مع صدور مدونة الأسرة، يكون المشرع
المغربي، قد أحدث قطيعة مع مدونة الأحوال الشخصية، في كثير من مضامينها وشكلياتها،
وخاصة في مجال أحكام الزواج وانحلاله وآثارهما، كما أدخل تعديلات وتغيرات شملت جل
المواد والفقرات. ونظرا لهذه التغيرات الشمولية والمراجعات الجوهرية، ارتأينا أن
نسلط الضوء على أحكام هذه المدونة، والوقوف عند كثير من القضايا والمواضيع التي
تثيرها، عبر عرض تحليلي لجل موادها، وعليه سنتطرق خلال هذه الحلقة للمادتين الأولى
والثانية، حيث سنعالج في المادة الأولى: عنوان هذه المدونة، على أن نخصص المادة
الثانية لنطاق سريانها، ونشير بالتحليل لدور النيابة العامة في ظل مدونة الأسرة في
حلقة موالية.
المادة الأولى: عنوان هذه المدونة
''يطلق على هذا القانون اسم مدونة
الأسرة، ويشار إليها بعده باسم المدونة''. ولقد كرس المشرع المغربي كما سبق الذكر
القطيعة مع قانون الأحوال الشخصية شكلا وموضوعا، وذلك بتعديل اصطلاح ''الأحوال
الشخصية'' بقانون الأسرة، وذلك تماشيا مع التوجهات العامة التي اعتبرت المدونة
قانونا للأسرة بأكملها وليس قانونا لأحوال شخصية.
فبوقوفنا على تسمية الأحوال الشخصية يتضح أنها
غريبة عن الفقه الإسلامي، وهي ترجمة حرفية لعبارة ''َُّّفُُِّّّ ِمَََُّْمٌ''
المتداولة في الأدبيات الغربية، وهي بذلك تسمية دخيلة على الاصطلاح العربي.
مما
دفع بعض الفقهاء للمناداة بضرورة تغيير هذا الاصطلاح ذي الأصول الرومانية، لأن
أحكام الشريعة الإسلامية تنظم مقتضيات الأسرة بصفة شمولية مترابطة ومتكاملة. ولهذا
الاعتبار تم استهلال أحكام المدونة في المادة الأولى بتسميتها بما يوافق مضامينها
''مدونة الأسرة'' وليس قانون الأحوال
الشخصية. وأشار المشرع المغربي ـ في
المادة نفسها ـ إلى كون نصوص هذا القانون سيشار إليها باسم ''المدونة''، اختصارا
لعبارة ''مدونة الأسرة''، كما يمكن اعتماد هذا المصطلح، بما يفيد هذا القانون في
الاجتهادات والأحكام القضائية أو في مذكرات المحامين ومرافعاتهم أو في تحليلات
الباحثين ودارسي القانون.
المادة الثانية: نطاق سريان المدونة
تسري أحكام هذه المدونة على:
1 ـ
جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى.
2 ـ
اللاجئين بمن فيهم عديمو الجنسية، طبقا لاتفاقية جنيف المؤرخة بـ28 يوليوز 1951
المتعلقة بوضعية اللاجئين،
3 ـ
العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا،
4 ـ
العلاقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم، أما اليهود المغاربة فتسري عليهم
قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية. وعلى عكس مدونة الأحوال الشخصية، ارتأى
المشرع المغربي أن يحدد نطاق سريان هذه المدونة بأحكام سبق أن أشار إليها في الفصل
السادس من ظهير 06 شتنبر 1958 في قانون الجنسية، وتخص بالأساس نطاق سريان المدونة
على الأشخاص وفق أربع حالات:
الحالة
الأولى: المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى, وفي هذه الحالة يستوي مفعول هذه
المدونة على جميع المغاربة، سواء كانوا من
ذوي الجنسية المكتسبة، أو الأصلية، أو الذين يحملون جنسية أجنبية، إضافة لجنسية
بلدهم الأصلي.
الحالة
الثانية: اللاجئين بمن فيهم عديمو الجنسية طبقا لاتفاقية جنيف 1951: فالقانون
الدولي الخاص يخول للاجئين المغاربة أو الأجانب أو المجردين من الجنسية الأصلية أو
عديميها، وفقا لأحكام اتفاقية جنيف المؤرخة بتاريخ 28 يوليوز ،1951 الاستفادة من
أحكام هذه المدونة.
الحالة
الثالثة: العلاقات الزوجية التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا: وتتحدد هذه العلاقة
الزوجية في إطار الزواج المختلط، كأن يتزوج مغربي بامرأة مسلمة أو كتابية، أو أن
تتزوج مغربية بأجنبي مسلم، كما يمكن أن تتعدى هذه العلاقات الزوجية نطاق تطبيقها،
وسريان المدونة من حيث الأشخاص لتتحول إلى نطاق تطبيقها المكاني وفقا لأحكام
القانون الدولي الخاص، وخاصة للاتفاقيات الثنائية المبرمة بين الدول في هذا
المجال، وهنا يمكن الوقوف عند حالتين:
1 ـ عند إبرام عقد الزواج بالمغرب،
تطبق أحكام المدونة في توثيق عقد الزواج، أو فض أي نزاع بينهما.
2 ـ إذا أبرما عقد الزواج خارج
المغرب، يمكن تطبيق المدونة لكون أحد طرفي العقد مغربي ـ حسب منطوق النص ـ لكن هذا
النص قد يثير مسألة تنازع القوانين، وهنا سنكون أمام اتجاهين:
ـ الاتجاه الأول، وهو الأصل، ويتم
بالتوجه إلى الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين البلدين.
ـ الاتجاه الثاني: في حالة عدم وجود
اتفاقية ثنائية بين البلدين، يخضع الطرف المغربي لقانون بلد الإقامة لكونه جزءا من
السيادة، إلا إذا كان الزوجان مغربيين، وهو موضوع الحالة الرابعة.
الحالة
الرابعة: العلاقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم: هذه الفقرة تخص فقط المغربي
المسلم المتزوج بمغربية مسيحية أو يهودية باعتبارهما متحدي الجنسية ومختلفين في
الديانة، وتستثنى حالة زواج كتابي مغربي بمغربية مسلمة، فالأمر يتعلق بمغربيين
''مسلم وكتابية''، وهذا هو الأصل، لأن المادة 39 من هذه المدونة جعلت من بين
المحرمات على سبيل التأتيت ''زواج المسلمة بغير المسلم، والمسلم بغير المسلمة ما
لم تكن كتابية''.
أما
المغاربة اليهود فيخضعون لقانون الأحوال الشخصية العبري المغربي، غير أن مقتضيات
قانون الجنسية لسنة ،1958 استثنى المغاربة عن اليهود وغير المسلمين، بهذه
المقتضيات وهي:
1ـ حرمة تعدد الزوجات
2 ـ عدم استفادتهم من القواعد
المتعلقة بالرضاع
3 ـ وجوب التصريح بتطليقهم بطريقة
قضائية بعد إخفاق محاولة الصلح والتوفيق بين الزوجين وإجراء بحث حول أسباب طلب
الفراق.
من هنا يتضح التكامل الحاصل بين مدونة
الأسرة، وقانون الجنسية الحالي، بالرغم من النواقص التي يعرفها، مما يدعو لضرورة
تعديله ليحذو حذو قانون الأسرة.
وموعدنا
في الحلقة الموالية بإذن الله مع
''النيابة
العامة في ظل مدونة الأسرة''وقفات مع مدونة الأسرة
المادة 3: ''تعتبر النيابة العامة
طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة''
تختلف وظيفة النيابة العامة في القضاء
الزجري عن وظيفتها أمام القضاء المدني، ذلك أن لهذه الأخيرة وظيفة بئيسة تباشر
بمقتضاها سلطة الاتهام، باعتبارها مدعية وممثلة للحق العام، إذ بعد إثارة المتابعة
تبقى النيابة العامة طرفا أصليا في الدعوى العمومية ويتعين حضورها في الجلسة تحت
طائلة البطلان وفقا لمقتضيات المادة 35 من قانون المسطرة المدنية.
أما
بخصوص الدعوى المدنية فإن النيابة العامة تتدخل في الدعوى الرائجة ويتخذ دورها
صورتين:
الأولى:ويكون
تدخلها باعتبارها طرفا منضما، وهذه الصورة هي الأصل في ظل القضاء المدني إذ بهذه
الصفة لا تكون خصما لأحد وإنما تتدخل في الدعوى لتبدي رأيها ومستنتجاتها لمصلحة
القانون والعدالة، لأنها مكلفة بالانضمام في الرأي أو الدفاع بمقتضى القانون من
جهة، ومن جهة أخرى، فهي تبدي رأيها في النازلة بشكل مستقل بما تراه حقا وعدلا،
ويعد رأيها رأيا محايدا وليس وجهة نظر خصم معين، ولا يمكنها ممارسة حق الطعن في
الأحكام، لكونها خصما حقيقيا وفقا لمقتضيات المادة (8) من قانون المسطرة المدنية،
وذلك ما لم ينص القانون على منحها هذا الحق حينما يكون أساس الطعن مرتبطا بسبب
متعلق بالنظام العام كما هو الشأن بالنسبة لتذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة
التنفيذية مثلا.
والثانية:وتتدخل
النيابة العامة من خلالها بصفتها طرفا رئيسيا وذلك وفق قوانين خاصة، بقضايا الأسرة
والحالة المدنية والجنسية وإحالة الأحكام الصادرة على حكام الجماعات والمقاطعات
على رئيس المحكمة الابتدائية.. وغيرها من القضايا.
كما
أنه يظهر أن وضعية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية لا يختلف عن وضعيتها
في تحريك الدعوى المدنية وذلك حينما تكون طرفا رئيسيا؛ ففي الدعوى العمومية كما في
تدخلها الرئيس بالنسبة للدعوى المدنية تكون طرفا أصليا في الدعوة تبدي طلباتها،
وتدلي بحججها في الدعوى المدنية، كما تدلي بأدلة الاتهام في الدعوى العمومية ولها
حق ممارسة الطعن في الأحكام المدنية والجنائية على السواء. كما تنزل بمنزلة الخصم العادي في الدعوى
الرائجة، ويجري عليها ما يجري على الخصوم، فإذا كانت مدعية تناولت الكلمة أولا
وعقب المدعى عليه ثانيا، كما يحق للخصوم بعدما تقدم النيابة العامة أقوالها
وطلباتها أن يطلبوا الكلام وأن يدلوا بمذكرات جديدة؛ كما أعفاها المشرع بمقتضى هذه
المنزلة من بعض الشروط لممارسة الدعوى، من ذلك مثلا الإعفاء من أداء الرسوم
القضائية، ومن مؤازرة الدفاع، ولها حق الطعن في الأحكام ما عدا الطعن بالتعرض
لكونها تكون حاضرة في الجلسات، كما ''يتعين كذلك تبليغ الأحكام إليها رغم حضورها
في الجلسة'' *.
وعليه
وانطلاقا مما سبقت الإشارة إليه تتضح الوظيفة الرئيسية التي يجب أن تحتلها النيابة
العامة في ظل مدونة الأسرة والتي أقرت بشكل صريح كون النيابة العامة طرفا أصليا في
تطبيق أحكام هذه المدونة.
فبالوقوف
عند المادة (3) في المدونة، يتضح الدور الهام الذي تلعبه النيابة العامة في تنفيذ
مقتضيات المدونة وهذا ما سنتناوله من خلال نماذج وأحكام للتدخل الأصلي للنيابة
العامة في القضايا الآتية:
1 ـ
قضايا الزواج:
وخلالها تتدخل النيابة العامة في زواج القاصر
والمعتوه والمصاب بإعاقة ذهنية، ولكون هذا النوع من القضايا يتطلب رفع دعوى، وفي
هذه الأخيرة تتمتع النيابة العامة بحق التدخل الرئيسي باعتبارها شريكا في الحسم في
القضية الموضوعة على أنظار القضاء.
كما
تتدخل النيابة العامة كذلك في الزواج المختلط في القيام بالأبحاث اللازمة ومراقبة
صحة الوثائق المدلى بها.
2 ـ
قضايا التحجير
فاستنادا
إلى الفصل 197 من قانون المسطرة المدنية المغربي، وخاصة المساطر المتعلقة بالأسرة
(الأحوال الشخصية): ''يحجر على المجنون والسفيه والمعتوه بطلب ممن يعنيه الأمر أو
بطلب من وكيل الملك...'' يتضح أن للنيابة
العامة لدى المحكمة الابتدائية لموطن المعني بالأمر أن تتقدم بمقال يطلب فيه إصدار
حكم بالتحجير على كل من ظهرت عليه علامات الجنون أو السفه أو العته، كما يمكن
لأصحاب المصلحة في الدعوى تقديمها، وذلك وفق المسطرة العادية، وحينها يبلغ الملف
إلى النيابة بصفتها طرفا أصليا والتي لها أن تقدم مستنتجاتها، وتؤثر على الحكم
الصادر كما تطبق نفس المسطرة في حالة زوال أسباب التحجير.
3 ـ
قضايا الإرث:
بانعدام
من يحق له الإرث عن هالك ما، تتدخل النيابة العامة، وقبل أن تسلم الأموال المتروكة
للدولة باعتبارها مؤهلة للإرث، تقوم بالمطالبة القضائية من أجل استصدار أمر بناء
على طلب باتخاذ التدابير اللازمة كتعيين كاتب الضبط لإحصاء الأموال وتعيين مقيم
لحراستها، وبيع ما يمكن بيعه ووضع الثمن بصندوق الايداع والتدبير، وتوحد هذه
المطالبة النيابة العامة ضد كل من يحوز متروك المتوفى الذي لا وارث له إن كان،
وإلا فضد كل خصم محتمل، وفق لأحكام المادة 267 من ق. م. م، كما أن هذا الأمر
الصادر قابل للطعن طبقا للقواعد العامة للطعن في الأوامر المبنية على طلب للفصل
148 من ق. م. م، وهكذا نرى أنه كلما كانت الدولة مؤهلة للإرث طبقا للحالات الواردة
في ظهير المواريث المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 28/10/1962, فإن الصفة في
المطالبة القضائية تكون للنيابة العامة وتدخلها يعتبر تدخلا رئيسيا، ولها حق
ممارسة الطعن في الأحكام الصادرة ضد طلباتها، لها أن تقدم ما يظهر مفيدا للعدالة
من ملتمسات كتابية أو شفوية كما لها طلب إجراء من إجراءات التحقيق أو الحضور فيه
وفقا للفصل 55 من ق. م. م. إلا أنه يمنع
على الخصوم تجريح النيابة العامة. كما أنه حينما تتوصل النيابة العامة بواسطة
القنصلية للأجانب أو من طرف قاضي التوثيق أو السلطة المحلية أو الضابطة القضائية بالنسبة للمغاربة،
ترفع ملتمسا في الموضوع لرئيس المحكمة الذي يعين رئيس قسم الإفلاسات والتصفيات
القضائية أو من ينوب عنه قصد إحصاء المتروك وتصفية طبقا للقانون، وإخبار النيابة
العامة بجميع الإجراءات المتخذة.
ـــــــــــــــــــ
*
مجلة الملحق القضائي عدد 14 ص 107 سنة 1985
لقد
حاولنا من خلال الحلقة السابقة الوقوف عند صنفين من الدور الذي يمكن أن تلعبه
النيابة العامة، وفقا لأحكام مدونة الأسرة، معتمدين على المادة الثالثة كأساس
مرجعي، وأقررنا بالتفصيل لدورها الرئيس والأصلي في تطبيق أحكام هذه المدونة والصور
التي يمكن أن يتخذها، وتطرقنا لبعض النماذج من خلال الوقوف عند قضايا الزواج،
والتحجير والإرث، كما حاولنا المزج بين الجانب الموضوعي والمسطري الإجرائي، واستكمالا
للقضايا التي يمكن أن تتدخل فيها النيابة ولمقتضياته، نورد في هذه الحلقة باقي
القضايا من دون التفصيل فيها، لكون ذلك سيكون موضوع حديثنا في حلقات موالية بإذن
الله.
4 ـ
تدخل النيابة العامة في قضايا الطلاق والتطليق:
تتدخل
النيابة العامة في قضايا الطلاق (الرجعي والاتفاقي) والتطليق (بأنواعه سواء كان
للغيبة أو الهجر أو الإيلاء أو العيب أو لعدم الإنفاق أو بالإخلال بأحد شروط
العقد) بصفتها طرفا أصليا وأساسيا، وذلك بحضورها، سواء في قضايا القضاء الفردي أو
الجماعي، سواء بقاعات الجلسات بمعية هيئة الحكم، أو ضمن قضايا القضاء الفردي بغرفة
المشورة، ويعتبر حضورها جسديا يخولها حق الإدلاء بالملتمسات والاستنتاجات
والدفوعات، كما تشارك في المداولات وإصدار الأحكام. وإذا تعذر على النيابة العامة
حضورها الجسدي، تدلي بمستنتجاتها وملتمساتها الكتابية وتؤشر على الأحكام بعد
الاطلاع عليها، كما هو معمول به.
5 ـ
باقي قضايا الأسرة:
تندرج
ضمنها كل القضايا التي لم تتم الإشارة إليها مسبقا، وأهمها قضايا النفقة والحضانة
وثبوت الزوجية والنسب وكفالة الأطفال والتصريح بإهمالهم ودفع مؤخر الصداق وإرجاع
المكفول والرجوع لبيت الزوجية، ويجري عليها ما يجري على قضايا التطليق وتدخل
غالبيتها ضمن القضاء الجماعي، ويعتبر حضور النيابة العامة خلالها إلزاميا في كل
أطوار التقاضي، وهو ما يحتم على المحكمة تزويد النيابة العامة بكل الوثائق المدلى
بها، سواء في بداية فتح الملف أو التي توالت تباعا وفق مستجدات الدعوى من مقالات
إصلاحية أو تعقبية أو مذكرات المحامين ومطالبهم أن نسخ الأحكام، كما قد يتجه دور
النيابة إلى حد الإسهام الفعلي في عملية التنفيذ والتبليغ بالطرق القانونية، سواء
تعلق الأمر بأحكام النفقة التي قد تتجه لمسار إهمال الأسرة في حالة رفض الزوج
الإدلاء بما حكم عليه من نفقة اتجاه أبنائه(ü)
أو من خلال المشاركة في تسليم المكفول بكافله أو إرجاعه أو إرجاع المحضون لحاضنه
الجديد بعد سقوط الحضانة عن الحاضن الأسبق.
6 ـ
مقتضيات أخرى لا تقل أهمية:
بفحص
مدونة الأسرة يتضح أن تدخل النيابة العامة لا ينحصر فقط وفق ما ذكر، بل لها أدوار
أخرى سنجملها في ما يلي:
أ ـ تلقي النيابة العامة بابتدائية الرباط لنسخ
عقد الزواج: (المادة 51 من المدونة)
بالرجوع
لإجراءات عقد الزواج للمغاربة المقيمين بالخارج والمنصوص عليها في المادة: 51 من
المدونة، يتضح أن النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالرباط مخول لها تلقي نسخ
عقد الزواج من وزارة الشؤون الخارجية، والتي تهم المغاربة المقيمين بالخارج.
ب ـ استدعاء الزوجة المراد التزوج عليها:
(المادة 34 من المدونة:
تنص
المادة 34 من هذه المدونة على أن الزوجة المراد التزوج عليها تستدعى، ولكي تكون
الاستدعاء سليمة لا بد أن تتوصل شخصيا بالاستدعاء بطريقة قانونية، لكن إذا توصلت
شخصيا ولم تحضر للجلسة أو امتنعت عن تسلم الاستدعاء، فلن يتم الحسم في الإذن
بالتعدد (التزوج عليها) أولا بعد إنذارها من طرف المحكمة عن طريق عون كتابة الضبط
يشعرها من خلال هذا الإنذار بتاريخ الجلسة الجديد تحت طائلة الإذن للزوج بالتعدد
في حالة غيابها.
كما
يكون لإفادة النيابة العامة دور مهم في إعطاء الإذن بالتعدد رغم غياب الزوجة إذا
أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعاؤها فيه.
ج ـ إرجاع المطرود لبيت الزوجية: (المادة 35 من
المدونة):
قد
تؤدي الخلافات الزوجية إلى طرد أحد الزوجين من بيت الزوجية بأية طريقة من الطرق،
مما حذا بالمشرع أن أوكل للنيابة العامة التدخل بشكل استعجالي من أجل إرجاع
المطرود في الحال إلى بيت الزوجية، مع اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحمايته
وأمنه، لأن الأصل هو قيام كلا الزوجين في بيت الزوجية ما دامت الرابطة بينهما
قائمة، وعادة ما تقوم النيابة العامة بعد تلقي شكاية في الموضوع بعملية الإرجاع عن
طريق الشرطة أو الدرك وتحرير محضر يفيد عملية الإرجاع، كما تخول للمطرود التدابير
الكفيلة بحفظ أمنه الشخصي لكون ذلك من اختصاصها.
د ـ مراقبة النيابة العامة لتنفيذ أحكام حماية
الأطفال وتمتيعهم بحقوقهم:
بالرجوع
للمادة (45) في الفرع الثاني من الباب الأول من المدونة، تتضح الحقوق التي كفلها
المشرع للأطفال، وكذلك لحمايتهم مما قد يتهددهم من أخطار مادية أو معنوية، كما
أقرت مسؤولية النيابة العامة باعتبارها ممثلة للحق العام في اتخاذ التدابير
اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون، ومراقبة تنفيذها.
هـ: استدعاء الزوجة من أجل الصلح في دعوى
الطلاق: (المادة 18):
إذا
تخلف الزوج عن حضور الجلسة التي استدعي إليها في دعوى الطلاق يعتبر ذلك تراجعا منه
عن الدعوى، لكن الإشكال قد يثار حينما تتخلف الزوجة عن الحضور باعتبارها خصما في
دعوى الطلاق، وهنا يكفل لها القانون التبليغ، وهو ما تقوم به المحكمة عن طريق
أعوانها وتتولاه النيابة العامة في مرحلة ثانية مع إنذار الزوجة على أن غيابها لن
يكون مبررا لعدم البت في الملف شريطة توصلها بطريقة قانونية. كما أنه إذا تبين
للمحكمة أن العنوان المدلى به والخاص بالزوجة مجهول تستعين بالنيابة العامة للوصول
إلى الحقيقة. مما قد يؤدى إلى مؤاخذة الزوج جنائيا في حالة تحايله بتقديم معلومات
كاذبة لتضليل العدالة.
ي ـ التطليق لعدم إنفاق الغائب: (المادة 301)
إذا
كانت المدونة قد كفلت للزوجة حق التبليغ بطرق شتى، بما فيها ما ذكر في المادة
(18)، عن طريق النيابة العامة، فقد رتبت نفس الإجراء في حالة غيبة الزوج وتقدمت
الزوجة بمقال يراد منه تطليقها من عصمته لغيابه، وذلك إذا كان مكان غيابه مجهولا،
بعد تأكد النيابة العامة من ذلك، كما أن عمل النيابة العامة هنا لا ينحصر حسب
مدلول النص في تأكيد غيبة الزوج، بل تتأكد من صحة دعوى الزوجة بغيابه، بل تقوم
بالأبحاث والتحريات المفضية لذلك، وتقدم مستنتجاتها في ذلك.
و ـ اتخاذ النيابة العامة لتدابير مؤقتة لإسكان
الزوجة والأطفال في حالة النزاع بين الزوجين إلى حين صدور الحكم (المادة 121):
في
حالة تعذر المساكنة بين الزوجين لشدة الخلاف والنزاع بينهما تتخذ المحكمة تدابير
مؤقتة بما تراه مناسبا للزوجة والأطفال، في انتظار أن تصدر حكمها في الموضوع
المعروض عليها تلقائيا أو بناء على طلب، بما في ذلك اختيار السكن مع أحد أقاربها
أو أقارب الزوج، وتتولى النيابة العامة الإشراف على تنفيذ تلك التدابير المؤقتة.
ن ـ التدخل في حالة عدم توفر شروط الحضانة أو
إسقاطها: (المادة561).
بالنظر
إلى المادة 171 من المدونة التي ترتب استحقاق الحضانة، أو المواد (من 371 إلى 681)
التي تحدد الشروط الواجب توفرها في الحاضن، قد يحدث أن يتم رفض الحضانة من أحد
مستحقيها لاعتبارات عدة، أو لانتفاء شروطها في هذه الحالة، فالذي يعنيه الأمر
(الحاضن مثلا) عليه أن يرفع الأمر للمحكمة، كما يجوز للنيابة العامة أن تتدخل لرفع
الدعوى لتقرر المحكمة من تراه صالحا من أقارب المحضون أو غيرهم، أو اختارت إحدى
المؤسسات المؤهلة لذلك.
ز ـ إخطار النيابة العامة للحفاظ على حقوق
المحضون (المادة 771):
يوجب
المشرع في هذه الحالة على أب أو أم أو أقارب المحضون وغيرهم إخطار النيابة العامة
في حالة تعرض المحضون لأي ضرر، وذلك لتقوم بواجبها للحفاظ على حقوق المحضون، بما
في ذلك إسقاط أهلية الحضانة على مستحقيها واتخاذ التدابير اللازمة لحماية المحضون
من الأخطار التي تهدده.
ط ـ اتخاذ النيابة العامة الإجراءات لمنع السفر
بالمحضون إلى خارج المغرب (المادة: 971):
قد
يحدث أن يسافر أحد الزوجين بالمحضون إلى خارج أرض الوطن، من هنا أقر المشرع
إمكانية تضمين قرار إسناد الحضانة بقرار يمنع السفر بالمحضون خارج أرض الوطن، بطلب
من النيابة العامة أو النائب الشرعي. وعند إصدار هذا القرار تعمل النيابة العامة
على تنفيذه، بحيث تبلغ جميع الجهات المختصة قرار المنع بما في ذلك إغلاق الحدود.
خلاصة
من
خلال ما ذكر، يتضح الدور الذي تلعبه النيابة العامة في تطبيق مدونة الأسرة، من
خلال منطوق النصوص، مع العلم على أن القوانين الإجرائية تخول لها إجراءات وصلاحيات
كثيرة لم يتسع المجال لذكرها، وعزاؤنا في ذلك أننا سنعزز بها إشاراتنا المستقبلية
لمواضيع أخرى في إطار تحليلنا لمقتضيات وقضايا هذه المدونة في الحلقات الموالية.
ــــــــــــــ
المادة
(202) من المدونة وأحكامها مشار إليها في المواد من 074 إلى 284 من القانون
الجنائي.
JJJJJJJJJJJJJJJJ
الخطبــــة
1ـ تعريف الخطبة وطبيعتها القانونية:
المادة
5: ''الخطبة تواعد رجل وامرأة على الزواج''.
تتحقق
الخطبة بتعبير طرفيها بـأي وسيلة متعارف عليها تفيد التواعد على الزواج؛ ويدخل في
حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به العادة والعرف من تبادل للهدايا''.
المادة
6: ''يعتبر الطرفان في فترة خطبة إلى حين الإشهاد على عقد الزواج، ولكل الطرفين حق
العدول عنها''.
بناء
على المقتضيات المشار إليها في المادتين (5 و6) أعلاه، يتضح أن الخطبة هي تواعد
بين رجل وامرأة على الزواج؛ وتعتبر المرحلة التي تجمعهما مرحلة خطبة إلى حين توثيق
عقد الزواج والإشهاد عليه. وتتحقق الخطبة؛ بتبادل الوعد بينهما وبتعبير طرفيها بأي
وسيلة متعارف عليها.
واعتبارا
لاختلاف الأعراف بين منطقة وأخرى باختلاف العادات والتقاليد والمعطيات الثقافية
التي تحكم كل منطقة، فإن التعبير عنها يكون متناسبا مع الأعراف والتقاليد المتعارف
عليها وكل ما يفيد التواعد على الزواج، من قراءة الفاتحة وتبادل الهدايا وما يؤكد
رغبة الطرفين في التواعد على الزواج. كما أن الخطبة بهذا المعنى لا تعتبر زواجا بل
تواعد من أجل الإشهاد على عقد الزواج فيما بعد، ولا تلزم الطرفين ولا تنشأ أية
آثار حيث يمكن العدول عن الخطبة من قبل كلا الطرفين، لكن قد يحدث أن يضر أحد
الطرفين بالآخر بمجرد عدوله عن الخطبة وهو ما انتبه إليه المشرع في المادة
السابقة، وأعطى الحق للمتضرر المطالبة بالتعويض
2 ـ العدول عن الخطبة المحدث للضرر،
هل ستوجب التعويض؟ لقد نص المشرع في المادة السابعة من المدونة على أن ''مجرد
العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض، غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب
ضررا للآخر، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض'' من هنا يتضح أن النص جمع بين أحقية
العدول عن الخطبة من قبل أحد الطرفين وكذلك المطالبة بالتعويض في حالة الضرر مما
يعتبر معه أن المشرع المغربي كان جريئا في إقراره لأحقية التعويض في حالة الضرر
بالرغم من الاختلافات الفقهية الواردة في طرح مثل هذه النازلة. فالفقيه أبو زهرة
مثلا يقول إن العدول حق في حد ذاته، واستعمال هذا الحق لا يوجب التعويض (1)، كما
يرى الأستاذ الشهوري أن الضرر في حالة العدول عن الخطبة ترتب عليه أحكام المسؤولية
التقصيرية (2). وهو الرأي الذي تبناه المشرع المغربي أيضا؛ بالرغم من اعتراض
القضاء المغربي عن ذلك حيث سبق وأن أقر المجلس الأعلى عدم تطبيق الفصل 77 من قانون
الالتزامات والعقود المغربي على قضايا الأحوال الشخصية (3) مما يكون معه أن المشرع
أراد أن يضع حدا للاختلافات المثارة في الموضوع وذلك بضرورة تعويض العدول عن
الخطبة إذا كانت نتيجة أفعال سببت أضرارا، أو فوتت كسبا عن الآخر.
2 ـ حكم الهدايا في حالة العدول عن
الخطبة:
المادة
8:''لكل من الخاطب والمخطوبة أن يسترد ما قدمه من هدايا، ما لم يكن العدول عن
الخطبة من قبله. ترد الهدايا بعينها أو بقيمتها حسب الأحوال''.
إذا
كان العدول عن الخطبة يترتب عنه التعويض في حالة الضرر إن طلبه المتضرر فإن لفعل
العدول كذلك آثارا يمكن أن تصل إلى حد رد الهدايا للخطاب ما لم يكن من قبله
العدول. فالمدونة أخذت برأي المذهب المالكي الذي يقر بضرورة رد الهدايا بعينها أو
قيمتها أو مثلها إن استهلكت في حالة العدول من المرأة، إذا قدمت من الرجل، والعكس
إن كانت مقدمة من المرأة (4). كما أن نص المدونة (م 8) أقرت بشكل صريح (في الفقرة
الثانية) أن الهدايا ترد بعينها إذا كانت قائمة أو بقيمتها إذا استهلكت أو أتلفت،
علما أن المشرع كان عليه أن ينص على الرد بالمثل في حالة استهلاك أو إتلاف الهدية.
وتماشيا
مع ذلك ذهب القضاء المغربي إلى أحقية الخاطب في استرجاع هديته عندما يتبين أن
المخطوبة قد تعمدت العدول عن الخطبة بسوء نية.
3ـ استرداد المهر:
المادة
3: ''إذا قدم الخاطب الصداق أو جزء منه، وحدث عدول عن الخطبة أو مات أحد الطرفين
أثناها، فللخاطب أو لورثته استرداد ما سلم بعينه إن كان قائما، وإلا فمثله أو
قيمته يوم تسليمه. إذا لم ترغب المخطوبة في أداء المبلغ الذي حول إلى جهاز، تحمل
المتسبب في العدول ما قد ينتج عن خسارة بين قيمة الجهاز والمبلغ المؤدى فيه''.
قد
يحدث أن يسلم الخاطب الصداق كلا أو جزءا منه أثناء مرحلة الخطبة ـ بالرغم من كونه
ليس شرطا مرتبطا بها بقدر ما هو شرط صحة
في عقد الزواج ـ ففي حالة العدول عن الخطبة من أحد الطرفين؛ فإن المخطوبة ملزمة
برد الصداق إن كان قائما أو مثله أو قيمته، لكون عقد الزواج لم ينعقد بعد. كما أنه
إذا توفي الخاطب قبل الإشهاد على الزواج فلورثته حق استرداد الصداق من المخطوبة،
والأمر سيان إذا توفيت المخطوبة.
وقد
يحدث أحيانا أن تتصرف المخطوبة في الصداق وتقوم بشراء جهاز البيت وترفض في حالة
العدول أداء المبلغ الذي أنفقته في الجهاز؛ في هذه الحالة فإن الخسارة الناتجة عن
قيمة الجهاز والمبلغ المؤدى فيه، تقع على ذمة من تسبب في العدول عن الخطبة.
خلاصة:
بعدما
تمت الإشارة للخطبة وآثارها القانونية سواء المترتبة عن طبيعتها أو عند العدول
المحدث للضرر فيها؛ أو لأحكام الهدايا في
حالة العدول عنها، وحالات استرداد المهر؛ سنتطرق في الحلقة الموالية
للزواج.
ــــــــــــــــ
1 ـ
الإمام أبو زهرة، الأحوال الشخصية، دار الفكر العربي، ط. 3 ص 16.
2 ـ
عبد الرزاق الشهوري، الوسيط في القانون المدني، ج 1, دار النشر للجامعات، القاهرة:
2591, ص 728 وما بعدها.
3 ـ
قرار المجلس الأعلى بتاريخ 11 يناير 2891, انظر مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 13,
ص 29.
4 ـ
.. الأزهر: مدونة الأسرة أحكام الزواج ـ منشورات فضاءات قانونية، ط1, ص: 41.
الشروط
الإدارية لعقد الزواج وتدبير الأموال المكتسبة أثناء الزواج (2)
بعد
ما تطرقنا في حلقة سابقة للشروط الإرادية التي تتحقق وفق إرادة الزوجين،
ومقتضياتها وآثارها، سنتطرق في هذه الحلقة للشروط الإدارية لإبرام عقد الزواج على
أن نختمها بالإشارة لتدبير الأموال المشتركة المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية.
أ ـ
إجراءات إبرام عقد الزواج:
تفاديا
لما يمكن أن يشوب عقد الزواج من سوء تقدير أو تلاعب فقد أحاطه المشرع بإجراءات
وشكليات تعطيه قوة وحصانة لما ينسجم ومكانته وأهدافه ومقاصده، مما حدا به إلى
التنصيص في المادة 65 من المدونة على مقتضيات وإجراءات نجملها في الآتي:
أولا:
يحدث ملف لعقد الزواج يحفظ بكتابة الضبط لدى قسم قضاء الأسرة لمحل إبرام عقد
الزواج، ويضم الوثائق الآتية:
1)
مطبوع خاص بطلب الإذن بتوثيق الزواج، وقد اعتمدت وزارة العدل مطبوعا موحدا بجميع
أقسام قضاء الأسرة، يتضمن البيانات اللازمة للخطيبين.
2 ـ
نسخة من رسم الولادة، يشير ضابط الحالة المدنية لتاريخ تسليمها في هامش العقد بسجل
الحالة المدنية، والغرض الذي سلمت من أجله وهو الزواج، وذلك تفاديا لتسلمها مرة
أخرى بموجب غير قانوني.
3 ـ
شهادة إدارية لكل واحد من الخطيبين، تسلمها السلطات الإدارية، وتدعى عادة بشهادة
الخطوبة.
4 ـ
شهادة طبية لكل واحد من الخطيبين، تظهر الحالة الصحية لكل واحد منهما.
5 ـ
اعتماد الإذن بالزواج وذلك في الحالات التي تتطلب الزواج بإذن وهي:
التعدد
في حالة توفر شروطه المقررة قانونا.
ـ
زواج القاصر (دون سن الأهلية)
ـ
زواج الشخص المصاحب بإعاقة ذهنية.
ـ
زواج معتنقي الإسلام والأجانب.
ثانيا:
يقوم قاضي الأسرة المكلف بالزواج، بفحص الوثائق والتأشير على قبول الملف قبل الإذن
على ملف المستندات المشار إليها أعلاه، ويحفظ برقمه الترتيبي في كتابة الضبط بقسم
قضاء الأسرة.
ثالثا:
يأذن القاضي للعدلين بتوثيق عقد الزواج، ويضمن العدلين في العقد تصريح كل واحد من
الخطيبين هل سبق أن تزوج أم لا، وفي حالة وجود زواج سابق، يرفق التصريح بما يثبت
الوضعية القانونية إزاء العقد المزمع إبرامه.
رابعا:
يقوم العدلان بتوثيق العقد وفق الشكليات المذكورة في المادة 66 من المدونة، ويوقع
كل واحد منهما بعلامته وتاريخ الإشهاد على العقد، ويقدم العقد لقاضي الزواج ليضمن
خطابه على عقد الزواج مع طابعه.
خامسا:
يسجل نص العقد في السجل المعد لذلك لدى قسم قضاء الأسرة، ويوجه ملخصه إلى ضابط
الحالة المدنية لمحل ولادة الزوجين، مرفقا بشهادة التسليم داخل أجل 15 يوما من
تاريخ الخطاب كلية من قبل القاضي< (1)، لكن قد يحدث ألا يكون للزوجين محل ولادة
بالمغرب، وعليه يوجه ملخص عقد الزواج إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط.
ويقوم
ضابط الحالة المدنية، بتضمين ملخص عقد الزواج بهامش رسم ولادة الزوجين، حتى يدرج
في حالتهما المدنية والرجوع إليه عند الحاجة.
خامسا:
يسلم أصل رسم الزواج للزوجة، ونظير منه للزوج فور الخطاب عليه.
خلاصة:
بناء
على المقتضيات السابقة يتضح أن المشرع أعطى للقضاء الحق في الإذن بالزواج من عدمه،
وذلك بجعل تأثير القاضي على ملف المستندات وإصدار الإذن هو بداية مسطرة الزواج
وليس العكس، حيث كانت في السابق المبادرة للعدلين في توثيق العقد ليأتي تأثير قاضي
توثيق شؤون القاصرين فيما بعد، وذلك تفاديا لما يمكن أن يقع من تدليس في توثيق
عقود الزواج، وكذلك لتسريع المسطرة.
ب ـ
تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية:
تنص
المادة 43 من المدونة على أنه ''لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة
الأخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة
الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها<، وبذلك تكون المدونة قد ذهبت مذهب
الإمام مالك، الذي يقر بعدم أحقية قضاء الزوج في مال امرأته، قبل دخوله بها ولا
بعده، حتى تتحقق للمرأة ذمتها وملكيتها المستقلة في أموالها من منقولات وعقارات
والتصرف فيها كيفما شاءت دون أدنى تدخل من زوجها، فكل منهما مستقل بذمته المالية؛
ويبقى أصل التعامل التفويض أو الهبة أو الهدية، وليس التملك والتصرف الإجباري.
كما
أن المشرع نظر إلى أنهما قد يكتسبان أموالا أثناء قيام العلاقة الزوجية بينهما،
مما قد يطرح نزاعا محتملا بينهما، وخاصة بعد الطلاق، مما أجاز لهما أن يتفقا على
كيفية استثمارها وتوزيعها في عقد مستقل عن عقد الزواج يضمن لكل واحد منهما حقوقه
وفق قواعد العدل والإنصاف، وأعطى المشرع الحق للعدلين لتنبيه الزوجين لتوثيق عقد
مستقل عن عقد الزواج لتضمين كيفية تدبير الأموال المكتسبة.
لكن،
قد يحدث ألا ينتبه الطرفان لأهمية اعتماد هذا العقد، من هنا أقر المشرع اللجوء إلى
قواعد الإثبات والدلائل، التي تفيد في الملكية المشتركة للأموال المكتسبة وطرق
توزيعها ليستثنى لكل واحد منهما الحصول على حقه مقابل الجهد والعناء والمال الذي
أنفقه طوال مدة العلاقة الزوجية. وهذا لا يتصادم مع مقاصد عقد الزواج، بل يعطي
لكلا الزوجين فرصة اكتساب كل ما قد يفوتهما من كسب.
ــــــــــــــــ
1)
المادة 68 من مدونة الأسرة.
الزواج
غيـر الصحيح
حددت
المادة 56 من مدونة الأسرة صنفين للزواج غير الصحيح، فإما أن يكون باطلا وهو
الزواج الذي اختلت أو انعدمت أركانه، أو حلت به موانع شرعية تمنع تحقق أصله وهدفه
الشرعي، كما قد يكون الزواج غير صحيح إذا كان فاسدا وهو الذي تنعدم فيه شروط صحته.
أ ـ
الزواج الباطل:
1 ـ
أقسامه ومقتضياته: يتخذ الزواج صورا يعتبر بمقتضاها باطلا، وفقا لتحديد المشرع في
المادة 57 من مدونة الأسرة، ما يلي:
1)
إذا اختل فيه أحد الأركان المنصوص عليها في المادة 10 السابق الإشارة إليها عند
حديثنا عن الايجاب والقبول في عقد الزواج (1).
2 ـ
إذا وجد بين الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد من 35 إلى 39 من
هذه المدونة، وتندرج ضمنها موانع الزواج المؤبدة وهي: المحرمات بالقرابة (المادة
36)، والمصاهرة (المادة 37 من المدونة) أو المحرمات من الرضاعة (المادة 38)، وكذلك
الموانع المؤقتة، وتم تحديدها في المادة (39) على سبيل الحصر وهي:
ـ
الجمع بين الأختين، أو بين امرأة وعمتها أو خالتها من نسب أو رضاعة.
ـ
الزيادة على القدر المسموح به شرعا أثناء التعدد.
ـ
المطلقة ثلاثا قبل التزوج غير الزوج الأول الذي طلقها.
ـ
المسلمة بالنسبة لغير المسلم.
ـ
المسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية.
ـ
المرأة التي تعلق بها حق الغير من زواج أو عدة أو استبراء.
3 ـ
إذا انعدم التطابق بين الإيجاب والقبول، فما دامت المرأة رشيدة لكون سن الزواج هو
سن الرشد، فإن تطابق الإيجاب والقبول بينها وبين الذي يرغب في التزوج بها أضحى
أمرا واجبا، وإلا أصبح الزواج باطلا بطلانا مطلقا، لهذا يعد سماع الإيجاب والقبول
وفق ما تمت الإشارة إليه أو وفق ما أشارت إليه المادة العاشرة، يعد أمرا ضروريا.
ب ـ
تصريح المحكمة بالزواج الباطل: (المادة 58)
تصرح
المحكمة (وفقا لمقتضيات الأسرة) ببطلان الزواج تطبيقا لأحكام المادة 57 أعلاه،
بمجرد اطلاعها عليه وذلك من تلقاء نفسها، كما يحق للذي يعنيه الأمر، ويترتب على
هذا الزواج بعد البناء الصداق والاستبراء، كما يترتب عليه عند النية لحوق النسب
وحرمة المصاهرة.
ثانيا:
الزواج الفاسد
1)
تعريفه: عرفت مدونة الأسرة الزواج الفاسد بكونه الزواج الذي اختل فيه شرط من شروط
صحته طبقا للمادتين 60 و61 من هذه المدونة؛ والتي تقسم الزواج الفاسد إلى قسمين:
الزواج الفاسد لعقده والزواج الفاسد لصداقه، كما أن منه من يفسخ قبل البناء ويصحح
بعده، ومنه ما يفسخ قبل البناء وبعده،
وفسخ
عقد الزواج يكون بسبب خلل شاب العقد أثناء إبرامه أو بسبب طرأ على العقد بعد
إتمامه.
2)
أقسامه: تقسم المادة (59)، الزواج الفاسد لقسمين، زواج فاسد لصداقه وهو مضمون
المادة (60) من المدونة، وزواج فاسد لعقده تطرقت إليه المادة (61) من المدونة.
ü)
الزواج الفاسد لصداقه: باعتبار الصداق شرط صحة عقد الزواج ولا يتحقق إلا بتحققه
وبكافة شروطه الشرعية، فإن الزواج الفاسد، الذي انعقد بدون صداق أو بصداق لم تتوفر
فيه شروطه الشرعية يفسخ قبل البناء، من دون أن تستحق الزوجة الصداق، كما يمكن أن
يصحح بعد البناء بصداق المثل وتراعي المحكمة في تحديده الوسط الاجتماعي للزوجين.
ü)
الزواج الفاسد لعقده: (المادة 61 من المدونة): لقد حدد المشرع في المادة 61 من
المدونة الزواج الفاسد لعقده حتى يحصل التمييز بينه وبين الزواج الباطل، من حيث
الآثار التي يمكن أن تترتب لكل واحد منهما، وهكذا حدده المشرع في الحالة الآتية:
1 ـ
إذا كان الزواج في المرض المخوف لأحد الزوجين إلا بعد أن يشفى المريض بعد الزواج،
والمخوف يقصد منه الخوف من الهلاك والموت أو مرض الموت، وقد تفادى المشرع إجازته
حتى يلجأ إليه من أجل مزاحمة الورثة في الإرث، أو التنازع بين المولود الجديد
والورثة السابقين عن مرض المتزوج، ويعتبر في عداد مرض الموت من كان موته محققا أو
أدركه احتمال التحقق كالتواجد في واجهة الحرب، أو المحكوم عليه بالاعدام أو المريض
بالمرضى الذي لا يرجى برؤه.
2 ـ
إذا قصد الزوج بالزواج تحليل المبتوتة لمن طلقها ثلاثا: والمقصود هنا الطلاق
البائن بينونة كبرى؛ والزواج هنا لا يقصد منه الدخول الحقيقي بنية الزواج المنتج
لآثاره والنافذ لمقتضياته، بل يلجأ إليه لتحليل المرأة المطلقة لتبين به من أجل
رفع الحرمة المؤقتة والرجوع لزوجها الأول.
3 ـ
إذا كان الزواج بدون ولي في حاجة وحيوية: فبالرغم من عدم إقرار المدونة لضرورة
ووجوب موافقة الولي على الزواج لتتزوج من هي تحت ولايته، فإن المدونة بهذه الفقرة
من المادة (61) ربما قد جانبت الصواب لأنها أتت متناقضة مع مضامين المواد 24 و25
و19 و,20 لكون الولي سواء كان ولي الأمر أو القاضي لا يشترط موافقتها لانعقاد عقد
الزواج؛ لأن الولي لغير الرشيدة يكتفي الاستماع إليه لإعطاء الإذن من قبل القاضي، فلا
القاضي ولا أبوي القاصر أو نائبه الشرعي يمارسون الولاية المطلوبة.
4 ـ
اقتران الايجاب والقبول بأجل أو شرط واقف أو فاسخ: فإذا لم يتحقق هذا الشرط الواقف
(الذي يتوقف على العقد) أو الفاشي (الذي يفسخ العقد)، أضحى الزواج فاسدا، وتطبق
عليه أحكام المادة 47 من المدونة. والتي سبق إيرادها في حلقة ماضية.
5 ـ
الاكراه والتدليس: فيمكن للمكره أو المدلس عليه من الزوجين بوقائع كان التدليس بها
هو الدافع إلى قبول الزواج أو اشتراطها صراحة في العقد أن يطلب فسخ الزواج قبل
البناء وبعده خلال أجل لا يتعدى شهرين من يوم زوال الإكراه، ومن تاريخ العلم
بالتدليس مع حقه في طلب التعويض (4).
خلاصــــــة:
يتضح
مما سبق ووفقا لأحكام المادة 64 من المدونة أن الزواج الذي يفسخ لا ينتج أي آثار
قبل البناء وتترتب عليه بعد البناء آثار العقد الصحيح إلى أن يصدر الحكم القضائي
بفسخه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ
المادة 10 من المدونة: ''ينعقد الزواج بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر،
بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة أو عرفا.
يصح
الإيجاب والقبول من العاجز عن النطق بالكتابة إن كان يكتب، وإلا فبإشارته المفهومة
من الطرف الآخر من الشاهدين''
2)
المادة: 59 من مدونة الأسرة.
3)
قصد بـ''الإكراه'' وفقا لقانون الالتزامات والعقود، في الفصل 46 منه، هو ''إجبار
يباشر من غير أن يسمح به القانون يحمل بواسطته شخصا شخصا آخر على أن يعمل عملا
بدون رضاه''
4)
المادة 63 من المدونة.
التعـدد
لقد
عرفت المجتمعات الإنسانية ظاهرة تعدد الزوجات؛ وأحاطتها بعادات ومعتقدات وسلوكات
تعكس نظرة المجتمع للمرأة؛ لكن الشريعة الإسلامية أحاطت الموضوع بنظرة تعكس
التكريم اللائق للمرأة وتصحح الأوضاع السلبية التي سادت في الجاهلية وأقرت بذلك
التعدد بضمانات وقيود، وحصرت عدد النساء المسموح التعدد عليهن، في أربعة نسوة؛
وذلك مصداقا لقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن
خفتم ألا تعدلوا فواحدة) (1)، والوارد في الآية هو التخيير وليس الجمع؛ وعلى هذا
الأساس لا يمكن للرجل أن يعقد على خامسة، إلا بعد زوال المانع، أي وفاة إحداهن، أو
طلاق إحدى زوجاته وبعد انتهاء العدة، وإذا خالف قاعدة التحريم المنصوص عليها شرعا
وقانونا، يعتبر زواجه فاسدا باعتبار الزيادة في القدر المسموح به شرعا من الموانع
المؤقتة للزواج (2).
أ ـ
حدود منع المدونة للتعدد:
تنص
المادة (40) من المدونة على أنه >يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات،
كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها<.
"ولا
تأذن المحكمة بالتعدد:
ـ
إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي.
ـ
إذا لم تكن لطالبه الموارد الكافية لإعالة الأسرتين، وضمان جميع الحقوق من نفقته
وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة"
ومن
ثم فإن التعدد بالرغم من جوازه يبقى معلقا على الشروط المذكورة أعلاه، سواء كانت
شروطا ذاتية أو موضوعية ومنها:
أ ـ
قيام الرابطة الزوجية مع كافة الزوجات على أساس العدل في كل شيء؛ وخاصة العدل
المادي، لأن العدل المعنوي يصعب تحققه بالكامل؛ وبذلك قد يكون العدول عن التعدد من
قبل طالبه أو من قبل المحكمة مرتبطا بتحقق هذا الشرط، وألا يكتفي الزوج طالب
التعدد بزوجة واحدة وفقا للآية الكريمة (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)
2 ـ
المساواة في النفقة يدخل ضمن مقتضيات الرابطة الزوجية، فكل رابطة بأية زوجة توجب
عليه الإنفاق عليها وعلى أبنائها بالسوية مع باقي الزوجات وأبنائهن.
3 ـ
توفير المسكن لكل زوجة:
المسكن
المستقل لكل زوجة مع أولادها أمرا ضروريا لإنشاء بيت الزوجية وتحقيق المساكنة
الشرعية.
4 ـ
المساواة بين الزوجات في المبيت:
وذلك
بالقيام عند كل زوجة يوم وليلة، اتباعا لمنهج المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ كان
يقسم بين نسائه ويعدل في القسمة، حيث روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: >كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا ويطوف علينا جميعا، إمرأة إمرأة فيدنو
ويلمس، من غير مسيس حتى يفضي إلى التي يومها فيبيت عندها<، والهدف من كل هذا هو
تحقيق الأنس والألفة والمودة بين الزوج وزوجاته جميعهن وما تتطلبه الرعاية النفسية
والاجتماعية ومقومات المعاشرة بالمعروف.
وعليه
واعتبارا لمقتضيات المادة 41 من المدونة فالقاضي لا يأذن بالتعدد إذا ثبت له أن
الزوج ليست له القدرة على إعالة أسرتين بالعدل بما يقتضيه ذلك من توفير المسكن
والنفقة.. وغيرها من متطلبات الحياة، كما تضيف الفقرة الثالثة من المادة (41) تحقق
المساواة في أوجه الحياة، باستثناء ما ليست للإنسان قدرة عليه والمتعلق بالجانب
النفسي الذي قد لا يتحقق فيه العدل المطلق.
كما
أن التعدد لم يعد أمر زواج بالشكل المعتاد، بل هو زواج مشروط بإثبات المبرر
الموضوعي والاستثنائي الذي دفع الزوج إليه، حيث قيدت المدونة طالب التعدد بتوفر
هذه المبررات وفقا للمادة (3)، وأضحى بذلك التعدد بيد القاضي، وما علي طالبه إلا
إقناعه بالمبررات الموضوعية والاستثنائية ليوافق على طلبه ويصدر إذنا بذلك، كما أن
اشتراط الزوجة الأولى عدم التزوج عليها في العقد قد يمنع من التعدد للحفاظ على
قيام العلاقة الزوجية السابقة إلا طلبت الزوجة منه الطلاق لعدم احترام الزوج
لشرطها وإقدامه على التعدد.
وليتسنى
للقاضي معرفة إمكانية الإنفاق على عائلتين أو أكثر لطلب التعدد فالزوج ملزم بتقديم
كل الوثائق التي تفيد وضعيته المادية، يوضح فيه مدى يسره وقدرته على الإنفاق.
ب ـ
الإجراءات القضائية للتعدد:
تتضمن
المادة (43) من المدونة إجراءات نجملها في الآتي:
1 ـ
طلب الإذن بالتعدد في حالة عدم وجود شرط الامتناع عنه مسبقا.
2 ـ
بيان الأسباب الموضوعية والاستثنائية المبررة للتعدد في الطلب مع إرفاقه بقرار عن
وضعيته المادية.
3 ـ
الإدلاء بالوثائق المطلوبة (الإدارية وعقد الزواج الأصلي/وعقود ازدياد الأولاد...)
4 ـ
استدعاء المحكمة الزوجة المراد التزوج عليها للحضور، وفقا للطريقة المعروفة في
التبليغ القضائي.
5 ـ
توجيه إنذار للزوجة التي توصلت بالاستدعاء ورفضت الحضور مع التأكيد على أن
امتناعها ليس مانعا من إمكانية الإذن بالتعدد.
6 ـ
الحسم في الطلب بالتعدد إذا أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل
إقامة يمكن استدعاوها فيه.
ج ـ
التوفيق بين الزوجين في حالة التعدد:
سعيا
من أجل التوفيق بين الزوجين؛ وإقناع الزوجة من أجل التعدد يمثل الطرفان أمام
القاضي بغرفة المشورة، ويستمع إليهما لمحاولة الإصلاح وعرض واستقصاء الوقائع
وتقديم الإيضاحات والبيانات المطلوبة.
غير
أن المحكمة بعد ذلك قد تأذن بالتعدد بمقرر معلل غير قابل لأي طعن إذا ثبت لها
المبرر الموضوعي الاستثنائي لإقرار التعدد وتوفر شروطه الشرعية، مع تقييده بشروط
لفائدة المتزوج عليها وأطفالها، وذلك وفقا لمقتضيات المادة 44 من المدونة وفي هذه
الحالة سنكون أمام حالتين:
ـ
الحالة الأولى: قبول الزوجة المراد التزوج عليها؛ بضمانات حفط حقوقها وحقوق
أبنائها والتي يقدرها القضاء مسبقا ويسهر على تنفيذها تبعا، أو عدول الزوج عن طلب
التعدد.
ـ
الحالة الثانية: عدم قبول الزوجة التزوج عليها وفي هذه الحالة يتعذر استمرار
العلاقة الزوجية في حالة إصرار الزوج وتشبته بالتعدد؛ مما يدفع المرأة إلى اللجوء
إلى مسطرة الشقاق وطلب التطليق والمنصوص على أحكامها في المواد من 94 إلى 97 من
المدونة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
سورة النساء الآية .3
(2)39من
المدونة.
(3)
ـ المادة 42 من المدونة تنص على أنه في حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد،
يقدم الراغب فيه طلب الإذن بذلك إلى المحكمة.
يجب
أن يتضمن الطلب بيان الأسباب الموضوعية والاستثنائية المبررة له وأن يكون مرفقا
بإقرار عن الوضعية المادية.
انحلال ميثاق الزوجية: أحكامه وحالاته
بالنظر
لكون عقد الزواج، من العقود التي تنطبق عليها الأحكام العامة للالتزام، فإن
الإبقاء عليه أو فسخه سواء، مادامت العلاقة الزوجية مبنية على التعاقد الذي يكفل
حقوق وواجبات المتعاقدين، إذ العقد شريعة المتعاقدين، ومن شريعة المتعاقدين انحلال
ميثاق التعاقد إن توفرت شروط وحيثيات ذلك، فالزواج يتم في الأصل بنية الاستقرار
والبقاء من أجل بناء أسرة مسلمة مستقرة؛ لكن قد تقع بعض الطوارئ والاستثناءات التي
تدفع دون استمرار العلاقة الزوجية، بما يجعل حل ميثاق الزوجية استثناء عن الأصل.
أ ـ
أحكام عامة:
1)
تمهيد:
بالنظر
لكون عقد الزواج، من العقود التي تنطبق عليها الأحكام العامة للالتزام، فإن
الإبقاء عليه أو فسخه سواء، مادامت العلاقة الزوجية مبنية على التعاقد الذي يكفل
حقوق وواجبات المتعاقدين، إذ العقد شريعة المتعاقدين، ومن شريعة المتعاقدين انحلال
ميثاق التعاقد إن توفرت شروط وحيثيات ذلك، فالزواج يتم في الأصل بنية الاستقرار
والبقاء من أجل بناء أسرة مسلمة مستقرة؛ لكن قد تقع بعض الطوارئ والاستثناءات التي
تدفع دون استمرار العلاقة الزوجية، بما يجعل حل ميثاق الزوجية استثناء عن الأصل.
2 ـ
استثنائية حل ميثاق الزواج:
لقد
أشارت المادة 70 من مدونة الأسرة إلى أنه ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية
بالطلاق أو التطليق إلا استثناء في حدود الأخذ بقاعدة ''أخف الضررين'' لما في ذلك
من تفكيك الأسرة والإضرار بالأطفال.
فالأصل
في الزواج هو الديمومة على المودة والرحمة وتجنب قطع الأرحام والصلة، فلو كان
الطلاق مباحا لما أعطي للزواج قدسية؛ ووسع فرص الصلة والتواصل عوض الفراق والطلاق؛
وعليه فقد أمر الله عز وجل ببعث الحكمين من أجل الإصلاح بين الزوجين ورأب الصدع
وفك النزاع؛ وتضييق دائرة اللجوء إلى الطلاق حتى لا يقع، إلا حينما تستحيل العشرة،
وتفسد القلوب.
3 ـ
الحالات الاستثنائية لحل ميثاق الزوجية:
ينحل
عقد الزواج استثناء عن الأصل الذي هو البقاء على الزواج؛ بالوفاة أو الفسخ أو
الطلاق أو التطليق أو الخلع (1) ويتم ذلك وفق طرق وإجراءات نظمتها هذه المدونة
وذلك برغبة من أحد الزوجين، لسبب معقول، أو برغبتهما معا أو بحكم قضائي أو قد يحدث
طارئ تنحل بمقتضاه العلاقة الزوجية بالفقد، إذ يدخل في عداد الموتى الشخص المفقود
(2) الذي انقطعت أخباره، أو في موقع يكون موته محققا بدون أدنى سبيل للشك والاحتمال،
كما أقرت المادة (74) من المدونة وفي جميع الحالات المذكورة في المادة (71) من
المدونة ترتب آثارا قانونية تختلف بطبيعة حالات انحلال الزواج.
4 ـ
بداية سريان مفعول آثار انحلال عقد الزواج:
بانحلال
عقد الزواج، وفقا للحالات المشار إليها أعلاه، تترتب عنها آثارا تبعا لوسيلة
الانحلال، ومدونة الأسرة حددت أحكام تطرقت فيها لهذه الآثار؛ وتبدأ في السريان من
تاريخ وفاة أحد الزوجين أو الفسخ أو الطلاق أو التطليق أو الخلع.
أ ـ
المتوفى والمفقود:
تثبت
الوفاة وتاريخه بكل وسائل الإثبات المعتمدة أمام القضاء، كشهادة الوفاة التي تسلمها
المستشفيات والمصحات أو عن طريق التشريح والخبرة الطبية، كما تقع عند التبليغ عن
شخص بكونه هلك أثناء الحرب، وذلك بإخبار والديه وأسرته بالطرق الرسمية والقانونية.
أما
المفقود الذي انقطع الشك في موته وتأكد باليقين والاحتمال الصائب؛ فيعد ميتا شريطة
أن يحكم القضاء بموته،''فالميت حكما من انقطع خبره وصدر حكم باعتباره ميتا''،
ويرتكز القاضي في حكمه على مقتضيات المادة (327) من هذه المدونة التي تنص على أن
الحكم بموت المفقود يكون في حالة استثنائية يغلب عليها الهلاك بعد مضي سنة من
تاريخ اليأس في الوقوف على خبر حياته أو مماته.
وفي
جميع الحالات، فيفوض أمد المدة، التي يحكم بموت المفقود بعدها إلى المحكمة، وذلك
كله بعد التحري والبحث عنه بما أمكن من الوسائل، بواسطة الجهات المختصة بالبحث عن
المفقودين''.
لكن
قد يظهر المحكوم بوفاته في عداد الأحياء، وبهذا الخصوص، فإن النيابة العامة يتعين
عليها أو من يعنيه الأمر أن يطلب من المحكمة إصدار قرارا بإثبات كونه باقيا على
قيد الحياة.
ويبطل
الحكم الصادر بإثبات حياة المفقود، الحكم بالوفاة بجميع آثاره، ما عدا زواج امرأة
المفقود فيبقى نافذا إذا وقع البناء بها.
ب ـ
الحكم بالفسخ:
لقد
سبق أن ناقشنا الحالات الموجبة للفسخ في الحلقة السابقة، والتي نظمتها مقتضيات هذه
المدونة من المادة (59) إلى (64)، وهي الحالات التي يتحقق فيها الفسخ قبل البناء
أو بعده؛ وآثار ذلك قانونا.
خلاصة:
سنتطرق
في حلقة موالية حالات انحلال الزواج بالطلاق أو التطليق أو الخلع، وذلك بعدما
تحدثنا عن حالتي الموت والفقد، وذكرنا بمقتضيات الحكم بالفسخ، على أن نخصص حلقات
أكثر تفصيلا لآثار انحلال ميثاق الزوجية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ
المادة 71 من المدونة
2 ـ
نصت مدونة الأسرة في الفقرة الأولى من المادة 327 على أن المفقود يحكم بموته في
''حالة استثنائية'' يغلب عليه فيها الهلاك، بعد مضي سنة، من تاريخ اليأس من الوقوف
على خبر حياته أو مماته''
3 ـ
المادة 325 من مدونة الأسرة.
انحلال ميثاق الزوجية
1 ـ
تعريف الطلاق وشروطه:
لقد
عرفت مدونة الأسرة الطلاق بكونه >حل ميثاق الزوجية، يمارسه الزوج والزوجة، كل
بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء، وطبقا لأحكام هذه المدونة<، >مما يكون له معه
ممارسة هذا الحق للرجل والمرأة على السواء، وفقا للشروط الواجب توفرها في طالبه،
من دون أن نعدم سلطة القضاء التقديرية التي تراقب تحققها بكافة أحكامها الموضوعية
والشكلية بما يتطابق وأحكام هذه المدونة.
ويشترط
لانعقاده وجود أركانه المادية والمعنوية، فأما المادية، فهي توفر ميثاق الزوجية
وزوج وزوجة، وأما المعنوية: فهي توفر النية باللفظ الصريح بالرغبة في الطلاق من
دون أن يشترط تطابق الإرادتين لوقوعه إلا أن تكون اتفاقا. كما لا يقبل طلب الإذن
بطلاق السكران الطافح والمكره وكذا الغضبان إذا كان مطبقا (2) لعدم توفر عنصر
الإدراك والتمييز.
وفي
ما يخص لفظ وقوع الطلاق، يشترط أن يكون معلوما وصريحا بألفاظ تدل عليه في الحال،
وعليه فإن هذه المدونة ألفت اعتبار وقوع الطلاق بالحلف باليمين أو الحرام (3) ولفظ
وقوع الطلاق لا يحسب إلا واحدا، وبالرغم من اقترانه بعدد لفظا أو إشارة أو كتابة.
(4) كما أن الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه لا يقع (5).
2 ـ
إجراءات الإذن بالطلاق:
(المواد
من 79 إلى 88 من المدونة)
1 ـ
توجب مدونة الأسرة على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة التي يوجد بها مقر
بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو محل إقامتها أو التي أبرم فيها عقد الزواج، مع
مراعاة الترتيب المذكور، على أن يتم الإشهاد على الإذن من قبل عدلين منتصبين لذلك
بدائرة نفوذ المحكمة المصدرة للإذن.
2 ـ
تضمين طلب الإذن بالإشهاد على الطلاق، هوية الزوجين ومهنتهما وعنوانهما، وعدد
الأطفال إن وجدوا وسنهم ووضعهم الصحي والدراسي.
3 ـ
يرفق الطلب بمستند الزوجية (عقد الزواج) والحجج المثبتة لوضعية الزوج المادية
والتزاماته المالية.
4 ـ
تقوم المحكمة باستدعاء الزوجين لمحاولة الإصلاح بينهما.
5 ـ
تجري المناقشات، بحضور الطرفين بغرفة المشورة، بما في ذلك الاستماع إلى الشهود
ولمن ترى المحكمة فائدة في الاستماع إليه.
6 ـ
تقوم المحكمة بكل الإجراءات، بما في ذلك انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه
مؤهلا لإصلاح ذات البين، وتقوم المحكمة في حالة وجود الأطفال بمحاولتين للصلح تفصل
بينهما مدة لا تقل عن 30 يوما.
7 ـ
إذا تم الإصلاح بين الزوجين حرر به محضر وتم الإشهاد به من طرف المحكمة.
8 ـ
في حالة تعذر الإصلاح بين الزوجين، تحدد المحكمة مبلغا يودعه الزوج بصندوق المحكمة
داخل أجل أقصاه 30 يوما (6) لأداء مستحقات الزوجة والأطفال الملزم بالإنفاق عليهم
وتشمل مستحقات الزوجة: الصداق المؤخر إن وجد، ونفقة العدة، والمتعة، ويراعى في
تقديرها فترة الزواج والمدة التي قضتها الزوجة في عصمة زوجها) والوضعية المادية
للزوجة (بأداء كل ما يفيد دخله أو أجرته)، وأسباب الطلاق ومدى تعسف الزوج في
توقيعه، وتحدد نفقة الأطفال وفقا لأحكام المادتين 168 و190 من هذه المدونة.
9 ـ
تسكن الزوجة خلال العدة في بيت الزوجية، أو للضرورة في مسكن ملائم لها للوضعية
المادية للزوج، وإذا تعذر ذلك حددت المحكمة تكاليف السكن في مبلغ محدد يودع مع
المستحقات في صندوق المحكمة.
10
ـ بمجرد إيداع الزوج المبلغ المطلوب منه، تأذن له المحكمة بتوثيق الطلاق لدى
العدلين داخل دائرة نفوذ نفس المحكمة.
11
ـ بعد خطاب قاضي الأسرة على وثيقة الطلاق يوجه نسخة إلى المحكمة التي أصدرت الإذن
بالطلاق.
12ـ
تصدر المحكمة التي توصلت بنسخة من إذن الطلاق قرارا معدلا يتضمن:
ـ
أسماء الزوجين وتاريخ ومكان ولادتهما وزواجهما ومواطنهما أو محل إقامتهما،
ـ
ملخص ادعاء الطرفين وطلباتهما وما قدماه من حجج ودفوع والإجراءات المنجزة في
الملف، ومستنتجات النيابة العامة،
ـ
ما إذا كانت الزوجة حاملا أم لا،
ـ
أسماء الأطفال وسنهم ومن أسندت إليه حضانتهم وتنظيم حق الزيارة.
ـ
تحديد المستحقات المنصوص عليها في المادة 84 و85 السابق الإشارة إليها.
خلاصة..
...ونحن
في ختام هذه الحلقة لابد من التأكيد على أمرين هامين قلما يتم الانتباه إليهما،
ويتعلق الأمر باستدعاء الزوجة أو الزوج للحضور لمحاولة الإصلاح، وكذلك الطعن في
القرار الصادر عن المحكمة الخاص بالطلاق.
ـ
فالأمر الأول: المتعلق بالاستدعاء للحضور في دعوى الطلاق يتم وفقا لأحكام المادة
81 من المدونة، والتي تطرقت لحالتين:
ـ
حالة غياب الزوج وعدم حضوره بالرغم من توصله شخصيا بالاستدعاء يعد تراجعا عن طلبه
للطلاق.
ـ
حالة غياب الزوجة وعدم حضورها بالرغم من توصلها شخصيا وعدم تقديمها ملاحظات
مكتوبة، يتطلب إخطارها من قبل المحكمة عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر
يتم البت في الملف.
وفي
هذه الحالة كذلك قد يكون عنوان الزوجة مجهولا وحينها تستعين المحكمة بالنيابة
العامة للوصول إلى الحقيقة، وذلك عن طريق الأمن أو الدرك.
وإذا
ثبت تحايل الزوج بتقديم معلومات كاذبة تطبق عليه مقتضيات الفصل 3611 من القانون
الجنائي بطلب من الزوجة.
ـ
الأمر الثاني: المقررات الخاصة بالطلاق التي تصدرها المحكمة قابلة للطعن خلال 15
يوما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
المادة 87 من المدونة. (2) المادة 90 من المدونة. (3) المادة 19 من المدونة (4)
المادة 92 من المدونة (5) المادة 93 من المدونة (6) تنص المادة 86 من المدونة على
أن تراجع الزوج عن أداء مستحقات الزوجة خلال 30 يوما يعد تراجعا عن الطلاق ويتم
الإشهاد على ذلك من طرف المحكمة
انحلال
ميثاق الزوجية
بعد
ما تطرقنا في الحلقة السابقة للطلاق وإجراءاته وآثاره، سنتطرق في هذه الحلقة
للتطليق والذي يكون إما بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق، أو لأسباب أخرى بناء على
طلب من الزوجة لأحد الأسباب التالية:
3 ـ
التطليق
بعد
ما تطرقنا في الحلقة السابقة للطلاق وإجراءاته وآثاره، سنتطرق في هذه الحلقة
للتطليق والذي يكون إما بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق، أو لأسباب أخرى بناء على
طلب من الزوجة لأحد الأسباب التالية:
ـ
إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج.
ـ
الضرر بالغيبة، عدم الإنفاق، الإيلاء والهجر.
1ـ
التطليق بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق
يتقدم
أحد الزوجين بدعوى الشقاق إلى المحكمة وفي هذه الحالة إما أن تتوفق في رأب الصدع
والشقاق الذي قد يطرأ على العلاقة الزوجية وذلك باعتماد مسطرة الصلح وفقا لما أشير
إليه في المادة 82 من المدونة، والتي تتلخص في كون المحكمة تسهر على عملية الصلح
وذلك بالاستماع إلى الطرفين بحضورهما في غرقة المشورة، بما في ذلك الاستماع إلى
الشهود، ولمن ترى المحكمة فائدة في الاستماع إليه، كما تقوم هيئة الحكم بانتداب
حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين، وفي حالة وجود أطفال
تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح، تفصل بينهما مدة لا تقل عن 30 يوما.
ويتم
تحرير محضر يقر الإصلاح بين الزوجين تشهد عليه المحكمة. لكن قد تتعذر محاولات
الصلح، وفي هذه الحالة يقوم الحكمان وفقا لمدلول المادة 96 من المدونة باستقصاء
أسباب الخلاف بين الزوجين ببذل جهدهما لإنهاء النزاع وحالة الشقاق. كما يقوم
الحكمان بكتابة تقرير يحدد مسؤولية كل طرف وفي هذه الحالة، إما أن يكون الخطأ من
جانب الزوجة أو من جانب الزوج أو كلايهما، لكن المشكل يثار إذا لم يعترف أي أحد
منهما بالخطأ المرتكب، وهنا يصعب على الحكمين تحديد المسؤوليات، وقد يختلفا في
مضمون تقرير الصلح أو يقدماه خارج الأجل المتاح لهما، مما يجعل المحكمة مضطرة
لاجراء بحث إضافي بالوسيلة التي تراها مناسبة إن تأتى لها ذلك.
وفي
حالة تعذرالاصلاح واستمرار الشقاق، تثبت المحكمة ذلك في محضر، وتحكم بالتطليق
وبالمستحقات طبقا لما ورد في المواد 83 و84 و85 والتي تطرقنا إليها في الحلقة
الماضية مع مراعاة مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم
به على المسؤولية لفائدة الزوج الآخر، وذلك بالتعويض عن الأضرار التي كانت سببا
للشقاق، إن طلبها أحدهما.
2 ـ
التطليق للإخلال بشرط من شروط عقد الزواج أو الضرر
لقد
اعتبرت المادة 99 من مدونة الأسرة كل إخلال بشرط في عقد الزواج ضررا مبررا لطلب
التطليق، وحددته في كل تصرف من الزوج أو سلوك مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة يلحق
بالزوجة إساءة مادية أو معنوية تجعلها غير قادرة على الاستمرار في العلاقة
الزوجية، وتثبت وقائع الضرر بكل وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود الذين تستمع
إليهم المحكمة في غرفة المشورة.
إذا
لم تثبت الزوجة الضرر وأصرت على طلب التطليق يمكنها اللجوء إلى مسطرة
الشقاق(المادة 100 من مدونة الأسرة)، وتحدد المحكمة في حكمها بالتطليق مبلغ
التعويض عن الضرر.
3ـ
التطليق لعدم الإنفاق
يعتبر
إخلال الزوج بواجب الإنفاق على زوجته مبررا لطلب التطليق من قبل الزوجة، وذلك وفق
قيود وإجراءات حددتها المادة 102 من المدونة وفق الأحكام والحالات التالية:
ـ
في حالة ثبوت الهجر، تحدد المحكمة حسب الظروف أجلا للزوج لا يتعدى ثلاثين يوما
ينفق خلاله وإلا طلقت منه، إلا حالة ظرف قاهر أو استثنائي.
ـ
تطلق المحكمة الزوجة حالا إذا امتنع الزوج عن الانفاق ولم يثبت العجز.
كما
تطبق نفس الأحكام المشار إليها أعلاه على الزوج الغائب في مكان معلوم بعد توصله
بمقال الدعوى.
إذا
كان محل غيبة الزوج مجهولا وتأكدت المحكمة بمساعدة النيابة العامة من ذلك، ومن صحة
دعوى الزوجة تبت في الدعوى على ضوء نتيجة البحث ومستندات المقال.
4ـ
التطليق للغيبة
يقصد
بالغيبة الموجبة للتطليق غياب الزوج عن زوجته لمدة تزيد عن سنة(المادة 104 من
المدونة) وتقدم الزوجة طلبا للمحكمة من أجل التطليق للغيبة، هذه الأخيرة تتأكد من
هذه الغيبة ومدتها ومكانتها بكل الوسائل.
تبلغ
المحكمة الزوج المعروف العنوان مقال الدعوى للجواب عنه، مع إشعاره بأنه في حالة
ثبوت الغيبة، ستحكم المحكمة بالتطليق إذا لم يحضر للإقامة مع زوجته أو لم ينقلها
إليه، وعليه فإن العبرة وفقا لمدونة الأسرة لإقرار الغيبة والحكم بمقتضاها في هذه
الحالة يرتبط بالتغيب لمدة تفوق السنة سواء بمغادرته بيت الزوجية أو التوجه إلى
مكان ما وعدم رغبته في اصطحاب أهله معه.
أما
إذا كان الزوج الغائب مجهول العنوان فإن المحكمة تتخذ كافة الإجراءات ليصل إلى
علمه أن زوجته بصدد التطليق منه للغياب، وتعتمد المحكمة بإجراءاتها الخاصة أو
بمساعدة النيابة العامة على كل الوسائل التي تفيد التبليغ بما فيها استعمال
الإذاعة والمراسلة عن طريق البريد المضمون مع الإشهار بالتوصل، وكافة الوسائل التي
قد توصل إلى الهدف وهو التبليغ، بما في ذلك تعيين قيم ليقوم مقامه إذا لم يحضر،
وإلا طلقتها المحكمة عليه بحكم غير قابل لأي طعن إن تمت الإجراءات بالشكل المطلوب.
خلاصات
ـ
لقد أقرت المدونة التطليق بكل أنواعه المذكورة سابقا، بجبر الضرر الذي قد يلحق
الزوجة أو لإنهاء العلاقة الزوجية التي استحال استمرارها.
ـ
التطليق للغيبة ولعدم الانفاق لا يستوجب محاولات الصلح لأنهما يخلان بأهم أركان
الزواج وشروطه وحقوق الزوجية، وهي النفقة والمساكنة الشرعية.
ـ
أجازت المدونة كذالك للزوجة المحكوم على زوجها المسجون بأكثر من ثلاث سنوات سجنا
أو حبسا، أن تطلب التطليق بعد مرور سنة من اعتقاله، وفي جميع الأحوال بعد سنتين من
اعتقاله.
ـ
هناك أسباب أخرى للتطليق وهي: العيب والإيلاء الهجر وأنواع أخرى من الطلاق.
النفقة
لقد
خصص المشرع المغربي القسم الثالث من الكتاب الثالث من مدونة الأسرة لموضوع النفقة،
وإسهاما منا في تبسيط النص القانوني ليصبح في متناول القارئ، سنخصص لهذا القسم
المحاور التالية:
1 ـ
تعريف النفقة:
النفقة
هي الاصطلاح لما ينفقه الإنسان على زوجته وأولاده وأقاربه من طعام ومسكن وكسوة
وخدمة وتمدرس، وهكذا فقد أقرت مدونة الأسرة في المادة 189 مشمولات النفقة بما يحدد
مضمونها، وهي الغذاء والكسوة والعلاج وما يعتبر من الضروريات والتعليم للأولاد.
2 ـ
أحكام ومقتضيات النفقة:
ـ تجب
النفقة على الغير من مال الملزم بها بأسباب منها الزوجية والقرابة والالتزام،
ووجوبها مقيد بتوفر الإنسان على مقدار ما ينفقه على نفسه، وتفترض فيه الكفاءة
والملاءمة، إلا أن يثبت عكس ذلك.
ـ
يراعى في تقديرها الوسطية ودخل الملزم وحال مستحقها ومستوى الأسعار والأعراف
والعادات السائدة في الوسط الذي تفرض فيه.
ـ
وتقدر المحكمة النفقة بعد الاستماع للطرفين وحججهما، ولها أن تعتمد وفقا لمنطوق
الفصل 189 على الخبرة لتحديدها، على ألا يتعدى أجل الحسم شهرا واحدا.
ـ
تحدد المحكمة وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة وتكاليف السكنى على أموال المحكوم عليه أو
اقتطاع النفقة من منبع الريع أو الأجر الذي يتقاضاه، وتقرر عند الاقتضاء الضمانات
الكفيلة باستمرار أداء النفقة.(1)
والحكم
الصادر بتقدير النفقة يبقى ساري المفعول إلى أن يصدر حكم آخر يحل محله أو يسقط حق
المحكوم في النفقة (2).
ـ
لا يقبل طلب الزيادة في النفقة المتفق عليها أو المقررة قضائيا أو التخفيض منها
قبل مضي سنة إلا في ظروف استثنائية.
ـ
إذا كان الملزم بالنفقة غير قادر على أدائها لكل من يلزمه القانون الإنفاق عليه،
تقدم الزوجة، ثم الأولاد الصغار ذكورا أو إناثا ثم البنات، ثم الذكور من الأولاد
ثم الأب ثم الأم.
أ ـ
النفقة على الزوجة:
ـ
تجب النفقة للزوجة على زوجها بعد البناء بها، وكذا إذا دعته للبناء بعد أن يكون قد
عقد عليها.
ـ
يحكم للزوجة بالنفقة من المدة التي أمسك فيها عن أدائها، ولا تسقط إلا بالحكم على
الزوجة بالرجوع لبيت الزوجة وامتنعت.
ـ
والمطلقة رجعيا يسقط حقها قانونا في السكن من دون النفقة إذا انتقلت من البيت الذي
تعتد فيه بدون موافقة زوجها أو دون عذر مقبول.
ب ـ
نفقة الأقارب والأولاد:
ـ
النفقة على الأقارب تجب على الأولاد للوالدين وعلى الأبوين لأولادهما، طبقا لما
قررته المدونة.
ـ
تستمر نفقة الأب على أولاده إلى حين بلوغهم سن الرشد، وإتمام الخامسة والعشرين
بالنسبة لمن يتابع دراسته، وفي كل الحالات لا تسقط نفقة البنت إلا بعد توفرها على
الكسب أو بوجوب نفقتها على زوجها.
ـ
تستمر كذلك، وفقا لأحكام المادة 198 من المدونة، نفقة الأب على أولاده المصابين
بإعاقة، والعاجزين على الكسب.
ـ
قد يحدث أن يعجز الأب عن الإنفاق على أولاده، وفي هذه الحالة يراعى إن كانت الأم
موسرة وحينها تنفق على الأولاد بمقدار ما عجز عنه الأب، وفقا للقاعدة الشرعية
''الضرورة تقدر بقدرها''.
ـ
إضافة إلى ما سلف ذكره، فقد أقر المشرع ضمانات حمائية جنائية، وخلالها يتم تحريك
مسطرة إهمال الأسرة المنصوص عليها في المادة 480 من القانون الجنائي، بعد مضي شهر
واحد عن امتناع الزوج عن الإنفاق على أولاده، ويصدر بشأنه حكم نهائي يقضي عليه
بأداء المبلغ الملزم به، كما أنه قد يتعرض للعقوبة الحبسية من ستة أشهر إلى سنة
نافذة، وبغرامة تتراوح بين 200 و2000 درهم.
نفقة
الأبوين:
لقد
أقرت المادة 203 من المدونة أسلوبا تضامنيا من أجل إنفاق الأبناء على أبنائهم،
وذلك بحسب عدد الأولاد، ويسر كل واحد منهم، من دون مراعاة مقدار ما سيرثه كل واحد
منهم، ويحكم بنفقة الوالدين من تاريخ تقديم الطلب.
خلاصات
هامة إضافية:
ـ
دين النفقة لا يسقط بالتقادم، وهو ما أشار إليه مضمون الفصل 195 من المدونة، إلا
في حالة امتناع الزوجة عن الرجوع لبيت الزوجية.
ـ
دين النفقة لا يقبل الحجز لدى الغير: حيث جعلها المشرع من الديون التي لا تقبل
الحجز لدى الغير، وذلك بسبب الدور المعيشي الذي تضطلع به، وأكد ذلك صراحة في
مقتضيات الفصل 488 من قانون المسطرة المدنية.
ـ
دين النفقة لا يقبل الصلح: حيث نص الفصل 1102 من قانون المسطرة المدنية على أنه
''لا يجوز الصلح على حق النفقة وإنما يجوز على طريقة أدائه أو على أقساطه التي
استحقت فعلا''، وبالرغم من أن المجلس الأعلى قد قرر أن قانون الالتزامات والعقود
لا يطبق في مجال الأحوال الشخصية، فإنه تمسك بتطبيق الفصل 1102 من قانون المسطرة
المدنية لإبعاد لفيف يثبت صلحا تم بين الزوجين بخصوص النفقة (قرار رقم 371 بتاريخ
26 غشت 1979).
ـ دين
النفقة مضمون برهن إجباري، وهو ما نصت عليه المادة 163 من قانون التحفيظ العقاري،
وذلك بطلب من الزوجة وفي عقارات زوجها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ
المادة 191 من المدونة ـ الفقرة الأولى ـ
ـ
المادة 191 من المدونة ـ الفقرة الثانية
الحضانة
بعدما
تطرقنا في الحلقة الماضية للنسب والبنوة وأحكامهما ومقتضياتهما، والتي تشكل القسم
الأول من الولادة ونتائجها المنصوص عليها في الكتاب الثالث من مدونة الأسرة، سنخصص
موضوع اليوم للحضانة، وخلاله سنشير إلى مقتضيانها واستحقاقها وسقوطها وآثارها.
1 ـ
تعريف الحضانة:
الحضانة
هي الضم والحفظ، بما يقتضيه ذلك من الرعاية والحنان، وقد أشارت مدونة الأسرة في
المادة 163 إلى مدلول الحضانة الخاصة بالولد وعرفتها بكونها ''حفظ الولد مما قد
يضره، والقيام بتربيته ومصالحه''.
2 ـ
شروط ومقتضيات الحضانة (1)
أ ـ
على الحاضن أن يقوم قدر المستطاع بكل الإجراءات اللازمة لحفظ المحضون وسلامته من
جسمه ونفسه والقيام بمصالحه في حالة غياب النائب الشرعي، وحالة الضرورة إذا خيف
ضياع مصالح المحضون.
ب ـ
تعد الحضانة من واجبات الأبوين في حالة قيام العلاقة الزوجية.
ج ـ
تستمر إلى حين بلوغ سن الرشد القانوني للذكر والأنثى على السواء.
د ـ
يحق للمحضون بعد انتهاء العلاقة الزوجية، والذي أتم خمسة عشر سنة أن يختار من
يحضنه من أبيه وأمه، وفي حالة عدم وجودها، يمكن اختيار أحد الأقارب المنصوص عليهم
في المادة ,171 وهم الأم ثم الأب ثم أم الأم، وإن تعذر ذلك فللمحكمة أن تقرر وفق
مصلحة المحضون، وموافقة نائبه الشرعي، وإلا رفع الأمر للمحكمة لتقرر وفق مصلحة
القاصر.
هـ
ـ أجرة الحضانة ومصاريفها على المكلف بنفقة المحضون، وهي غير أجرة الرضاعة
والنفقة، ولا تستحق الأم أجرة الحضانة أثناء قيام العلاقة الزوجية، أو في عدة من
طلاق رجعي، وتعتبر تكاليف المحضون مستقلة في تقديرها عن النفقة وأجرة الحضانة
وغيرهما.
و ـ
كما اوجبت المدونة، إضافة إلى ما ذكر، على الأب أن يهيء لأولاده محلا لسكناهم، أو
أن يؤدي المبلغ الذي تقدره المحكمة لكرائه، من خلال الربع من المبلغ الذي يتقاضاه،
سواء كان أجرة أو ريعا، كما تقرر الضمانات الكفيلة باستمرار أداء النفقة، كما أن
المحضون لا يفرغ من بيت الزوجية إلا بعد تنفيذ الأب للحكم الخاص بسكن المحضون،
وتصدر المحكمة وفقا لهذه المقتضيات حكما يحدد الإجراءات الكفيلة بضمان استمرار
تنفيذ هذا الحكم من قبل الأب المحكوم عليه.
ي ـ
يشترط على الأب أو النائب الشرعي أو الأم الحاضنة واجب العناية بشؤون المحضون في
التأديب والتوجيه المدرسي، ولكنه لا يبيت إلا عند حاضنته، إلا إذا رأى القضاء
مصلحة المحضون في غير ذلك، كما يجب على الحاضن غير الأم مراقبة المحضون في
المتابعة اليومية لواجباته الدراسية، وفي حالة الخلاف بين الحاضن والنائب الشرعي،
برفع الأمر للمحكمة لفض النزاع وإقرار ما تراه في مصلحة المحضون.
3 ـ
استحقاق وسقوط الحضانة:
لقد
أقرت مدونة الأسرة ترتيبا محكما لمستحقي الحضانة بعدما أعطت أولوية الاستحقاق للأم
وبعدها الأب، ثم لأم الأم، عكس مدونة الأحوال الشخصية السابقة، التي جعلت أم الأم
أولى من الأب، كما أعطت المدونة الحق للأقارب في حالة تعذر استحقاق الأم والأب وأم
الأم، وذلك بناء على قرائن تراها في في صالح المحضون.
أ ـ
شروط استحقاق الحضانة وأسباب سقوطها:
شروط
تخص الحاضن وهي:
ـ
الرشد القانوني لغير الأبوين.
ـ
الاستقامة والأمانة.
ـ
القدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته دينا وصحة وخلقا، وعلى مراقبة تمدرسه.
ـ
عدم زواج طالب الحضانة، ما عدا ما نصت عليه المدونة مما خالف ذلك.
سكوت
من له الحق في الحضانة مدة سنة بعد علمه بالبناء يسقط حضانته إلا لأسباب قاهرة،
ولا تسقط الحضانة بانتقال الحاضنة أو النائب الشرعي للإقامة من مكان لآخر داخل
المغرب، إلا إذا ثبت للمحكمة ما يوجب السقوط مراعاة لمصلحة المحضون والظروف الخاصة
بالأب أو النائب الشرعي.
كما
يمكن للمحكمة أن تقرر منع السفر بالمحضون، بناء على طلب من النيابة العامة أو من
النائب الشرعي للمحضون، في حالة عدم موافقة نائبه الشرعي، وتتولى النيابة العامة
تبليغ مقرر المنع قصد اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لضمان تنفيذ ذلك، وفي
حالة رفض الموافقة على السفر بالمحضون خارج المغرب، يمكن استصدار إذن مستعجل بذلك
بعد اللجوء إلى قاضي المستعجلات، ولا يستجاب لهذا الطلب إلا بعد التأكد من الصفة
العرضية للسفر، ومن عودة المحضون للمغرب، وذلك لكون سكن المحضون بالمغرب، أما إن
كان عكس ذلك ستبقى الحالة على ما كانت عليه.
كما
تعود الحضانة، وفقا لمقتضيات المادة ,170 لمستحقها إذا ارتفع عنه العذر الذي منعه
منها، وللمحكمة أن تعيد النظر في الحضانة إذا كان ذلك في مصلحة المحضون.
4 ـ
زيارة المحضون (2):
كثيرا
ما يثار الخلاف بين الأبوين حول زيارة المحضون، وهي أكثر القضايا إثارة أمام
المحاكم في ما يتعلق بالحضانة أو الزيادة في مستحقاتها.
لتنظيم
زيارة المحضون يمكن للأبوين كتابة اتفاق رسمي يبلغانه للمحكمة، من ضمن مقتضيات
مقرر إسناد الحضانة، وفي حالة عدم اتفاق الأبوين، تحدد المحكمة في قرار إسناد
الحضانة فترات الزيارة وتضبط الوقت والمكان بما يمنع قدر الإمكان التحايل في
التنفيذ، وتراعي المحكمة في ذلك ظروف الأطراف والملابسات الخاصة بكل قضية، ويكون
قرارها قابلا للطعن، وإذا استجدت ظروف أصبح معها تنظيم الزيارة ضارا لأحد الأبوين
يمكن اللجوء إلى القضاء لتعديله ومراجعته بما يلائم ما استجد من ظروف.
إذا
توفي أحد والدي المحضون يحل محله أبواه في حق الزيارة المنظمة بالأحكام السابقة.
خلاصة
كل
المقتضيات المتعلقة بالحضانة راعت فيها مدونة الأسرة مصلحة المحضون لكون هذه
المدونة قد تم إقرارها للأسرة، وخصت للأطفال حقوقا كالنسب والحضانة والنفقة، وهذه
الأخيرة هي موضوع حلقتنا الموالية بإذن الله.
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ
المواد من 163 إلى
2 ـ
نصت المدونة على مقتضياتها في المواد من 120 إلى 126
الحقوق
المتبادلة بين الزوجيـن(3)
سعيا
من أجل إقرار مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وخاصة الزوجين، فقد أحاط المشرع
علاقتهما الزوجية بحقوق وواجبات متبادلة؛ ونص عليها في المادة 51 من المدونة؛ كما
أضاف عليها مقتضيات المواد من 194 إلى 196 المتعلقة بواجب الزوج على زوجته في
النفقة. وهي كالتالي:
1 ـ
المساكنة الشرعية:
وهي
من مقتضيات المعاشرة الزوجية بما تتطلبه من عدل ومساواة عند التعدد، وإحصان كل
منهما وإخلاصه للآخر بلزوم العفة وصيانة العرض والنسل.
كما
تشمل حل الاستمتاع وتوفير مسكن الزوجية؛ فالاستمتاع حق مشترك للزوجين أوجب حفظه،
بما يحقق أهداف الزواج من متعة وإنجاب.
أما
مسكن الزوجية، فيعد من مشمولات النفقة الواجبة على الزوج تجاه زوجته، فهو المكلف
بتوفيره وتهييئه، ليصبح عشا للزوجية ومكانا للسكينة والمودة بينهما؛ باعتبارها من
مقاصد الزواج، مما يتطلب عدم هجره وإهماله والسعي ليكون المنطلق لبناء الأسرة
المسلمة التي ستساهم في إقامة الدين في المجتمع، بإنجاب الأبناء الصالحين
والمصلحين في آن واحد.
ومن
أجل كل هذا فإن كل فعل سلبي كالطرد مثلا من بيت الزوجية يوجب إرجاع المطرود إليه
وفقا لأحكام المادة 53 من المدونة.
2 ـ
حسن المعاشرة بالمعروف:
وذلك
بتبادل الاحترام والمودة والرحمة والحفاظ على مصلحة الأسرة، ولن تكون المودة إلا
بتحقق الطاعة، وعدم إتيان كل ما ينفر أحدهما من الآخر، بتعزيز الاحترام المتبادل
والثقة وأواصر العلاقة الزوجية المتينة، واحترام الواجبات وتقدير الحقوق، مما
سينعكس بالإيجاب على تربية الأبناء ونموهم في أجواء يطبعها الحب والصبر والتسامح.
3 ـ
تحمل مسؤولية تيسير ورعاية شؤون البيت والأطفال:
وذلك
بالتشاور بينهما وإعطاء مسكن الزوجية ما يستحقه من العناية اللازمة؛ وسلك أنجع
الطرق والأساليب لتسيير البيت ليصبح مصدرا للمودة والرحمة والتربية الحسنة
للأطفال.
4 ـ
حسن المعاملة للأقارب:
فطاعة
الوالدين والبر بالأقارب وإكرامهم أمر واجب، إذ من خصال المسلم البر بوالديه، حيث
أوصى الله عز وجل بالوالدين وقرن ذلك بعبادته وعدم الإشراك به، لقوله عز وجل (وقضى
ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا...) (الآية 23 من سورة الاسراء). كما
أن البر بالوالدين ضمان كبير لدخول الجنة.
فالزوجة
كما تحب والديها وتكرمهما وتطيعهما، فإن الزوج كذلك والأمر متبادل، فهي ملزمة
بإكرامهما عند زيارتهما لابنهما واستقبالهما على أحسن وجه، وجعلهما يطمئنان على
حياته وأسرته و الأمر نفسه ينطبق على الزوج عندما تزور عائلة الزوجة لبيت ابنتها
فالزوج كذلك يتعين عليه الإحسان إليهم، لأن زوجته فرع من أصل وهما والداها،
والإحسان للأصل تكريم للفرع.
5 ـ
حق التوارث بين الزوجين:
لقد
جعلت الشريعة الإسلامية ومدونة الأسرة حق التوارث متبادلا بين الزوجين؛ وفقا للحصص
والفرائض التي فرضها الله عز وجل في سورة النساء.
6 ـ
الإخلال بالواجبات:
ـ
حالة الإخلال بالواجبات الزوجية المشار إليها، يجعل الطرف الآخر ـ وفقا لمقتضيات
المدونة ـ مطالب بتنفيذ ما هو ملزم به أو اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها
في المواد من 94 إلى 97 من المدونة (1) مما يجعل القضاء يحاول أن يرجع العلاقة
الزوجية إلى أصلها والاصلاح بينهما، وفي حالة التعذر يلجأ إلى مسطرة التطليق
للشقاق.
خلاصة
لقد
حاولنا أن نبين ولو بشكل مبسطا للحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين وفق ما سطر
في المدونة وفقا للمادة 515، وكذلك التطرق لحالتي الإخلال بمقتضياتها والتي تطرقت
له المادة 52 من دون أن ننسى الإشارة لمقتضيات المادة 53 التي تحفظ كف الزوجين في
الرجوع لبيت الزوجية بعد الطرد منها، وذلك بتدخل النيابة العامة لإرجاع الحالة إلى
ما كانت عليه. ونتطرق في حلقة موالية بإذن الله لحقوق الأطفال وفقا لمدونة
الأسرة..
ــــــــــــــــ
2 ـ
المادة 52 من المدونة
في لقاء دراسي بمراكش حول مدونة
الأسرة:الصـــرامـــة في ثبـــوت النســب للمخطوبـة درء لشيــــوع الفاحشــــة
نظمت
محكمة الاستئناف ومنتدى البحث القانوني بمدينة مراكش السبت الأخير لقاء دراسيا حول
''مدونة الأسرة تقييم ومعالجة''، ألقيت خلاله عدة عروض، منها ما يتعلق بـ
''مكتسبات مدونة الأسرة وتطلعاتها، وفلسفتها
العامة، وآثار الخطبة من خلالها، وحقوق الطفل بها، والسلطة التقديرية
للقاضي في أحكامها، والزواج المختلط، وإثبات النسب للمخطوبة''.
ونوه
الأستاذ عبد الإله المستاري، الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، بأحد العروض
الذي تطرق إلى قدرة الفقه الإسلامي، وخاصة عند الشاطبي على استنباط الأحكام من
النصوص الشرعية بكل يسر وسهولة، والذي يستعمل قواعد فقهية في علم المقاصد، مضيفا
أن من حق المغرب أن يتحفظ على بعض النصوص الدولية، ومنتقدا في نفس الوقت من يدعون
إلى إقرار حق الطفل في حرية المعتقد الديني، خاصة وأن الدين الرسمي للدولة هو
الإسلام، ومتسائلا بعد ذلك كيف يعطى للطفل حق التقرير وهو مازال غير مكتمل النضج
فكريا.
وأضاف
المستاري أن التشريع الغربي نفسه استمد قوته من عدد من العلوم الإسلامية المحضة
ومن النظريات الفقهية، ذلك أن علم الدياليكتيك مثلا هو مستمد من علم الكلام الذي
عرف في عهد العباسيين، كما أن بصمات
التشريع الإسلامي واضحة في القانون الفرنسي، لأن بونابرت لم يضع القانون المدني
الفرنسي إلا بعد عودته من الرحلة الثقافية التي قادته إلى مصر والشام، حيث عمل بأفكار وجدها في الفكر الإسلامي، مثل فكرة النظام العام، وفكرة تدوين العقود
الذي يوجد لها نص صريح في القرآن، ونظرية الشخصية المعنوية، ومنها استنبطت نظرية
الذمة التي تنص مثلا على حقوق الطفل في بطن أمه حيث توقف التركات إلى حين ازدياد
المولود ويعرف هل هو حي أم ميت، ذكر أم أنثى وطبقت هذه النظرية بشكل مذهل بالنسبة
للشركات المجهولة الاسم.
وأضاف
المستاري أن العالم العربي يعرف مخاضا في مراجعة نصوصه القانونية، ومنها ما عرف في
المغرب من تغيير في مدونة الأسرة التي لم تقع في كثير من المزالق وحافظت على
المرجعية الإسلامية بنسبة كبيرة جدا، والتي هي مناط وحدتنا واستمراريتنا.
وأثارت
مناقشة إثبات النسب للمخطوبة ردود فعل حيث
انتقد عدد من المتدخلين نصوص المدونة بخصوص إثبات النسب بالنسبة للمخطوبة
عندما يقر الطرفان بثبوت المعاشرة خارج الإطار الشرعي، منبهين إلى ما قد ينتج عن
ذلك من شيوع ممارسة الفاحشة والسفاح و تحليل ما حرم الله، وأشار الأستاذ يونس الزوهري وهو قاض بمراكش إلى
أن إثبات النسب يكون بشروط سبعة، وهي أن تكون هناك خطبة، وأن يكون هناك إيجاب
وقبول، وأن تكون ظروف قاهرة حالت دون تدوين عقد الزواج، واشتهار الخطبة وموافقة
الولي عند الاقتضاء، وأن يكون الحمل أثناء الخطبة لا قبلها، وأن يقر الخاطب أن
الولد منه وإلا تم اللجوء إلى الخبرة الطبية.
وحسم الزوهري في خلاف حول شرط الإيجاب والقبول
عندما قال إن هذا الشرط متعلق بالزواج وليس بالخطبة كما يقول البعض، وإلا كيف يذكر
المشرع شرطا آخر يقول فيه باستحالة تدوين عقد الزواج، أما في حالة عدم توفر هذه
الشروط تساءل الزوهري هل الزوج ملزم أن يلاعن أم لا، قبل أن يجيب أن الزوج ليس من واجبه ذلك في
الخطبة وإنما ذلك في الزواج بعد تدوين العقد. وأثيرت إشكاليات بخصوص هذا الموضوع،
منها مثلا إذا توفى الزوج قبل كتابة عقد الزواج وتوفرت جميع الشروط، هل يجب كتابة
عقد قران بميت من أجل إثبات النسب للمولود الذي ولد في فترة الخطوبة أم لا، وهل
تطبق القوانين المتعلقة بالعدول عن الخطبة في حالة وجود مولود أم تطبق قوانين
الزوجية وما قد يترتب عن ذلك من خلط بين المفهومين.
وانتقد
المستاري كون النيابة العامة تتدخل في الشؤون الزوجية وخاصة في الإذن بالزواج
وإرجاع أحد الزوجين إلى بيت الزوجية والرضاعة، علما أن النيابة العامة ليس لها حق
التدخل إلا عندما تكون هناك دعوى مرفوعة، وفي هذه الحالات تنتفي هذه الدعوى، كما تناول الوضع الخطير الذي أصبح فيه التشريع
في المغرب من خلال عدم اتساق النصوص القانونية وعدم ربط بعضها ببعض خاصة بين مدونة
الأسرة والمسطرة المدنية.
من
جهة ثانية أثيرت مسألة إسقاط القوامة عن الرجل و إجبار المرأة على النفقة في حالة
إعسار الزوج، حيث يتم متابعتها قضائيا بتهمة إهمال الأسرة إذا لم تستطع أن تنفق
على أطفالها فيما بعد، وقد يؤدي بها ذلك إلى الإكراه البدني وما قد يترتب عن ذلك
من آثار نفسية على المرأة.
عبد الغني بلوط/ مراكش
الوصيــة الواجبــة واجتمــاعها مع الوصيــة
الإرادية والتنــزيـل وفـق مدونــة الأســرة
الوصية
من حيث حكمها الشرعي لم تكن موضع اتفاق ووفاق بين فقهاء الشريعة، فبعد اتفاقهم على
أن الإنسان إذا كانت عليه حقوق كالودائع والأمانات والديون يخاف ضياعها على
أصحابها، أو كانت له حقوق يخشى تلفها على ورثته، فالوصية واجبة عليه وجوبا حتميا،
اختلفوا فيما عدا ذلك على النحو الآتي:
أ ـ حكم الوصية عامة:
ذهب
جمهور الفقهاء، منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي في رأيه الجديد وأحمد بن حنبل
والنخعي والثوري والشعبي وغيرهم، إلى أن الوصية بجزء من مال الإنسان ليس واجبا
عليه، سواء كان هذا الإنسان فقيرا أو غنيا، وأن حكمها الشرعي الاستحباب والندب،
فمن شاء أن يوصي بجزء من ماله فعل المـنـدوب، ومن أبى ترك المستحب ولا شيء عليه في
ماله ولا إثم عليه، وليست الوصية عندهم إلا مستحبة ومندوبة، وما عندهم وصية واجبة
إلا إذا تعلقت بوصية بحق أو دين أو ما شابه ذلك.
وذهب
جمع آخر من فقهاء الشريعة إلى أن الحكم في الوصية الوجوب والحتم لا الاستحباب
والندب، وهي واجبة للأقربين الذين لا يرثون لسبب من الأسباب كالوالدين والأقربين
الكافرين، وممن ذهب إلى هذا الرأي، الضحاك وطاوس والحسن والزهرى وأبو مجلز وحكي عن
مسروق وإياس وقتادة وابن جرير وأهل الظاهر وهو مذهب الشافعي في القديم.
و
قد اقترنت الوصية الواجبة باسم الفقيه ابن حزم الظاهري، الذي دافع عنها دفاعا
مستميتا، إذ لا تذكر في الفقه الإسلامي إلا مقرونة باسمه ونظريته، وفيها يقول :
>وفرض على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون إما لرق وإما لكفر، وإما لأن
هناك من يحجبهم عن الميراث، أو لأنهم لا يرثون<.
بل
وأكثر من هذا فإن ابن حزم يذهب إلى أبعد مدى في الوصية الواجبة ويفرضها على المسلم
فرضا، ويلزمه بها في حال حياته وبعد مماته، فإن مات ولم يوص، انتقل هذا الفرض إلى
ورثته بنصيب لا ضرر فيه عليهم، فإن أبوا أخرجت الوصية من تركته جبرا عليهم.
يقول
في هذا الصدد : >فمن مات و لم يوص ففرض أن يتصدق عنه بما تيسر ولا بد لأن فرض
الوصية واجب (...) ولا حد في ذلك إلا ما رآه الورثة أو الوصي مما لا إجحاف فيه على
الورثــــة<.
وكما
يبدو فإن ابن حزم لم يجعل لهذه الوصية مقدارا معينا، ولم يحصر عدد الأقربين الذين
تجب لهم ولم يسمهم، لكنه حددهم في الأدنى، فقال: >فإن أوصى لثلاثة من أقاربه
المذكورين أجزأه<.
ب ـ
اختيارات بعض قوانين أحكام الأسرة:
وفي
رأي هذا الجمع من الفقهاء، وباجتهاد ابن حزم على الخصوص، أخذت جل دول العالم
العربي والإسلامي، ونصت في قوانينها لأحكام الأسرة على فرض هذه الوصية، ولكن بشيء
من الاجتهاد والتوفيق، حيث قصرتها على أقارب معينين وبشروط خاصة، مع تحديدها في
الثلث.
وبذلك
أصبح للوصية قسمان كبيران هما: وصية إرادية أو اختيارية، وهي التي عقدها الموصي في
حياته بإرادته المنفردة عن طواعية واختيار، ومن أنواعها الوصية بالتنزيل، وهي أن
يلحق الشخص بمحض إرادته شخصا لا يرثه بورثته ويوصي بتوريثه معهم في تركته، أو
ينزله منزلة ولده.
ووصية واجبة، وهذه إما واجبة بالشرع إجماعا على
من عليه حقوق بغير بينة أو أمانة بغير إشهاد، وهذه لا تعنينا هنا، وإما واجبة
بالقانون، استنادا على الرأي الفقهي المذكور ـ على من ترك أولاد ابن أو بنت توفيت قبل
أصلها، وهذه هي المقصودة بالوصية الواجبة عند الإطلاق وهي المقصودة عندي هنا.
وقد اختلفت القوانين العربية ـ التي أخذت بنظام
الوصية الواجبة ـ حول دائرة المستفيدين منها، فبينما قصرها التقنين السوري على
خصوص ولد الابن وإن نزل دون ولد البنت، نجد أن التقنين المغربي ـ مدونة الأسرة ـ
والكويتي وسعا هذه الدائرة، وأوجباها لفروع الطبقة الأولى من أولاد البنات، ولفروع
أولاد الأولاد وإن نزلوا.
وأوسع
من هذا فإن القانون المصري أوجبها لذرية الفرع وإن نزل كان هذا الفرع ذكرا أو
أنثى.
ج ـ
طريقة استخراجها: ويجري العمل في كيفية استخراجها على طريقتين مختلفتين هما: طريقة
التنزيل بالمساواة وطريقة المناسخة.
أما
طريقة التنزيل بالمساواة فهي التي تصير فيها الفريضة كالعائلة، وهذه الطريقة من
اجتهاد الفقيه حماد العراقي، رحمه الله، ومن فهمه لدلالة الفصل 270 من مدونة
''الأحوال الشخصية '' سابقا، المادة 370 من مدونة الأسرة حاليا.
وهذه
الطريقة ضيقت من معنى عبارة المادة 370 : >على فرض موت أبيهم أو أمهم إثر وفاة
أصله<، لأن فرض موت أمهم أو أبيهم إثر وفاة أصله، لا يقتضي أن يوزع نصيبه الذي
خلفه لأولاده فقط، بل يقتضي توزيعه على
جميع ورثته، ولذلك فإنه بهذه الطريقة يأخذ الحفدة أكثر مما يأخذونه بالطريقة
الثانية التي نبه إليها الأستاذ الدكتور الغازي الحسيني.
أما
طريقة المناسخة فتقتضي سلوك عمليتين: عملية المناسخة، وعملية الوصية الإرادية، وهي
الطريقة التي أشارت إليها بقوة المادة 370 من المدونة، وذلك على أساس أن عباراتها
ومقتضياتها واضحة في فرض أم أو أب الأحفاد مات بعد وفاة أصله، وهو ما يقتضي أن
نصيبه الذي ورثه في أحد أصليه خلفه لجميع ورثته، بمن فيهم أبوه إن توفيت أمه، أو
أمه إن توفي أبوه، وكذا زوجته إن عاشت بعده، بالإضافة إلى أولاده الحفدة
والحفيدات، وليس الحفدة والحفيدات فقط كما فهم في الطريقة الأولى، وهي مقتضيات
شاملة عامة لم تستثن أحدا من ورثة الفرع المتوفى قيد حياة والده أو والدته، ويجب
أن تطبق على عمومها، عملا بقاعدة أن العام يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه، وحيث
لم يرد في المدونة ما يخصص هذه المقتضيات ويقصرها على خصوص الحفدة والحفيدات فقط،
فينبغي أن يوزع في العملية الافتراضية التمهيدية، لأنه في النهاية سيؤول الأمر إلى
الورثة الأصليين دون الزوج في حالة البنت أو الزوجة في حالة الابن ـ ما ورثه الفرع
المتوفى في أحد أصليه، على سائر ورثته المذكورين دون استثناء.
والاجتهاد
القضائي المغربي يسير على طريقة العمليتين وبها يحكم.
اجتماع
الوصية الواجبة مع الوصية الإرادية والتنزيل وأيهم الأحق بالتقديم في حال ضيق
الثلث؟
إن
اجتماع الوصية الواجبة مع الوصية الإرادية والتنزيل في فريضة واحدة، إما أن يكون
للشخص نفسه أو الأشخاص، وأعني للحفدة أو الحفيدات اللواتي توفي أبوهن أو أمهن قبل
وفاة أصلهن، وإما أن يجتمع ذلك لأشخاص متعددين مختلفين، وفي كل إما أن يسع ثلث
التركة كل الوصايا، وإما أن يضيق عنها ويرفض الورثة الزائد على الثلث.
فإذا
اجتمعت هذه الوصايا للحفيدات أو الحفدة الذين يستحقون الوصية الواجبة، كأن يوصي جد
أو جدة لأولاد ابن أو بنت وينزلهم منزلتهما، ومات الابن أو البنت قبل أصلها، فإن
الحكم في هذه الحالة هو ما نصت عليه المادة 371 من المدونة، أي أنه إذا كان جدهم
أو جدتهم أوصت لهم أو أعطتهم في حياتها بلا عوض مقدار ما يستحقون بالوصية الواجبة،
فالعمل على ما تضمنته الوصية الإرادية أو العطية، ولا عمل حينئذ بالوصية الواجبة،
وإن أوصت لهم بأقل مما يستحقونه بالوصية الواجبة وجبت تكملته، وإن أوصت لهم بأكثر،
كان الزائد متوقفا على إجازة الورثة، وإن أوصت لبعضهم فقط، وجبت الوصية الواجبة
للآخر بقدر نصيبه على نحو ما ذكر.
أما
إذا اجتمع ذلك لأشخاص متعددين متفرقين، فإذا كان ثلث التركة يسعها جميعها، استحق
كل واحد منهم ما ينوبه في وصيته ولا إشكال، وإن كان الثلث لا يسع كل الوصايا ورفض
الورثة الزائد على الثلث، كأن ينزل جد أولاد ابن منزلة والدهم الذي بقي حيا بعد
وفاته، وقدرت نسبة حصتهم في الربع، وأوصى بإرادته لابن أخيه بالسدس، وتوفيت بنت له
قبل وفاته عن أبناء وبنات، وقدرت نسبة حصتهم في الثمن، ففي هذه الحالة يطرح
الإشكال المذكور، فهل تعتبر هذه الوصايا متساوية في الرتبة، وبالتالي يقع التحاصص
فيما بينها في ثلث التركة، أم يقدم بعضها على بعض؟.
الوصية
الواجبة أحق بالتقديم لكونها مستحقة بالقانون
بداية
يكاد الباحثون يجمعون على أن الوصية الواجبة في هذه الحالة هي الأحق بالتقديم،
لكونها وصية مستحقة بقوة القانون، بينما التنزيل أو الوصية الإرادية إنما تستحق
بإرادة الموصي، والواجب بالقانون أولى بالتقديم من الواجب بإرادة الموصي، ولأن
تقديم الوصية الاختيارية أو التنزيل على الوصية الواجبة نقض لما أوجبه القانون،
وقد تأثر الدارسون في هذا الموقف بما ذهبت إليه بعض القوانين الأسرية العربية،
التي نصت صراحة على أن الوصية الواجبة مقدمة على سائر الوصايا الأخرى، كالقانون
المصري والقانون الكويتي.
لكن
بالرجوع إلى القواعد العامة للمرجعية التي تنظم هذه الوصايا، يلاحظ أن الوصية
الإرادية، ومنها التنزيل، مشرعة بمقتضى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم،
وفيها يقول الله تعالى بعد ذكر أحكام الميراث: (من بعد وصية يوصى بها أو دين غير
مضار)، ولعظم حق الموصي في ماله ووجوب احترام إرادته، كرر الله سبحانه وتعالى هذا
الحكم أربع مرات في آيتين اثنتين؛ كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: >عادني
النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقلت أوصي بمالي كله، قال: لا، قلت: فالنصف، قال: لا،
فقلت: أبالثلث ؟ فقال: نعم، والثلث كثير<.
وهي
نصوص قرآنية وحديثية لا يختلف اثنان في كونها نصوصا ثابتة دائمة لكونها قطعية
الثبوت والدلالة، وبالتالي فهي واجبة الاحترام والتطبيق.
أما
الوصية الواجبة فمشرعة بموجب قانون يرجع في تأصيله إلى مجرد اجتهاد ظني، وإن استند
إلى عموم آيات قرآنية وأحاديث نبوية، مضطرب لم يكن محط اتفاق بين علماء الشريعة،
ومعلوم أن الحكم المستنبط من القطعي المتفق عليه أولى بالتقديم من الحكم المستنبط
من الظني المختلف فيه.
ومن
ثم فإنه بناء على قاعدة التأصيل والمرجعية، تكون الوصية الإرادية أوالتنزيل هي
الأولى بالتقديم وليس العكس، وهو ما يقول به بعض الباحثين.
مدونة
الأسرة لم تنص على تقديم وصية على أخرى
إن
كان ما سبق على مستوى قواعد الشريعة في التأصيل والمرجعية، فإنه على مستوى القواعد
والنصوص القانونية، فمدونة '' الأحوال الشخصية '' سابقا أو مدونة الأسرة حاليا، لم
تنص على تقديم إحدى الوصايا على الأخرى، بل فضلت السكوت عن الإشكال ولم تعالجه
بالطريقة التي عولجت بها في القوانين العربية الأخرى، وذلك على الرغم من أن
المدونة السابقة أو الحالية أخذت نصوص الوصية الواجبة من القانون السوري، الذي نص
صراحة على تقديم الوصية الواجبة على الوصية الإرادية، حتى جاءت نصوصها في المدونة
مطابقة لنصوصه بكيفية تكاد تكون حرفية، وأيضا على الرغم من أن هذه الإشكالية
مطروحة بحدة على الواقع العملي، هذا مع العلم أن المدونة خضعت للتعديل والتغيير
مرتين سنة 1993 ـ وسنة ,2004 فلو كانت نية المقنن المغربي أن تقدم الوصية الواجبة
على الوصية الاختيارية والتنزيل، لأخذ نصها منذ البداية من القانون السوري أو
المصري، أو لعدل فيها سنة ,1993 أو ,2004 وهي السنة التي عرفت تغييرا شاملا في
نصوص المدونة، وحيث إنه لم يفعل لا في المرة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة، دل
على أنه يريد شيئا آخر غير تقديم إحدى الوصايا على الأخرى.
وقد
حاول بعض الباحثين الاستدلال على أن قانون الأسرة المغربي يساير القانون السوري
والمصري في تقديم الوصية الواجبة على الوصية الاختيارية، وذلك من خلال تنصيصه في
المادة 371 من مدونة الأسرة على وجوب تكملة المقدار المستحق بالوصية الواجبة، في
حالة ما إذا أوصي لمستحقيها بأقل منه، حيث رأوا أن هذه التكملة لا تكون إلا على
حساب الوصية الاختيارية والتنزيل.
غير
أنه بالنظر إلى أحكام ومقتضيات المادة 371 المشار إليها أعلاه، يبدو من جهة أنها
تعزز الرأي القائل بتقديم الوصية الإرادية والتنزيل على الوصية الواجبة، بدليل
أنها تؤكد على إتمام ما أعطي بالوصية الاختيارية ولا تلغيه، ومن جهة أخرى، فإن
وجوب تكملة المقدار المستحق بالوصية الواجبة لا يعني وجوب تقديم هذه الأخيرة،
وإنما معناه تكملة نسبة المقدار المستحق بالوصية الواجبة ليستحق صاحبها أكثر في
حال التزاحم في الثلث مع باقي الوصايا والتنزيل.
إذن
فإذا كان مبدأ تقديم إحدى الوصايا على الأخرى غير وارد في قصد مدونة الأسرة، وبعيد
كل البعد عن نية المقنن المغربي، يبقى احتمال اعتبار جميع الوصايا متساوية في
الرتبة هو الأقرب إلى قصد المقنن المغربي، وهو الرأي الذي يقتضيه منطق العدل
والمساواة، الذي جاءت به مقتضيات المدونة الجديدة، وبالتالي وجوب العمل بالإرادتين
معا، إرادة الموصي وإرادة المشرع، وهو ما يفرض اللجوء إلى إخراج جميع الوصايا من
الثلث إذا ضاق الثلث عنها كلها، ورفض
الورثة الزائد عنه، وذلك بإعمال قاعدة التحاصص المنصوص عليها في المادة 302 من
مدونة الأسرة.
مــيراث ذي الصفتين في الفقـه المالـكي ومدونـة
الأسـرة
يقصد
بذي الصفتين الوارث الذي تكون له صفتان في إرث قريبه وينتسب إليه من جهتين؛ أو
يكون له أكثر من سبب يؤهله لأن يكون وارثا في موروثه؛ وذلك مثل الزوج والأخ لأم
إذا كانا ابني عم؛ ومثل الجدة أم أم الأم التي هي في نفس الوقت أم أم الأب؛ وكذا
الابن الذي هو في نفس الوقت ابن ابن عم؛ فهؤلاء وأمثالهم يسمون بذوي الصفتين أو
القرابتين أو الجهتين على تسامح في إطلاق هذه التسميات. وليس من ذي الصفتين في
الميراث الأب أو الجد؛ وإن كانا يرثان مرتين في آن واحد في بعض الحالات؛ أي يجمعان
بين الفرض والتعصيب في وقت واحد. والورثة ذوو القرابتين بالنسبة إلى موروثهم
وطرائق إرثهم فيه يمكن تقسيمهم إلى ما يلي:
أولا-
نوع تتعدد صفتهم ولكنهم لا يستحقون إلا نصيبا واحدا:
هذا
النوع من الورثة ولو تعددت صفتهم فإنهم لا يرثون إلا نصيبا واحدا فقط؛ وذلك مثل
الجدة أم أم الأم إذا كانت هي نفسها أم أم الأب؛ فهذه الجدة لها صفتان اثنتان؛ إذ
أنها جدة من جهة الأم وجدة من جهة الأب؛ ولكن طريقتها في الميراث هي طريقة واحدة
وهي إرثها بالفرض فقط؛ وتستحق بها السدس الواحد مرة واحدة؛ لأن الجدة لا ترث إلا
بالفرض مرة واحدة سواء تعددت صفتها أو انفردت؛ بل إن الجدة ترث السدس الواحد ومرة
واحدة حتى وإن اجتمعت معها جدة أخرى؛ ولذلك لا يتأتى للجدة ذات الصفتين أن ترث السدس
مرتين تبعا لتعدد جهتيها؛ مرة بصفتها جدة من جهة الأم؛ وأخرى بصفتها جدة من جهة
الأب.
وتتحقق
صورة الجدة من الجهتين بأن يكون لامرأة اسمها -مثلا- فاطمة بنتان: نادية وربيعة
وكان لنادية ابن اسمه عبد القادر؛ ولربيعة بنت اسمها حفيظة؛ فتزوج عبد القادر من
حفيظة وولدت له بنتا اسمها خديجة؛ وتوفيت خديجة هذه عن جدتها فاطمة المذكورة؛
فتكون هذه الأخيرة بالنسبة إلى خديجة جدة من جهة الأم وجدة من جهة الأب؛ أي أنها
أم أم أمها وهي في الوقت نفسه أم أم أبيها؛ وهي من الجدات اللواتي ترثن ولا يورثن
حسب قواعد الفقه المالكي.
ثانيا-
نوع تتعدد صفتهم وكل صفة تقتضي نصيبا إرثيا:
وإرث
هذا النوع من الورثة يكون بحسب الحالات؛ فقد تتعدد صفتهم وتنفرد أو تتعدد معها
طرائقهم في الميراث؛ وذلك إما أن تكون كل صفة فيهم موجبة للإرث بالتعصيب فقط؛ وإما
أن تكون موجبة للإرث بالفرض؛ أو موجبة للإرث بالفرض والتعصيب معا وفي وقت واحد في
بعض الصور.
1
ـ فإن كانت كل صفة موجبة للإرث بالتعصيب
فقط؛ فإن الوارث إنما يرث بأقوى الصفتين ولا يرث بهما معا:
وذلك
مثل الابن الذي هو في نفس الوقت ابن ابن عم؛ ويتحقق وجود هذه الصورة على أرض
الواقع بأن تتزوج امرأة ابن عمها ويولد لهما ابن وتموت أمه؛ فيكون هذا الابن ذا
صفتين؛ ابن للهالكة وهو في الوقت ذاته ابن ابن عمها؛ فهو يدلي إلى أمه بجهتين
البنوة والعمومة؛ فيرث فيها بالجهة الأقوى وهي جهة البنوة؛ ولا يرث فيها بجهة
العمومة.
غير
أن بعض فقهاء المذهب المالكي ذهبوا إلى أن الصفتين في مثل هذه الصورة لا تجتمعان
حتى يقال إن الإرث فيها يكون بأقوى الصفتين؛ ويرون بأن الإرث في مثل هذه الصورة
يكون بتقدم جهة على أخرى؛ وبما أن جهة البنوة مقدمة في الميراث على جهة العمومة؛
فالإرث إنما يكون بها بناء على هذا الاعتبار؛ لا باعتبار الأقوى؛ وبناء عليه يقال
في هذه الصورة؛ إن الابن إنما ورث في أمه بصفة البنوة لكونها مقدمة في الإرث على
جهة العمومة؛ كما يرى هؤلاء الفقهاء أن الصفتين في مثل هذه الحالة لا أثر لهما في
الميراث؛ لأنه على كل حال فالعاصب الذي هو الابن في هذا المثال يأخذ جميع المال أو
الباقي بعد أخذ ذوي الفروض فروضهم؛ سواء بصفته ابنا أو بصفته ابن ابن عم.
ويبدو
أن مدونة الأسرة أخذت بهذا الرأي ولم تنص على أن من يدلي إلى قريبه بصفتين أو
بجهتين موجبتين للإرث بالتعصيب ورث بأقواهما؛ وإنما نصت في المادة 349 على معايير
التقديم والترجيح بالقرب والقوة والدرجة عند التقاء العصبة بالنفس؛ أي سواء كانوا
من ذوي الصفتين أو من ذوي صفة واحدة.
2 ـ
وأما إن كانت كل صفة موجبة للإرث بالفرض فقط:
كما
في أحوال استثنائية تنتج عن الوطء بشبهة؛
أو في بعض أنواع الزواج الباطل أو الفاسد التي يثبت فيها النسب؛ وينتج عنها وجود
وارث يكون له صفتان تؤهلانه لأن يكون وارثا بفرض وتعصيب أو بفرضين اثنين في آن
واحد؛ وإرثه حينئذ بحسب اجتهاد الفقه المالكي يكون بأقوى الصفتين في حالة اجتماع
الفرض والتعصيب؛ أو بأقوى الفرضين في حالة اجتماع فرضين اثنين؛ ولا يرث بالصفتين
معا كما يرى بعض فقهاء الشريعة؛ الذين يرون إمكانية أن يرث بالفرض والتعصيب في وقت
واحد في الحالة الأولى؛ وإمكانية التوارث بالصفتين معا في حالة اقتضاء كل صفة فرضا
معينا.
ويمكن
التمثيل لحالة اجتماع الفرض والتعصيب وجود بنت - نتجت عن وطء بشبهة أو عن زواج
باطل أو فاسد - هي في نفس الوقت أخت أمها لأبيها؛ حيث تكون لها صفتان إرثيتان
بالنسبة إلى أمها؛ ومع ذلك فإنها ترث بصفة واحدة؛ فإذا توفيت أمها بعد وفاة أبيها
ورثت في أمها بالفرض فقط؛ ولا ترث فيها الباقي بالتعصيب؛ فتستحق فيها النصف فرضا
بمقتضى صفة البنوة؛ ولا ترث الباقي بالتعصيب بموجب صفة أخوتها للهالكة؛ بناء على
أن القاعدة في الفقه المالكي أن الإرث في مثل هذه الحالة إنما يكون بأقوى النصيبين
لا بهما معا.
أما
التمثيل لحالة اجتماع فرضين اثنين لصاحب ذي صفتين وجود أم هي في نفس الآن جدة
لهالك ولد نتيجة وطء بشبهة أو زواج باطل أو فاسد؛ فترث فيه بالأقوى وهي صفة
الأمومة فتستحق فيه الثلث فقط؛ ولا يسوغ لها أن ترثه بالصفتين معا؛ فلا تستحق ثلثا
وسدسا في آن واحد؛ أي بالأمومة التي توجب الثلث والجدودة التي توجب لها
السدس.
وقد
سكتت مدونة الأسرة عن هذه الحالات الاستثنائية ولم تنص على شيء منها؛ مما يقتضي
الرجوع إليها في تطبيقات وقواعد المذهب المالكي طبقا للمادة 400 من المدونة.
3 ـ
أن تتعدد صفة الوارث وإحدى الصفتين توجب إرثا بطريقة الفرض والأخرى توجب إرثا
بطريقة التعصيب؛ فيرث بهما معا وفي وقت واحد:
أما إذا كانت إحدى الصفتين - في الأحوال العادية
- تؤهل صاحبها لأن يكون وارثا بالفرض والأخرى وارثا بالتعصيب معا وفي وقت واحد في
بعض أحواله؛ فإن ذي الصفتين في هذه الحالة يرث بهما معا؛ وهذه الحالة هي التي
تنطبق على الزوج والأخ للأم إذا كانا ابني عم؛ حيث يرث كل منهما بالفرض بصفته زوجا
أو أخا للأم؛ ثم يرث بعد ذلك ما بقي بالتعصيب إن بقيت بقية؛ ولم يوجد من يحجبه عن
الميراث حجب إسقاط.
وكانت
مدونة ''الأحوال الشخصية'' تنص في فصلها 235 على أن الأب والجد والزوج والأخ لأم
وابن العم يجمعون بين الفرض والتعصيب؛ أي في وقت واحد في بعض الصور.
-
موقف مدونة الأسرة من ميراث الزوج والأخ لأم ذوي صفتين:
غير
أن مدونة الأسرة أسقطت الزوج والأخ للأم؛ ونصت على أن الذي يجمع بين الفرض
والتعصيب هما الأب والجد؛ ولا تعلم للمدونة تبريرات في إبعادها الزوج والأخ للأم
إذا كانا ابني عم من الورثة الذين يجمعون بين الفرض والتعصيب في آن واحد في بعض
الحالات.
إلا أن يقال إن الزوج والأخ لأم بصفتهما ابني
عم؛ يختلفان في ميراثهما عن ميراث الأب والجد؛ على اعتبار أن الأولين إنما يجمعان
بين الفرض والتعصيب في آن واحد في بعض الصور بكونهما ذوي صفتين مختلفتين؛ كل صفة
لها طريقتها في الإرث؛ فالزوجية تقتضي الإرث بالفرض والعمومة توجب الإرث بالتعصيب؛
أي أن الزوج أو الأخ للأم من حيث كونه زوجا أو أخا لأم لا يرث إلا بالفرض؛ ومن حيث
كونه ابن عم لا يرث إلا بالتعصيب؛ في حين أن الأب والجد يجمعان بين الفرض والتعصيب
بصفة واحدة نفسها؛ وهي الأبوة بالنسبة إلى الأب؛ والجدودة بالنسبة إلى الجد.
وبناء
على هذا قد تكون المدونة رأت أنه لا وجه لجمع الأشخاص الأربعة في حكم واحد وفي
مادة واحدة؛ مع وجود هذا الاختلاف بين الصنفين.
يضاف
إلى ذلك أنه يمكن القول من جهة أخرى إن مدونة الأسرة نصت على إرث الزوج بغض النظر
عن كونه ابن عم أم لا؛ كما أنها نصت على إرث الأخ لأم بغض النظر عن كونه ابن عم أم
لا؛ ونصت أيضا على إرث ابن عم بصرف النظر عن كونه زوجا أو أخا لأم؛ وبالتالي فمهما
توفرت هاتان الصفتان في وارث استحق بهما الإرث معا؛ وليس بالضرورة أن تنص المدونة
على أن صاحب الصفتين المذكورتين يجمع بين الفرض والتعصيب في وقت واحد؛ ويكفيها
التنصيص على أن كل صفة من الصفتين توجب إرثا معينا كل على حدة؛ ولا داعي إلى ذكر
الرجال الأربعة وجمعهم في حكم واحد.
قلت
لعل هذه التعليلات هي التي ظهرت لمدونة الأسرة فأسقطت الزوج والأخ لأم إذا كانا
ابني عم من أحكام ومقتضيات الفصل 235 من مدونة ''الأحوال الشخصية'' التي أعادتها
في المادة 339 بدون ذكر الشخصين المذكورين.
تعليقات
إرسال تعليق