قواعد القانون الدولي العام على مسائل وطنية لها أبعاد دولية أو على مسائل دولية بطبيعتها، خاصة في الدول الاتحادية من خلال النزاعات التي تنشأ بين الوحدات أو الدويلات (الولايات) المكونة لها.
فالمحاكم الوطنية عادية كانت، أو خاصة بالفصل في شؤون دولية كمحكمة المغانم يمكن العودة إلى أحكامها على سبيل الاستئناس كنموذج معين لمعرفة حدود تطبيق قاعدة من القواعد القانونية، أو كيفية تفسيرها من طرف مختلف الأول.
مع أنه ليس لأحكام المحاكم الداخلية قيمة قانونية في دولة أخرى، لكن إذا تقرر و سلكت معظم المحاكم الداخلية للدول نهجا واحدا في مسألة معينة تتعلق بشأن دولي، يمكن الاعتماد على هذا المسلك من قبل المحكمة الدولية على سبيل الاسترشاد.

المطلب الثاني: طبيعة الأحكام التي تصدرها المحاكم المذكورة:

وفقا لمبدأ نسبية أثر الحكم القضائي المكرس في المادة 59 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، فإن أحكام المحاكم بصفتها الموضحة سابقا لا ينصرف أثرها إلى غير أطراف النزاع، كما لا تلزم هذه الأطراف إلا في حدود موضوع النزاع الذي صدرت بشأنه، بل إن المحكمة نفسها حسب محلول المادة لا تلتزم بتطبيق الأحكام التي سبق أن أصدرتها على نزاعات مماثلة، بالربط مع ذلك لا تلزم قانونا أحكام محكمة دولية ما المحاكم الدولية الأخرى.
إذا كان القضاء الدولي وفق هذا التحليل لا يعرف مبدئيا نظام السوابق المكرس في الدول ذات النظام الأنجلوسكسوني، فإن هناك حقيقة عملية ثابتة تعكس اطراد أحكام المحاكم الدولية و تواترها في القضايا المشابهة.
إذا كانت أحكام المحاكم لا تعد حجة على المحاكم الأخرى و لا على المحكمة المعنية ذاتها، و لا تلزم إلا أطراف النزاع و في حدود ما قضت به، فهي لا تمثل قواعد قانونية ملزمة لأشخاص القانون الأولي، لكن العودة إلى هذه الأحكام ليست مجردة من أي أثر، فهي تساعد على معرفة القواعد التي اعتمدتها المحكمة السابقة في إصدارها لتلك الأحكام، و ما إذا كان مصدرها معاهدة أو عرفا أو مبدأ من المبادئ العامة للقانون، و الاستشهاد بالأحكام السابقة على ضوء هذه المعرفة يؤكد صحة اتجاه الحكم الجديد و سلامة القواعد القانونية التي استند إليها .
تأسيسا على ما سبق فأحكام المحاكم لا تعد مصدرا حقيقيا للقانون الدولي العام، فإذا كانت وظيفة محكمة العدل الدولية هي إصدار الأحكام القضائية بالاستناد إلى مصادر القانون الدولي الرسمية (المعاهدات، العرف, المبادئ العامة للقانون) فكيف تكون الأحكام التي تصدرها استنادا إلى هذه المصادر هي نفسها مصدرا للقانون الدولي؟ فإذا كانت مصدرا فإنها ملزمة إذن بتطبيق الأحكام التي سبق و أن أصدرتها باعتبارها كذلك، لكن هذا الفرض لا يستقيم لأنه مخالف للقانون نفسه (المادة 1 / 38- د).
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تقسيم الموضوع