مسطرة كفالة الأطفال
المهملين في القانون المغربي
قال رسول الله : "
أنا وكافل اليتيم في الجنة كاهتين" وأشار بالسبابة والوسطى حديث نبوي
شريف.
قبل الدخول مباشرة في
موضوع عرض " مسطرة كفالة الأطفال المهملين" يجب علينا أن نعرف
بمفهوم التكفل: وهو أن يؤخذ بعين الاعتبار أن التبني في مفهومه المحدود هو جعل
الطفل المتكفل به إبنا ينسب لكفيله كما ينسب له أبناؤه، الذين هم من صلبه، وتترتب
عنه كافة الآثار القانونية المترتبة عن البنوة الشرعية، وهذا النوع من التبني محرم
من الشريعة الإسلامية لقوله تعالى:] أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا
آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم[ " صدق الله العظيم "، وملغى من طرف
مدونة الأحوال الشخصية المغربية، وبالتالي لا يمكن اعتماده في المسطرة الإدارية،
مع العلم واليقين، أن هناك أطفالا يتم تسليمهم بمقتضى عقود كفالة من طرف آبائهم،
بسبب ظروف مادية أو غيرها، لعائلات مغربية سواء كانت مقيمة بأرض الوطن أو بالخارج،
من أجل كفالتهم والعيش معهم هناك، إلا أن هؤلاء الأطفال، غالبا ما يتعرضون للضرر،
حيث يودعون في كثير من الأحيان بملاجئ الأطفال المشردين، بمقتضى حكم صادر من قضاء
دولة المقر. بعد التأكد أن كافل الطفل
المهمل أهمله أو قصر في قيامه بواجب تربيته، وأصبح الحدث عرضة للضياع والإهمال.
فالتكفل المراد تنظيمه
في هذا الموضوع، هو العمل الإنساني والإجراء القانوني، المخصص من جهة: في ضمان
حياة اجتماعية سليمة للطفل المهمل، وتعزيز كل الضمانات والامتيازات التي تخولها له
الشريعة الإسلامية.
ومن جهة أخرى: إرضاء
رغبة المتكفل بالقيام بهذا العمل الإنساني المعهود على أحسن وجه، عملا بقوله
تعالى: ]وأحسن
كما أحسن الله إليك [ " صدق الله العظيم".
وقوله تعالى في آية
أخرى ]وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان["صدق
الله العظيم" وانطلاقا من الوضعية الصعبة التي يعيشها الطفل المهمل، وبالنظر
إلى عدم وجود معادلة بين الأعداد الهائلة لهؤلاء الأطفال، وبين قلة الأشخاص
الراغبين في كفالتهم، ومحدودية الهيئات والمؤسسات المعدة لهذه الغاية، عددا وعدة،
انكبت جهات يعود إليها الفضل على دراسة هذا الموضوع، حتى لا يبقى الطفل المهمل
تائها بين أب مجهول، وأم مقصرة في حقه، تفتش عن حل في اروقة المحكمة، كل هذه
الأسباب كانت وراء تفكير طويل مضني، من تفعيل وإنجاح ما يمكن القيام به في هذا
الصدد، لإنقاذ هذه الشريحة البريئة، داخل هذا المجتمع، وتفاديا لما قد يتعرض له
هؤلاء المهملين من ضرر، هناك شروط أوجب المشرع توفرها بالنسبة لهم، طبقا لمقتضيات
الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم: 165-193–1 الصادر بتاريخ 22 ربيع الثاني
1414 الموافق ل 10-09-1993، تم تغييره بظهير شريف رقم 172-02-1 الصادر بتاريخ
13-06-2002 الموافق لفاتح ربيع الثاني 1423 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5310
بتاريخ 10 جمادى الثانية 1423 الموافق ل 19 غشت 2002 ثم صدر ظهير رقم 01-15 بتاريخ
23 يوليوز 2002 المنظم لكفالة الأطفال المهملين
الأخير ليلغي النص السابق الصادر بتاريخ 07 أبريل1993، ناسخا في مقتضياته
الختامية، جميع مقتضيات الظهير الشريف السابق، وطبيعي أن يكون النص الجديد أكثر
دقة في صياغة فقراته، وأكثر إثارا لجوانب أغفل المشرع النص عليها وتضمينها، آخذا
بالاعتبار ما أثاره الفقه القانوني من آراء، وهو يعالج أوضاعا ويقترح حلولا
قانونية، لوضعية هذه الفئة الاجتماعية، ومن خلال ذلك، سنحاول بكل تواضع جاهدين،
مناقشة الجوانب القانونية والمسطرة المتبعة في هذا الموضوع، بعد تقسيمه إلى أربعة
أبواب:
الباب
الأول: القواعد العامة التي تحكم الطفل المهمل:
1- يعتبر مهملا الطفل من كلا الجنسين الذي لم يبلغ ثمان
عشر سنة.
2- إذا ولد من أبوين مجهولين أو من أب مجهول وأم معلومة
أو تخلت عنه بمحض إرادتها.
3- إذا كان يتيما أو عجز أبواه عن رعايته، وليس له وسائل
مشروعة للعيش، وهي حالة الطفل الذي فقد أبويه معا، وهذه الحالة تخول الراغب في
كفالة طفل مهمل، بتقديم طلب إلى المحكمة الابتدائية الواقع بدائرتها أو العثور
عليه في انتظار صدور حكم سالب للحرية، أو إفلاس الزوج أو إعساره.
4- إذا كان أبواه منحرفين ويقصد بالإنحراف فساد
أخلاقهما.
الباب
الثاني: الوضعية القانونية للطفل المهمل:
يقتضي هذا الباب أن نقسمه
إلى فصلين:
الفصل الأول: الشروط
المطلوبة بالطفل المهمل:
ü الزم الفصل التاسع من هذا الباب اسناد كفالة الأطفال
المهملين، إلى المؤسسات العمومية، والهيئات والمنظمات والجمعيات، ذات الطابع
الإجتماعي قصد تربيتهم وتنشئتهم تنشئة إسلامية.
ü
أما
فيما يخص الأشخاص الذاتيين فقد اشترط:
1) أن يكون الزوجان مسلمين.
2) أن لايكون سبق الحكم عليهما أو على أحدهما من أجل
جريمة ماسة بالأخلاق أو ضد الأطفال.
3) أن يكون الزوجان صالحين للكفالة أخلاقيا واجتماعيا،
ولهما مؤهلات مادية كافية.
4) أن يكون الزوجان سليمين من كل مرض معدي، مع موافقة
الطفل المهمل عملا بما ورد بالفصل 12 من هذا القانون حين بلوغه 12 سنة بالنسبة
للأشخاص الذاتيين دون المعنويين.
الفصل الثاني: المسطرة
المتبعة للتكفل بالطفل المهمل وإجراءات تسجيله بالحالة المدنية:
لحماية الطفل المهمل في
ذاته، وتحديد وضعه القانوني، نص الفصل الرابع على قيام وكيل الملك لدى المحكمة
الإبتدائية، ذات الاختصاص بتسجيل الطفل بالحالة المدنية وإيداعه مؤقتا بإحدى
المؤسسات، المعترف لها بصفة المصلحة العامة.
وتعتبر النيابة العامة
طرفا رئيسيا، لكونها هي التي ترفع طلبها من أجل التصريح بكون الطفل مهملا.
وبعد صدور حكم تمهيدي
للتعرف على الطفل المهمل، يعلق الحكم لمدة ثلاثة أشهر بجميع المؤسسات العمومية.
وبعد انصرام هذه المدة،
ولم يظهر أي أحد للمطالبة بالطفل المجهول الأبوين، تصرح المحكمة بكونه مهملا،
وتوجه نسخة من الحكم إلى طالب التكفل، وإلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين. ويخاطب
هذا الأخير، على العقد المنجز من طرف العدلين، بإسناد الكفالة داخل 15 يوما من
تاريخ صدور الكفالة ويكون قابلا للطعن أمام غرفة المشورة، وأصبحت هذه المسطرة في
كل مراحلها قضائية، حيث كان القانون السابق يعطي صلاحية إسناد الكفالة إلى لجنة
إدارية.
المسطرة المتبعة لتسجيل
الطفل المهمل بالحالة المدنية:
أفرد المشرع نصوصا خاصة
بهذا الموضوع، حيث أوجب تسجيل الأمر بإسناد الكفالة، بطرة رسم ولادة الطفل المهمل،
لدى مكتب الحالة المدنية داخل أجل شهر من تاريخ صدور الأمر، بعدما كان الأجل ثلاثة
أشهر بالنص السابق، وإذا كان غير مسجل بالحالة المدنية، فإن وكيل الملك يسهر على
اتخاذ هذا الإجراء، المتعلق بتسجيله بهذا الدفتر وفق النصوص الجاري بها العمل.
وإذا كان مجهول الأبوين
أوقع التخلي عنه بعد الوضع، يصرح بولادته وكيل الملك تلقائيا، وبناء على طلب من
طرف السلطة المحلية، ويعزز التصريح بمحضر منجز وبشهادة طبية تحدد عمره ويختار له
الاسم العائلي والشخصي، طبقا للقانون، ويتم إشعار وكيل الملك داخل ثلاثة أيام بهذا
الإجراء.
الباب
الثالث: الآثار المترتبة على إسناد الكفالة:
يتحمل الكافل أو
المؤسسة المعنية بتنفيذ الالتزامات المتعلقة بالطفل المهمل، إلى حين بلوغه سن
الرشد القانوني، كما خول هذا القانون للكافل، الاستفادة من التعويضات والمساعدات
الاجتماعية المخولة للوالدين عن أولادهم. ويكون كذلك مسؤولا عن الأضرار التي
يحدثها المكفول للغير طبقا للفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود ولا يمكن له
السفر به إلى الخارج، إلا بعد حصوله على إذن القاضي المكلف بشؤون القاصرين، ويعهد
للمصالح القنصلية المغربية، تتبع الطفل ومراقبته مدى وفاء كافله بالتزماته.
الباب
الرابع: أسباب سقوط الكفالة:
تنتهي الكفالة بأحد
الأسباب الآتية، حسبما ما ورد بالمادة 25 من هذا الظهير.
1) بلوغ المكفول سن الرشد القانوني ولا تسري هذه
المقتضيات على البنت الغير المتزوجة ولا على الولد المعاق أو العاجز عن الكسب.
2)
موت
المكفول.
3)
موت
الزوجين المكفولين معا أو المرأة الكافلة.
4)
فقدان
الزوجين الكافلين لأهليتهما معا.
5)
فقدان
المرأة الكافلة أهليتها.
6)
حل
المؤسسة أو الهيئة أو المنظمة أو الجمعية الكافلة.
7)
إلغاء
الكفالة بأمر قضائي وهي تعود إلى حالة إخلال الكافل بالتزاماته أو تنازله عن
الكفالة.
8)
استرجاع
الولاية بمقتضى حكم بعد استماع إلى الطفل المكفول إذا كان قد أدرك سن التمييز.
الخاتمة
إن الأبواب في هذا
الموضوع واسعة، وقد اقتصرت على ما ظهر لي مفيدا، وأتمنى أن أكون قد وفقت في
تبليغها، كما أن إرادة حماية الطفل المهمل، وخاصة بإصدار قانون كفالة الأطفال
المهملين، مدعوما بنصوص زجرية ترمي نفس المرمى، كفيلة بتحقيق المبتغى من النص، لكن
إصدار النصوص لا يكفي، بل لابد من تظافر الجهود من طرف الدولة والمجتمع المدني عبر
اتخاذ إجراءات توفر الظروف الاجتماعية والاقتصادية السليمة، الملائمة لتجاوز الهوة
الفاصلة بين النص والواقع، مع إصدار النصوص التنظيمية لجعلها قابلة للتنفيذ، في
أفق إصدار مدونة شاملة خاصة لحماية الطفل المهمل بالإضافة إلى ما نظمه المشرع في
قانون المسطرة الجنائية الجديد في الفصول 512 وما بعده، للنهوض بأوضاعه، حتى يكون
عنصرا فعالا داخل المجتمع، لأن الأمر لا ينحصر فقط في الأفراد بل يمتد آثاره إلى
الجماعة وينعكس على المحيط العام والبيئة الاجتماعية فالأسرة ليست إلا الأقلية
وجزء لا يتجزأ من كل.
هذا وفي الختام ألتمس
منكم مسبقا، المعذرة عن كل إغفال أو تقصير، ولا شك أن إطلاعكم عليه وإبداء
ملاحظاتكم ستغنيه بكثير، وستسد ما قد يبدو به من ثغرات، لم يتسع الوقت لإعطائها
حيزا في هذا العرض، نسأل الله تعالى أن ينشر الرحمة والمحبة في قلوب عباده.
من إعداد: الأستاذ عبد الحق الحمزاوي مستشار
السيد جدراوي محمد منتدب قضائي خريبكة في : 23 ذو القعدة1424الموافق لـ : 16 ينايـــــر 2004
]إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا [
" صدق الله
العظيم".
تعليقات
إرسال تعليق