القائمة الرئيسية

الصفحات

ملخص القانون الدستوري المغربي الفصل الثاني PDF


القانون الدستوري – مفهوم وعناصر الدولة

المطلب الأول : الإطار السوسيو تاريخي لنشأة الدولة :

مع تطور المجتمعات الإنسانية تطورت المؤسسات الاجتماعية وتطورت معها أنماط العيش وظهرت الحاجة إلى التنظيم داخل الجماعات الإنسانية, ويعتبر الزواج أول مؤسسة اجتماعية لجأ إليها الإنسان لتنظيم حياته ذلك أن الطبيعة البشرية مرتبطة بالغريزة الجنسية وقد حاول الإنسان تنظيم الغريزة الحرة وتهديها عن طريق أنظمة الزواج.
وبنشوء مؤسسة الزواج نشأت الأسرة ثم القبيلة فالعشيرة ونما لدى الإنسان الشعور بالانتماء لأفراد جماعة معينة, وقد ساهم اكتشاف الزراعة في تعزيز استقرار هذه الجماعات الإنسانية وتوطيد الشعور بالانتماء ليس فقط للجماعة الإنسانية بل للقطر أو البلاد التي تقطنها هذه الجماعات, حيث انتقلت هذه الجماعات من الحياة البدائية التي تقتضي التنقل طلبا للعيش إلى الحياة الاستقرار بعد اكتشاف الزراعة.
وتعتبر النزاعات و الخلافات المثيرة للحروب بين الجماعات الإنسانية المختلفة من بين العوامل التي ساهمت في توطيد أواصر الانتماء للجماعة وضرورة الدفاع عنها وعن ممتلكاتها وهذا ما يطلق عليه ابن خلدون مفهوم العصبية أي وجود شعور لانتماء بجماعة بشرية يؤدي بأصحابها إلى الإتحاد للدفاع عن تلك الجماعة و القتال من أجلها ويؤكد ابن خلدون أن الدولة تنشا بنشوء العصبية وتدوم بدوامها وبظهور الشعوب المختلفة و اللغات و الألسنة و العادات و الثقافات.


مفهوم وعناصر الدولة
أشكال الدولة
مفهوم و أنواع الدستور
أساليب وضع الدستور
مبدأ سمو الدستور
الرقابة القضائية على دستورية القوانين
أسلوب تعديل الدساتير
الأساليب الغير عادية لتغيير الدستور

المطلب الثاني : مفهوم الدولة

الدولة بالمعنى الاصطلاحي مشتقة من تداول يتداول أي تعاقب وتتالي على الشيء وقد ورد لفظ دولة في القرآن حيث يقول الله تعالى في المال الذي يدفعه الأغنياء للرسول زكاة الأموال: ” مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ۚ” “آية 7 من سورة الحشر”.
أما بالمعنى القانوني فالدولة هي ” شعب يعيش بصورة دائمة فوق إقليم جغرافي محدد ويخضع في تنظيمه لسلطة سياسية معينة”

المطلب الثالث : عناصر الدولة :

ونستخلص من هذا التعريف أن الدولة تتكون من ثلاثة عناصر, الشعب و الإقليم و السلطة السياسية

الفقرة الأولى : الشعب :

يمثل الشعب عنصرا هاما من عناصر الدولة بل هو أساس وجودها فالجماعة الإنسانية الكثيرة العدد تشكل قوة وغلبة ضرورية لنشأة الدولة. لكن وجود الجماعة الإنسانية لا يكفي وحده لوجود الدولة ذلك أن هذه الجماعة لابد أن تتوفر على قدر من الانسجام و التالف الضروري لدوام استقرار الدولة, فلابد لهذه الجماعة أن يكون بين أفرادها شعور بالانتماء لنفس المصير, وهذا ما أدى بظهور مفهوم الأمة كأساس لنشأة الدولة
وقد تطور هذا المفهوم في أوروبا وأدى إلى ظهور عدة نظريات تحدد مفهوم الأمة ومميزاتها في ما يلي :
1 _ النظرية الموضوعية ترتكز هذه النظرية على تعريف الأمة بناء على عناصر موضوعية كاللغة و الدين والجنس والعرق, فالأمة بهذا المفهوم هي مجموعة من الأفراد المنتمين لنفس العرق وتربطهم نفس الروابط الدينية و اللغوية والتاريخية, وقد عرف هذا المفهوم للأمة أوجه مع التيار النازي الذي نادي بنظرية المحافظة على صفاء العرق الآري في ألمانيا وأدى بالتالي إلى ظهور ظاهرة التطهير العرقي والميز العنصري.
2 _ النظرية الشخصية : تطورت هذه النظرية في فرنسا وهي لا تركز على عنصر العرق بل تكتفي بالاعتماد على عناصر أخرى مثل الثقافة المشتركة والظروف التاريخية و الاقتصادية الرابطة بين أفراد الجماعة حيث تتميز الأمة بالشعور المشترك لذا الأفراد بالترابط و التضامن و الرغبة في العيش المشترك تحت نظام موحد, يقول جورج بوردو “الأمة هي حلم بمستقبل مشترك”

الفقرة الثانية : الإقليم:

الإقليم هو المساحة الجغرافية التي تبسط الدولة عليها نفوذها وتضم المجال الأرضي والجوي كما يمكن أن تضم أيضا المجال البحري, إذا كان الإقليم يقع جغرافيا على ساحل بحر أو أكثر , لذلك يقسم الإقليم إلى ثلاثة أقسام : الإقليم الترابي و الإقليم البحري و الإقليم الجوي
أولا الإقليم الترابي : هي المساحة الترابية اليابسة التي تبسط الدولة عليها سلطتها, ولا يتوقف الإقليم الترابي عند سطح الأرض اليابسة بل يمتد إلى أعمق نقطة في مركز الكرة الأرضية بما في ذلك ما تختزنه الأرض من معادن كما يمتد إلى أعلى نقطة من المرتفعات الواقعة في حدود الدولة من هضاب وجبال.
ثانيا الإقليم البحري : ويقصد به المساحة الساحلية المتواجدة على أطراف الإقليم الترابي للدولة من شواطئ وبحيرات وتمتد مسافة الإقليم المائي على بعد 12 ميل بحري أي ما يعادل 852 كلم ابتداء من ساحل الدولة إلى غاية أعالي البحار التي تعتبر مجالا للملاحة الحرة المفتوحة لجميع الدول, ويدخل أيضا ضمن الإقليم المائي كل المساحات المائية الواقعة داخل حدود الإقليم الترابي من أنهار وبحريات تقع داخل حدود الدولة.
ثالثا الإقليم الجوي : ويشتمل المجال الجوي الذي يغطي المجال الترابي و المائي للدولة وذلك دون التقييد بعلو معين, وتمارس الدولة سلطتها على المجالات الثلاثة حيث تنظم الملاحة البحرية والجوية الواقعة داخل دائرتها الترابية و المائية وتدافع عن إقليمها بأجهزتها الأمنية الخاصة.

الفقرة الثالثة : السلطة السياسية :

السلطة السياسية هي القوة القاهرة التي تمتلكها الدولة لإخضاع الأفراد وإلزامهم باحترام القوانين وهي أيضا القوة القاهرة التي تسمح لها بحماية إقليمها الترابي والمائي والجوي فأين تمارس الدولة سلطتها السياسية؟ وما هي حدود هذه الممارسة؟ سوف نجيب على هذين السؤالين من خلال النقطتين التاليتين :
أولا : السيادة وهي السلطة والقوة القاهرة التي تمتلكها الدولة داخل حدودها القطرية و التي ينظمها القانون الدستوري على المستوى الداخلي للدولة ويحكمها القانون الدولي العام على المستوى الدولي الذي ينظم علاقة الدول فيما بينها,
وتتميز السيادة بالسمو والاستمرار الدائمين ذلك أنها تستمر باستمرار الدولة وليس باستمرار حكمها فتغيير الحكومات لا يؤثر على استمرار سيادة الدولة واستمرارها وذلك شريطة اعتراف المجتمع الدولي بشرعية هذه السلطة السياسية.
ثانيا : الشرعية وهي توافق الداخلي لأفراد الجماعة الإنسانية أو لأغلبيتهم على أحقية الحاكمين بامتلاك السلطة السياسية للدولة وينبغي تمييزها عن المشروعية التي يقصد بها التزام المؤسسات السياسية بالمقتضيات القانونية والدستورية التي سنها المشرع داخل الدولة,
فالمشروعية يقصد بها سيادة القانون والشرعية يقصد بها لأسس التي تقوم عليها سيادة الحاكم أو السبيل التي يمتلك بها سلطته.

أشكال الدولة :

تتخذ الدولة عموما شكلين أساسيين فهي إما أن تكون دولة موحدة لديها سلطة سياسية وحيدة ونظام دستوري واحد فتكون بذلك دولة بسيطة وإما أن تكون دولة مركبة من عدة مؤسسات سياسية ودستورية.

الفقرة الأولى : الدولة البسيطة :

تعتبر الدولة البسيطة أساس وأصل مفهوم الدولة حيث تتميز بوحدة المؤسسات المكونة للدولة وبساطتها حيث نجده تتكون من جهاز حكومي واحد وجهاز تشريعي واحد وجهاز قضائي واحد تخضع كلها إلى نفس التنظيم السياسي ولا مجال فيها لتجزيء السلطة , فالسلطة السياسية فيها موحدة ومصدرها واحد هو دستور واحد ينظم السلطة ويصنفها “حكومية و تشريعية وقضائية” ويحدد اختصاصاتها.
غير أن وحدة السلطة في الدولة البسيطة لا يمنع من تقسيم الاختصاصات فيها بين الأجهزة المختلفة ” السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية و السلطة القضائية” كما يسمح أيضا بتفويض جزئ من هذه الاختصاصات على المستوى الجهوي و المحلي, لذلك نميز في الدولة البسيطة بين عدة أشكال من التنظيم الإداري نذكر على رأسها نوعين بارزين :

اللامركزية الإدارية :

اللامركزية الإدارية وهو النظام الإداري الذي يعتمد فيه الجهاز الحكومي على توزيع السلطة بين الأجهزة الحكومية المركزية و الجماعات الترابية الجهوية و المحلية بحيث تمنح السلطة الحكومية المركزية لهذه الأجهزة المحلية المنتشرة عبر مختلف الجهات الترابية للدولة قدرا من السلطة في تسيير شؤونها الداخلية وذلك دون أن تتمتع هذه الأجهزة بالاستقلال التام عن الجهاز الحكومي المركزي.

المركزية الإدارية :

يتميز هذا النظام بتركيز السلطة الحكومية في عاصمة الدولة التي تعتبر مصدر القرارات السياسية و الإدارية في الدولة وعدم تفويض هذه السلطة ولو بشكل نسبي للمناطق الأخرى من الدولة ” الجماعات الترابية المحلية و الجهوية” فهو نظام يعتمد على مركزية القرارات الإدارية المتعلقة بتسيير الشأن العام للمواطنين.

الفقرة الثانية : الدولة المركبة :

الدولة المركبة هي الدولة المكونة من عدة دول تتميز كل واحدة منها باستقلال ذاتي وترتبط فيما بينها تحت إطار سلطة سياسية موحدة في شكل دولة اتحادية موحدة, وتتخذ الدولة المركبة عدة أشكال من أهمها الدولة الفيدرالية و الدولة الكونفدرالية.

الدولة الفيدرالية :

الدولة الفيدرالية هي الدولة المكونة من عدة دويلات تسمى عادة ولايات مثل ما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية و إمارات كما هو الحال بالنسبة للإمارات العربية المتحدة, لا تعتبر الدولة الفيدرالية اتحادا بين مجموعة من الدول المتمتعة بالسيادة الخارجية بل هي دولة واحدة مكونة من عدة دويلات تتمتع بسيادتها الداخلية وتتنازل على سيادتها الخارجية للدول الاتحادية التي تنتمي غليها.

الدولة الكونفدرالية :

الدولة الكونفدرالية وهي إتحاد بين مجموعة من الدول ذات سيادة الكاملة الداخلية و الخارجية و الاستقلالية العامة في تسيير شؤونها الداخلية وكذا في تعاملها مع باقي الدول غير أنها تلتزم باحترام الشروط المنصوص عليها في معاهدة الاتفاق المحدث للدول الكونفيدرالية وتتعلق هذه الشروط عادة ببنود حول التبادل الاقتصادي أو الدفاع المشترك, ويعتبر الإتحاد الأوروبي أبرز نموذج لهذا النوع من الدول حيث تطور إلى غاية توحيد العملة الأورو وفتح الحدود بين الدول المحدثة للإتحاد للمواطنين قصد التنقل في دول الاتحاد دون تأشيرة, وتكوين برلمان أوروبي على مستوى الإتحاد غير أن ذلك لا يمنع من احتفاظ كل دولة بخصوصيتها وسيادتها.

القانون الدستوري – مفهوم و أنواع الدستور




كلمة الدستور لغة هي عبارة غريبة عن اللغة العربية حيث لم ترد في القواميس العربية القديمة فهي كلمة فارسية مركبة من كلمتين “دست” وتعني قاعدة و “ور” تعني صاحب, وبذلك يمكن القول بأن الترجمة الحرفية لكلمة “دستور” يعني “صاحب القاعدة” و كلمة “دستور” عموما هي كلمة دخيلة دخلت إلى اللغة العربية عن طريق اللغة التركية وشاع استعمالها في العالم العربي خلال الحكم العثماني وكان يقصد بها القاعدة والتنظيم و النظام كما يقصد بها أيضا الدفتر أو الكتاب الذي تدون فيه القوانين الحكم وضوابطه, ويقابل كلمة”دستور” في اللغة العربية كلمة” CONSTITUTION” وتعني  الإنشاء و التأسيس و التكوين.
أما اصطلاحا فإن كلمة دستور تحتمل معنيين , أولا الدستور هو مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة للسلطة السياسية في الدولة وطرق اشتغالها, ثانيا الدستور هو الوثيقة التي تتضمن أسمى قانون في الدولة وتحدد كيفية تنظيم السلطة السياسية فيها وحدود العلاقة بين الحاكمين و المحكومين.
مفهوم القانون الدستوري : مصطلح “القانون الدستوري” حيث الظهور في الدراسات القانونية حيث ظهر في أواخر القرن الثامن عشر كمادة تدرس في الجامعات الإيطالية كجامعة فيراري وجامعة بافي وجامعة بولونيو, وفي بداية القرن التاسع عشر ظهر في فرنسا بعد صدور أمر عن وزارة المعارف في 22 غشت 1834 يقضي بتدريس مادة القانون الدستوري ويحدد موضوعها وهو دراسة وثيقة الدستور, وبذلك تم إحداث أول كرسي للقانون الدستوري بجامعة باريس وق نولى تدريس هذه المادة بيلغرينو روسي الإيطالي الأصل و الذي سبق له أن درس بجامعة بولونيو.

المعيار اللغوي للقانون الدستوري :

يعرف “القانون الدستوري” وفقا للمعيار اللغوي بأنه” مجموعة القواعد القانونية التي تحدد أسس الدولة وتبين تكوينها” ويقصد به أن القانون الدستوري يضم جميع القواعد التي تتعلق بأسس الدولة وطرق سيرها, وهو مفهوم شاسع للقانون الدستوري يجعل منه القانون المهتم بدراسة جميع شؤون الدولة بما في ذلك التسيير الإداري وتسيير الشؤون المتعلقة بالمواطنين, باعتبارهم جزئ أساسي في وجود الدولة كالشؤون المتعلقة بالجنسية وبالعقوبات المدنية والجنائية وبهذا المفهوم يكون القانون الدستوري يشمل قانون الجنسية و القانون الإداري وقانون المسطرة المدنية و الجنائية.
لقد نحى هذا النحو عدد كبير من فقهاء القانون الإنجليزي ذلك أن هؤلاء الفقهاء لا يميزون بين القانون الدستوري و القانون الإداري ويقول الفقيه دايسي في هذا الصدد وهو من فقهاء القرن التاسع عشر بان انجلترا لا يوجد فيها قانون إداري وأن اصطلاح القانون الإداري غير معروف لذا فقهاء القانون بانجلترا.
وإذا كان الكثير من فقهاء القانون الإنجليزي يعترفون حاليا بوجود القانون الإداري فإنهم لا يفرقون بينه وبين القانون الدستوري حيث يعتبرونه جزئ لا يتجزأ منه, وذلك على خلاف الفقهاء الفرنسيين الذين جنحوا إلى التمييز بين القانون الدستوري والقانون الإداري وبين القانون الدستوري وغيره من فروع القانون.
ونحن إن كنا نعيب على المعيار اللغوي في تعريف القانون الدستوري: كونه يؤدي إلى الخلط بين فروع قانونية مختلفة بشكل لا يسمح بالتمييز بين الفصل الفقهي السائد بين القانون الخاص والقانون العام, إلا أننا في ذات الوقت نتفق مع أصحاب هذا الاتجاه في صعوبة الفصل بين القانون الدستوري والقانون الإداري ذلك أن هذا الأخير جزئ لا يتجزأ من القانون الدستوري بل هو في نظرنا امتداد له.

المعيار الشكلي للقانون الدستوري :

يعرف القانون الدستوري حسب المعيار الشكلي بأنه:”مجموعة القواعد القانونية المنصوص عليها في وثيقة الدستور” وعلى هذا الأساس يكون مجال دراسة القانون الدستوري محصورا فقط في المواد القانونية المنصوص عليها في الوثيقة الرسمية للدستور” وبالتالي فإن مواضيع دراسة القانون الدستوري ستختلف باختلاف الدساتير من دولة لأخرى,
كما أن ذلك قد يدخل ضمن دراسة القانون الدستوري مجالات أخرى كالحريات العامة التي تعتبر فرعا مستقلا من فروع القانون العام و التي غالبا ما يتم التنصيص عليها في دساتير الدول بالإضافة إلى المواثيق الدولية, هذا من جهة ومن جهة أخرى قد يجعلنا المعيار الشكلي لتعريف القانون الدستوري نقصي من مجال دراسته مواضيع تعتبر من صميم الدراسات الدستورية كنظام الانتخابات الذي غالبا لا يتم التنصيص عليه ضمن وثيقة الدستور بل تخصص له قوانين خاصة كما هو الحال بالنسبة لبعض الدول كفرنسا و المغرب,
وعموما فإن المعيار الشكلي قد واجه عدة انتقادات من فقهاء القانون وعلى رأسها هو كون هذا المعيار لا يمكن العمل به بالنسبة لبعض الدول التي ليس لها دستور مكتوب كانجلترا التي تعتمد على دستور عرفي.

المعيار الموضوعي للقانون الدستوري :

يقوم المعيار الموضوعي على تحديد موضوع القواعد القانونية التي تعد من صميم القانون الدستوري والاهتمام بجوهرها دون النظر إلى معناها اللغوي أو شكل إصدارها, وبالتالي ينبني تعريف القانون الدستوري وفقا لهذا المعيار على المواضيع التي تعتبر في جوهرها دستورية دون الأخذ بعين الاعتبار شكلها, وعلى هذا الأساس اتفق جمهور الفقهاء المؤيدين لهذا المعيار على تعريف القانون الدستوري بأنه:”قانون نظام الحكم وطريقة تكوين وممارسة السلطة العامة في الدولة“
وإذا كان الفقهاء قد اختلفوا في تحديد المواضيع التي يمكن اعتبارها دستورية بطبيعتها, إلا أننا يمكننا ان نخلص من خلال التعريف المذكور أعلاه إلى أن القانون الدستوري يهتم بدراسة أنظمة الحكم وكيفية ممارسة السلطة داخل الدولة, وهو بهذا المعنى يستبعد جميع المواضيع التي لا علاقة لها بدراسة نظام الحكم و السلطة السياسية وإن تم التنصيص عليها في وثيقة الدستورية أو أي وثيقة قانونية أخرى أو حتى جاء ضمن عرف دستوري غير موثق في وثيقة رسمية.
وتجذر الإشارة إلى أن أغلب فقهاء القانون يعتمدون على المعيار الموضوعي في تعريف القانون الدستوري لكون هذا المعيار لا يربط تعريف القانون الدستوري بوثيقة الدستور كما انه يحدد مجال الدراسة في تحديدا دقيقا لا يمكن معه الخلط بينه وبين غريه من فروع القانون .

أنواع الدساتير

أولا : الدساتير المكتوبة و الدساتير العرفية :

يعتبر الدستور مكتوبا إذا كانت قواعده القانونية مكتوبة وثيقة رسمية أو عدة وثائق رسمية مصادق عليها من طرف السلطة التي تملك الاختصاص للمصادقة على هذه القواعد القانونية, ووجود الدستور المكتوب داخل الدولة لا يلغي بالضرورة الأعراف الدستورية المتفق عليها داخل هذه الدولة.
يعتبر الدستور عرفيا إذا كان عبارة عن قواعد دستورية عرفية تواترت المؤسسات الحكومية والقضائية على احترامها ومراعاتها داخل دولة معينة وأصبحت تشكل مرجعا أساسيا لاستصدار القواعد القانونية, ويعتبر الدستور الإنجليزي مثالا بارزا لهذا النوع من الدساتير غير أن العرف الدستوري السائد في إنجلترا لم يمنع من إصدار بعض الأحكام الدستورية المكتوبة مثل القانون الصادر سنة 1958 و المتعلق بإعطاء حق العضوية للنساء في مجلس اللوردات.

ثانيا : الدساتير المرنة و الدساتير الجامدة :

الدساتير المرنة هي الدساتير التي لا يتطلب تعديلها اللجوء إلى إجراءات معقدة وصعبة بل يمكن تعديلها فقط بنص من النصوص التشريعية العادية الصادرة عن السلطة التشريعية ويمكن القول بأن الدساتير العرفية تعتبر خير مثال على الدساتير المرنة ذلك أن تعديلها لا يتطلب استصدار قانون معين بل يكفي أن تظهر قواعد عرفية جديدة لتلغي القواعد العرفية القديمة ومن أمثلة الدساتير العرفية المرنة نجد الدستور الانجليزي ومن أمثلة الدساتير المرنة المكتوبة نجد دستور فرنسا لسنة 1814 ودستور إيطاليا لسنة 1818.
الدساتير الجامدة وهي الدساتير التي لا يمكن تعديلها بواسطة قوانين تشريعية عادية بل يتطلب ذلك مسطرة خاصة وإجراءات معقدة يتم التنصيص عليها في الدستور القائم كأن يشترط لتعديل الدستور انقضاء فترة معينة من الزمن كما هو الحال بالنسبة للدستور الفرنسي لسنة 1791 الذي كان يحرم اقتراح التعديل قبل نهاية دورتين تشريعيتين “أربع سنوات” أو أن يتضمن الدستور مقتضيات تقضي بحضر التعديل بالنسبة لبعض بنوده كما جاء في دستور إيطاليا لسنة 1947 حظر تغيير النظام الدستوري المادة 139 منه” أو كما جاء في دستور أفغانستان لسنة 1964 الذي نصت المادة 120 منه على أنه” لا تعديل في أصل إتباع الأسس الإسلامية وأساس الملكية الدستورية طبقا لأحكام هذا الدستور”









لا تطرح مسألة طرق وأساليب وضع الدساتير بالنسبة للدساتير العرفية, ذلك لأنها دساتير غير مدونة تتغير بتغير الأعراف بسلاسة دون أن يستدعي ذلك إجراءات وطرق خاصة لوضعها أو تغييرها, لذلك فإننا حينما نتحدث عن أساليب وطرق وضع الدساتير فإننا نقصد بذلك الدساتير المكتوبة, وعموما فإن طرق وضع الدساتير تختلف حسب طبيعة الأنظمة السياسية في الدول وتقاليدها الدستورية ونميز في هذا الإطار بين أسلوب المنحة وأسلوب العقد وأسلوب الجمعية التأسيسية وأسلوب الاستفتاء.

أولا : أسلوب المنحة :

تعتبر الدساتير ممنوحة إذا كانت صادرة عن إدارة الحاكم دون تدخل أو طلب من أفراد الشعب وقد ظهر هذا النوع من الدساتير في الأنظمة الملكية حيث يقوم الملك الذي تكون له في الدولة سلطة مطلقة بتفويض بعض اختصاصاته والتنازل عن جزء من سيادته لصالح الشعب ومن أمثلة الدساتير الممنوحة نجد دستور فرنسا لسنة 1814 الذي منحه الملك لويس الثامن عشر للشعب الفرنسي, ودستور مصر الصادر بأمر ملكي من الملك فؤاد سنة 1923 وق أثار الفقه الدستوري تساؤلا هاما في شأن الدساتير الممنوحة وهو : هل يجوز للحاكم الذي قام بمنح دستور لشعبه أن يقوم في يوم من الأيام بسحبه؟ وقد انقسم الفقه إلى فرقين :
فريق يرى بأن صدور الدستور في شكل منحة بناء على الإرادة المنفردة للحاكم لا يمنح لهذا الأخير الحق في سحبه أو إلغائه, لأن هذا الدستور قد ترتبت عنه حقوق الأفراد الشعب أصبحت ملكا لهم ولا يحق له المساس بها , وهناك فريق آخر يرى بما أن الدستور يعتبر هبة ومنحة من طرف الحاكم فإن له الحق في سحبه أو إلغائه متى أراد ذلك, لأن من يملك حق المنح والهبة يملك حق الاسترداد في أي وقت شاء ذلك كما هو الحال بالنسبة للملك الفرنسي شارل العاشر الذي قام سنة 1830 بإلغاء دستور سنة 1814 وكذلك الشأن بالنسبة للملك فؤاد حين قام بإلغاء دستور مصر الممنوح سنة 1923 واستبداله بدستور آخر سنة 1930 يسترد فيه بعض سلطاته واختصاصاته و الرجوع بالتالي عما تم منحه للشعب سالفا.

ثانيا : أسلوب التعاقد :

يمكن أن تصدر الدساتير بناء على اتفاق أو عقد بين الحاكم والشعب حيث تحدد بنود الدستور باتفاق بين الحاكم وهيئة أو جمعية تمثل الشعب, وفي هذا النوع من الدساتير يسمح الحاكم للشعب بالمشاركة في وضع الدستور من خلال ممثليه, ويعتبر هذا الأسلوب أكثر ديمقراطية من أسلوب المنحة لكونه يسمح لإرادة الشعب أن تظهر ولو بشكل نسبي في وضع الدستور,
ومن أمثلة الدساتير المنبثقة عن عقد بين الحاكم و الشعب دستورا فرنسا لستة 1830 الذي كان نتيجة لثروة الشعب على الملك شارل العاشر حيث أجبر على التخلي على العرش لصالح الملك لويس فيليب الذي اعتلى عرش فرنسا بعد موافقته على الدستور الذي وضع من طرف جمعية تأسيسية وبذلك اعتبر دستور سنة 1830 من الدساتير الناتجة عن عقد واتفاق بين الملك والشعب.

ثالثا : أسلوب الجمعية التاسيسية :

يقوم أسلوب الجمعية التأسيسية على مبدأ سلطة الشعب وسيادته الكاملة في وضع الدستور حيث توكل مهمة وضع الدستور إلى هيأة منتخبة من طرف الشعب يطلق عليها أسم الجمعية التأسيسية وبجمع فقهاء القانون على القول بأن هذا الأسلوب هو الأنسب لوضع الدساتير والأكثر ديمقراطية, على اعتبار أن الهيأة المكلفة بإعداد الدستور هيئة منتخبة من طرف الشعب وتعبر عن إرادته,
ويعد الدستور الأمريكي الصادر سنة 1787 أول دستور اعتمد على هذا الأسلوب حيث لجأت مختلفة الولايات إلى انتخاب جمعيات تأسيسية وكلت إليها مهمة إعداد الدستور الخاص بكل ولاية على حدا, بعد استقلالها عن انجلترا سنة 1776 ثم صدر بعد ذلك الدستور الفيدرالي المنبثق عن مؤتمر فيلاديلفي سنة 1787, ويعد هذا الدستور أقدم دستور مكتوب في العالم. ثم انتشر هذه التقنية في وضع الدساتير في باقي دول العالم “دستور فرنسا لسنة 1791 ودستور ألمانيا 1919 ودستور النمسا لسنة 1920 ودستور تركيا لسنة 1924”

رابعا : أسلوب الاستفثاء :

لا يتخذ الدستور صفته الإلزامية وفقا لأسلوب الاستفتاء إلا بعد أن يتم التصويت عليه بأغلبية الأصوات المعبر عنها من أفراد الشعب في استفتاء دستوري, وفي هذه الحالة يمكن أن يتم وضع نص الدستور من طرف جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب كما يمكن أن يكون ذلك من قبل لجنة تقنية معينة من طرف الحاكم وفي كل الأحوال لا تمتلك هذه اللجنة سلطة إصدار الدستور إلا بعد أن تتم المصادقة عليه عن طريق الاستفتاء الشعبي, لذلك فهو قبل أن يتم التصويت بشأنه يطلق عليه اسم “مشروع دستور” ولا يصبح دستورا ملزما إلا بعد الموافقة عليه من طرف أغلبية أفراد الشعب.

مبدأ سمو الدستور

يعتبر الدستور أسما قانون داخل الدولة وسواء تعلق الأمر بدستور عرفي أو دستور مكتوب فإن سموه عن باقي القواعد القانونية مبدأ دستوري يتفق عليه فقهاء القانون, وهذا المبدأ يقتضي بالضرورة اتخاذ إجراءات للحفاظ على سمو القواعد القانونية الدستورية وذلك بعدم السماح للقواعد القانونية الأخرى بمخالفتها, فإلى أي مدى يمكن الحفاظ على مبدأ سمو الدستور؟

السمو الشكلي

إن السمو الشكلي يقضي بان لا يتم تعديل الدستور بنفس الإجراءات التي يتم بها تعديل القوانين العادية أو تغيير بعض بنوده باستخدام قوانين تشريعية عادية, ذلك أن الدستور يعتبر أسما القوانين وإجراءات وضعه تختلف عن إجراءات وضع القوانين العادية وبالتالي كذلك الشأن بالنسبة لتعديله, وبالنظر إلى ما تم التطرق إليه سابقا في شان أنواع الدساتير فإن احترام مبدأ السمو الشكلي لا يمكن توفره إلا في ظل الدساتير الجامدة التي تحدد شروطا خاصة في شان التعديل, ولا يتأتي بالتالي احترام هذا المبدأ في ظل الدساتير المرنة التي يمنك تعديلها عن طريق القوانين التشريعية العادية.

السمو الموضوعي أو المادي

يتعلق السمو الموضوعي يسمو مضامين القواعد القانونية العامة المكونة للسياسة العامة للدولة والمتضمنة في الدستور عن باقي القرارات الحكومية والتشريعات الصادرة عن هيئات الدولة وسموها بالتالي عن كافة الأنشطة والقرارات والسياسات الحكومية, وسواء تعلق الأمر بالدساتير الجامدة أو الدساتير المرنة يبقى مبدأ السمو الموضوعي للدستور ساريا, ذلك إن المشرع وغن كان يملك حق تعديل الدستور المرن بإجراءات القانون العادي, فإنه ملزم مع ذلك باحترام الأسس النظرية والفلسفية التي يقوم عليها الدستور.

الرقابة على دستورية القوانين

إن مبدأ سمو الدستور يقضي بسمو مقتضياته عن باقي القوانين الصادرة في الدولة, كما أن مبدا التدرج في القواعد القانونية يقضي بعدم تعارض القواعد الأدنى مع القواعد الأسمى, فالقواعد القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية وكذا الأعمال والنشاط الصادر عن كافة الهيئات الإدارية والسياسية للدولة ينبغي أن تكون منسجمة مع القواعد الدستورية ولا تتعارض معها,
ولضمان هذا السمو للدستور لابد من مراقبة كافة القوانين الصادرة عن هيئات الدولة, وهذه العملية هي ما يطلق عليها الفقه الدستوري اسم “الرقابة على دستورية القوانين” فما هي الهيئة المكلفة بمراقبة دستورية القوانين؟ فقد اختلف الفقهاء في طبيعة الهيئة التي تتكلف بمراقبة دستورية القوانين هل هي هيئة سياسية وتكون الرقابة إذن رقابة سياسية أم هيأة قضائية فتكون الرقابة بالتالي رقابة قضائية.

تطبيقات الرقابة السياسية على دستورية القوانين :

إن الرقابة السياسية على دستورية القوانين تكون من طرف هيئة سياسية تكون مكونة من أفراد معينين من طرف السلطة التنفيذية أو من طرف السلطة التشريعية او منهما معا, وهذه الرقابة تكون عموما قبلية وسابقة عن صدور القوانين وغالبا ما يتم التنصيص عليها في الوثيقة الدستورية ويكون الهدف منها الحيلولة دون صدور قوانين مخالفة لأحكام الدستور, ويختلف تشكيل الهيئة المكلفة بمراقبة دستورية القوانين حسب ما ينص عليه دستور كل دولة:
تنص بعض الدساتير على أن السلطة التشريعية نفسها هي التي تتكلف بمراقبة دستورية القوانين على اعتبار أن السلطة التشريعية هي ممثلة لإرادة الشعب وسيادته ومن بين الدساتير التي نصت على ذلك دستور الاتحاد السوفياتي لسنة 1936 الذي اسند لمجلس السوفيت العلى مهمة تنفيذ الدستور و اتخاذ الإجراءات التي توافق دساتير الجمهوريات.
كما تنص بعض الدساتير على أن السلطة التشريعية هي التي يوكل عليها انتخاب اللجنة المكلفة بمراقبة دستورية القوانين كما هو الحال بالنسبة لدستور ألمانيا الشرقية الصادر لسنة 1949 الذي تنص المادة 66 منه على انه “ينشئ مجلس الشعب لمدة انتخابه لجنة دستورية تمثل فيها جميع الفرق البرلمانية حسب حجم كل منها وبالإضافة غلى ذلك تضم اللجنة ثلاثة أعضاء من المحكمة العليا للجمهورية وثلاثة خبراء ألمان في القانون السياسي على ألا يكون هؤلاء أعضاء في مجلس الشعب, وينتخب الشعب أعضاء اللجنة الدستورية”.
وفي بعض الدساتير تسند مهمة الرقابة على دستورية القوانين لهيئة مكونة من أعضاء منتمون للسلطة التنفيذية وأعضاء منتمون للسلطة التشريعية كما جاء في دستور فرنسا لسنة 1946 الذي نص في المادة 91 منه على إنشاء لجنة دستورية مكونة من 13 عضو وهم رئيس الجمهورية و رئيس الجمعية الوطنية و رئيس مجلس الجمهورية وعشرة أعضاء يختارهم البرلمان.

الرقابة السياسية على دستورية القوانين في المغرب :

لقد حذا المغرب حذو فرنسا في دستور سنة 1996 حيث اخذ بخيار الرقابة السياسية على دستورية القوانين حيث ينص الفصل 79 من هذا الدستور على ما يلي : “يتألف المجلس الدستوري من ستة أعضاء يعينهم الملك لمدة تسعة سنوات, وستة أعضاء يعين ثلاثة منهم رئيس مجلس النواب وثلاثة رئيس مجلس المستشارين لنفس المدة بعد استشارة الفرق, ويتم كل ثلاثة سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المجلس الدستوري, يختار الملك رئيس المجلس الدستوري من بين الأعضاء الذين يعينهم”

الانتقادات الموجهة للرقابة الدستورية :

أولا الهيئة السياسية يغلب عليها الطابع السياسي ولا تتمتع بالحياد والاستقلال التام من التيارات السياسية و الحزبية الممثلة فيها ذلك أن أعضاء الهيئة السياسية يتم تعيينهم غالبا من السلطتين التشريعية و التنفيذية, ثانيا تكوين الهيئة السياسية من أعضاء ينتمون إلى السلطتين التشريعية و التنفيذية يجعلها لا تتوفر على أعضاء ذوي كفاءة قانونية للقيام بالرقابة على أكمل وجه, ثالثا المطالبة بالرقابة على دستورية القوانين أمام الهيئة السياسية يكون فقط من طرف السلطات العمومية “الحكومة او البرلمان” ولا يسمح للمواطنين العاديين إثارة مسالة دستورية القوانين.

الرقابة القضائية على دستورية القوانين

تتلخص الرقابة القضائية على دستورية القوانين في إسناد مراقبة دستورية القوانين لهيئة قضائية تباشر هذه العملية وإسناد الرقابة إلى القضاء يجعل الأمر بين يدي أشخاص “القضاة” من ذوي الاختصاص لهم دراية بالقوانين ويضمن لها عنصر الحياد عن أي اتجاه سياسي أو حزبي, وقد أكد التيار الفقهي المناصر للرقابة القضائية على دستورية القوانين على كون القضاء هو أنجع السبل لضمان حماية سمو الدستور ذلك أن القضاء يعمل على حماية سيادة القانون بين الأفراد وبالأحرى حماية الدستور الذي يعتبر اسما قانون في البلاد.

تطبيقات الرقابة القضائية على دستورية القوانين :

لقد أخذت العديد من الدول في دساتيرها باختيار الرقابة القضائية على دستورية القوانين سعيا منها إلى توخي الحياد بعدم إسناد هذه العملية لهيأة سياسية ومن أمثلة ذلك دستور ألمانيا الاتحادية لسنة 2002 ودستور المغرب لسنة 2011.

الرقابة القضائية على دستورية القوانين في ألمانيا الاتحادية

تعتبر ألمانيا الاتحادية من بين الدول التي أخذت بخيار الرقابة القضائية على دستورية القوانين وذلك في دستورها لسنة 2002 الذي نص على إحداث المحكمة الدستورية ويتم انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية من طرف المجلس الاتحادي والمجلس النيابي الاتحادي على أن لا يكون الأعضاء المنتخبين من بين أعضاء هذين المجلسين أو من بين أعضاء الحكومة الاتحادية.

الرقابة القضائية على دستورية القوانين في المغرب

لقد جاء التعديل الدستوري الأخير بالمغرب باستبدال خيار الرقابة السياسية على دستورية القوانين بخيار الرقابة القضائية حيث تم إحداث المحكمة الدستورية بمقتضى الفصل 129 و”تتألف المحكمة الدستورية من اثني عشر عضوا, يعينون لتسع سنوات غير قابلة للتجديد, ستة يعينهم الملك, من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى, وستة أعضاء ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب, وينتخب النصف الآخر من قبل مجلس المستشارين من بين المرشحين الذين يقدمهم مكتب كل مجلس…” الفقرة الأولى من الفصل 130.
ويتم انتخاب الأعضاء الستة من طرف كل مجلس بأغلبية ثلثي أعضاء كل منهما وإذا تعذر ذلك على كلا المجلسين أو على أحدهما داخل الآجال القانونية للتجديد”ثلاث سنوات” تمارس المحكمة اختصاصاتها, وتصدر قراراتها وفق نصاب لا يأخذ بعين الاعتبار الأعضاء الذين لم يتم بعد انتخابهم, “الفقرة الثانية من الفصل 130″ ويعين الملك رئيس المحكمة من بين الأعضاء الذين تتألف منهم المحكمة”الفقرة الرابعة من الفصل 130”
والجديد في دستور سنة 2011 بالنسبة لاختيار أعضاء المحكمة الدستورية هو اشتراط توفر مواصفات علمية وتقنية عالية في هؤلاء الأعضاء حيث يجب أن يتوفروا على تكوين عال في مجال القانون بالإضافة إلى خبرة مهنية تفوق خمسة عشر سنة كما يشترط أن يكون مشهود لهم بالتجرد والنزاهة” الفقرة 5 من الفصل 130″, فاعتماد الرقابة القضائية على دستورية القوانين يوفر للدستور حماية أكبر ذلك ان القضاء يعتبر هيئة مستقلة, كما أن توفر الأعضاء على كفاءة قانونية عالية يجعل عملية الرقابة موكولة لذوي الاختصاص, غير أن ذلك من وجود بعض الانتقادات لهذا النوع من الرقابة.

الانتقادات الموجهة للرقابة القضائية على دستورية القوانين

من الانتقادات الموجهة للرقابة القضائية هو أن إسناد الرقابة على دستورية القوانين لهيئة قضائية يعتبر إخلالا بمبدأ تساوي السلطات الذي جاءت به نظرية الفصل بين السلطات ويجعل السلطة القضائية فوق السلطة التشريعية _ اعتداء على البرلمان باعتباره ممثلا لإرادة الأمة ومساسا بالتالي بمبدأ سيادة الأمة, _ تدخلا من السلطة القضائية في أعمال السلطة التشريعية, _ خروجا على وظيفة القضاء الأساسية المتمثلة في تطبيق القوانين وليس تقييمها أو الحكم عليها مما يجعل للقاضي سلطة سياسية.

أسلوب تعديل الدساتير

أسلوب تعديل الدساتير المرنة

إن الدساتير المرنة كما سبق وان رأينا لا تتطلب إجراءات معقدة لتعديلها فيمكن أن يخضع الدستور المرن للتعديل بواسطة القوانين التشريعية العادية, غير أن تعديل الدستور المرن يبقى أيضا رهينا باحترام الفلسفة والإيديولوجية العامة للدولة “طبيعة النظام: جمهوري أم ملكي..”

أسلوب تعديل الدساتير الجامدة

تتميز الدساتير الجامدة بتحديد مقتضيات خاصة في شأن تعديلها, وقد طرح ذلك اختلافا فقهيا في تحديد أساليب تعديلها, كما شكل تنوعا في تحديد هذه الأساليب في دساتير الدول, فقد اختلف فقهاء القانون الدستوري في تحديد الجهة التي تختص بتعديل الدستور, ونميز في هذا الإطار بين ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول : يرى بأن الوثيقة الدستورية تعتبر بمثابة عقد اجتماعي يعقده الشعب مع من يتولى أمور الحكم وبما أن العقد الاجتماعي لا يتم إلا بالإرادة الجماعية لأفراد الشعب, فإن تعديله أيضا لا يكون إلا باتفاق جماعي من أفراد الشعب, وبما انه من الناحية العملية يستحيل انعقاد رأي الشعب بأكمله على اتجاه واحد فإن أصحاب هذا الاتجاه يؤكدون ضرورة رأي أغلبية أفراد الشعب من اجل تعديل الدستور, كما أنهم يجيزون تعديل الدستور إذا تم التنصيص على ذلك في الوثيقة الدستور, وذلك على اعتبار أن الأمر يتعلق فقط بتنفيذ شرط من شروط العقد الاجتماعي.
الاتجاه الثاني : يؤكد أصحاب هذا الاتجاه أن الهيئات والسلطات التي نشأت عن الدستور لا يحق لها التدخل في عملية تعديله, وأن الشعب بصفته صاحب السيادة هو الذي قام بإنشاء الدستور وهو الذي له مطلق الحرية في تعديله. وبما أن الشعب هو الذي يمتلك الإرادة والقدرة على تعديل الدستور, فإنه يعبر عن هذه الإرادة من خلال ممثليه, وبهذا المعنى فإن تعديل الدستور في نظر أنصار هذا الاتجاه يعتبر من صميم اختصاصات السلطة التشريعية وليس للسلطة التنفيذية أي دخل في هذا شأن.
الاتجاه الثالث : يذهب الاتجاه الثالث في الفقه الدستوري وهو رأي أغلب الفقهاء القانون غلى القول بضرورة مراعاة المقتضيات التي ينص عليها الدستور نفسه في مسالة التعديل, فإذا نص الدستور على أن السلطة التنفيذية هي التي تمتلك حق التعديل وجب الالتزام بذلك, وإذا نص على أن السلطة التشريعية هي التي تمتلك حق التعديل وجب الالتزام بذلك انسجاما مع مبدأ سمو الدستور, غير أن ذلك يجب أن يتم وفق إجراءات خاصة, بمعنى أنه لا تتم عملية التعديل تبعا لإجراءات مماثلة لإجراءات استصدار القوانين العادية, وإلا انتفت صفة الجمود عن الدستور وأصبح دستورا مرنا.

اختلاف الدساتير في أساليب تعديل الدستور

تختلف دساتير الدول في تحديد الجهة التي تملك صلاحية تعديل الدستور :
فمنها ما يسندها للسلطة التنفيذية كما هو الحال بالنسبة لدستور فرنسا الصادر سنة 1852 في عهد نابليون بونابرت حيث نصت المادة 52 منه على انه ” لا يؤخذ بالاقتراحات التي يقدمها مجلس الشيوخ في شأن تعديل الدستور إلا بعد موافقة الحكومة عليها ” ومنها من يسند هذا الاختصاص للسلطة التشريعية كما هو الحال بالنسبة لدستور الولايات المتحدة الأمريكية ودستور الإتحاد السوفيتي لسنة 1936.
كما نجد بعض الدساتير تخول حق تعديل الوثيقة الدستورية إلى السلطتين معا كدستور تشيكوسلوفاكيا لسنة 1920 ودستور فرنسا لسنة 1958 ودستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية لسنة 1991 الذي ينص في المادة 99 منه على أنه ” يملك كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان بادرة مراجعة الدستور” ودستور المملكة المغربية لسنة 1972 الذي ينص على أنه ” الملك ولمجلس النواب حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور” الفصل 98 منه, وكذا دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الذي ينص في الفقرة الأولى من الفصل 172 على انه ” للملك ولرئيس الحكومة ولمجل النواب ولمجلس المستشارين حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور” كما ينص في الفقرة الثانية من نفس الفصل على أن ” للملك أن يعرض مباشرة على الاستفتاء المشروع الذي اتخذ المبادرة بشأنه.
ومن الدساتير ما يجعل أمر تعديل الدستور شأنا خاصا بأفراد الشعب ويستدعي استفتاء رأيهم في هذا الأمر وهو أسلوب نجده في الديمقراطيات المباشرة كما هو الشأن بالنسبة لدستور سويسرا لسنة 1999 الذي يعطي للشعب حق التعديل الكلي المادة 193 أو التعديل الجزئي 194 من الدستور , وعموما يمكن القول بأنه في إطار السير العادي للدولة, فإن التعديل في الدساتير لا يكون جوهريا وتاما بل نسبيا فقط ذلك ان التعديل الجوهري أو التام لا يعتبر تعديلا بل يعتبر تغييرا و التغيير لا يكون إلا في حالة الثروات أو الانقلابات.

الأساليب الغير عادية لتغير الدستور

إن التغيير غير العادي للدساتير يكون في إحدى الحالتين التاليتين :
1_ الانقلاب السياسي : إن الانقلابات السياسية هي العمليات التي تقوم بها حركات سياسية سرية داخل الدولة وذلك بانتزاع السلطة السياسية من الحكومة الحالية وذلك إما عن طريق التصفية الجسدية لأعضاء هذه الحكومة أو بإلقاء القبض عليهم و الإعلان عن نهاية النظام السياسي القديم وبداية النظام السياسي الجديد ويؤدي الانقلاب بالضرورة إلى إنهاء الدستور القديم وإصدار دستور جديد.
ومن بين حالات إلغاء الدساتير بهذه الطريقة, نجد الانقلاب الذي حدث في مصر من قبل الضباط الأحرار سنة 1952 ضد حكم الملك فاروق الأول, وقد تم في نفس السنة إلغاء دستور 1923 بإعلان دستوري صادر عن المجلس الأعلى للثورة ولم يتم إصدار دستور في جمهورية مصر العربية إلى غاية 11 شتنبر 1971 في عهد الرئيس أنور السادات وقد استمر العمل بهذا الدستور إلى أن تم إلغاؤه ببيان للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في 13 فبراير 2011 بعد تنحي الرئيس حسني مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011 على إثر الثروة الشعبية التي شهدتها مصر في 25 يناير من نفس السنة.
2_ الثورات السياسية : إن الثورة هي قيام أفراد الشعب بالمطالبة بتغيير النظام وتعتبر الثورة الفرنسية من أهم الثورات السياسية في التاريخ لما حملته من مبادئ الحرية و الإخاء وحقوق الإنسان في ” إعلان حقوق الإنسان والمواطن” الصادر في 26 غشت 1789, والذي تم الاستهلال به في أول دستور فرنسي صادر بعد الثورة سنة 1791 وكذلك في دستور الجمهورية الأولى الصادر في سنة 1793, ومن أثلة الدساتير التي تم إلغاؤها بناء على ثورة شعبية هناك دستور تونس لسنة 1959 الذي تم إلغاؤه بموجب صدور الدستور المؤقت لسنة 2011 على إثر الثورة التونسية التي اندلعت بتاريخ 17 دجنبر 2010 ثم الدستور الحالي المصادق عليه في 27 يناير 2014.

الأساليب العادية لإنهاء الدساتير

إن تطور المجتمعات يؤدي بالضرورة إلى تغيير الأفكار الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية وذلك يتطلب بالتالي تغير القوانين لمسايرة هذه التطورات وقد يكون التغيير جذريا بحيث تلغى القوانين القديمة وتحل محلها قوانين جديدة, وهذا التغيير لا يطرح إشكالا حينما يتعلق الأمر بالقوانين العادية, أما فيما يتعلق الأمر بالدساتير فقد تختلف حسب طبيعة الدستور المراد تغييره تغييرا جذريا :

بالنسبة للدساتير المرنة

1_ بالنسبة للدساتير المرنة فإن تعديلها كما سبق وان رأينا لا يستدعي إتباع إجراءات معقدة بل يمكن تغييرها فقط بواسطة القوانين العادية و سواء تعلق الأمر بتغيير جزئي أو تغيير شامل فإن التغيير يمكن أن يقع بنفس الإجراءات المتبعة في إصدار القوانين العادية, ومن أمثلة الدساتير المرنة التي يمكن للبرلمان فقط تعديله الدستور الانجليزي حيث يستطيع البرلمان الإنجليزي أن يغير الدستور بنفس الإجراءات التي يغير بها القانون العادي, وهذا ما جعل بعض الفقهاء يصور أهمية اختصاصات البرلمان الانجليزي وقوتها بقوله: “إن هذا البرلمان يستطيع فعل كل شيء إلا أن يحول الرجل إلى امرأة و المرأة إلى رجل.

بالنسبة للدساتير الجامدة

2 _ بالنسبة للدساتير الجامدة تتطلب إجراءات أشد صرامة من الإجراءات المتبعة في تغيير الدساتير المرنة ذلك أن الدساتير الجامدة غالبا ما تضع شروطا في الوثيقة الدستورية تحدد حدودا وشروطا للتغير الجزئي ونادرا ما تتضمن مقتضيات في شأن التغيير الجذري أو الشامل ومن بين الدساتير التي أجازت التغيير الكامل للوثيقة الدستورية هناك دستور فرنسا لسنة 1875 وقد ظل هذا المقتضى القانوني قائما إلى أن جاء دستور سنة 1884 الذي منع تعديل النصوص المتعلقة بالنظام الجمهوري للدولة,
وعموما فإن إلغاء الدستور أو تغييره بشكل شامل قد يكون منصوصا عليه داخل الوثيقة المعدلة أو المغيرة للدستور القديم بحيث يتم التنصيص بشكل مباشر على إلغاء الدستور القديم كما هو الحال بالنسبة لدستور المغرب الصادر في 10 مارس 1972 حيث تضمن التنصيص على إلغاء الدستور الصادر في 31 يوليوز 1970, كما يمكن أن يكون الإلغاء ضمنيا دون التنصيص عليه في الوثيقة الدستورية وذلك حينما يتناول الدستور الجديد إعادة تنظيم كافة الموضوعات الواردة في الدستور القديم أو تناول مواضيع جديدة في الوثيقة الدستورية الجديدة دون أن تتضمن هذه الوثيقة بندا ينص على إلغاء الدستور القديم كما هو الحال بالنسبة للدستور المغربي الصادر في 29 يولو 2011. 
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تقسيم الموضوع