القائمة الرئيسية

الصفحات

ملخص القانون الجنائي العام السداسي الثاني PDF

التجريم و العقاب في القانون الجنائي

يذهب الفصل 110 من مجموعة القانون الجنائي المغربي إلى أن الجريمة هي عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه, كما ينص الفصل الأول من ذات القانون إلى أن التشريع الجنائي يحدد أفعال الإنسان التي يعدها جرائم، بسبب ما تحته من اضطراب اجتماعي يتضح من خلال مضمون الفصلين، وكما سبق أن ذكرنا ذلك في التقديم، أن عمليتي التجريم والعقاب إنما يتولاهما المشرع الجنائي دون غيره، لما في ذلك مساس بین بحقوق وحريات المواطنين التي يضمنها دستور 2011 وبكل امتياز بل وانطلاقا من أن الفعل أو الامتناع المحظورين جنائيا لا يترتب عنهما فقط ضررا خاصا بالضحية أو ثوبه، بل وهذا هو المعتبر ينظر القانون الجنائي، إنما تلمس جسامتهما على مستوى الضرر العام الاجتماعي الذي تخلفه الجريمة، بحيث يولد ارتكابها حقا عاما للمجتمع، تصبح بمقتضاه الدولة، وبحكم امتلاكها لحق العقاب، ملزمة بتجسيده.
   ولعل الاضطراب الاجتماعي المتحدث عنه، هو الذي يقف مبدئيا وراء علة تحريم الفعل أو الامتناع فما يمس بالمصالح الأساسية للمجتمع هو المجرم وفق ضوابط يصطلح الفقه على تسميتها بتقنيات التحريم، سنحاول أن نقف عليها كلما استوجب الأمر ذلك
إذن لابد من نص تشريعي يقف وراء التحريم والعقاب، ولسنا في حاجة للتأكيد على أن خصوصية المادة الجنائية تنسجم مع هذه المنهجية الحذرة في تبني هذا النوع الخاص من القواعد القانونية، لأنها تمت عموم المجتمع، بل ترسم له نماذج السلوك السوي وفي مجالات حيوية مع ذلك، لم تكن لتلمس هذه الخصوصيات لولا التطور النوعي الذي عرفه كل من القانون والعدالة بل بنية الدولة نفسها، نظامها وتطور أسلوبها في تدبير آليات ووسائل الحكم وحتى لا ندعي لأنفسنا معرفة خاصة يتطور القانون الجنائي، لأن ذلك يحتاج لمعرفة موسوعية تتعدى و بكثير التخصص في المادة الجنائية كمادة قانونية، يمكن القول أن انفصال القانون الجنائي عن القانون المدني إنما هو أمر تفرضه طبيعة كل مدة على حده.

مميزات قواعد القانون الجنائي


فإذا كان منطق و فلسفة القانون المدني يقينيان على وضع قواعد تنظم العقود والالتزامات المالية بين الأشخاص، وما يترتب عن ذلك من مراعاة المصالح الخاصة المتقابلة مع فتح المجال التصحيح الوضعيات القانونية المعيبة، بل إقرار نظام التعويض المالي لإصلاحها، إلى خلاف ذلك تسعى قواعد القانون الجنائي إلى ضمان الأمن والاستقرار وحماية المصالح الأساسية والتي لا قيام للمجتمع بدونها، وهي معطيات تحتاج بالبداهة إلى تحكيم منطق زجري رادع ومقوم لكل سلوك إجرامي.
   بحيث لابد وأن تحظى العقوبة بمساحات معقولة في تصور القواعد حماية للمجتمع من خطر الجريمة وهو ما لا يمكن أن تحتل فيه تقنية التعويض سوى استثناء لا يمكن القياس عليه مع الأسف، ليست كل الجرائم ترتب الضرر الاجتماعي العام، بحيث ليس هناك ما يمنع المشرع الجنائي من تجريم أفعال أو صور امتناع يفترض فيها الضرر الاجتماعي اقتراضا، فتبقى حكمة المشرع و منطقه هو الكفيل بتحديد علة تجريمهما ونحن إن كنا لا نمانع مبدئيا، وفي حدود معينة، تقتضيها الوقاية أو الأهمية القصوى التي تحتلها المصلحة المحمية.
   فللجريمة ثلاث أركان ركن قانوني و آخر مادي وثالث معنوي، لا قیام لها بدونها، و إن كنا قد تجد في بعض الحالات خروجا عن هذا التصور المنطقي للجريمة، إما بإدخال جهات أخرى غير المشرع، أو لتبرير الاكتفاء بالركن المادي في بعض الجرائم التي تقع تجاوزا بالتقنية ونحن من أشد المتمسكين بالبنيان المنطقي الذي ينبغي أن تكون عليه الجريمة وفق ما وضحنا أعلاه هذا وإذا حاولنا أن نضع تعريفا تقريبيا للجريمة يمكن أن تنتهي إلى ما انتهى إليه أغلب الفقهاء من أن الجريمة هي كل فعل إيجابي أو سلبي- امتناع- يتدخل المشرع التجريم ارتكابه بإحدى نصوص التجريم، مفردا له عقوبة أو تدبيرا وقائيا بحسب ما يحدثه أو يفترض إحداثه من اضطراب اجتماعي، ويكون مرتكبا من طرف من اعتبره المشرع أو اقترضه أهلا لتحمل المسئولية الجنائية بشأنه.

القانون الجنائي وعلاقته بباقي القوانين
التجريم و العقاب في القانون الجنائي
طبيعة القانون الجنائي
الركن القانوني للجريمة
الركن المادي للجريمة
الركن المعنوي للجريمة
المحاولة أو الجريمة غير التامة
المساهمة والمشاركة في الجريمة

أسباب التبرير والإباحة

القانون الجنائي وعلاقته بباقي القوانين

يعتبر القانون الجنائي العام من بين فروع القانون التي تكتسي أهمية كبيرة في تحقيق العدالة الإجتماعية عن طريق تحديد السلوكات الغير مشروعة المعاقب عليها قانونا وكذا وضع وفرض العقوبات والجزاءات المقابلة لها ، وذلك بغية تعزيز حماية حريات الأشخاص وحقوقهم ، كالحق في الحياة ، الحق في الملكية ، الحق في صيانة العرض والشرف … إلخ
يتميز القانون الجنائي العام عن القانون الجنائي الخاص وكذا عن قانون المسطرة الجنائية  من عدة زوايا وأوجه ، إذ في حين يهتم قانون المسطرة الجنائية بكل الخطوات والشكليات الواجب إتباعها في الشق الجزائي ، نجد أن القانون الجنائي الخاص يميل إلى دراسة تحديد السلوكات المجرمة على حدى . شروطها وعقوباتها . بينما يقتصر جوهر القانون الجنائي العام في تحديد المبادئ الأساسية التي تبنى عليها نصوص التجريم ويبين كذلك أنواع العقوبات وتدابير الأمن وشروط المسؤولية الجزائية وأحكامها .

الفقرة الأولى: تعريف القانون الجنائي

 يطلق مصطلح “القانون الجنائي للدلالة على المادة القانونية التي تهتم بكل المسائل المتعلقة بالجرائم والمجرمين. وكلمة “جنائي” الواردة في هذه التسمية تنسب هذه المادة القانونية للجنايات التي تمثل أشد الجرائم خطورة. فنظرا لكون الجرائم تتدرج من حيث خطورتها من المخالفات إلى الجنايات مرورا بالجنح، فقد نسبت مادة القانون التي تهتم بكل أصناف الجرائم وما يترتب عنها من آثار إلى الجنايات، وذلك لكون هذا الصنف من الجرائم يمثل أخطرها وأبرزها بالنسبة للكافة والخاصة على السواء. فكما أن كلمة “الجاني” تستعمل للدلالة على المجرم
مهما كانت الجريمة المنسوبة إليه، فإن مصطلح “القانون الجنائي يستعمل كذلك التسمية المادة القانونية المتعلقة بالجرائم عامة سواء كانت جنايات، جنح أو مخالفات.
إلا أن هذه التسمية لم يقع اعتمادها في كل البلدان العربية، إذ أن في أغلب بلدان الشرق العربي يستعمل مصطلح “قانون العقوبات” للدلالة على نفس المادة. وهذه العبارة مأخوذة في الواقع من القانون الفرنسي الذي إستعمل مصطلح ” القانون العقابي (le droit penal)” لتسمية هذا الفرع من القانون.
ولكن يمكن أن يكون للقانون الجنائي مفهوم أوسع من ذلك يجعله لا يتضمن الأحكام المتعلقة بالتجريم والعقاب فحسب بل يتضمن كذلك الأحكام المتعلقة بإجراءات محاكمة المجرمين وتنفيذ الأحكام الجزائية عليهم. بذلك يكون القانون الجنائي متضمنا لكل الأحكام التي يتكون منها على السواء القانون الجنائي العام والقانون الجنائي الخاص وقانون المسطرة المدنية.
وبهذا المفهوم الواسع يمكن أن يشمل القانون الجنائي مجمل الأحكام التي تهدف إلى التصدي للجريمة وللمجرمين. ولكن لتحقيق هذا الهدف لا بد من تدعيم هذه الأحكام ببعض المواد الأخرى الشيء الذي يجعل القانون الجنائي في علاقة متينة مع باقي القوانين الأخرى.

الفقرة الثانية: علاقة القانون الجنائي بغيره من القوانين

 بالإضافة لعلاقة القانون الجنائي بأغلب مواد القانون الخاص و القانون العام نظرا لما تقتضيه حماية المصالح العامة والخاصة من تجربم لكل الأفعال التي يراها المشرع مضرة بهذه المصالح، فإن القانون الجنائي له علاقة متينة كذلك ببعض المواد العلمية التي تساهم بفاعلية في تطوير أحكامه. ومن أهم هذه العلوم هناك علم الإجرام و علم السجون الذين لهما تأثير على السياسة التشريعية العقابية فحسب بل كذلك على كيفية تطبيق القانون الجنائي
يتناول علم الإجرام بالدرس أسباب الجريمة وسبل التصدي لها، وتعدد أسباب الجريمة وتنوعها جعل هذا العلم يتفرع إلى ثلاثة مواد: مادة تهتم بدراسة طبائع المجرمين والأسباب العضوية التي تدفعهم إلى الإجرام ومادة أخرى تهتم بعلم النفس الجنائي الذي يدرس ويبحث في الأسباب النفسية التي تدفع الشخص أحيانا إلى إرتكاب الجريمة، ومادة ثالثة تهتم بدراسة الأسباب الإجتماعية التي دفعت المجرم إلى إرتكاب الجريمة
وإلى جانب الدور الهام الذي يقوم به علم الإجرام في تطوير القانون الجنائي، يقوم على السجون  أيضا بدور لا يقل أهمية في هذا الشأن، إذ أنه يهتم بكل المسائل المتعلقة بتنفيذ عقوبة السجن وبالبحث عن أنجع السبل التي تساعد على إصلاح السجين وتسهيل اندماجه في المجتمع بعد خروجه من السجن.
يتضح مما تقدم أن القانون الجنائي له علاقة متينة بالعلوم التي تساعد على تطويره وكذلك بالمواد القانونية التي يساعد هو على تدعيم أحكامها ومؤسساتها للمحافظة على النظام العام وعلى المصالح العامة والخاصة على السواء
 و إذا كان الهدف الأساسي للقانون الجنائي يتمثل في حماية المجتمع من كل الاعتداءات التي تضر بمصالحة الحيوية فإن طبيعته القانونية تبقى محل نظر في نطاق تحديد مفهومه.

طبيعة القانون الجنائي

الرأي الأول.

الرأي السائد في ما يتعلق بتقسيم المواد القانونية هو أن القانون يتكون من جزئيين رئيسيين وهما القانون العام والقانون الخاص. وحسب هذا التقسيم يتضمن القانون العام كل المواد التي تنظم أجهزة الدولة وعلاقة الأفراد بهذه الأجهزة ومن ذلك القانون الدستوري والقانون الإداري؛ أما القانون الخاص فيتضمن المواد التي تنظم مصالح الأفراد وعلاقاتهم ببعضهم البعض ومن أهمها القانون المدني والقانون التجاري.
ونظرا للدور الهام الذي تقوم به الدولة في ميدان القانون الجنائي، يعتبر البعض أن هذا القانون يمكن أن يضم إلى القانون العام وان يعتبر جزء منه . فحسب هذه النظرية، يعتبر القانون الجنائي من القانون العام لأنه يتطلب تدخل الإدارة لإثبات الجرائم والقبض على مرتكبيها وكذلك لتنفيذ الأحكام الجزائية القاضية بالعقاب،
كما تعتبر هذه النظرية أن القانون الجنائي من القانون العام نظرا لكون الدعوى العمومية التي تقوم بها النيابة العمومية ضد مرتكبي الجرائم هي مبدئيا من حق المجتمع وحده الذي تمثله الدولة.
ولكن رغم هذا التقارب الهام بين القانون العام والقانون الجنائي، فإن هناك من يرى أن هذا الأخير هو في الحقيقة أكثر قربا إلى القانون الخاص. فحسب هذه النظرية يعتبر القانون الجنائي من القانون الخاص لأنه يهدف مثل كل مواد القانون الخاص إلى حماية مصالح الأفراد وتنظيم علاقاتهم، وكذلك لأن الدعاوی المتعلقة به ترفع أمام المحاكم العدلية تماما مثل كل القضايا المتعلقة بالقانون الخاص.

الرأي الثاني

إلا أن هناك من يرى أن هذا التقارب بين القانون الجنائي والقانون العام أو الخاص لا يكفي الاعتبار القانون الجنائي مجرد فرع من القانون العام أو الخاص، بل لا بد أن نعترف باستقلالية المادة الجنائية وذلك لما تتميز به من خصوصیات بالمقارنة مع ما يميز مواد القانون العام والقانون الخاص.
وهذه الاستقلالية يمكن تأسيسها أولا على خصوصية الجزاء في ميدان المسؤولية؛ إذ أن الجزاء المترتب عن المسؤولية الجنائية يتمثل أساسا في العقاب المؤذي والمؤلم، بينما يتمثل الجزاء في ميدان المسؤولية المدنية أو الإدارية أساسا في إلزام المسؤول بالتعويض النقدي أو العيني عن الضرر الذي حصل للمتضرر.
ومن خصائص القانون الجنائي كذلك اهتمامه بحماية مصلحة المجتمع قبل مصلحة الفرد أو الإدارة. وهذا ما يجعله يعاقب عن مجرد محاولة ارتكاب الجريمة التي لا تؤدي إلى الإضرار بالمعتدى عليه، بينما في القانون الخاص والقانون العام لا تقوم المسؤولية في اغلب الحالات إلا إذا أدى الفعل المخالف للقانون إلى الإضرار بشخص معين.
ثم أن اهتمام القانون الجنائي أساسا بالمصلحة العامة يجعل المشرع يعتمد أحيانا بالنسبة لبعض المؤسسات القانونية مفاهيم أوسع في التشريع الجنائي من التي يعتمدها في القانون الخاص أو العام،
ويدعم فقه القضاء هذا التوجه في العديد من حالات التجريم. فمثلا تعتمد محكمة التعقيب في المادة الجنائية مفهوما للشيك أوسع من المفهوم المعتمد في القانون التجاري وذلك بهدف التصدي بأكثر نجاعة لجريمة الشيك بدون رصيد.
وتظهر خصوصية القانون الجنائي واستقلاليته أيضا في كونه يعتمد مبادئ خاصة به وذلك مثل مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ومبدأ تفريد العقوبة ومبدأ شخصية العقوبة وغير ذلك من القواعد والمبادئ التي تميزه عن القانون الخاص والقانون العام وتجعل منه مادة مستقلة عن هذين القسمين الرئيسيين للقانون.

أركان الجريمة 


الركن القانوني للجريمة

إن أول وأهم ما ينطلق منه الفقه الجنائي في دراسته للجريمة وما تقوم به من أركان هو مبدأ الشرعية، والذي يعني أن النص التشريعي هو مطلق التحريم والعقاب وأساسه الذي بني عليه المشرع تصوره للفعل أو الامتناع المحظورة ففي غياب هذا النص يستحيل على القاضي الجنائي أن يدين في النازلة المعروضة عليه، ولا أن ينزل عقابا ولو ترتب عن الفعل اضطراريا اجتماعيا واضحا ومع ذلك،
وحتى تكتمل قيام الجريمة قانونا، لابد وبالإضافة لسبقية وجود النص التشريعي المجرم والمعاقب أن لا يكون هذا الفعل أم الامتناع خاضعا لسبب من أسباب التبرير أو الإباحة، أي أن لا يعترضه ما يرفع عنه الصفة الجرمية، و هي أسباب تتعلق بوضعيات قانونية وواقعية

اشتراط خضوع الفعل أو الامتناع لنص من نصوص التجريم

 ينص المشرع المغربي في الفصل 3 من مجموعة القانون الجنائي على أنه لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة تصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون
كما ينص الفصل 23 من دستور المملكة المغربية ل 2011 على أنه لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعه أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا الإجراءات التي ينص عليها القانون. وأن الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات
إن المشرع المغربي سواء من العادي أو الدستوري، وعيا منه بما يحتله مبدأ الشرعية لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. في دولة الحق و المؤسسات من أهمية محورية، قد جعل من حماية الحقوق والحريات مبدأ أصيلا، لا يمكن الحد منه إلا بنصوص صادرة عن هيئة تمثل الشعب تبين فيها بدقة ووضوح ، وبشكل مسبق، حدود هذه حماية هذا المبدأ، المستقر عليه عالميا،

نتائج مبدأ الشرعية

الفقه الجنائي يتناول هذه النتائج ضمن ثلاث موضوعات رئيسية :
– حصر مصدر القاعدة الجنائية في النص القانوني التشریعی
– خضوع القاعدة الجنائية لمبدأ عدم الرجعية
– مبدأ عدم التوسع في تفسير النصوص الجنائية
فبالنظر لخصوصيات المادة الجنائية كما سلف الذكر، و بحكم تعلقها بالهوامش المسموح بها للحد من الحقوق والحريات، كان لابد من تحصين وضع القاعدة القانونية بشأنها، بتخصيص التشريع المكتوب لوحده بهذه المهمة، دون العرف أو مبادئ العدالة أو القانون الطبيعي ولعله توجه دال وبكل المقاييس، بأن لا مجال في دولة الحق بأن تمس الحقوق والحريات إلا بواسطة أسمى تعبير عن إرادة الأمة، أي التشريع، وهو في فهم الفقهاء خطاب قانونی ملزم للجميع،
مع ذلك، يبقى هذا التضييق لمصادر القاعدة القانونية الجنائية حصرا على عمليتي التجريم والعقاب، بحيث ليس هناك ما يمنع من الانفتاح على المصادر الأخرى كالعرف مثلا بالنسبة لأسباب التبرير أو الإباحة.
لكن، وقبل المرور إلى الحديث عن المبادئ المعتمدة في تطبيق القاعدة القانونية الجنائية من حيث المكان، حيت يسجل لها خصوصيات معتبرة، لابد من توضيح بخصوص السلطة الموكول إليها مهمة التشريع. هنا بطبيعة الحال لا مناص من الرجوع لمقتضيات الدستور، حيث ينصص الفصل 71 في فقرته السابعة على أن تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها هي من اختصاص القانون الذي تمارسه السلطة التشريعية ، كما أن الفقرة التاسعة من نفس الفصل تسند لنفس الهيئة مادة المسطرة الجنائية.
 وبخصوص التشريع من طرف جلالة الملك، يرجع الفقه الجنائي المغربي لمقتضيات الفصلين 59 و 96 من الدستور وإن كنا نحن نفضل أن نحيل الطالب على مؤلفات القانون الدستوري، يمكن أن نقول في هذا المقام أن لجلالة الملك في المغرب مكانة سامية منفردة إنسانية ودينية وتاريخية واجتماعية قبل التكريس الدستوري والقانونی:
 فجلالة الملك أمير المؤمنين وحامي الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية وهو أيضا رئيس الدولة وممثلها الأسمى و رمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم الأسمى بین مؤسساتها وضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة ، بحيث باعتقادنا المتواضع لسنا في حاجة إلى كثير من التنظير لننتهي إلى ما يمكن أن يضطلع به جلالة الملك في المجال التشريعي من ضمان وحماية متميزين للحقوق والحريات

تطبيق القاعدة القانونية الجنائية من حيث المكان

 هناك أربعة مبادئ يعتمدها الفقه الجنائي من أجل حل الإشكاليات التي يطرحها التطبيق المذكور:

أولا – مبدأ إقليمية القاعدة القانونية الجنائية

ينص الفصل 10 من مجموعة القانون الجنائي المغربي على أنه يسري التشريع الجنائي المغربي على كل من يوجد بإقليم المملكة من وطنيين وأجانب و عديمي الجنسية، مع مراعاة الاستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي و القانون الدولي.
و عملا بمبدأ القانون الجنائي الدولي العام في تحديد مفهوم إقليم الدولة يكون إقليم المملكة شاملا لكل الأراضي التي تخضع للسيادة المغربية كما يشمل المياه الإقليمية والأنهار التي تقطع أراضيه وكذا البحيرات الداخلية بالإضافة إلى المجال الجوي الذي يرتفع فوق الأراضي اليابسة أو المياه الإقليمية التي تدخل تحت سيادته
و يضيف الفصل 11 من المجموعة المذكورة ليدخل ضمن إقليم المملكة السفن والطائرات المغربية أينما وجدت، فيما عدا الحالات التي تكون فيها خاضعة لتشريع أجنبي بمقتضى القانون الدولي
إستثناءات مبدأ إقليمية القاعدة القانونية الجنائية

بخصوص الاستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي، ومن دون أن نكلف أنفسنا عناء التنويه بما قرره دستور 2011 من التخلي نهائيا عن حصانة الفعل بالنسبة للبرلماني، حيث أصبح في حالة ارتكابه لجريمة يحاكم كبقية المواطنين، مع الاحتفاظ له بحصانة الرأي داخل قبة البرلمان نود أن نقف وبكل تجرد وموضوعية على الحصانة الجنائية لجلالة الملك، الذي من الخطأ أن يتصرف الذهن إلى فصل مسؤوليته الدينية عن اعتباره رئيس الدولة، بل حتى بالنسبة لهذا الاعتبار الأخير، خصوصية النظام، قانونيا، تتطلب مقاربة مغايرة لتلك التي يقع تخصيصها لرئيس الدولة في النظام الجمهوري وحتى لا تأخذنا المقاربة السياسية لهذا الموضوع،
والدستور يكرس هذا وبكل وضوح، أن عدم مسؤولية جلالة الملك جنائيا يقنعنا بها منطوق وروح الفصل 46 من دستور المملكة، فحسب هذا الفصل شخص الملك لا تنتهك حرمته، وأن للملك واجب التوقير والاحترام ، بل عندما نضيف لهذا، ما نص عليه المشرع الدستوري في الفصلين 41 و 42
، أي ما اعتبرناه المكانة السامية المتفردة لجلالة الملك تصبح حصانة جلالة الملك الإنسانية والدينية والاجتماعية والتاريخية ذات مغزى أعمق من مجرد افتراضها قانونا ولعل التخلي عن اصطلاح مقدس في التعبير الدستوري للعهد الجديد، وتعويضه في الخطاب الملكي بعبارات دالة و غير مسبوقة كالملكية المواطنة والملك المواطن ليدخلنا في مفهوم جديد للحصانة الملكية التي تجعل منها تجسيدا صادقا للمكانة السامية الطبيعية والمتفردة لجلالة الملك،
وفيما يرجع للاستثناءات المقررة على مستوى القانون العام الدولي، فمنطق المعاملة بالمثل والأعراف الدولية تقضی أن يستفيد من الحصانة الجنائية رؤساء الدول الأجنبية وأفراد عائلاتهم وحاشيتهم أثناء وجودهم بالمغرب شريطة أن تخطر الحكومة المغربية بوجودهم وكذالك يستفيد المعتمدون الدبلوماسيين

ثانيا – مبدأ عينية القاعدة القانونية الجنائية

يقضي هذا المبدأ بتطبيق النص الوطني على جرائم بعينها، بغض النظر عن جنسية مرتكبها، أو مكان ارتكابها
وعليه يذهب الفصل 711 من قانون المسطرة الجنائية المغربي على أنه يحاكم حسب مقتضيات القانون المغربي كل أجنبي ارتكب خارج أراضي المملكة بصفته فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا، جناية أو جنحة ضد أمن الدولة أو تزييفا أو تزويرا للنقود أو الأوراق بنكية وطنية متداولة بالمغرب بصفة قانونية، أو جناية ضد أعوان أو مقار البعثات الدبلوماسية أو القنصلية أو المكاتب العمومية المغربية

ثالثا – مبدأ شخصية القاعدة القانونية الجنائية

يعني هذا المبدأ تطبيق النص الجنائي الوطني خارج المملكة، إما على المواطن المغربي، وهذا ما يسمى بمبدأ الشخصية الإيجابية، أو على الأجنبي الذي ارتكب الجريمة ضد المواطن المغربي خارج المملكة، وهو ما يعبر عنه بمبدأ الشخصية السلبية، ولعل الفائدة من وراء إعمال هذا المبدأ، ضمان امتداد تطبيق النص الجنائي على شخص مرتكب الجريمة وعدم إفلاته من العقاب سواء كان مواطنا أو أجنبيا ولعله نفس منطق مبدأ الإقليمية

عدم رجعية النص الجنائي الجديد

لا يخرج التشريع الجنائي عما هو مقرر في المواد القانونية الأخرى، من أنه لا يجوز أن يسري النص الجنائي الجديد على الماضي، وإنما على المستقبل فقط . وعليه، إذا كان الفعل المرتكب لا يشكل جريمة وقت ارتكابه، فإنه يبقى في حكم المباح ولو تدخل المشرع لتجريمه. كما أن إقدام المشرع على رفع الكم العقابي لفعل سبق ارتكابه في ظل عقوبة أخف، إنما يترك الإبقاء على تطبيق هذه الأخيرة
هذه القواعد إنما تجد أساسها القانوني في الفصل 4 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، حيت ينص المشرع على أنه لا يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه بل نجد الفصل السادس من دستور المملكة يقر صراحة على أن ليس للقانون أثر رجعي
ومع ذلك، يعرف تطبيق هذا المبدأ بعض الخصوصيات في المادة الجنائية. فحسب الفقه الجنائي، مبدأ عدم الرجعية إنما يطلق على التشريع الجنائي الموضوعي – المتعلق بالتجريم والعقاب۔ دون نصوص قانون المسطرة الجنائية، حيت و على خلاف المبدأ المذكور، تطبق هذه النصوص الأخيرة بأثر فوري، أي بمجرد صدورها، تطبق على جميع الأشخاص بغض النظر عن تاريخ ارتكاب الجريمة

الاستثناءات على تطبيق مبدأ عدم الرجعية

حتى على مستوى التجريم والعقاب، قد تدخل بعض الاستثناءات على تطبيق مبدأ عدم الرجعية. بناء عليه، ففي حالة النص الجنائي المفسر، أي الذي لا يشكل نصا جديدا في مضمونه ومقتضياته، بل يأتي فقط ليفسر المضمون أو المقتضيات القائمة سلفا، لا يمكن أن يشكل مع النص المفسر سوى قاعدة واحدة فالمشرع هنا لم يعمد إلى سن قاعدة قانونية جديدة، وإنما تدخل ليوضح ما بدا غامضا وإن كنا هنا نحذر من اللجوء لهذه التقنية اليوم، حيث أصبح الفقه الجنائي يشترط في النص المجرم والمعاقب الدقة والوضوح والتماسك أيضا
يستثني من تطبيق مبدأ عدم الرجعية النصوص المتضمنة للتدابير الوقائية فهذه ليست عقوبات بالمعنى الدقيق للكلمة بحيث لا يقصد منها الردع، ولكنها تستهدف تمكين المجتمع من آليات دفع خطورة الجاني في حالات ووضعيات تستدعى الوقاية ، لذلك فهي تطيق بشكل فوري ولو ارتكبت الجريمة قبل التنصيص عليها.

حالة النص الجنائي الأصلح للمتهم

تبقى حالة النص الجنائي الأصلح للمتهم، وبهذا الصدد يمكن الرجوع للفصل 6 من مجموعة القانون الجنائي، حيت وفي حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول، بين تاریخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها، يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم. وبناء عليه، إذا أصدر المشرع الجنائي نصا جديدا أصلح للمتهم توجب تطبيقه ولو أن الجريمة ارتكبت في ظل قانون أقسى ويبرر الفقه الجنائي هذا المنحى بأنه من تطبيقات مبدأ الشرعية الذي وجد من أجل حماية الحقوق والحريات الفردية، والتطبيق المذكور يندرج في نفس الفلسفة،
وقد تزيد على ذلك أن يكون حق التجريم والعقاب ليس عملية ثابتة، بل هي تخضع لحركية، تتطور بتطور المجتمع، بحيث قد تنحو نحو التشديد أو التلطيف أو حتى الإعفاء لكن مقاربة الوضعية الاتهامية للشخص قضاء لا يمكن أن تفاجأ بتشديد أو تحرم من تلطيف، بحيث يستلزم منطق تغيير المقتضی التشريعي للجريمة أن لا يعرف تغييرا مناقضا لما يمكن أن يرجوه المتهم من العدالة أي تسخير آليات الصفح كلما أمكن ذلك، بل إن القاضي وكما لاحظنا بمقتضى النص الصريح إنما هو ملزم بذالك
لكن الشرط الأساس هو أن نحسم فيما يمكن اعتباره النص الأصلح للمتهم. وهنا لا بد من التمييز بين حالات متعددة : فإذا لجأ النص الجديد إلى رفع الصفة الجرمية عن الفعل، أو لطف من العقاب، أو سمح بالاستفادة من إيقاف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، أو أنشأ عذرا من الأعذار المخففة ، أوجب تطبيقه في هذه الحالات كلها، ولسنا في حاجة إلى بذل كثير من الجهد لتلمس أنها الأصلح للمتهم. وعلى نقيض ذلك إذا عمد المشرع في النص الجديد إلى تجريم فعل، أو إحلال جناية محل جنحة، أو إلى تشديد العقاب ولو من دون خلق ظرف من ظروف التشديد، أو إلى التخلي عن إعمال القاضي لإيقاف التنفيذ

عدم التوسع في تفسير القاعدة القانونية الجنائية

درج الفقه الجنائي على اعتبار عمليتي التجريم والعقاب من العمليات التشريعية التي تستدعي مراعاة مجموعة من الضوابط تفرز للقواعد الناتجة عنها بعض الخصوصيات. وقد مر معنا بأن المعمول به اليوم، وتجنبا لأي انزلاق قد تعرفه تلك القواعد، نظرا لمساسها الواضح بالحقوق والحريات، هو مراعاة الدقة والوضوح في النص،
ففي مادة التجريم والعقاب۔ دون قواعد المسطرة الجنائية – يستلزم التقيد بالنص في حدود ما توخاه المشرع من دون توسع. فهل معنى ذلك أن النص المجرم والمعاقب ينبغي تفسيره لقسيرا حرفيا، أم يلزم ولو بذل حد أدنى من الاجتهاد، وضمن أي حدود؟
المهم عند فقهاء القانون الجنائي أن لا يقع الانحراف بالنص، وأقصى ما يرمزون إليه استحداث جرائم أو عقوبات جديدة لم يضعها المشرع، ومنها أتت القاعدة التي تحضر على القاضي الجنائي استعمال القياس بناء عليه، إذا عرضت نازلة على القاضي المذكور تتضمن فعلا أو امتناع لا يشملهما المشرع بالتجريم، لا يمكن له أن يستعمل القياس بشأنهما على وقائع مشابهة مجرمة، مهما كانت خطورتها الإجرامية الملموسة
وتسوق على سبيل المثال لا يمكن تجريم إخفاء الأشياء المتحصلة من مخالفة قياسا على تجريمها في الجنحة أو الجناية – الفصل 571
يبقى أن عدم استعمال القاضي الجنائي للقياس في مادة التجريم والعقاب، لا يعني منع القاضي من تطبيق النص الغامض لمصلحة المتهم. وهنا لا بد من التأكيد على أن المشرع مهما يبذل من الجهد والحرص على التدقيق والتوضيح في نصوص التجريم والعقاب، فإنه لن يستطيع أن يحيط بكل ما يحتاجه القاضي في التطبيق، أولا لأن النص يتضمن حقيقة قانونية قد تعرف مع مرور الزمن نوعا من التفاوت مع الحقيقة الواقعية محور التقنين . ثم إن القاضي الجنائي يواجه حقيقة إنسانية قد تنقلت بطبيعتها عن بعض تصورات المشرع، ما يستدعي الأمر تلمس إرادة المشرع للخروج من الإبهام الذي يعتري النص.
و فوق هذا وذاك، يتمتع المتهم بأصل البراءة، وحتى يمكن إدانته، لا بد للقاضي من أن يحصل له الاقتناع بذلك، لتطبيق النص الملائم للنازلة والخالي من أي إبهام.

الركن المادي للجريمة

نعتقد أن الحديث عن الركن المادي للجريمة إنما يجرنا بداية لإعطاء ولو فكرة أولية عن المشروع الإجرامي، وعن المراحل التي يمر منها، نكتفي بالقول أن هذا المشروع يستلزم بالضرورة للصورة المرور.
أولا من مجرد الفكرة الإجرامية، لينتقل ثانيا لمرحلة العزم، حيث تصبح الفكرة المذكورة متمكنة من صاحبها بعد ذلك. ثالثا- يتحول هذا المكنون النفسي إلى عمل تحضيري ينصب عموما على تدبير كل ما يتعلق بتنفيذ الجريمة ثم رابعا- المحاولة التي تقوم بالبدء في تنفيذ الجريمة من دون العدول عنها إراديا لينتهي الأمر. خامسا- إلى تمام تنفيذ الجريمة
ولعله بقليل من التأمل في هذه المراحل الخمس، يمكن القول أن الجريمة تكون في بدايتها عبارة عن مكنون نفسي يحتاج إلى هامش من الإصرار ليتحول إلى واقع مادي ملموس في العالم الخارجي. فقد تكتمل بتمام التنفيذ، وهنا يقع الحديث کاملا من الركن المادي.
بالإضافة طبعا للركن المعنوي كما سنقف على ذلك في حينه والذي في حقيقته هو عبارة عن مجموعة عناصر، تختزل أو تتعدد حسب الطبيعة القانونية للجرائم؛ وقد تكون غير تامة – ناقصة ، أي في صورة المحاولة، التي فضلا عن أنها قد تتعدد من حيث تجسدها على مستوى الواقع، فهي قد تسمح بعدم إنزال العقاب في حالة العدول الإرادي للمبتدأ في التنفيذ المادي للجريمة
يبقى أن النشاط الإجرامي، يمكن أن يأتيه الفاعل منفردا دون مساعدة من أي كان، حينئذ نكون أمام فاعل أصلي- يتحمل المسؤولية الجنائية لوحده في حالة قيامها صحيحة من الناحية القانونية، كما يمكن أن يعد هذا الفاعل الأصلي۔ فتصبح أمام مساهمين، لكل واحد منهم نصيب من التنقية المادي للجريمة، وقد يكون إلى جانب الفاعل الأصلي أو المساهمين، في حالة تعدد هذا الأخير ، شريك أو شركاء محرضين أو مساعدين وفق صور حصرية منصوص عليها في المدونة الجنائية بناء عليه، ستحاول أن تتناول تباعا هذه المواضيع أنفة الذكر.

عناصر الركن المادي للجريمة

لابد لأي جريمة من نشاط إجرامي، يرتكبه الفاعل إما في شكل فعل أو امتناع يحضره المشرع الجنائي ويعاقب عليه. العنصر الأول. هذا النشاط تترتب عنه نتيجة إجرامية، غالبا ما يشترطها المشرع في جرائم النتيجة بطبيعة الحال العنصر الثانی۔ وقد يتجاوز عن اشتراطها في الجرائم الشكلية مثلا وكلما اشترط المشرع النتيجة الإجرامية كعنصر إلزامي لقيام الركن المادي، كلما كان لزاما توافر علاقة سببية تربط بين العنصرين المذكورين وهي العنصر الثالث

النشاط الإجرامي

النشاط الإجرامي قد يرد إما في شكل فعل إيجابي أو فعل سلبي. فالأول يقف من ورائه سلوك الجاني المجسد بحركة فاعلة محظورة قانونا، ومؤثرة بشكل واضح في العالم الخارجي؛ أما الثاني، وإن كان له تأثيره المعتبر في العالم الخارجي، فهو لا يعدو أن يكون إمساكا عن حركة مطلوبة قانونا.
هذا العنصر الأول من عناصر الركن المادي للجريمة هو الذي ينطلق به التجريم، بحيث لا يعاقب المشرع على مجرد التفكير في الجريمة، أو حصول العزم على ارتكابها، بل يتجنب المشرع العقاب ولو مر الفاعل إلى مرحلة التحضير، على اعتبار أن هذه المراحل مبدئيا، وإن كانت قد تحوز اهتمام المشرع في بعض الجرائم الخاصة، لا تحوز خطورة مثيرة على هامش عدم الإقدام على ارتكاب الجريمة فيها وارد بقوة
هذا وإذا كان الفعل الإيجابي لا يطرح مشكلا معقدا للقول بقيام النشاط الإجرامي، كما هو الحال في جرائم الإيذاء العمدي، فإن الأمر على خلاف ذلك مع الفعل السلبي،
لقد توزع الفقه الجنائي على ثلاث اتجاهات، الأول يقول بإمكانية التماثل عندما يكون الفاعل قادرا تماما على منع النتيجة الإجرامية، ومع ذلك يسمح بحدوثها رغبة في ذلك. ويبقى هذا الاتجاه الفقهي منطق المساءلة الجنائية المتماثلة مع تلك المترتبة عن الفعل الإيجابي على تساوي الخطورة الإجرامية
الاتجاه الفقهي الثاني يستلزم، للقول بإمكانية التماثل، وجود التزام قانوني أو تعاقدي يمكن اعتماده كأساس لإقرار المساواة في التجريم والعقاب بين الفعل الإيجابي والفعل السلبي،
يبقى الاتجاه الثالث، والذي يتمسك وبكل قوة بمبدأ الشرعية، حيت يذهب إلى عدم إقرار التماثل أبدا. فللمشرع الجنائي الحرية الكاملة في إقرار هذا التماثل في إطار نصوص خاصة، يقدر فيها خطورة الفعل السلبي وفق الشكل الذي يراه مناسبا لا سبيل لإقرار نص عام يعاقب على فعل الإمتناع، مادام أن التشريعات تتجنب ذلك رغبة في تكريس مزيد من الدقة والوضوح في باب التجريم ولعله موقف المشرع المغربي الذي نراه الأقرب إلى الصواب في مواجهة الاتجاهين السابقين

النتيجة الإجرامية

حتى لا نطيل في النتيجة الإجرامية، وإن كانت هي أيضا قد تثير بعض الإشكاليات النظرية والعملية، يمكن القول عنها أنها الأثر الترتب عن النشاط الإجرامي. فعل إيجابي أو فعل سلبي. والذي يمكن لمسه و بشكل واضح في العالم الخارجي.
 و لعل أهم ما يميز هذا العنصر الثاني من عناصر الركن المادي للجريمة أنه يبرز وبالملموس مدى الخطورة التي ينطوي عليها النشاط الإجرامي، حتى أن هناك بعض الجرائم، لا يمكن تكييفها واستجابة الكم العقابي لخطورتها، إلا من خلال ما يترتب عن النشاط الإجرامي من نتيجة ضارة وبغض الطرف عن مدى خطورة النشاط الإجرامي في حد ذاته ولنا في جرائم الإيذاء العمدي أمثلة دالة، حيت يمكن لنفس مستوى الإيذاء أن يكون وراء تكييف الجريمة ضريا وجرحا أو إيذاء مقضيا إلى الموت.
من أجل ذلك، كان لا بد من التشديد في اشتراط تلزم النتيجة الإجرامية للنشاط الإجرامي، حتى لا يفتح المجال التفاوت غیر طبیعی بین عنصرين أحدهما يبرر الآخر ولعل هذا التلازم هو الذي يبرر تمثل المشرع لتمظهرات أخرى للجريمة يفضل التعامل معها بشكل مستقل فجريمة الاعتياد منة، وهي الجريمة التي لا يقوم ركنها المادي إلا بنوع من التكرار على مستوى إتيان النشاط الإجرامي.
فالتلازم هنا يتراخي بعض الزمن، لأن تصور المشرع الجنائي لخطورة الفعل تستلزم الثبات على إتيانه، بحيث تصبح خطورة النتيجة الإجرامية نابعة من الفعل أكتر من تحصلها بالضرر المترتب عنه ولعله تقريبا فض المنطق الذي يعتمده المشرع لانتقاء الأفعال التي يدخلها في زمرة الجرائم الشكلية وهذا ليست النتيجة الإجرامية هي التي تغيب عن اللمس في العالم الخارجي، لأنها متحصله بقوة من الناحية المادية في جريمة التسميم مثلا،
بل هو الاعتبار التشريعي الذي جعل من الخطورة المتميزة للفعل الإجرامي كافية للتغاضي عن الوقوف على مدى حصول النتيجة من عدمه

العلاقة السببية

لا يمكن للركن المادي للجريمة أن يقوم کاملا مستجمعا عناصره إلا بحصول الارتباط السببي بين النشاط الإجرامي والنتيجة الإجرامية المترتبة عنه ولعله شرط يندرج في ما يفرضه منطق المساءلة الجنائية نفه، فإسناد الفعل لمرتكبه إنما يتطلب حصول علاقة وثيقة . عبرنا عنها بالمصطلح الجنائي” الارتباط “. بينه وبين ما رتبه من نتيجة إجرامية للضحية بل إن علة التجريم هي نفسها، وقبل المساءلة والعقاب، تتطلب هذا الاتصال السببي، نفيا لأي اختلاط أو لبس قد يحدث على مستوى الواقع، سواء في حالة تعدد الجناة، كما ستعرض لذلك في حالتي المساهمة والمشاركة، أو في حالة تعدد الجرائم
يبقى أنه يتوجب على القاضي الجنائي، وفي حالة صعوبة الوقوف على توافر العلاقة السببية، أن يعمد إلى تبرئة المتهم، مادام وكما مر معنا الشك يفسر لمصلحته وأيضا حسب منطق القانون الجنائي نفسه، الإدانة لا يمكن أن تبنى إلا بيقين، وهو ما لا يمكن توافره في حالة تعذر القول بقيام العلاقة السببية ولعل أكبر المشاكل على الإطلاق يتمثل في الحالات التي يتدخل فيها سبب أو أسباب أخرى مؤثرة في النتيجة الإجرامية إلى جانب نشاط الجاني هذا انقسم الفقه ثلاث نظريات

نظرية تكافؤ الأسباب

الأولى تسمى بنظرية تكافؤ الأسباب، بحسبها، يعترف لكل سبب متدخل في حدوت النتيجة بنفس القيمة القانونية التي تراب المسألة الجنائية، مهما اختلفت هذه القيمة من الناحية الواقعية فكما يظهر، تحاول هذه النظرية أن تتخلص من إشكالية البحت عن القيمة الحقيقية التي يمكن أن يحوزها كل سبب على حده، بحيث، على أية حال، تقوي من منطق المساءلة الجنائية وعدم الإفلات من العقاب، ولو على حساب تغليب الحسم على المستوى القانوني دون الواقعي

نظرية السببية المباشرة

النظرية الثانية وتسمى بنظرية السببية المباشرة، وهي كما يدل عليها اسمها تشترط للقول بقيام العلاقة السببية صحيحة أن تتصل النتيجة الإجرامية بالنشاط الإجرامي اتصالا مباشرا من دون أن يقطعه سبب أخر بل يفضل بعض الفقه الجنائي بنعتها بالعلاقة المبنية على السبب الأقوى، حتى تقوم مساءلة الجاني عما رتبه نشاطه الإجرامي مباشرة من نتائج واضحة يسهل تكييفها وإسنادها من الناحية الجنائية ودائما، حسب هذه النظرية إذا تدخل سبب أجنبي مع نشاط الفاعل تنقطع العلاقة السببية ويصعب القول بقيامها صحيحة، مساهمة في استجماع عناصر الركن المادي للجريمة

نظرية السببية الملائمة

النظرية الثالثة يصطلح عليها أصحابها بنظرية السببية الملائمة وأغلب الظن أنها النظرية الأقرب إلى الصواب فحسب هذه النظرية، لا يعتبر سبيا تقوم به العلاقة السببية صحيحة إلا ما صح اعتباره مؤديا للنتيجة الإجرامية حسب العادي والمألوف. ونحن من جهتنا تؤكد على أن الحسم في مدى توافر العلاقة السببية من عدمه إنما يتطلب من القاضي الجنائي الاحتكام إلى الحقيقة الواقعية للنازلة، وهذه تتطلب منه تفكيك الوقائع بشكل يأخذ بعين الاعتبار مختلف مظاهر الارتباط الطبيعي التي تجمع بينها، من دون اختزال أو مبالغة فلكل نشاط إجرامي نتيجة إجرامية تترتب عنه بشكل طبيعي ومنطقي، يمثله الشخص العادي، بل هو مألوف لديه ويبني عليه منطقه التصور الأشياء، ليل يؤسس عليه احترازه لكي لا يسقط في المحظور.
ومع ذلك، لا بد من تسجيل ولو هامش ليسير من التحفظ بخصوص هذه النظرية، فنحن وإن كنا نؤمن بأنها تساهم في إعطاء القاضي الجنائي هامشا معقولا من السلطة التقديرية لإعمال منطق الملائمة الطبيعية لتقدير الحقيقة الواقعية للنازلة في موضوع العلاقة السببية، فقد يتعثر الأخذ بها في حالات يصعب على القاضي فيها إيجاد إجابات منطقية من الواقع، تقع بسهولة الإهداء إلى ما يترتب عن النشاط الإجرامي من نتيجة حسب العادي والمألوف.

الركن المعنوي للجريمة

ينص الفصل 133 من مجموعة القانون الجنائي المغربي على ما يلي : ” الجنايات والجنح لا يعاقب عليها إلا إذا ارتكبت عمدا. إلا أن الجنح التي ترتكب خطأ يعاقب عليها بصفة استثنائية في الحالات الخاصة التي ينص عليها القانون. أما المخالفات فيعاقب عليها حتى ولو ارتكبت خطأ، فيما عدا الحالات التي يستلزم فيها القانون صراحة قصد الإضرار “
الملاحظة العامة على هذا الفصل، أنه وبالإضافة لاشتراطه الركن المعنوي في الأنواع الثلاثة من الجرائم جنایات ،جنح ومخالفات ، فإنه وانطلاقا من تراتبية هذه الجرائم ، حسب خطورتها بطبيعة الحال، حاول أن يرسم للركن المذكور مستويات ثلاثة كذلك، لكن وفق ترتيب نعتبره محل مناقشة
 في المستوى الأول، المشرع يتحدث عن العمد، ويهم الجنايات دائما، و الجنح كمبدأ عام. وفي المستوى الثاني ينتقل المشرع للحديث عن الخطأ، وهذا يهم الجنح بصفة استثنائية، ويهم كذلك المخالفات لم يأتي في المستوى الثالث ليتحدث عن قصد الإضرار والذي قد يهم استثناء المخالفات
الركن المعنوي يتمثل في تلك القوة المرتبطة بنفسية الجاني، والتي تحمله عبر الإرادة على إتيان نشاطه إما بشكل عمدي أو بالخطأ, فمرتكب الجريمة لا يكفي لإدانته إسناد الفعل ماديا إليه، بل لابد من تحقق إمكانية ذلك معنويا بالوقوف، إما على توافر قصد جنائی جعله يأتي النشاط الإجرامي بشكل متعمد، أو على ارتكابه وفق إحدى صور الخطأ، وهي عدم التبصر أو عدم الاحتياط أو عدم الانتباه أو الإهمال أو عدم مراعاة النظم والقوانين.

أولا – القصد الجنائي

بصفة عامة، يمكن القول أن القصد الجنائي يتمثل في توجيه الفاعل لإرادته من أجل تحقيق واقعة إجرامية معينة، مع العلم بحقيتها سواء من الناحية القانونية أو من الناحية المادية إذن لا بد في الجرائم العملية، أي التي تقوم على القصد المذكور، من اتجاه إرادة الجاني الآثمة إلى تحقيق النشاط الإجرامي مع حصول علمه بحقيقة ذلك النشاط وتجريم المشرع له

توجيه الإرادة إلى تحقيق الواقعة الإجرامية

لا يتحقق الركن المعنوي في الجرائم العمدية إلا بتحقق هذا العنصر المتمثل في استهداف النتيجة الإجرامية، عبر إرادة راغبة في تحقيقها تعمل على تنفيذ النشاط الإجرامي المؤدي لذلك. ففي جريمة القتل العمد من، لا يمكن أن يقوم القصد الجنائي إلا باتجاه الإرادة إلى إزهاق روح الضحية، أما إذا لم تتجه الإرادة إلى تحصيل النتيجة المذكورة، لكنها حصلت مع ذلك، وكانت وليدة إحدى صور الخطأ أعلاه، فتكييف الفعل يدخل في خانة القتل الخطأ، كما هو الأمر في حوادث السير هنا لا بد من التأكيد على أن مسألة إثبات قيام القصد الجنائي من عدمه في حق الجاني يدخل في المسائل الواقعية التي يستقل بتقديرها قضاة الموضوع، ولا رقابة عليهم في ذلك من طرف محكمة النقض
مع ذلك يبقى الإشكال مطروحا بخصوص هذا العنصر الأول من عناصر القصد الجنائي، حيت يقع التساؤل عن الدافع لارتكاب الجريمة إذا كان “نبيلا”، هل يقوم به عنصر الإرادة ؟
يجمع الفقه الجنائي مبدئيا على أن لا تأثير الواقع في هذا المضمار، فمن يسرق مالا مملوكا للغير يدافع توزيعه على الفقراء وبدعوى بخل صاحبه يتساوى عند المشرع مع من يسرق من أجل الاستمتاع بالمال إرضاء أنانيته
مع ذلك، يمكن أن يصبح لهذا الدافع هامشا من القيمة لدى القاضي في تفريد العقاب بتحديده بين الحين الأدنى والأقصى، بحيث قد يميل بالكم العقابي إلى الحد الأول كلما استنتج نبل الدافع فيما نوقش أمامه من حجج بصفة علنية، حضورية وتقوية و على أية حال إذا لم نسجل للمشرع المغربي موقفا مبدئيا بخصوص الدافع إلى ارتكاب الجريمة، فقد ينزع في بعض الوضعيات الإجرامية إلى الاعتداد به کسبب تخفيف من العقوبة،

العلم بحقيقة ما يقدم عليه من الناحيتين الواقعية والقانون

لابد لقيام القصد الجنائي يشكل تام وكامل، من أن يكون الفاعل على علم بحقيقة ما هو بصدد تنفيذه من نشاط أو أنشطة إجرامية سواء من الناحية الواقعية، وهذه لا خلاف حولها في الفقه أو من الناحية القانونية،
 وينتفي العلم من الناحية الواقعية إما بالجهل أو الغلط ويمثل الفقه على الحالة الأولى بالموثق الذي يتلقی معلومات غير صحيحة من المتعاقدين فيكتبها وهو يجهل زوريتها، فلا يؤاخذ بجريمة التزوير. أما في الحالة الثانية حالة الغلط – فيسوق مثل المسافر الذي يأخذ عند نهاية السفر حقيبة مسافر آخر معتقدا أنها حقيبته، لا يعتبر مرتكبا لجريمة السرقة.
مع ذلك، لابد من التأكيد على أن انعدام القصد الجنائي في الحالتين رهين بأن ينصب الجهل أو الغلط على العناصر المكونة للجريمة كما حددها القانون، ولعله شرط بدیهی، فإذا اقتصر الجهل أو الغلط على عناصر لا تعتبر من مكونات الجريمة من الناحية القانونية، فلا أساس للقول بانعدام القصد،
يبقى الجهل أو الغلط من الناحية القانونية. ويمثل الفقه على الحالة الأولى بالجهل بأن القانون يجرم الفعل الذي هو مقدم عليه، أما الحالة الثانية فيراها مجسدة في فهم القانون على نحو مخالف وحتى لا تتيه في تفسيرات قد يصعب معها فهم الأسس التي يقوم عليها القانون الجنائی، تقول مع المشرع الجنائي المغربي، لا يسوغ لأحد أن يعتذر بجهل. وقد أضيف بالغلط في التشريع الجنائي، ولو أنه لدينا اقتناع بإمكانية مناقشة قرينة العلم التي يفرضها المشرع من أجل حصول هذا العلم الافتراضي- أي غير الحقيقي –

ثانيا : الخطأ الجنائي

في الخطأ الجنائي وعلى خلاف القصد الجنائي، اتجاه إرادة الفاعل لم يتجاوز حدود الفعل لاستهداف النتيجة الإجرامية التي حدثت مع ذلك. والفقه يرجع العطل الذي أصاب هذه الإرادة في كون الفاعل لم يراعي واجب التبصر في سلوكه، فكانت النتيجة وليدة عدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله، بل يضيف المشرع لهذه الصور، صورة عدم مراعاة النظم والقوانين و قبل إعطاء ولو نظرة مختصرة ومبسطة على صور الخطأ الجنائي، نقول أن المشرع الجنائي هنا حاول، خارج الحالة العامة التي ترد فيها الجريمة بشكل عمدي، أن يحتوي بالتجريم والعقاب الوضعيات الإجرامية التي يقوم فيها الركن المعنوي ولو في حدوده الدنيا الفاصلة بين الضرر الاجتماعي الداخل في اعتبار القانون الجنائي، و الضرر الخاص الذي يعتبر من متعلقات القانون المدني

صور الخطأ الجنائي

أولا – عدم التبصر:

هي صورة من صور الخط الجنائي التي يقول بها الفقه الجنائي في المجال المهني، حيث يظهر فيها واجب مراعاة الضوابط والقواعد الفنية المرتبطة بكل مهنة ، و على الخصوص تطرح مراعاة هامش من السماحة بحكم العلاقة الخاصة التي تربط الفاعل بالضحية، كما هو الحال في المجال الطبي ومن دون الدخول فيما تطرحه المسؤولية الجنائية من إشكاليات في هذا المجال، نقول أنه بالإمكان متابعة الطبيب بالقتل أو الجرح الخطأ إذا تبين للقاضي الجنائي أنه لم يحترم في العملية الجراحية التي أجريت على المريض قواعد الجراحة الفنية. مثلا تسريع وتيرة العملية فمراعاة هذه القواعد هي التي تحلله من تحمل المسؤولية الجنائية وتجعله فعلا متبصرا فيما أقدم عليه من عمل

ثانيا – عدم الاحتياط:

هنا يلاحظ على سلوك الفاعل نوعا من التهور، غير المقبول جنائيا فالسائق الذي يسوق بسرعة في مكان آهل بالمارة. مصادفة اليوم السوق أسبوعي مثلا. لا شك أن في فعله ها مش من الخطورة الإجرامية. فهو يعلمها ويعرف أيضا سيل تجنبها. التي وإن كانت لا تسمح بمتابعته بجريمة عمدية في حالة صدمه لأحد المارة لاستحالة القول بذلك، انطلاقا من أن استهداف النتيجة التي حدثت هي خارج رغبته، إلا أنه يساءل عن عدم احتياطه لملائمة سلوكه للوضعية التي عليها المكان

ثالثا– عدم الانتباه:

تتميز هذه الصورة في كون الفاعل لم يركز بما فيه الكفاية فيما أقدم عليه من عمل، كالسائق شارد الذهن المأخوذ بسحر منظر الطبيعة في وقت غير مناسبا

رابعا – الإهمال:

الفاعل هنا يتخذ موقفا سلبيا في مواجهة وضعية تستوجب عليه اتخاذ موقف إيجابي يعكس به يذله العناية المطلوبة في مثل الموقف الذي وجد فيه ويمثل الفقه عليها بإعطاء الدواء بصفة غير منتظمة هنا لا بد أن تسجل احتياطنا من إعطاء مثل هذه الأمثلة الملتبسة، مادام بالإمكان في هذا المقال أن يتابع الفاعل بجريمة عمدية، إن استهدف النتيجة بطبيعة الحال، أو إن كان إهماله هو بالقداحة التي يصعب معها التمسك بإحدى صور الخطأ الجنائي ومن دون الدخول في بعض التعقيدات، تقول أن تمییزنا بين الجريمة العمدية والجريمة الخطية إنما هو تمييز أكاديمي، لا يعفي القاضي الجنائي من طرحه في كل نازلة

خامسا – عدم مراعاة النظم والقوانين:

لا بد من التأكيد أولا بأن عبارة النصوص والقوانين المقصود بها النصوص التشريعية وما دونها من قرارات ولوائح وأوامر صادرة عن السلطة العامة، سواء كانت هذه القرارات أو الأوامر تنظيمية أو فردية هذا وتشكل مخالفة النظم والقوانين جريمة بمجرد أن يترتب عنها ضرر جسماني، حتى ولو لم تكن المخالفة في حد ذاتها معاقبة جنائيا، مثال ذلك مخالفة القواعد المنظمة الأحد الألعاب الرياضية يبقى، وبصفة عامة أخيرة، أن الجريمة غير العملية لا يمكن أن تتصور فيها لا المحاولة ولا المشاركة.

المحاولة أو الجريمة غير التامة

قد يبدو وعلى غير العادة الانطلاق من عنوان إشكالي يدفع إلى التساؤل عما إذا كانت المحاولة جريمة غير تامة، بل يمكن أن يثور الاستغراب لدى الشخص العادي حول مدى استحقاقها العقاب، إذا ما وقع التسليم بكونها جريمة ناقصة؟
إن المحاولة كجريمة ولو بدون نعت، كانت ولا تزال تطرح إشكاليات دقيقة، سواء على مستوى فرزها عن الأعمال التحضيرية التي غالبا ما تختلط معها في الواقع. أو عن الجريمة التامة نفسها، أو على مستوى من استحقاقها لنقص عقوبة الجريمة التامة
بخصوص موقف المشرع الجنائي المغربي، لا بد من الانطلاق من الفصول التالية الفصل 114 ” كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها، تهدف مباشرة إلى ارتكابها، إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخی منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة.
الفصل 115″ لا يعاقب على محاولة الجنحة إلا بمقتضى نص خاص في القانون
الفصل 116 ” محاولة المخافة لا يعاقب عليها مطلقا”
 الفصل 117 ” يعاقب على المحاولة حتى في الأحوال التي يكون الغرض فيها من الجريمة غير ممكن يسبب ظروف واقعية يجهلها الفاعل”

الإختلاف بين المحاولة و الأعمال التحضيرية للجريمة :

لن نرجع لما سبق بيانه بخصوص المراحل التي تمر منها الجريمة. وإن كنا تفضل الحديث عن المشروع الإجرامي- وهي على خمس مراحل، بخلاف ما يذهب إليه أغلبية الفقه المغربي، يكفينا هذا، ونحن بصدد مقاربة التنظيم التشريعي للمحاولة، أن نقف وبكل دقة على تمييزها عن الأعمال التحضيرية.
 قد يعتقد البعض، ولعله موقف بعض الفقه، أن مرحلة التحضير للجريمة تختلف عن مرحلة الشروع في تنفيذها، يكون المرحلة الأولى مادية غير ذهنية، على خلاف الثانية التي تصبح فيها النية الإجرامية مجسدة على مستوى الواقع.
 ونحن من جهتنا نحاول أن نحذر من هذا التبسيط الذي لا يمكن بأية حال أن يخدم مبدأ الشرعية، الذي كما يجب التمسك به بقوة اتجاه الجريمة التامة، ينبغي الحفاظ على ذلك أيضا وبشكل سليم بخصوص المحاولة فالحسم في اتخاذ قرار ارتكاب الجريمة، ووضع خطة لتنفيذ الجريمة في بعض الجرائم. وتهيئ الوسائل لذلك، ليست فقط عملية مادية غير ذهنية، بل هي أيضا محملة بعزم وإصرار على المرور لارتكاب الفعل، وإلا كيف يمكن أن تفسر ظرف سبق الإصرار كظرف مشدد في القتل العمد. ينقل العقوبة من السجن المحدد إلى الإعدام. والذي يضفي على فعل إزهاق الروح، في حالة ارتكابه عمدا خطورة إجرامية أكبر، بالنظر للحالة الإجرامية النفسية والذهنية التي كان عليها الجاني قبل.
أيضا، المشرع نفسه قد يرتقي بهذه المرحلة, أي مرحلة التحضير – ويجعلها وبنصوص خاصة، محور التجريم وقد تمثل على هذه الحالات الخاصة، بما ورد في الفصل 293 من مجموعة القانون الجنائي، حيث يذهب المشرع إلى أن ” كل عصابة أو اتفاق، مهما تكن مدته أو عدد المساهمين فيه، أنشئ أو أوجد للقيام بإعداد أو ارتکاب جنایات ضد الأشخاص أو الأموال، يكون جناية العصابة الإجرامية بمجرد ثبوت التصميم على العنوان باتفاق مشترك” .
فالواضح أن المشرع الجنائي، وعيا منه بالخطورة الملموسة التي قد تشكلها الأعمال التحضيرية في بعض الجرائم، خاصة منها الخطيرة، وحثي يضطلع بدوره الوقائي ولاستباقي المطلوب منه في بعض الأحيان، وحتى لا يفرغ التجريم من محتواه في بعض الحالات، يفزع إلى احتواء هذه المرحلة، غير المعاقبة مبدئيا ليشملها بالتجريم. ولربما، بقراءة بسيطة للفصل المجرم التكوين العصابة الإجرامية أعلاه، يتضح مدى ارتباط هذه المرحلة الفارقة بالجانب النفسي أكتر.
صحيح، أن مرحلة الشروع في ارتكاب الجريمة يمكن اعتبارها، ويشكل موضوعي، مرحلة متطورة، بدأ يأخذ فيها المشروع الإجرامي تشكله المادي الملموس على مستوى العالم الخارجي، بحيث تصبح النية الإجرامية كقوة نفسية تدفع وتمضي بالجاني إلى استنفاذ نشاطه الإجرامي إلا أن عملية الفصل بين هذه المرحلة المتطورة، سواء على المستوى المادي أو على المستوى النفسي، والمرحلة التي تسبقها ليست متيسرة في كل النوازل وفي كل الحالات. ولعل هذه الصعوبة هي التي جعلت الفقه يتصدى لها منقسما من أجل ذلك، إلى اتجاهين:
اتجاه موضوعي، يركز على الركن المادي للمحاولة، بحيث يخرج من هذه الأخيرة، كل عمل لا يدخل في التعريف القانوني للجريمة المراد ارتكابها، ولا يعتبر من ظروف التشديد فيها، ويدخله بالتالي في العمل التحضيري.
 و اتجاه شخصي، يعتمد على القصد الجنائي لدى الفاعل، بحسبه ، ينبغي التمييز بين حالة مجرد التفكير في الجريمة، وحالة حصول العزم على ارتكابها بحيث يذهب في الحالة الأولى، إلى اعتبارها من متعلقات العمل التحضيري، بينما يدخل الحالة الثانية في زمرة المحاولة .

عناصر المحاولة

أولا – البدء في التنفيذ :

 لا يمكن للمحاولة أن تقوم من دون بدء الجاني في تنفيذ نشاطه الإجرامي. هذا وإذا كان هذا العنصر لا يطرح مشکلا سوى في إطار التمييز بين المحاولة والأعمال التحضيرية كما مر معنا، فأهميته، تكمن في أنه يمكن القاضي الجنائي من تأسيس حكمه وتحصينه بمبدأ الشرعية، بحيث ليس هناك ما يلزمه على اتخاذ منحى أي من النظريتين أعلاه .
ولعل موقف المشرع المغربي، بخصوص هذه النقطة هو بالوضوح الكافی، فعبارتي ” بدت بالشروع في تنفيذها” “أو أعمال لا لبس فيها “، إنما تعمل على تقييد القاضي الجنائي بخصوصية كل نازلة على حده، ومن دون أن ترسم له مسبقا ما ينبغي اتخاذه من قرار، بالقول بقيام المحاولة من عدمه، خصوصا وأنه اختار، كبقية التشريعات، قيام المحاولة في كل الجنايات، على خلاف الجنح التي رهنها بالنص الخاص واستبعد مطلقا العقاب على محاولة المخالفة. بل إن مساواة عقاب المحاولة مع عقاب الجريمة التامة. الذي لا نتفق معه مطلقا. لتدفعنا في باب المحاولة، إلى إعمال هذه المؤسسة الزجرية ذات البعد الوقائي، لتفعل فعلها إلى جانب بقية المؤسسات التي توصف كذلك

ثانيا- انعدام العدول الإرادي:

لا بد بداية من وضع هذا الشرط في سياقه، بحيث وإلى جانب الدور الزجري الوقائي الذي تلعبه هذه المؤسسة المهمة في القانون الجنائي، فهي تجسد أيضا مدى سماحة المشرع الجنائي، ومدى إيمانه المبدئي بالبعد التخليقي المكرس للقيم المجتمعية.
 فإذا كان المشرع لا يعاقب لا على التفكير ولا على العزم ولا حتى على التحضير لارتكاب الجريمة، فمن باب أولى، أن يفعل هذا المنطق في مرحلة الشروع في التنفيذ أن يفرز اللاعقاب في الحالة التي، وبالرغم من إقدام الجاني على الحسم في قراره بالمضي فيه ماديا، يعدل فيها عن ذلك بمحض إرادته هنا يضمن المشرع والقاضي معه، ولو نسبيا مدى استجابة الفاعل للتمثل السليم لمنظومة القيم المجتمعية واختياره السير وفقها
مع ذلك، قد يطرح الواقع حالات، هي ليست بالوضوح الكافي، بحيث يصعب تكييف العدول فيها سواء بالإرادي وتنتفي معه المحاولة، أو بالاضطراري و تقوم به، وهو ما يطرحه الفقه في صورة إشكال ما يسمى بالعقول المختلط.
 قد يبدو بنظرنا المتواضع أنه من المنطقي تبني بعض الحلول، التي إما أنها تحيل على القضاء يمنحه سلطة تقديرية لتحري العامل الرئيسي الذي كان وراء العدول، هل هي إرادة الجاني أم العامل الأجنبي بتغليب مصلحة المتهم بطبيعة الحال، أو تتساهل بالقول بعدم قيام المحاولة كلما كان الإرادة دور في العدول۔
ونحن من جهتنا، تعيد فتكرر بأن المحاولة جريمة تستحق العقاب، حتما أقل من عقاب الجريمة التامة، ولكن هذا لا يدفع إلى تلقي مواقف مرنة بخصوص تصور قيامها قانونا فالمسألة تتعلق بالتجريم وليس فقط بالعقاب، وباحترام مبدأ الشرعية والمحاولة المجرمة ، حتى تميزها عن المحاولة غير المجرمة بنظرنا المتواضع. تجريم من نوع خاص، والمشرع عند حديثه عن الظروف الخارجة عن إرادة مرتكبها، التي تقف، إما حائلا دون الاستمرار في تنفيذ الجناية أو دون حصول الأثر المتوخی منها، إنما يبحث، وفي إطار المبررات التي أتينا بها أعلاه، في نفسية الجاني وفي الوضعية المادية التي يوجد فيها، عن تعطيل إرادي يحول دون استحقاق الفعل كمال التجريم، أو حتى افتراض وضعية المحاولة، بحيث يصبح من المتعذر قانونا تصور تجريم و عقاب المحاولة أساسا.

صور المحاولة

بالرجوع إلى الفصول المتعلقة بتجريم المحاولة، المشار إليها أعلاه، يمكن القول أن هذه الأخيرة على ثلاثة صور: المحاولة في صورة الجريمة الموقوفة ۔ المحاولة في صورة الجريمة الخائية – المحاولة في صورة الجريمة المستحيلة – وقبل التعرض لهذه الصور الثلاث، يجدر بنا ملاحظة أن خصوصية تجريم المحاولة، وليس عقابها يكمن في احتواء المشرع الحالات بعينها، خطورتها الإجرامية تؤهلها لتلتحق بدائرة التجريم، بالرغم من عدم اكتمال ركنها المادي بمفهومه المعتاد، أي المرتب النتيجة الإجرامية وإن كنا لا نريد الدخول في التعقيدات التي يمكن أن تطرحها علينا بعض الجرائم ذات الطبيعة الخاصة، ونقصد بها حصرا الجرائم الشكلية.

المحاولة في صورة الجريمة الموقوفة

لعلها الصورة الإشكال التي يدق فيها التمييز بين المحاولة المجرمة والمحاولة غير المجرمة، ولنا في هذا المقام أن نحسم في هذه التسمية الأخيرة، التي تعتبر مغامرة مطلوبة لتجديد فهم الأسس التي يقوم عليها القانون الجنائي
ولعل وضوح الفهم ينطلق من كون الفقه، في حديثه عن صور المحاولة، يتحدث عن جرائم، وهذا بنظرنا لأكبر دليل على أن المحاولة هي استعمال لتقنية خاصة من تقنيات التجريم، لا تقل شأنا عن تقنية الجريمة التامة وباستحضارنا لما سبق الحديث عنه، نقول عن الجريمة الموقوفة هي الجريمة التي تدخل فيها سبب أجنبي عن إرادة الفاعل ليوقفه عن إتمام الأعمال التي ستوصله إلى النتيجة المتوخاة من ارتكاب الفعل ، كتدخل ضابط الشرطة أو أحدا من الغير، بل وانتباه الضحية نفسها إذا كان هذا الانتباه مقرون بمقاومة من طرفها تكللت بالنجاح إن الأهم في الجريمة الموقوفة هو إيقاف الفاعل رغما عنه، مع صلاحية فعله وكفايته الإحداث النتيجة واستمرار رغبته في ذلك، وإلا كنا أمام محاولة غبر مجرمة، وتتحقق هذه الأخيرة بإيقاف الفاعل لنشاطه بإرادته، مع صلاحية فعله وكفايته لإحداث النتيجة مع غياب السبب الأجنبي عن الإرادة أو تفاهته

المحاولة في صورة الجريمة الخائبة

في هذه الصورة، وعلى خلاف الأولى، يستنفذ الفاعل كل نشاطه الإجرامي ماديا معتقدا أنه سيوصله إلى تحقيق النتيجة الإجرامية المرجوة، ومع ذلك، تتخلف هذه الأخيرة عن التحقق لظروف تخرج عن إرادته فالنتيجة في هذه الصورة ممكنة، والنشاط الإجرامي مكتمل على مستوى الإنجاز، ولم يوقف لا اختيارا من طرف الفاعل ولا اضطراريا لتدخل السبب الأجنبي، ومع ذلك تخيب الجريمة في الجزء المتعلق بتحقق النتيجة الإجرامية لخلل تسبب فيه الفاعل نفسه ومن دون أن يرغب في ذلك.

المحاولة في صورة الجريمة المستحيلة

الجريمة المستحيلة هي الجريمة التي اختل موضوعها لأسباب واقعية يجهلها الفاعل تقابلها الجريمة الوهمية أو التصورية، وهي الجريمة التي ليست كذلك إلا في نظر مرتكبها، من دون أن تدخل في دائرة التجريم التشريعي ولعله بالرجوع لمقتضيات الفصل 117 سالفة الذكر، نجد المشرع المغربي يتحدث عن الأحوال التي يكون الغرض فيها من الجريمة غير ممكن يسبب ظروف واقعية يجهلها الفاعل ” ومن دون التيه في بعض التفصيلات التي اعتمدها بعض الفقه في غير محلها،
الأولى أن نقله إلى المنطق الذي اعتمده الفقه لتجريم هذا النوع الملتبس من الجرائم، فخطورتها الإجرامية ليست مثار جدل لأن الفاعل استنفذ كل نشاطه الإجرامي وتعذر حصول النتيجة الإجرامية هو خارج عن إرادته تماما، و لاستحالة ذلك أيضا ومدام كون هذه الأخيرة. أي الاستحالة لا يرجع للقانون، فلا مناص من التجريم والعقاب، لأن الاستحالة الواقعية هنا، وبحكم جهلها، لم تكن لتغير، لا من اقتناع المشرع باحتواء هذه الوضعية الإجرامية الخطيرة، استجابة لمنطق التجريم نفسه، ولا من استكمال الصور الأحق بتجريم المحاولة، بحيث خارج الصور الثلاث، وهي هندسة تشريعية متكاملة، لا يمكن أن تكون إلا أمام وضعيات إجرامية هشة القيمة، لا ترقى حسب المشرع الجنائي لمستوى التجريم، الشيء الذي يزکی تجرئنا على نعت المحاولة ب “الجريمة الناقصة “، كتقنية الامتداد التحريم لوضعيات لا يمكن التغاضي عنها، والتي ترى لها تكاملا منطقيا مع مفهوم الجريمة التامة، بل ويدعم موقفنا المميز بين المحاولة المجرمة والمحاولة غير المجرمة.

المساهمة والمشاركة في الجريمة

سنعرض أولا للمساهمة، لنتناول، فيما بعد، المشاركة بشيء من التفصيل لكن قبل ذلك ينبغي إدارة الانتباه بداية إلى أن دراسة الجريمة، عموما، وبغض النظر عن أركانها الثلاث ، هي ليست فقط فعل أو امتناع بتدخل المشرع الجنائي لتجريمه وتحديد عقوبة خاصة به، بل هي أيضا فعل فاعل، قد ينعت في قاموس القانون الجنائي إما بالفاعل الأصلي أو بالمساهم أو بالمشارك
و لعل بداية الإشكال، في نظرنا، تنطلق من عدم اعتماد المشرع الجنائي المغربي التعريف خاص بالفاعل الأصلي، يميزه عن التعريف الذي أضفاه على المساهم والمشارك. ولعل هذا الموقف، الذي نجد له تماثلا مع تشريعات أخرى، هو الذي جعل الفقه يعتبر المساهمة تتحقق في حالة تعدد الفاعل الأصلي.
ونحن من جهتنا تفضل، الإبقاء على هذه المؤسسات الثلاث ، وفق مقاربة جديدة تنسجم مع التصور السليم لدراسة تجليات التورط في ارتكاب الجريمة“، وهذه عبارة، ينظرنا المتواضع ، تفي بالغرض أكثر من مفهوم “التنقية المادي للجريمة “، الذي يشمل” الفاعل الأصلي” والمساهم دون المشار

إشكالية الفاعل الأصلي للجريمة

من دون الادعاء بأننا سنأتي بتنظير جديد في القانون الجنائي بهم مؤسسة الفاعل الأصلي، نقول بكل بساطة أن أي جريمة في الصور المشرع الجنائي، على مستوى ارتكابها، لا تخرج عن احتمالين :
إما أن تنجز في إطار مشروع فردي، ينقذ من بدايته إلى نهايته من طرف شخص واحد، أو تنجز في إطار مشروع جماعي، يتوزع فيه التنفيذ. من دون وصف حتى لا يقع الخلط مع الاصطلاح التشريعي بين شخصين أو أكثر في الاحتمال الأول، تكون لا محالة أمام فاعل وحيد للجريمة، لا حاجة لنا لمعرفة الدور أو الأدوار التي اضطلع بها في تنفيذه لها، بحيث يكفي إنبات إسناد الفعل إليه ليكتمل البنيان المادي للجريمة
أما في الاحتمال الثاني، وبحكم تدخل أكثر من شخص في إنجاز المشروع الإجرامي، يصبح من اللازم معرفة دور كل واحد من المتدخلين، باعتبار هذه المعطاة تشكل الشرط الضروري الأولى للمرور لعملية إثبات إسناد الفعل.
ولعل الصعوبة ينظرنا المتواضع تطرح بداية مع عبارة “الفاعل الأصلي” في حد ذاتها، والتي اعتاد الفقه أن ينكرها إلى جانب عبارة “المشارك”. وهذا يوحي منذ البداية عن خطأ. بأن المشاركة ما هي إلا تصور ملطف للتورط في ارتكاب الجريمة، الشيء الذي يمكن أن تنتظر منه عقابا ملطفا بالمقارنة مع العقاب الذي ينبغي أن يطال الفاعل الأصلي، الذي ترجع له التسمية، أصالة انتساب الجريمة أفعله، وقد يطال المساهمين، عقد تعدد الفاعل الأصلي.
 ولربما منطق الفصلان 128 – الخاص بالمساهمة و 129 – الخاص بالمشاركة من مجموعة القانون الجنائي المغربي يساعد على طرح هذا الإشكال من زوايا أخرى۔ فالفصل الأول، يعتبر مساهما كل من ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي للجريمة. بينما الفصل الثاني، يعمد إلى تصنيف بعض الأفعال حصريا بالمشاركة في الجناية أو الجنحة ممن يأتيها ولم يساهم مباشرة في تنفيذها وهي أفعال تتعلق إلى التوالي  ب :
أولا– بالأمر بارتكاب الفعل أو التحريض على ارتكابه، وذلك بهية أو وعد أو تهديد أو إساءة استغلال سلطة أو ولاية أو تحايل أو تدليس إجرامی
ثانيا۔ بتقديم أسلحة أو أدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل، مع العلم بأنها ستستعمل لذلك
ثالثا– بمساعدة أو إعانة الفاعل أو الفاعلين الجريمة في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة لارتكابها، مع العلم بذلك.
رابعا– التعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع ، لواحد أو أكثر من الأسرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع العلم بسلوكهم الإجرامي
ولعل حسم المشرع الجنائي المغربي في عقاب المشاركة في الجناية أو الجنحة بنفس العقوبة المقررة لهما، و الخطورة المتميزة التي تتسم بها كل صور المشاركة المذكورة أعلاه ، ليحررنا من أي عناء قد تبذله في الدفع بالتخلي عن عبارة “الفاعل الأصلي للجريمة المحلية، بعبارة بسيطة ودالة “الفاعل مرتكب الجريمة “بل نؤكد، حتى للقائلين بانسجام العبارة الأولى مع مفهوم المشاركة، ولو بشكل أولي، في انتظار تحليلنا لهذه المؤسسة المهمة في القانون الجنائي، أن إشكالية التسمية تلزمنا بالخوض في تقدير نسبة الخطورة لكل متدخل في تنفيذ المشروع الإجرامي،
وهذا أمر لا يستلزمه المشرع لا صراحة ولا ضمنيا، في بعض الجرائم، قد تتسم المشاركة بخطورة أكبر، إن كانت لا تلزم القاضي بانتقال الكم العقابي في جانب مرتكبها، فينبغي أن يحترم نفس المنطق اتجاه الفاعل مرتكب الجريمة، ولعله نفس منطق المشرع الذي ساوي العقوبة.

المساهمة في ارتكاب الجريمة

بعد التعريف التشريعي المشار إليه أعلاه، يمكن القول أن الفقه، محاولة منه في احتواء كل المتورطين في ارتكاب الجريمة، يحاول، وانسجاما مع منطق المشرع نفسه، أن يتوسع في مفهوم المساهمة، بإدخال الحالات المبدئية، إن صحت هذه العبارة، والمتعلقة بمساهمة الفاعل في العمل التنفيذي، لا فرق بين أن يربط بين المساهمين اتفاق جنائي أم لا، وسواء أكان العمل رئيسيا أو ثانويا ونحن هنا نسجل تحفظنا ولو نسبيا على هذا التوسع، فالأمر يتعلق بتحديد صفة المساهم من الناحية الجنائية، وفيها لا بد من الاحتكام لمبدأ الشرعية فالمشرع نفسه يتحدث عن ” الارتكاب الشخصي لعمل من أعمال التنفيذ المادي للجريمة “،
ونحن من جهتنا وخارج الحالات الاستثنائية التي يخرج فيها المشرع عن هذا التقييد، تنصح بتمسك الفضاء الجنائي بإضفاء صفة المساهم، فقط على من يمكن أن ينسب له دور في التنفيذ المادي المباشر لارتكاب الجريمة، وإلا ما الهدف من خلق مؤسسة مجاورة للمساهمة، أي المشاركة، تكمل الأولى يشكل منطقي ومعقول، ينسجم مع مفهوم التورط في ارتكاب الجريمة الذي تدافع عنه
صحيح، أن المشرع ولاعتبارات يراها، قد يذهب إلى اعتبار بعض الأعمال، مساهمة، ولو أنها لا تدخل في الركن المادي للجريمة، حيت مثلا، في الفصل 304 من مجموعة القانون الجنائي، يعتبر مرتكبا للعصيان من حرض عليه سواء بخطب ألقيت في أمكنة أو اجتماعات عامة أو بواسطة ملصقات أو إعلانات أو منشورات أو كتابات بل قد يفرضها افتراضا.
أي المساهمة وهي حالة الرؤساء والمنظمون والمديرون والمحرضون على المشاجرة أو العصيان أو التجمع الثوري، حيت يقرر المشرع معاقبتهم كما لو كانوا هم الذين ارتكبوا أفعال العنف المشار إليها. ولسنا هنا في حاجة إلى قبول مثل هذا التوظيف الخاص، الذي تري له انسجاما مع تميز الخطورة الإجرامية التي عليها الأفعال المذكورة
يبقى أن الفقه يذكر أيضا، إلى جانب الحالات أعلاه، حالة ثبوت وجود اتفاق مسبق بين الفاعلين، على تنفيذ الجريمة. فمن باب أولى هنا أن لا ننتبه لما إذا كان الفعل يدخل ضمن الأعمال التنفيذية للجريمة، لأن حصول الاتفاق الجنائي يغني عن ذلك هنا لا بد أن نسجل تحفظنا مما ذهب إليه الفقه من كون المساهمة الجنائية تقوم ولو لم يعرف من قام بالفعل المادي، بحكم أن التطور العلمي الذي بدأ يميز الإثبات الجنائي يمكن أن يقدم المعطاة المساعدة على التعرف على ذلك.

المشاركة في الجريمة

ربما أكثر المشاكل على الإطلاق التي تثيرها المشاركة، كتقنية جنائية، يهدف من خلالها المشرع احتواء كل المتورطين في ارتكاب الجريمة ولو بشكل غير مباشر ، خروج صورها عن مفهوم القيام بعمل من أعمال التنفيذ المادي الجريمة، بحيث يطرح التساؤل المشروع، احتراما دائما لمبدأ الشرعية الجنائية، عما هي الحدود المعقولة التي يمكن من خلالها تحديد دائرة المتورطين في الجريمة؟
لقد مر معنا في الفصل 129 أعلاه حصر المشرع الجنائي المغربي، شأنه شأن أغلب التشريعات الجنائية، لصور المشاركة ويشكل لا يسمح للقاضي الجنائي بتمديدها على حالات خارجها. ولعل هذا الموقف، بنظرنا المتواضع، يحيل على مسألتين أساسيتين،
الأولى، أنه خارج حالة المساهمة الجنائية، والتي يمكن إثباتها ماديا بيسر، بحكم التصاقها بالتنفيذ المادي للجريمة، لا بد من تدقيق وصف الحالات الأخرى، لكي لا يمتد التجريم بشكل يخالف منطق المساءلة نفسه إلى أشخاص لا علاقة لهم به والثانية، تتمثل في مراعاة الوضعيات التي تصيح فيها المساعدة على ارتكاب الجريمة أي خارج حلقة المتورطين في التنفيذ. تكتسي من الخطورة ما يكفي لتصبح، إلى جانب حالة المساهمة شاملة لكل الوضعيات الإجرامية التي يحتملها منطق تعدد الجناة في الجريمة الواحدة
قبل الرجوع الصور المشاركة، لا بد من تأصيل الأساس القانوني لعقابها. وفي هذا الباب يمكن الحديث عن نظريتين:
الأولی تسمى نظرية استعارة الإجرام من الفاعل الأصلي، الذي حاولنا أن نعطيه تسمية الفاعل مرتكب الجريمة و الثانية تعرف بنظرية استقلال جريمة المشاركة بالنسبة للنظرية الأولى، تجريم المشاركة مرتبط بعلاقة سببية مع النشاط الإجرامي للفاعل مرتكب الجريمة، فلا عقاب عليها إذا لم تقع فعلا الجريمة التي ساعد عليها، إما امتناعا أصلا أو عدولا عنها اختیارا أو حتى أن سقطت الجريمة بالتقادم أو شملها عفو شامل فهذه حالات حسب النظرية أعلاه، تمنع من تحقق استعارة التجريم،
بحيث أفرغت الفعل من إمكانية ذلك بل إن الظروف العينية المتعلقة بماديات الجريمة سواء منها المشددة للعقوبة كظرف الليل في السرقة أو التي تخففها۔ سرقة زهيدة .، تسري على المشارك ولو كان غير عالم بها، فمهما كانت فيه وقصده، فهو يتحمل استعارة الفعل الإجرامي بكل أوصافة سواء منها التي تأخذه نحو التشديد أو تلك التي تشمله بالتخفيف.
أما بالنسبة للنظرية الثانية، فهي تعقد بالخطورة الإجرامية التي يتسم بها فعل المشارك، بحيث بنظرها، ليس هناك ما يمنع من القول باستقلال نشاطه عن نشاط الفاعل مرتكب الجريمة، ومن ثم فمسؤوليته الجنائية مستقلة كذلك بناء عليه، ستكون النتائج مختلفة تماما عما مر معنا بخصوص النظرية الأولى فالمسؤولية الجنائية للمشارك تقوم ولو تراجع الفاعل عن مشروعه الإجرامي أصلا، أو سقطت الجريمة بالتقادم أو شملها عفو عام بل إن الظروف العينية المرافقة الجريمة التي يرتكبها الفاعل، لا يسأل عنها المشارك إلا إذا كان عالما بها عند قيامه بنشاطه.
بالنسبة للمشرع المغربي، فأغلب الظن أنه ينحو نحو نظرية الاستعارة، حيت يستشف ذلك، حسب الفقه، من ذات النص المقرر للمسؤولية الجنائية على الجرائم الفصل 132. حيت وبعد أن يؤكد المشرع مسؤولية الشخص عن الجرائم التي يرتكبها، يتحدث عن الجنايات أو الجنح التي يكون مشاركا في ارتكابها فهذه العبارة الأخيرة تحمل من الدلالة ما يكفي لقي استقلال تجريم المشاركة،

صور المشاركة

إن المتأمل بعمق في صور المشاركة التي مرت معنا في معرض حديثنا عن مقتضيات الفصل 129، ليلاحظ جيدا مدى تمس أن المشرع بالحالات الواقعية التي يمكن أن تصبح معها المساعدة على ارتكاب الجريمة، وليس المساهمة فيها، تحمل نفس خطورة ارتكاب الفعل، ولو بالتقييد الذي حاولنا أن نقف على بعض جوانبه فالأمر والتحريض. الصورة الأولى، وتقديم وسيلة ارتكاب الجريمة الصورة الثانية،
والمساعدة أو الإعانة على الأعمال التحضيرية أو المسهلة لارتكاب الجريمة الصورة الثالثة ، والتعود على تقديم مسكن أو ملجأ. الصورة الرابعة ،كلها بنظرنا أفعال، فضل المشارك أن لا يقوم فيها بأي دور مباشر في التنفيذ المادي للجريمة، بحيث، وبالرغم من رغبته في أن يرتكب مبني للمجهول الفعل المؤدي إلى حصول النتيجة الإجرامية المرجوة، اختار لنفسه دورا مساعدا لا يمكن، بنظرنا المتواضع، أن يخرج عمليا عن الصور المذكورة
حتى لا نتيه في الجزئيات لا بد من تقديم الخلاصات التالية :
الأولى : أن الصورتان الأولى والثانية تتحققان بأعمال سابقة على ارتكاب الفعل، بينما الصورة الثالثة قد تتحقق بأعمال معاصرة لتنفيذ الجريمة، أما الصورة الرابعة فقد تتحقق بأعمال لاحقة على ارتكاب الفاعل للجريمة
الثانية : صورة الأمر والتحريض على ارتكاب الجريمة، والتي تسجل على أن المشرع استوجب أن تتم بهية أو وعد أو تهديد أو إساءة استغلال سلطة أو ولاية أو تحايل أو تدليس إجرامي، الظاهر على أنها الصورة الأمل التي توضح مدى استحقاق المشارك لنفس عقوبة الفاعل مرتكب الجريمة، كان لا بد على المشرع أن ينطلق منها لاحتواء الصور الأخرى ولسنا بحاجة لاشتراط جدية التحريض ومدى تشجيعه للفاعل للإقدام على ارتكاب جريمته.
الثالثة : اشتراط المشرع، في الصور الثانية الثالثة والرابعة، علم المشارك بما يعتزم الفاعل مرتكب الجريمة فعله هذا يشترط الفقه أن يكون هذا العلم حقيقي ، من دون أن يمتد، كما سبق بيان ذلك، للظروف العينية لارتكاب الجريمة، حيت ينبغي تطبيقها عليه بالرغم من جهله لها.
رابعا : بخصوص الصورة المتعلقة بالمساعدة على الأعمال المسهلة لارتكاب الجريمة، ويضرب لها الفقه مثل الشخص الذي يقوم بتجريد الضحية من سلاحه ليسهل على الجاني قتله أو الاعتداء عليه، ومن دون الدخول في الآراء المختلفة، التي إما تدخلها في المساهمة أو تحافظ لها على الوصف التشريعي لها كمشاركة، وحتى لا ندخل في متاهة تحكيم واحد من المعيارين الموضوعي أو الشخصي،
نقول أنه كان على المشرع المغربي أن لا يحشر القاضي في هذا الإشكال، باعتبار هذه الصورة من صور التنفيذ المادي للجريمة فينظرنا المتواضع، كلما تطورت المساعدة لتعمل وبشكل مباشر على إنجاح التنفيذ المادي المذكور، كلما أصبحت تحمل وصف مساهمة فسهولة إثبات فعل المساعدة من الناحية المادية من جهة، وصعوبة فرزها عن أعمال التنفيذ الأخرى، من جهة أخرى، يجعل هذه الصورة تبتعد وبشكل واضح عن مفهوم المشاركة
خامسا : الصورة الرابعة والأخيرة، اقترض فيها المشرع المشاركة، مع اشتراط الاعتياد على تقديم المسكن أو الملجأ إلى الأشرار. ومن دون أن تدخل في أي تعقيد لهذه الصورة التي تستحق احتواءها بالتجريم والعقاب، يكفي أن نقول أن هناك من الفقه من يطرح إمكانية احتوائها بالجريمة المستقلة، ونحن نفضل وصفها بالمشاركة افتراضا لأنه لا تنطبق عليها الاعتبارات الكافية لتصنيفها ضمن التجريم الوقائي.

أسباب التبرير والإباحة

ينص الفصل 124 من مجموعة القانون الجنائي المغربي على ما يلي : “لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة في الأحوال الآتية:
1 – إذا كان الفعل قد أوجيه القانون وأمرت به السلطة الشرعية
2 – إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة، أو كان في حالة استحال عليه معها استحالة مادية، اجتنابها، وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته،
3 – إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة الدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره أو عن ماله أو مال غیره، بشرط أن يكون الدفاع مناسبا مع خطورة الاعتداء “
لا يكفي لاعتبار الفعل أو الامتناع جريمة وجود نص تشریعی يجرم، بل لا بد أن يخلوا من أي سبب للتبرير والإباحة ، وهي كما يتضح من الفصل أعلاه، أمر القانون والسلطة الشرعية، حالة الضرورة – المعبر عنها بعبارة إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة.، تم حالة الدفاع الشرعي الواردة في الرقم 3 من الفصل المذكور.
وعليه، حسب الفقه الجنائي، لا يقوم الركن القانوني للجريمة إلا بانتفائها، بل يمكن أن نستنتج ذلك من خلال ما ركزنا عليه ونحن بصدد تأصيل مبدأ الشرعية فالتجريم حاجة ضرورية لحماية المجتمع في أمنه واستقراره ومصالحه الأساسية، وهو عبارة عن رصد لأهم الاعتداءات الماسة يتلف المصالح، حماية لها، إلا أنه ، عندما تغيب عن الفعل أو الامتناع، هذه العلة المبررة للتجريم، لا يرى المشرع، والمجتمع من ورائه، الاستمرار في اعتبار الفعل أو الامتناع جريمة فأمر القانون والسلطة الشرعية وحالتي الضرورة والدفاع الشرعي، وكما ستفصل بعده، إنما هي أسباب تحوز نفس الاعتبار والمنطق القانونيين،
 وإن أخذوا التجريم في الاتجاه المعاكس، أي رفع الصفة الجرمية عن الفعل أو الامتناع وربما إذا كان الفقه الجنائي يفضل اعتبار هذه الأسباب رخص قانونية تبيح، في ظل شروط معينة، ارتكاب الفعل أو الامتناع المجرم لمن توافرت لديه إلا أننا نراها أسباب تستثني من التجريم، ارتكاب الفعل أو الامتناع في وضعيات معينة، ولعلها قراءة البعدية، يستنتجها القاضي من وقائع، إن تحقق فيها التجريم، لم تتجسد فيها علته ولذلك كانت لهذه الأسباب مقومات موضوعية، بحيث لا تنصرف الفاعل، بل تصب على الجريمة رأسا وترفع عنها الصفة الجرمية، بحيث يصبح لها أثرا مزدوج يترتب من جهة عدم مسؤولية الفاعل جنائيا، ومن جهة أخرى تقتفي مساءلته مدنيا لانتقاء الخطأ من جانبه

1 – أمر القانون والسلطة الشرعية

لا بد من الإشارة بداية إلى أن هذا السبب من أسباب التبرير إنما يطرح إشكاليات دقيقة لا بد من وضع تساؤلات أولية بشأنها: ألا يقف وراء التجريم أمر القانون والسلطة الشرعية ؟ كيف يمكن أن نقيل في دولة الحق والحريات تبرير المساس بها من طرف من هو مؤتمن على حمايتها ؟ هل يستقيم هذا التبرير بذكر أمر القانون إلى جانب أمر السلطة الشرعية، وما هي الحكمة القانونية من وراء ذلك ؟
حتى يمكن التغلب على الإشكال وحصول التهم برفع اللبس أو الإبهام، لا بد من الانطلاق من أمثلة توضيحية:
ففي دولة الحق والحريات يسمح لضابط الشرطة القضائية، عندما ترتكب جريمة، وفي ظل احترام شروط قانونية محددة، الدخول إلى المنزل من أجل جمع الأدلة ووضع المشتبه به رهن الحراسة النظرية مساس بالحرية كما يسمح لرجل القوة العمومية بتفريق تظاهر عمومی غیر قانوني. أي غير مرخص به . ؛ بل يسمح قانون المسطرة الجنائية للشخص العادي من إلقاء القبض على مرتكب الجريمة عندما يضبطه في حالة تلبس۔
مع ذلك، ونحن بصدد مقاربة أسباب التبرير، نلاحظ وعلى خلاف مبدأ الشرعية هناك نوع من المرونة فالقانون ليس دائما يأمر بل قد يجيز، والفقه قد يعتبر الإجازة في حكم الأمر كما هو الحال في منال الشخص العادي في حالة التلبس: ففي هذه الحالة التي تتطلب الاستعجال يسمح للمواطن العادي بإجراء إلقاء القبض۔ اختيارا۔ بدل ضابط الشرطة القضائية ولا يمكن متابعته بهذا الفعل الماس بالحرية، لأن القانون يجيز له ذلك.
 أيضا، اصطلاح “قانون”.ينبغي، وعلى خلق مبدأ الشرعية، أن يؤخذ بشكل موسع، بحيث وإلى جانب التشريع العادي الصادر عن البرلمان، يمكن أن يشمل القرارات الصادرة عن السلطات العمومية . فالأمر لا يتعلق بالتجريم، حيت لا يمكن مؤاخذة الشخص إلا على ما صنفه ممثلو الأمة جرائم، بل بما اقتضى نظر المشرع، ولأسباب موضوعية، التجاوز عنه. فالتبليغ عن مرض معد، إن كان بالإمكان مساءلة الطبيب عنه جنائيا باعتباره مرتكبا لجنحة المساس بالسر المهني، فهذه المساءلة تصبح بغير ذي معنى عندما توجد أمام قرار صادر عن سلطة عمومية. قرار وزاري. يلزم الطبيب، وبهدف المحافظة على الصحة العامة للمواطنين، بالتبليغ يبقى أنه، ومن أجل الاستفادة من هذا السبب لتبرير الفعل أو الامتناع ورفع الصفة الجرمية عنه، لا بد من تحقق بعض الشروط:
إذا أمر القانون وحده القيام ليفعل مخالف للقانون الجنائي، وجب التمييز بين ما إذا كان هذا الأمر موجه إلى الرئيس وحده دون المرؤوسين، أو هو موجه فقط لهؤلاء فإذا كنا أمام الحالة الأولى، فإن أمر القانون لا يكفي بل لا بد من أمر صادر عن السلطة الشرعية ويمثل الفقه على هذه الحالة بإجراء تمديد مدة الحراسة النظرية منها الأصلية 48 ساعة في الجرائم العادية وتمدد ب 24 ساعة . فهنا لا يكفي أمر القانون الذي يسمح بالتمديد بل لا بد من الحصول على إذن النيابة العامة، والتي تنهض هنا كسلطة شرعية تملك قانونا صلاحية التمديد. أما في الحالة الثانية، حيث يوجه الأمر للمرؤوسين احترام المدة الأصلية للحراسة النظرية من طرف ضباط الشرطة القضائية، فأمر القانون كاف لوحده
بخصوص أمر السلطة الشرعية، وحول إشكالية مدى اعتباره كافيا للقول بقيام سبب التبرير، فقد اختلف الفقه بشأنه ، وللتوضيح فالمسألة تدخل في إطار توجيه الرئيس للمرؤوس تنفيذ أمر يتضمن ارتكاب فعل أو امتناع يعتبره المشرع الجنائي جريمة
– النظرية الأولى وتسمى بنظرية الطاعة العمياء، ويحسبها لا يسمح للمرؤوس مناقشة أمر رئيسه، حيث يتوجب عليه تنفيذ الأمر، من دون أن يترتب عن ذلك أية مساءلة في جانبه، بل إن الرئيس هو الذي يعتبر مرتكبا لما وقع تنفيذه
– النظرية الثانية وتسمى بنظرية الحراب الذكية، وهنا على المرؤوس، وبخلاف النظرية الأولى، أن يعمل على تقدير أمر الرئيس، بحيث يستلزم عليه أن لا ينفذ من الأوامر إلا ما رآه موافقا للقانون، بحيث إذا عمد إلى تنفيذ أمر يتضمن القيام بفعل أو امتناع يجرمه النص الجنائي يساءل عنه شخصيا
وقد حاولت نظرية ثالثة وسطى التوفيق بين النظريتين، حيث قررت إلزام المرؤوس بعدم الامتثال لأوامر الرئيس إذا كانت مخالفتها للنص الجنائي واضحة وجلية، بحيث إتيان هذه الأخيرة إنما يحمله المسؤولية الجنائية أما دون ذلك، فالمسؤولية المذكورة إنما تقع على الرئيس دون المرؤوس بالنسبة للمشرع المغربي،

2 – حالة الضرورة

حالة الضرورة هي الوضعية التي يقوم فيها الشخص بنشاط يجرمه النص الجنائي ويلحق ضررا بنفس الغير أو بماله، إلا أن هذا النشاط كان الفاعل مضطرا لإتيانه حفاظا على حياته أو ماله. ويمثل الفقه عليها بأمثلة بسيطة، كمن يشتد به الجوع ويلجأ إلى سرقة ما يسد به رمقه، أو كذلك من ينتهك حرمة منزل فرارا من حيوان خطير يطارده ومن دون التيه في بعض التفسيرات الفقهية التي لا تقنعنا بالأساس الذي تعتمده بالنسبة لاعتبار حالة الضرورة من أسباب التبرير خاصة تلك التي تبني ذلك على الإكراه المعنوي- حيث يمكن أن ينزلق بنا للخلط بين أسباب التبرير وموانع المسؤولية الجنائية نفضل التمسك بمبررات منطقية واجتماعية، بل وترتبط بأسباب موضوعية وعقلانية للسياسة الجنائية
إن السلوك الإجرامي بصفة عامة أو الماس منه بنفس الغير أو بماله إنما يعتبر كذلك لما يخلفه في الشعور العام للمجتمع من استياء تجاه من يعبث بتصرفاته الأنانية للإضرار بالآخرين، ويشذ عما ارتضوه كسلوك سوي اختاروا الانتظام وفقه، بل إن ربط الجزاء فيه بعقوبات ذات وقع أشد لتعتبر بنظرنا ردة فعل مجتمعية واضحة عن استخفاف الفاعل بمنظومة القيم التي يتدخل القانون الجنائي لحمايتها هذا الأساس الذي يبنى عليه المشرع التجريم والعقاب لا نجده في وضعية الواقع في حالة الضرورة ، حيث يرى الفقه، استحضارا لما ذكرنا، أن لا فائدة من عقاب ما ارتكبه بل يمكن، في هذه الوضعية، إعمال قاعدة دفع الضرر الأقوى بالضرر الأخف، لما لها من انسجام منطقی مع حالة الضرورة

أما عن شروط حالة الضرورة، فيمكن إجمالها في التالي :

 لا بد أن يوجد الفاعل في مواجهة خطر جسيم حال، أي قائم، يهدد النفس أو المال وقد يطرح مشكل تكييف وصف الجسامة في الخطر، بحيث پرجح الفقه أن ذلك من متعلقات السلطة التقديرية للقاضي، وان كنا هنا نسجل احتياطنا في هذا التقدير ببنائه على معايير موضوعية تكسب تقدير الخطورة المصداقية اللازمة للإقناع بتبرير الفعل . فالخطر الذي يهدد الحياة أو السلامة الجسدية بشكل بليغ لا يمكن أن ننفي عنه الجسامة واقعا أو قانونا، وقد تخرج من اعتبارنا ما دون ذلك من الأفعال التي لا ترقى لذلك، أو تدخل في زمرة ما يمكن تفاديه بطرق أخرى كما سيتضح بعده
بالإضافة إلى الجسامة، لابد للخطر أن يكون حالا، أي قائما لا محتملا بل يجيز الفقه أن يكون وشيك الوقوع حتى يقع استبعاد الحالات التي تشكك في وقوعه، بحيث إذا كان كذلك لم يعد يخشى منه، بالتالي لم يعد يصلح لاعتباره من أسباب التبرير أيضا، يحدد المشرع نطاق تطبيق حالة الضرورة فيما يهدد النفس أو المال سواء تعلق ذلك بالفاعل أم بالغير
الشرط الثاني يستلزم أن لا يكون الخطر مشروعا. ولعله شرط بديهي، فلا يمكن القبول لا منطقا ولا قانونا من رجل المطافئ التراجع عن محاولة إخماد حريق بدعوى التهامها للجزء الأكبر من المصنع، وأن شدة لهيبها قد يشكل خطرا عليه فالخطر الذي يواجهه رجل المطافئ إنما يدخل في صميم عمله والتزامه السلبية الكاملة بدعوى أن لا طائل من تدخله إنما يعرضه للمسؤوليين التأديبية والجنائية
الشرط الثالث يقضى أن لا يكون الخطر قد تسبب فيه الفاعل عمدا، أي أن يوجد فيه من دون قصد كأن تشتعل النار في المطبخ، ولتفادي مزيد من الخسائر يقع إتلاف بعض منقولات الجار لإخماد الحريق
الشرط الرابع يتطلب أن تكون الجريمة هي الوسيلة الوحيدة لتجنب الضرر المترتب عن الخطر في المثال السابق، إذا كان للفاعل ما يخمد به القار دون اللجوء المنقولات الجار، اعتبر مرتكبا لجريمة غير مبررة.
الشرط الخامس والأخير يستدعي أن يكون ما وقع التضحية به أقل مما استهدف المحافظة عليه أو مساويا له ولعل المثال البديهي الذي يعتمده الفقه الجنائي هو أسبقية حماية الحق في الحياة عن حماية حق الملكية هذا ويمكن أن نستخلص كآثار لحالة الضرورة، وفي حالة توافر كل الشروط المذكورة أنها ترفع الصفة الجرمية عن النشاط المرتكب، بحيث لا تقوم بنظرنا لا المسؤولية الجنائية ولا المدنية لانتفاء الركن القانوني للجريمة
مع ذلك، يبقى عبء إثبات حالة الضرورة، للاستفادة من تبرير الفعل والحصول على البراءة، على عاتق من يدعي ذلك، بحيث لا يمكن إعفاء الفاعل هنا من الإثبات بدعوى أن مشرع المسطرة الجنائية يمتعه بقرينة البراءة، لأن النيابة العامة كطرف مدع إنما ستعتمد في متابعتها على ما ضمن في المحضر من أفعال يجرمها القانون الجنائی،لیل غالبا ما تكون هذه الأفعال معترفا بها

3 – الدفاع الشرعي

يعتبر الدفاع الشرعي من أسباب التبرير والإباحة، بل من أهمها وأبرزها وضوحا، بحيث وكما مر معنا في الفصل 124 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، لجوء الفاعل إلى ارتكاب الفعل المجرم إنما هو عبارة عن ردة فعل شرعية لحماية نفسه أو ماله أو لحماية نفس أو مال الغير ولعل خصوصية هذا السبب، مقارنة بالأسباب الأخرى التي مرت معنا، تتجلى في أنه يلتصق وبشكل طبيعي بغريزة الإنسان. ولذلك سمي بالدفاع الشرعي
كما سبق التذكير به مع حالة الضرورة، اعتبارا لما هي عليه الإرادة غير الحرة في إتيان الفعل، ولعله الصراع الفقهي الدائر بين النظرية الشخصية والنظرية الموضوعية والذي يطرح مع كل الإشكاليات التي يديرها إعمال قواعد ومؤسسات القانون الجنائي، فإننا هنا نفضل، السير وفق منطق المشرع نفسه الذي اعتبر الجريمة وكأن لم تكن، وليس فقط امتناع قيام المسؤولية الجنائية ولعل الأمر سيصبح متضحا مع تبيان الشروط التي يلزم توافرها سواء في فعل الاعتداء أو في فعل الدفاع،

الشروط المتعلقة بفعل الاعتداء

1- لا بد وأن يهدد الاعتداء النفس أو المال

 والملاحظ أن فعل الاعتداء لا يمكن أن يصل لمستوى التهديد إلا إذا طال النفس أو المال، وهي أمور بنظرنا تثير ردة الفعل بشكل طبيعي، حيت لا بد وأن يستهدف لدى المعتدى عليه ما يستشعره من ضروريات الوجود والعيش ولعله نفس منطق المشرع بالنسبة لحالة الضرورة مع بعض الاختلاف، حيت يختص الدفاع الشرعي بوجود اعتداء لذلك كان لا بد أن يقارب الفقه مفهوم النفس والمال بشكل موسع فالاعتداء الذي يهدد النفس يمكن أن يشمل الاعتداء على الحياة كما يمكن أن يقتصر على السلامة الجسدية أيضا، ليس هناك ما يمنع من أن يصبح الاعتداء المهدد للعرض مما يبرر الفعل إلى جانب المال

2- تم لابد وأن يكون خطر الاعتداء حالا

هنا، وكما هو الحال في حالة الضرورة، كان لابد من المشرع أن يسجل احتياطه ،وإن كنا هنا نقصد الفقه بالخصوص ،حتى لا يستغل أي شعور بالخطر لشرعنة كثير من التجاوزات أثبت الواقع أنها استغلت أسوء استغلال، وهو ما لا يمكن القبول به في مادة الإباحة التشريعية المكملة لمنطق التجريم التشريعي لا بأس أن نذكر بأن حلول خطر الاعتداء نفهمه بأن ليس هناك حائل يحول دون وقوعه، وإن كان في حقيقته الواقعية يعود لتقدير قاضي الموضوع، خصوصا والأمر قد يصبح ملتبسا شيئا ما مادام الحديث عن خطر الاعتداء وليس الاعتداء في حد ذاتها
مع ذلك نقول بأن حلول خطر الاعتداء يوازي كونه وشيك الوقوع، أي تواجد المعتدي في وضعية تؤشر وبشكل قوي على الرغبة المحسومة في الاعتداء كذلك يذهب الفقه إلى اعتبار وقوع الاعتداء فعلا مبررا للدفاع الشرعي شريطة عدم انتهائه. أما إذا بدأ فعلا وانتهى، سواء حصلت النتيجة المتوخاة أم لا، فلا يعود ما يبرر فعل الدفاع، إذ سيصبح هذا الفعل الأخير اعتداء جديدا يجرمه المشرع لكن قد تكون أمام وضعية يكون خطر الاعتداء فيها مستقبلا. هنا، احتمال وقوع الاعتداء من عدمه يعطى للمهدد كل الحظوظ لتفاديه، بحيث والحالة هذه، يسقط مفعول الأساس الذي يلقي عليه المشرع الجنائی تبرير مؤسسة الدفاع الشرعي
أما إذا كان الخطر وهميا، أي لا علاقة له بالواقع، فمن حيث المبدأ الجريمة قائمة ما لم يثبت الفاعل أن توهمه للخطر كان نتيجة غلط في حقيقة الواقعة، ويبين الأسباب الجدية التي كانت وراء ذلك ففي هذه الحال لا مناص من امتناع مساءلته لانتفاء الركن المعنوي للجريمة إذا لم يستطع أن يقدم دليل كافي، فيمكن للمحكمة أن تدينه بجريمة غير عمدية إن أمكن ذلك من حيث صور التكييف الممكنة

3- أخيرا، لا بد أن يكون الاعتداء غير مشروع

 لا تحتاج هذا العناء من أجل توضيح أهمية هذا الشرط فاستلزامه يدخل في صميم تصور شرعية فعل الدفاع لكن الواقع يجعلنا نواجه حالات قد تشكلت في إعمال هذا الشرط بشكل متيسر وهكذا عندما يكون ضابط الشرطة القضائية في مطاردة المشتبه به، خصوصا في جناية أو جنحة متلبس بها، لا يستطيع هذا الأخير أن يواجه هذه المطاردة كخطر – مشروع – يفعل الدفاع
 في نفس السياق، هناك من يطرح في هذه الحالة إشكالية تورط الضابط بالشطط في استعمال سلطته . بنظرنا المتواضع، يصعب من الناحية المنطقية والعملية كذلك أن نفتح الباب أمام مقاومة ممثلي السلطة العامة، فمهمتهم قد تستدعي في بعض الأحيان التدخل بالجدية المطلوبة لحفظ النظام العام تم هنالك آليات قانونية وقضائية تحصن المواطن ضد بعض تعسفات مؤتمنى السلطة العامة ومع ذلك، هناك من يسمح بالمقاومة في حدود ضيقة جدا، أي عندما يكون اعتداء المؤتمن ظاهر وجلي، وفي حدود الاحتماء الأتي مع مراجعة الآليات المذكورة
يبقى أنه، وحسب الفقه الجنائي، يمكن رد الاعتداء الصادر من مجنون وكذلك مواجهة من يتمتع بعذر ، كحالة رد عدوان الزوج أو الزوجة في حالة ضبطهما الخيانة بل يذهب الفقه إلى القول إلى شرعنة الدفاع ضد من يشتط في دفاع شرعی صحیح ونحن في هذه الحالات الأخيرة تفضل عمليات القضاء السلطة التقديرية بشأنها لأنها ملتبسة وحمالة لكثير من التأويل من حيث الواقع.

الشروط المتعلقة بفعل الدفاع

كان لا بد من مقاربة هذه الشروط بصفة مختلفة، قد نقول عنها متقابلة مع الشروط السالف ذكرها مع فعل الاعتداء وعليه فإن فعل الدفاع، كردة فعل، لا يمكن أن يكتسب الشرعية المطلوبة لإباحته، سوى من منطلق يحفظ للمنطق التشريعي نفس المقومات التي وقفنا عليها في باب التجريم، وإن كان موقفه هنا من أجل رفع الصفة الجرمية عن الفعل ليسترجع صفته الأصلية – أي الإباحة.. فعلة التجريم إنما تدور حول مقومين أساسيين:
الفعل في حد ذاته، أي ما يشكله من مساس بمصلحة اجتماعية تستوجب تدخل القانون الجنائي، وما يحدثه من اضطراب اجتماعی فعلی أو مفترض. لذلك كان من اللازم،ولإعمال هذا السبب من أسباب التبرير، وفي باب شروط فعل الدفاع، أن يكون فعل الدفاع لازما وضروريا لرد الاعتداء الشرط الأول-وكأننا أمام أحقية المهدد بالاعتداء بحماية نفسه، وأن يكون متناسيا مع خطورة الاعتداء الشرط الثاني، أي بدون تجاوز يسقط مفعول شرعية فعل الدفاع
– بخصوص الشرط الأول، لا بد للقاضي الجنائي ولكي يقف على ما يجسد اللزوم والضرورة لرد الاعتداء من عدم توافر إمكانية مراجعة المهدد بالاعتداء للسلطة العامة فالدفاع الشرعي، وكما يسميه بعض الفقه المقارن بالوجبة التي تؤكل ساخنة، لا يمكن أن يقوم منطقا أو قانونا من أجل تكريس فكرة الانتقام في المجتمع فطالما أمكن مراجعة الشرطة القضائية أو النيابة العامة من أجل تقديم شكاية للحيلولة دون وقوع الأعداء، لم يعد لفعل الدفاع ما يبرره، بحيث لا مناص من إرجاع حق التدخل للجهة الرسمية المكلفة به قانونا
يبقى الإشكال مطروحا بمدى إمكانية تحقق هذا الشرط في حالة ما إذا كان بإمكان المهدد بالاعتداء أن يلوذ بالفرار. هنا, لا بأس من التأكيد، ولعلها أطروحة ندافع عنها بكل موضوعية، على أن لكل بلد خصوصياته التي يستمدها من تاريخه وثقافته، بل ومن عراقة نظامه السياسي وحضارته فنخوة المغربي وكل المغاربة تجعلنا وبكل منطق نقول بقيام الدفاع الشرعي صحيحا ولو توافر المهدد بالاعتداء إمكانية الهرب. .
 أما فيما يرجع للشرط الثاني المتعلق بالتناسب، وفي إطار البحت عن تكريس القيم المجتمعية، لا يمكن ممارسة حق الدفاع الشرعي على فرض اعتباره كذلك بالإفراط والتجاوز ، بحيث لا بد للقضاء، وفي إطار السلطة التقديرية التي يتمتعون بها في هذا الباب، من إقصاء أي تعسف يمكن استغلال مؤسسة الدفاع الشرعي لتمريره. لكن تخوفنا من إضفاء الشرعية على التعسف في استعمال حق الدفاع الشرعي، لا يعني تقييد القضاء بتحقق التناسب الفعلي بين فعل الدفاع والاعتداء، بل يكفي أن يتحقق التناسب التقديري الذي يساءل كل قضية على حده
في الأخير لابد وأن نذكر بمقتضيات الفصل 125 من مجموعة القانون الجنائي المغربي حيث يعتبر المشرع الجريمة نتيجة الضرورة الحالة للدفاع الشرعي، وذلك في حالتين:
القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب ليلا لدفع تسلق أو كسر حاجز أو حائط أو مدخل دار أو منزل مسكون أو ملحقاتهما.
الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل أو نفس غیره ضد مرتكب السرقة أو النهب بالقوة.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تقسيم الموضوع