القائمة الرئيسية

الصفحات

فسخ العقد أنواعه و آثاره وشروطه في القانون المغربي PDF



  يمكن تعريف الفسخ أنه إجراء احتياطي يتم اللجوء إليه في حالة عدم تنفيذ العقد، ذلك أن التنفيذ هو الأصل في إبرام العقود .
   إن عدم تنفيذ المدين لالتزاماته التعاقدية يعطي للطرف الدائن في العقد إمكانية التحلل من الرابطة العقدية ، و يكون ذلك باللجوء إلى استعمال حق طلب الفسخ ليتخلص من الالتزامات التي يفرضها عليه العقد. غير أنه للدائن قبل استعماله للفسخ ، الحق في أن يطالب بالتنفيذ العيني للالتزام إذا كانت مصلحته تقتضي ذلك ، بما أن القانون قد منحه حق الخيار بين التنفيذ و الفسخ. 

المراد بالفسخ كجزاء مدني

إن مناط الفسخ هو حل العقد كنتيجة لعدم تنفيذه ، ومن ثم فانه يختلف عن الجزاءات المدنية الأخرى التي ترتبط بمرحلة تكوين العقد - كالإبطال و البطلان و عدم النفاذنظرا لعدم استكمال عناصر تكوينه ، و كذا عن المسؤولية العقدية التي تعد بمثابة أثر من الآثار التي تتمخض عن الإخلال بالالتزامات العقدية بصورة عامة .
و إذا كان الدفع بعدم التنفيذ يشكل وسيلة دفاعية قوامها حمل المدين على الوفاء بالتزاماته ، فان الفسخ بمختلف أنواعه يعد طريقا هجوميا الغرض منه هو حل العلاقة التعاقدية لامتناع أحد المتعاقدين عن التنفيذ ، و إعادة أطرافها إلى الحالة التي كانت عليها قبل التعاقد.

أساس نظرية الفسخ

و ليست نظرية الفسخ بالنظرية التي تبده العقل القانوني ، فيسلم بها بادئ ذي بدء ، بل هي ثمرة تطور طويل . فقد كان القانون الروماني يأبى التسليم بها.
 
و كان العقد الملزم للجانبين في هذا القانون ينشئ التزامات مستقلة بعضها عن بعض .
فإذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه ، لم يكن أمام المتعاقد الآخر إلا أن يطالب بالتنفيذ ، و لا يستطيع أن يتحلل هو من التزامه عن طريق الفسخ .
 
و لكن الرومان بعد تطور أفسحوا لفكرة الفسخ مجالا ضيقا في عقد البيع بعد أن أصبح هذا العقد رضائيا .
 
فأدخلوا فيه شرطا صريحا يجعل الحق للبائع في فسخ البيع إذا لم يدفع المشتري الثمن . و في الفقه الإسلامي لا يعرف الفسخ نظرية عامة ، و إنما أعطى للبائع خيار النقد كشرط لفسخ البيع إذا لم يستوف الثمن .
 
و كذلك فعل فقهاء القانون الفرنسي القديم ، فقالوا بجواز الفسخ حتى لو لم يوجد شرط صريح ، و لكن الفسخ كان لا يتم إلا بحكم قضائي . و ساعد على ذلك ظهور نظرية السبب.
و قد ربطت فكرة السبب ما بين الالتزامات المتقابلة في العقد الملزم للجانبين . لا عند تكوين العقد فحسب ، بل أيضا عند تنفيذه و من ثم يكون الفسخ .
 
ثم أخذت فكرة الارتباط ما بين الالتزامات المتقابلة تبرز بوضوح على أيدي فقهاء القانون الطبيعي حتى أصبحت أمرا مسلما ، و قامت نظرية الفسخ على أساسها .
و لكن التقنين المدني الفرنسي عندما نقل قاعدة الفسخ نقلها متأثرة بالصياغة الرومانية ، فذكر في المادة 1184 على أن الشرط الفاسخ مفهوم ضمنا في العقود الملزمة للجانبين في حالة ما إذا لم يقم أحد المتعاقدين بما في ذمته من التزام .
 
و هو لم يرد بهذا أكثر من أن يقرر القاعدة التي تقضي بجواز فسخ العقد إذا لم يقم المدين بالتزامه . أما ذكر الشرط الفاسخ فهو مجرد تشبيه حملته عليه الاعتبارات التاريخية التي قدمناها .
 
و ليس صحيحا أن أساس الفسخ هو نظرية الشرط الفاسخ الضمني . و لو صح هذا لترتب عليه أنه بمجرد عدم قيام المدين بالتزامه يتحقق الشرط ، فينفسخ العقد من تلقاء نفسه . و هذا غير صحيح لأن الفسخ لا يكون إلا بحكم قضائي أو باتفاق ، و للقاضي حق التقدير فيجيب طلب النسخ أو يرفضه ، و للمدين أن يقوم بتنفيذ العقد فيتوقى الحكم بالفسخ ، و للدائن أن يعدل عن المطالبة بفسخ العقد إلى المطالبة بتنفيذه.

- شروط الفسخ

هناك شروط ثلاثة يجب توافرها حتى يثبت للدائن حق المطالبة بفسخ العقد المبرم بينهما و هي :
1 - 
أن يكون العقد ملزما للجانبين.
2  -
ألا يقوم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه.
3  -
أن يكون المتعاقد الآخر الذي يطلب الفسخ مستعدا للقيام بتنفيذ التزامه من جهة ، وقادرا على إعادة الحال إلى أصلها إذا حكم بالفسخ من جهة أخرى  .

- أنواع الفسخ

إن الفسخ من حيث أنواعه قد يكون إما قضائيا أو قانونيا أو اتفاقيا :

1  - الفسخ القضائي :

 هو قاعدة الأساس في مجال انحلال العقود ذلك أن معظم حالات الفسخ تتم عن طريق القضاء ، و قد أشار إليه قانون الالتزامات و العقود في الفصل 259 ، قائلا : " إذا كان المدين في حالة مطل ، كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام ما دام تنفيذه ممكنا فان لم يكن ممكنا ، جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد ، و له الحق في التعويض في الحالتين.
اذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن إلا في جزء منه ، جاز للدائن أن يطلب اما تنفيذ العقد بالنسبة الى الجزء الذي مازال ممكنا ، و اما فسخه ، و ذلك مع التعويض في الحالتين .
لا يقع فسخ العقد بقوة القانون ، و انما يجب أن تحكم به المحكمة " .

2  - الفسخ القانوني :

أو ما يسمى أيضا " بالانفساخ " ، فلا يتقرر إلا عند ثبوت الأسباب الموجبة له و أبرزها استحالة تنفيذ الالتزام بسبب أجنبي لا يد للمدين فيه كالقوة القاهرة أو خطإ الدائن أو الغير .
 
و من الأمثلة على ذلك ما ورد في الفصل  659 من قانون الالتزامات و العقود من أنه : " اذا هلكت العين المكتراة أو تعيبت أو تغيرت كليا أو جزئيا بحيث أصبحت غير صالحة للاستعمال في الغرض الذي اكتريت من أجله ، و ذلك دون خطإ أي واحد من المتعاقدين ، فان عقد الكراء ينفسخ ، من غير أن يكون لأحدهما على الآخر أي حق في التعويض .
ولا يلزم المكتري من الكراء إلا بقدر انتفاعه و كل شرط يخالف ذلك يكون عديم الأثر " .

3 - الفسخ الاتفاقي :

 الذي كما تدل عليه تسميته يتقرر باتفاق الأطراف على ادراج شرط فاسخ صريح في العقد ، ذلك الاتفاق الذي ألمح إليه المشرع في الفصل 260 من قانون الالتزامات و العقود المغربي ذاهبا إلى أنه : " إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته ، وقع الفسخ بقوة القانون بمجرد عدم الوفاء ".

- آثــــــار الفســــــخ

إذا كان الفسخ الإتفاقي يحصل بتراضي الأطراف عليه ، فإنه مع ذلك لا يغني عن رفع دعوى الفسخ و لا عن توجيه إنذار للمدين ، الشيء الذي يميزه عن الإنفساخ الذي يثبت بكيفية تلقائية و دون رفع دعوى أمام القضاء ، هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى ، لما يتقرر الفسخ القضائي أو الفسخ القانوني ، فإن العلاقة التعاقدية تنحل تبعا لذلك ، مما ترتب عليه إعادة الأطراف إلى وضعية ما قبل التعاقد إن كان ذلك ممكنا ، و إلا فإن للمحكمة استنادا إلى ما تتمتع به من سلطة تقديرية أن تحكم بالتعويض أو باستبدال الشيء محل التعاقد بآخر إن كان له ما يقابله في السوق  .
بيد أن إعمال مثل هذا الأثر يصعب تصوره بالنسبة لعقود المدة أو العقود الزمنية أو العقود المستمرة التي تنبني في إنتاج آثارها على الاستمرارية ، لذا فإن آثار الفسخ تنجر إلى المستقبل.
و في الإجمال فإن آثار الفسخ مثلما تنسحب إلى المتعاقدين فإنها تشمل أيضا الغير مع مراعاة مبدإ عدم المساس بالحقوق التي اكتسبها الغير حسن النية .

- التمييز بين الفسخ و المسؤولية العقدية

هناك اتصال بين الفسخ و المسؤولية العقدية ، فكلاهما جزاء لعدم قيام المدين بتنفيذ التزامه العقدي . فإن كان العقد ملزما للجانبين جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد جزاء عدم تنفيذ المدين لالتزامه كما قدمنا. و جاز له أيضا أن يطالب بالتعويض ، و لكن لا على أساس فسخ العقد بل على أساس استبقائه و المطالبة بتنفيذه عن طريق التعويض ، و هذه هي المسؤولية العقدية .
على أنه إذا صح لأحد المتعاقدين أن يحاسب الآخر على عدم القيام بالتزاماته إما من طريق الفسخ و إما من طريق المسؤولية العقدية ، فإن الطريق الأول مفتوح دائما حيث يسد الطريق الثاني في بعض الأحوال . إذ يتفق أن يكون عدم قيام المدين بالتزامه إنما يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه ، فتنتفي مسؤوليته العقدية ، و لكن يبقى الفسخ ، بل إن العقد في هذه الحالة ينفسخ بحكم القانون .

- التمييز بين الفسخ و البطلان

إذا ما رأينا الأثر المترتب عن كل من البطلان و الفسخ ، يتضح أنهما يتفقان في الآثار المترتبة عن كل منهما ، و المتمثل في انعدام الرابطة التعاقدية . بل أن زوال العقد الباطل و العقد القابل للفسخ يتم بأثر رجعي ، إلا أن هذا لا يمنعنا من إيجاد الفروق الجوهرية بين هذين النظامين :

من حيث الجزاء :


 فالبطلان بمثابة جزاء قانوني ، نتيجة عدم توفر أحد أركان العقد. في حين أن الفسخ هو جزاء عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزاماته المحددة في العقد القائم بينهما.

من حيث النطاق :


 إذا كان البطلان يشمل سواء تعلق الأمر بالعقود الملزمة لجانب واحد أو الملزمة لجانبين فإن جزاء الفسخ لا يمكن المطالبة به إلا في نطاق العقود الملزمة للجانبين  .

من حيث تقريرهما :


 فالبطلان يتقرر بقوة القانون كما هو الشأن في الحالتين المنصوص عليهما في الفصل 306 من قانون الالتزامات و العقود المغربي .
 
أما الفسخ فهو لا يتقرر - في الغالب - إلا بحكم المحكمة أي أن الحكم هو المنشئ له.

- أمثلة عن الفسخ

1  - فسخ عقد الكراء

ينص الفصل 692 من  قانون الالتزامات و العقود المغربي على أنه " للمكري فسخ الكراء مع حفظ حقه في التعويض إن اقتضى الأمر .
أولا : إذا استعمل المكتري الشيء المكترى في غير ما أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى الإتفاق .
ثانيا  : إذا أهمل الشيء المكترى على نحو يسبب له ضررا كبيرا .
ثالثا : إذا لم يؤد الكراء الذي حل أجل أدائه.
و يتضح من مقتضيات هذا الفصل أن إخلال المكتري بأحد الالتزامات المفروضة على عاتقه ، يخول المكري الحق في طلب فسخ العقد طبقا للقواعد العامة .
و متى تم الفسخ ، فإن المكتري لا يستحق أي تعويض لأنه جاء نتيجة لخطأ صادر عنه.
 
بينما يكون للمكري الحق في طلب التعويض إذا حصل للشيء المكترى ضرر كبير. كما في حالة إهماله .
و ينص الفصل 259 من  قانون الالتزامات و العقود على أنه " إذا كان المدين في حالة مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الإلتزام ، مادام تنفيذه ممكنا ، فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يفسخ العقد ، و له الحق في التعويض في الحالتين...لا يقع فسخ العقد بقوة القانون،و إنما يجب أن تحكم به المحكمة"  .
إلا أنه ورد في الفصل 260 الموالي"إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسح عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون ، بمجرد عدم الوفاء " .
و هذا يعني أن فسخ العقد يكون في الأصل بحكم قضائي ، إلا أنه يمكن أن يتم بمقتضى الإتفاق ، أو بقوة القانون كما هو منصوص عليه بالفصل 698 من  قانون الالتزامات و العقود المغربي الذي ينص على أنه "لا يفسخ الكراء بموت المكتري و لا بموت المكري ، إلا أنه :
أولا : الكراء الذي يبرمه المستحق في ملك محبس ينفسخ بموته  .
ثانيا : الكراء الذي يبرمه من بيده الشيء بدون موجب ينفسخ بموته ".
و كلما كان تنفيذ الالتزام ممكنا ، إلا و يملك القاضي سلطة تقديرية للحكم بقبول أو رفض الطلب ، حسب ظروف ووقائع كل قضية ، و مدى الضرر الذي يصيب الدائن من جراء استمرار العقد مع تنفيذ المدين للالتزام الملقى على عاتقه .
وهذا يعني - من باب المخالفة - أنه إذا أبدى المكتري استعداده لتنفيذ التزامه قد لا يحكم عليه بفسخ العقد .
كما هو الحال بالنسبة لمن يبادر إلى دفع واجب الكراء ، بمجرد توصله بالإنذار أو صدور الحكم القاضي بالأداء .
 
لكن " إذا استحق الشيء المكترى ثبت للمستحق الخيار بين أن يحتفظ بالكراء القائم و بين أن يفسخه .
 
إلا أنه يجب عليه في الحالة الأخيرة مراعاة المواعيد المقررة للتنبيه بالإخلاء إذا كان المكتري حسن النية .
ولا يكون للمكتري الرجوع من أجل الكراء أو التعويضات المستحقة له إلا على المكري إذا كان لهذا الرجوع محل "حسب ما ورد بالفصل 697 من  قانون الالتزامات و العقود .
و هذا يعني أنه يكون للدائن الخيار أحيانا بين طلب الفسخ أو طلب التنفيذ العيني مع الحق في التعويض عند الاقتضاء .

2  - فسخ عقد البيع

أ‌. بموجب الفقرة الأخيرة من الفصل 259 من  قانون الالتزامات و العقود ، فان فسخ العقد لا يقع بقوة القانون ، و انما يجب أن تحكم به المحكمة ، كقاعدة عامة .
 
على أن المحكمة لا تحكم بالفسخ ( في حالة الفسخ القانوني أو الحكمي) الا اذا تأكد لها أن التنفيد العيني مستحيل ، عملا بمقتضيات ف 259 من  قانون الالتزامات و العقود المغربي ، في فقرته الأولى التي نص على أنه " اذا كان المدين في حالة مطل ، كان للدائن الحق في تنفيذ الالتزام ، ما دام تنفيذه ممكنا ( أولا ) ، فإن لم يكن ممكنا ، جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد (ثانيا)..."
ب ‌. إلا أنه حسب ف 260 من  قانون الالتزامات و العقود " إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته ، وقع الفسخ بقوة القانون بمجرد عدم الوفاء " و هذا الاستثناء أكد عليه المشرع في ف 581 من قانون الالتزامات و العقود عندما قرر انه :" إذا اشترط بمقتضى العقد أو العرف المحلي أن البيع يفسخ إذا لم يؤد الثمن فإن العقد ينفسخ بقوة القانون ، بمجرد عدم أداء الثمن في الأجل المتفق عليه     " .



الأهلية المفهوم و الأنواع و العوارض في القانون المغربي
التراضي كركن من أركان العقد في قانون الالتزامات والعقود PDF
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

تقسيم الموضوع