القائمة الرئيسية

الصفحات

أثار المعلوميات على الشغل:منطلقات لتوجيه القضاء في تطبيق مدونة الشغل


أثار المعلوميات على الشغل:منطلقات لتوجيه القضاء في تطبيق مدونة الشغل

    تغير خلال القرنيين الماضيين النمط الوظيفي في كثير من دول العالم تغيرا جذريا، فقد تراجعت أهمية الزراعة كمصدر للتوظيف أمام التصنيع خلال أوائل وأواسط القرن التاسع عشر، وتلا ذلك ارتفاع مطرد في نسبة القوى العاملة الموظفة في الصناعة، وبلغ هذا الارتفاع أقصاه في العقود الأولى من القرن الحالي، أما في النصف الثاني فقد برز نمو في قطاعين هما قطاع الخدمات وقطاع المعلومات، وقد كلن قطاع المعلومات هو الأسرع نموا إلى حد كبير.

       وتكاد كثير من الوظائف اليوم تقتصر على التعامل مع البيانات ومعالجتها وتوفيرها ونقلها، منها شركات التأمين، أعمال البنوك، المحاسبة والإدارة، ففي الصناعة مثلا فإن النسبة الآخذة في الانخفاض في القوى العاملة تقع فقط في نطاق عملية الإنتاج، أما النسبة الموظفة في معالجة المعلومات فهي أخذت في الارتفاع.

       مما تقدم يتضح أن المعلوميات أضحت واقعا موجودا وضرورة حتمية، تفرض نفسها على مستوى الحياة اليومية للأفراد بصفة عامة، وعلى الحياة المهنية بصفة خاصة.

      فالعلاقة بين المعلوميات والشغل أضحت واقعا موجودا وضرورة حتمية في عصرنا الحاضر، هذه العلاقة إن كانت تتضمن جوانب إيجابية كثيرة، فإنها تنطوي في المقابل على جوانب سلبية تشكل خطرا على الحياة الخاصة والممارسة الفعلية للحرية وأنشطة الإنسان بصفة عامة.

    "فالمعلوميات أصبحت وسيلة في خدمة الجانب القوي الذي يملك السلطة والنفوذ في الإدارة والمؤسسات في علاقته بالجانب الضعيف المتمثل في الشخص العادي بصورة عامة والأجير بصورة خاصة، تعبر بذاتها عن احتمال المساس بمبادئ الحرية والعدالة القانونية الاجتماعية والإعلامية مما يتعين معه اتخاذ تدابير حمائية ملائمة"،والبحث عن حلول قانونية لحماية الشغل من مخاطر المعلوميات يفرض أحد الحلين:

     إما التخلي عن استعمال المعلوميات الشيء الذي لا يمكن تقبله في عصر الإعلام والمنافسة.

     أو عقلنة استعمال المعلوميات بتنظيمها قانونيا.

     يتضح إذن أن الإشكالية المحورية والمهيمنة على الموضوع تتمثل في مدى إمكانية التوفيق بين ضرورة استعمال المعلوميات في مؤسسة الشغل من جهة، وضرورة حماية الأجير من مخاطرها من جهة أخرى، وبعبارة أوضح مدى إمكانية التوفيق ما بين المتطلبات الاقتصادية لرب العمل في اللجوء إلى المعلومات، وما بين المتطلبات الاجتماعية للأجراء، وبما أن السنوات الأخيرة توجت بصدور مدونة الشغل،التي حملت في طياتها مجموعة من المستجدات،فإن تحليل الإشكالية السابق ذكرها ينبغي أن يتم على ضوء نصوص هذه المدونة، بحيث نتعرف عن ما قدمته هذه المدونة من أجل ضمان حقوق الأجراء في مواجهة تكنولوجيا المعلوميات، سواء بصفة صريحة ومباشرة، أو بصفة ضمنية، وبعبارة أخرى نرى ما قدمته المدونة من توجيهات تصلح كمنطلق يعتمد عليه القضاء المغربي في إقرار حماية مناسبة للأجراء المتضررين أو المهددين بخطر استعمال المعلوميات.

      وانطلاقا مما سبق، سنقوم بدراسة هذا الموضوع من خلال المبحثين التاليين:

الأول: سنتحدث فيه عن الضمانات التي توفرها مدونة الشغل على صعيد علاقات الشغل، والتي يمكن للقضاء المغربي الاعتماد عليها من أجل ضمان حقوق الأجراء.

الثاني: سنتحدث فيه عن الضمانات التي تكفلها مدونة الشغل للأجراء على صعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

    وبالتالي، فإن تصميم الموضوع سيكون كالتالي:

   المبحث الأول: توفير ضمانات للأجراء على صعيد علاقات الشغل

    المبحث الثاني: توفير الضمانات للأجراء على صعيد الحقوق الإنسانية والاجتماعية

        سنرى أولا تأثير المعلوميات على علاقة الشغل وذلك من خلال (المطلب الأول)، على أن نرى الحلول الكفيلة بمواجهة هذا التأثير في (المطلب الثاني).

    إن مؤسسة الشغل التي عرفت تغييرا في بنيتها الإنتاجية منذ استعمال الآلة الصناعية أخذت تخضع لتغييرات أعمق في بنيتها الاقتصادية والإدارية باستعمال التكنولوجيا الحديثة.

   فهذا الاستعمال المطرد للمعلوميات في مؤسسة الشغل أحدث تأثيرا ملحوظا على مستوى علاقات الشغل وخاصة الفردية منها.

    من البديهي القول أن الاستعمال المطرد للمعلوميات في مؤسسات الشغل يفضي إلى تغيير عميق في مضمون الشغل، وهذا التأثير يتم على عدة مستويات:

   فعلى مستوى أول، يمكن رصد هذا التأثير في طريقة انتقاء المستخدمين، فالكثير من المقاولات أصبحت تستعين ببرامج الحاسوب عند انتقاء مستخدميها، هذه البرامج تتضمن مجموعة من الأسئلة تهدف إلى تقييم المرشح انطلاقا من قدراته العقلية والمنطقية، ومعطياته الاجتماعية، والمهنية والنفسية...إلخ.

    فعندما يتم إدخال البيانات الشخصية لكل مرشح، يعمل الحاسوب على اختيار مجموعة منهم، وقد يصل الأمر إلى حد اقتراح المرشح النهائي.

      وعلى مستوى ثان، فإن دخول المعلوميات إلى مجال الشغل أحدث تغييرا كبيرا على نشاط الإنسان، حيث قلص من العمل المباشر والفوري سواء تعلق الأمر بالإنتاج الصناعي أو العمل الإداري.

     فقد أصبح الاتجاه الآن نتيجة لتأثير المعلوميات إلى استخدام أشخاص أكفاء ومتخصصين في هذا المجال، وهو ما دفع بأرباب المقاولات خاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة، إلى اللجوء لإبرام عقود شغل معلوماتية لمدة محددة، وهذه العقود هي التي تسمى العقود الإذموذجية les contrat atypiques.

    كما أن الكفاءات المكتسبة لدى العمال تغيرت هي أيضا مع تغير تقنيات الإنتاج، وهكذا تغيرت الكفاءات سواء على مستوى قطاع الإنتاج أو على مستوى قطاع الخدمات.

    ففي قطاع الإنتاج أحدث استعمال المعلوميات في مؤسسات الإنتاج الصناعي تغيرات جذرية في مضمون الشغل اليدوي أو الفكري، حيث زالت أشغال الرتابة وكذلك اندثرت الخاصيات المهنية التقليدية.

     أما تأثير المعلوميات على قطاع الخدمات فيختلف باختلاف الوظائف، فالأشخاص المرتبطون مثلا بوظائف النقل والتخزين واستنتاج المعلومات ومعالجتها، فقد استفادوا من زيادة كبيرة في كفاءتهم.

     وتبقى الثورة الكبرى التي شهدها مجال إنجاز العمل، هي ما يسمى( العمل عن بعد) Télétravail، الذي يمكن تعريفه بأنه: ( عمل ينجز بواسطة استغلال تقنيات المعلوميات والمواصلات من طرف الأجير أو مجموعة من الأجراء بعيدا عن المشغل)،وعموما يشمل العمل عن بعد كل أنواع الشغل المنجزة خارج المؤسسة الرئيسية.

    وللعمل عن بعد مجموعة من الإيجابيات تتمثل في:

-       أنه يعفي مجموعة من الفئات كالنساء الأجيرات، والأجراء المعوقين من عبء التنقل إلى مكان العمل.

-       أنه يساهم في تقليص التغيبات، وما يترتب عنها من منازعات اجتماعية، أيضا يخفض من التكاليف، وبالتالي فهو يعمل على تحسين الإنتاجية.

   لكن على الرغم من الايجابيات العديدة للعمل عن بعد إلا أنه لا يخلو من سلبيات تتمثل أهمها في:

-       أن غياب الأفراد عن مؤسسة الشغل يضر بحيوية النسيج الاجتماعي، ويؤدي إلى تفريق مجتمع الشغل.

-       هيمنة الأعمال العادية والمتكررة.

-       المس بالتزام الأجير المتجسد في السرية.

وهكذا فإن إدخال المعلوميات إلى مؤسسة الشغل يشكل خطرا حقيقيا على الأجير، بسبب احتمال التخلي عنه إذا لم يكن يتوفر على الكفاءة المتناسبة مع مجتمع المعلوميات، وما يزيد الأمر سوءا هو أن إدخال الربوتيك إلى المؤسسة قد يتسبب في التخلي على عدد كبير من الأجراء، كما أن البرامج المعلوماتية قد تتسبب في الاستغناء عن الشخص الذي وضعها.

     بعض أن قمنا بإعطاء نظرة موجزة عن تأثير المعلوميات على علاقة الشغل، يحق لنا التساؤل عن السبل الكفيلة بمواجهة هذا التأثير، وبعبارة أدق التساؤل حول ما قام به المشرع المغربي في هذا الصدد، هذا ما سنعرفه من خلال المطلب الموالي.     



     إن مواجهة تأثير المعلوميات على الحق في الشغل، لا يمكن أن تتم إلى من خلال ضمان تكوين معلوماتي للأجراء( الفقرة الأولى)، ثم من خلال التشاور مع الأجراء حول المسائل التي تهم المقاولة ومن بينها التشاور معهم عند الرغبة في إدخال التكنولوجيا إلى المؤسسة( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:التكوين المعلوماتي كآلية لتأهيل الأجراء

     إن استعمال المعلوميات في مؤسسة الشغل قد أدخل كما أسلفنا تغيرات بنيوية على مضمون الشغل، وتغييرا في بنية الكفاءات، وذلك بالنقص من أهمية الكفاءات القديمة وزيادة أهمية الكفاءات الجديدة، مما يستدعي رفع مستوى التكوين لمواكبة المستجدات.

    لتوقير هذه الحاجيات، يقتضي الأمر تنظيم تكوين على مستوى الفئات التقنية، خاصة تلك التي يوجد بها خصاص كمتصوري الأنظمة والمحللين والمبرمجين..، الأمر الذي يحتم تدخل الدولة من أجل توفير تكوين معلوماتي وذلك بإحداث مجموعة من المؤسسات التعليمية المتخصصة في قطاع المعلوميات، وزيادة الاهتمام بالمعاهد الموجودة فعلا وذلك من أجل ملائمة التكوين مع متطلبات سوق الشغل.

   إن التكوين يمكن من توفير فرص جديدة للشغل، كما أن استكمال التكوين يمكن الشخص العامل من مسايرة الأساليب التقنية المتجددة لا لترقيته فحسب، ولكن لضمان بقائه في المؤسسة، وعموما يشكل التكوين شرطا أساسيا للاستعمال العقلاني للعنصر البشري والسيطرة على التقدم التقني وتحسين مستوى المعيشة لمجموع السكان،كما يمكن هذا التكوين من تكييف كفاءات العاملين في المؤسسة حتى يستطيع هؤلاء العاملون الانتقال من القطاعات  التي تعرف تراجعا في مستوى الشغل إلى القطاعات التي تعرف نموا ملحوظا.

   وقد نصت مدونة الشغل في المادة 23، على أنه يحق للأجراء الاستفادة من محو الأمية ومن التكوين المستمر، وسيتم تحديد شروط وكيفيات الاستفادة من هذا الحق عبر نص تنظيمي.

   والملاحظ أن بعض المؤسسات المشغلة قد سلكت هذا النهج قبل صدور المدونة، إلا أنه لم يكن مقننا على هذا النحو، كما أنه اكتسب بفضل المدونة صفة -حق-.

  ولا يجادل أحد في أن الذي لا يعرف المعلوميات في عصرنا هذا يعتبر أميا، من هنا ينبغي على القاضي الاجتماعي، أن يأخذ بعين الاعتبار هذا المقتضى عندما يقوم المشغل بالاستغناء على الأجير بدعوى عدم كفاءته- عدم معرفته باستعمال الحاسوب-، على اعتبار أن المقصر في هذه الحالة هو المشغل الذي لم يوفر له التكوين المناسب، بدل اتخاذ قرار الاستغناء عليه.

    كما نصت المادة 408 على أنه يمكن للنقابات المهنية إنشاء وتدبير مراكز للأبحاث والدراسات والتكوين.

     كما أن إحداث لجنة المقاولة سيساهم لا محالة في سد هذا الفراغ، هكذا نجد أن المادة 466 نصت على أن من اختصاصات لجنة المقاولة تنظيم تداريب للإدماج المهني، ومحاربة الأمية والتكوين المستمر للأجراء.

     كما نصت المادة 105، على أنه يمكن أن تتضمن اتفاقات الشغل الجماعية، تنظيم تكوين مستمر لفائدة الأجراء، يهدف إلى تحقيق ترقيتهم الاجتماعية والمهنية، وإلى تحسين معارفهم العامة والمهنية، وملاءمتها مع التطورات التكنولوجية.

    وما يلاحظ من السطور الأخيرة، أن هناك ارتباط بين علاقات الشغل الجماعية ومحاولة التصدي لتأثير المعلوميات على الحق في الشغل، هذا ما سنركز عليه في الفقرة الموالية من هذا العرض.

 الفقرة الثانية:دور ممثلي الأجراء في التصدي للمعلوميات

   إن العلاقة الفردية بين الأجير والمؤاجر لم تعد في الواقع رابطة مستقلة بين شخصين، بل تندرج ضمن إطار علاقات جماعية يطبق من خلالها قانون الشغل، حيث أن العامل لم يعد مجرد أجير ، بل هو عضو عامل داخل المؤسسة التي لها هيئات جماعية تسهر على حفظ التوازن بين المؤاجر والأجير.

    والملاحظ أنه قبل صدور مدونة الشغل، لم يكن يوجد أي نص صريح يشير إلى ضرورة استشارة ممثلي الأجراء عند استخدام المعلوميات في مؤسسة الشغل، غير أن مدونة الشغل الجديدة نصت في المادة 466 على استشارة لجنة المقاولة وضرورة إخطارها عند حدوث تغييرات بنيوية أو تكنولوجية في المقاولة.

    وبذلك يكون المشرع المغربي قد حدا حذو نظيره الفرنسي الذي ألزم المشغل بنص الفصل 432 من قانون الشغل الفرنسي باستشارة لجنة المقاولة عند إدخال التكنولوجيا الحديثة إلى المؤسسة.

     غير أن المشرع الفرنسي ذهب أبعد من ذلك عندما خول للجنة المقاولة بالمؤسسات التي يزيد عدد أجرائها عن 300 أجير اللجوء إلى خبير عند إدخال المعلوميات للمؤسسات.

    وعلى الرغم من أن المشرع المغربي خول المادة 467 للجنة المقاولة، استدعاء عند الضرورة كل شخص في المقاولة له المؤهلات والخبرة اللازمة في مجال اختصاصه للمشاركة في اجتماعات لجنة المقاولة، إلا أنه لم ينص صراحة على إمكانية استدعاء خبير عند إدخال المعلوميات إلى المؤسسة، خاصة وأن من شأن ذلك أن يؤثر وضعية الأجراء، خاصة فيما يتعلق بتخفيض عدد العمال.

   وبالرغم من أنه تم تحديد مهام منذوب الأجراء في الجانب الاجتماعي دون الجانب الاقتصادي، فإن أستاذنا عبد لكريم غالي يرى أنه لا يوجد أي مانع من أن يتفاوض هؤلاء مع رئيس المؤسسة بشأن مسألة تخفيض عدد الأجراء، باعتبارها تندرج في الواقع في الجانب الاجتماعي، ويستند في رأيه على أنه في مؤسسات الشغل الفرنسية التي لا تتوفر على لجنة المؤسسة ويصل عدد أجرائها إلى خمسين أجير على الأقل، يخول اختصاص لجنة المؤسسة فيما يتعلق بضرورة استشارتها عند إدخال تكنولوجيا جديدة تكون لها انعكاسات على الشغل إلى منذوبي العمال، وهكذا فإنه يمكن اعتماد هذا الحل بالنسبة للمؤسسات المغربية التي لا يتجاوز عدد أجرائها 50 أجيرا.

  وتعتبر النقابات المهنية، تنظيما للأجراء من أجل الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية واحتواء المشاكل التي قد تحدث في ميدان الشغل، وإدخال المعلوميات في مجال الشغل كما هو معلوم يهدد بكيفية مباشرة المصالح الاقتصادية والاجتماعية للأجراء، والتي هي من أولويات وأهداف العمل النقابي.

   ومن تم ولأجل السير الحسن للشغل يكون من الضروري على رب العمل أن يقوم باستشارة مع الممثلين النقابيين عند إدخال المعلوميات لإعطاء صورة ديموقراطية عن المؤسسة.

  وإن كان على المستوى التشريعي، نجد فراغا لم تستطع مدونة الشغل الجديدة ملأه، بحيث لا يوجد أي نص صريح ينظم اختصاصات ومجال تدخل النقابات المهنية في مجال استعمال المعلوميات في ميدان الشغل، والسبب في نظرنا هو عدم قبول أرباب العمل تدخل الممثلين النقابيين في تسير المؤسسة بصفة عامة وهذا شيء منتقد على اعتبار أن الأجراء هم أعضاء داخل المؤسسة إلى جانب رب العمل من أجل تطويرها ونهوض بها، ولن يتم هذا إلا إذا أحس الأجير أنه فعلا من أسرة المؤسسة وليس مجرد أجير يقدم خدمة في مقابل أجره فقط.

   وما ينبغي الإشارة إليه هو أن التزام النقابيين بالدفاع المستمر عن الأجراء ( حسب ما جاء في الفصل من ظهير 16 يوليوز 1957)، يتطلب منهم الاحاطة بظاهرة المعلوميات وأثارها السلبية على الأجراء، كما ينبغي عليهم اتخاذ مواقف جادة وحازمة بشأن استعمال التكنولوجيا الحديثة في مؤسسات الشغل، خصوصا وأنهم مدعوون إلى تقديم استشاراتهم في جميع المنازعات والمسائل التي ترجع إلى اختصاصهم( الفصل 18 من الظهير السابق ذكره أعلاه).

      والملاحظ أن النقابات في الدول الأجنبية لا تعارض من حيث المبدأ التجديدات التكنولوجيا التي تندرج في إطار الإصلاحات العميقة لمؤسسات الشغل، وتطالب في المقابل، بأن يظل الأجير محتفظا بشغله أو أن يحصل على شغل يعادل ذلك الذي سيفقده.

   وعندما تتم المطالبة بضرورة احتفاظ الأجير بأجره وعمله، فإن هذا لا يعني الإبقاء عليه إلى جانب العمل التكنولوجي بدون فائدة، إذ أن التمسك بأجراء فوق العدد المطلوب يتم على حساب مردودية المؤسسة بل يتعين البحث عن حلول أخرى، وهكذا يرى النقابيون الألمان مثلا أن يخصص الربح الإضافي لإعادة ترتيب الأجراء وخلق مناصب عمل جديدة.

   وعموما، فإنه ينبغي إعادة النظر في مفهوم العلاقة المهنية، وذلك من خلال اعتبار الأجير عضوا في المؤسسة، وبالتالي إشراكه في الجانب الاقتصادي لتحفيزه ماديا واستقراره معنويا، كما ينبغي أن تأخذ التكنولوجيا المستعملة في الاعتبار جميع الطموحات الإنسانية والحاجيات الاقتصادية والثقافية، حتى يمكن وصفها بالتكنولوجيا الملاءمة.  

    بعدما قمنا ببحث،الضمانات التي وضعتها مدونة الشغل لصالح الأجراء في مواجهة خطر المعلوميات على حقهم في الشغل والاستمرار فيه، والتي تبين لنا أنها ضعيفة، سننتقل إلى المبحث الثاني من أجل معرفة الضمانات التي وضعتها المدونة من أجل ضمان حقوق الأجراء الاجتماعية والإنسانية.



      سنتحدث في هذا المبحث عن الحماية التي توفرها المدونة من أجل ضمان حرية الأجراء ( المطلب الأول)، ثم عن الحماية التي توفرها المدونة من أجل ضمان صحة الأجراء وذلك في (المطلب الثاني).

     سنقوم في هذا المطلب بتحديد التقنيات المعلوماتية الماسة بحرية الأجير وذلك في (الفقرة الأولى)، على أن نتطرق في (الفقرة الثانية) إلى مدى تمكن النصوص التشريعية الحالية من ضمان حماية فعالة لحرية الأجير في مواجهة المعلوميات.

الفقرة الأولى: التقنيات المعلوماتية الماسة بحرية الأجير

    هناك مجموعة من التقنيات المعلوميات التي تشكل خطرا على حقوق الأفراد بصفة عامة وعلى الأجراء بصفة خاصة، خصوصا إذا ما تم استعمال هذه التقنيات في غير ما أعدت له.

     وهذه التقنيات تتمثل في: بالبطاقات الإلكترونية، وكاميرات المراقبة، تسجيل المكالمات الهاتفية، جذاذات الاسمية.

     بالنسبة للبطاقات الإلكترونية: تلجأ مجموعة من المؤسسات العمومية والخصوصية، إلى وضع بطاقات إلكترونية تحتوي على مجموعة من البيانات، وتقوم بتزويد موظفيها أو الأجراء بها، وذلك من أجل استعمالها عند الدخول والخروج من المؤسسة، بحيث تسمح بتحديد هوية الشخص الذي دخل والذي خرج، ومتى دخل ومتى خرج، بحيث تمكن هذه التقنين من رصد تحركات الشخص الحامل لها.

   بالنسبة لكامرات المراقبة: لوحظ في السنوات الأخيرة لجوء العديد من المشغلين إلى تزويد مختلف مرافق مؤسساهم بكامرات من أجل مراقبة الأجراء العملين بها، وفي الحقيقة تمثل هذه التقنية أشد أنواع التقنيات الماسة بحرية الأجراء، بالرغم مما تحققه للمشغل من فوائد، خصوصا إذا ما أضفنا لها قيام المشغل بمراقبة المكالمات الهاتفية للأجير وتسجيلها، فهذه التقنيات تشكل خطرا حقيقيا على الأجير إذا ما تم تحريف استعمالها من قبل المشغل، وقيامه بتسخيرها لرصد تحركات الأجير، وتقييد حريته، بحيث يصبح بإمكانه معرفة مع من تحدث الأجير على الهاتف، ومع من التقى، ومتى قابل مندوب الأجراء،...الخ.

     ومن بين هذه التقنيات أيضا، نجد قيام المشغل بوضع جذاذات اسمية في مؤسسة الشغل، فمعالجة المعطيات الاسمية عن طريق إنشاء جذاذات معلوماتية وترابط هذه الجذاذات في إطار شبكات للمعلومات ينطويان على خطر كبير يهدد حرية الأجير الفردية وحياته الخاصة، خصوصا إذا علمنا أن هذه الجذاذات تتضمن في أغلب الأحيان معلومات شخصية حساسة ( مطلق/ انتماءه الحزبي/ انتماءه النقابي/...).

الفقرة الثانية: الحماية التشريعية لحرية الأجير

   من خلال ما ذكر في الفقرة الأولى، يتضح لنا أن المعلوميات، تمس بالأجير من خلال زاويتين، الأولى تتمثل في رصد تحركاته، والثانية تتمثل في المساس بحرمة حياته الخاصة، وهكذا سنقوم أولا بمعرفة مدى تمكن المشرع المغربي في إقرار حماية فعالة للأجير من التقنيات التي تترصد حركاته وتضيق من حريته، لنقوم بعد ذلك ببحث مدى تمكنه من حماية حرمة الحياة الخاصة للأجير في مواجهة الجذاذات الاسمية.

     بالنسبة للنقطة الأولى المتعلقة بحماية الأجير في مواجهة الآليات المعلوماتية، التي تراقب تحركاته، وتحد من حريته: من خلال استطلاع نصوص مدونة الشغل يمكننا القول أن المشرع المغربي لم يضع أي نص خاص بحماية الأجير في مواجهة هذه التقنيات.

    وذلك على نقيض المشرع الفرنسي، الذي قام بتخصيص فصول ضمن مدونة الشغل، والتي تهدف مقتضياتها إلى وضع ضوابط محددة للاستعمال أجهزة المراقبة، فالفقرة الثانية من الفصل 120 من مدونة الشغل الفرنسية تقصر استعمال هذه التقنية على المؤسسات التي تفرض طبيعة نشاطها ذلك.

   كما أن الفصل 121 في الفقرة الثامنة منه، يلزم المشغل بإعلام الأجير بوضع هذه الأجهزة بالمؤسسة، كما يعطي الأجير الحق في مشاهدة الأشرطة التي يظهر فيها، وكذا الاستماع إلى مكالماته المسجلة زيادة على القيام بإتلافها عند مدة معينة.

    وبناء على الفصول المبينة أعلاه، فإن القضاء الفرنسي، اعتبر استعمال هذه التقنيات بكيفية سرية، يشكل انتهاكا لحرية الأجراء، بحيث أن محكمة النقض الفرنسية ذهبت في قرارها الصادر في 20 نونبر1991 إلى أنه إذا كان للمؤجر الحق في مراقبة الأجير أثناء أدائه لعمله فإن كل تسجيل بالصورة أو الصوت مهما كانت أسبابه، إذا تم بغير علم الأجير يعتبر دليلا غير مشروع، وبناء على ذلك رفضت المحكمة الأخذ بشريط الفيديو الذي تقدم به رب العمل لإثبات واقعة السرقة بطريقة غير مشروعة.

       وهكذا فإنه كان ينبغي على المشرع المغربي أن يضع نصا ضمن مدونة الشغل يقضي يمنع تسجيل كلام الشخص المستخدم أو تصويره ما لم يكن ذلك ضروريا في تنظيم الشغل أو إعادة تنظميه، شريطة حصول رضا المعني بالأمر،كما ينبغي إعطاء الأجير حق مشاهدة الأشرطة وكذا الاستماع إلى مكالماته المسجلة.

    وفي انتظار تدخل المشرع ينبغي على القضاء أن يتخذ المبادرة من أجل ضمان حماية فعالة للأجير، خصوصا وأن هناك مقتضيات عامة في القانون المغربي، تجيز له هذا التدخل.

      فبالإضافة إلى الدستور الذي ينص في دباجته على التزام المغرب بما تقتضيه المواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، وتأكيده على تشبته بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا.

      وزيادة على ما ورد في الفصل الحادي عشر من الدستور، الذي ينص على ضرورة منع انتهاك سرية المراسلات.

     نجد أن المسطرة الجنائية الجديدة، جاءت بمقتضى جد مهم، من شأن الاعتماد عليه ضمان حماية فعالة لحق الأجير في الحرية الشخصية، خصوصا إذا وجد تم توفير قضاة لهم رغبة حقيقية في حماية الأجير، وهذا المقتضى هو المتمثل في المادة 108، التي تنص على ما يلي:" يمنع التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها أو أخد نسخ منها أو حجزها".

    فالصيغة العامة لهذا النص تسمح للقاضي المغربي، بتطبيقه كلما رأى أن الإجراء الذي يتخذه المشغل يشكل مساسا بالحرية والحياة الخاصة للأجير.

    بالنسبة للنقطة الثانية، والمتمثلة في حماية الأجير في مواجهة الجذاذات الاسمية:

    نشير بداية إلى أن حماية الأجير في مواجهة الجذاذات الاسمية، تتمثل في آمرين: الأول هو ضمان عدم إفشاء المعلومات الاسمية المتضمنة في هذه الجذاذات، والثاني هو ضمان صحة هذه المعلومات ومطابقتها للواقع.

   وهذه الحماية تتم من خلال وضع إطار قانوني لاستعمال الجذاذات الاسمية المعالجة، يبين حدود إنشاء هذه الجذاذات وطرق معالجتها مع ضرورة تعزيز هذه الحماية بالنص على عقوبة زجرية، ثم من خلال السهر على ضمان وتتبع حماية الجذاذية الاسمية بتوفير مراقبة عملية على مستوى الفرد نفسه باعتباره الشخص المعني والذي تبرر تخويله حق الإطلاع على المعلومات المعالجة التي تخصه كثير من الاعتبارات تتمحور حول مبدأ الحق في الإعلام وحق الدفاع، بالإضافة إلى المراقبة الفردية يقتضي الأمر إنشاء جهاز مستقل يعنى بهذه المهمة.

    وهناك العديد من الدول التي قامت بوضع تشريع خاص بحماية المعطيات الاسمية من بينها، فرنسا التي قامت بإصدار القانون رقم 17-78 بتاريخ 6/1/1978 الخاص بالمعالجة الآلية للمعطيات( ملفات المعطيات والحرية الفردية)، وقد تم تعديل هذا القانون في1988و 1992 و1994 و1999و2000.

      والسويد التي وضعت قانونا لحماية هذه المعطيات بتاريخ 1/5/1973 يحمل الرقم 289، المعدل في 1979و1982و1986و1992و1996، قبل أن يتم تعويضه بقانون البيانات الشخصية وذلك في سنة 1998.

     هذا بالنسبة للتشريع المقارن، فماذا عن التشريع الوطني؟

    نشير إلى أنه، في يونيو 2000، تم إنشاء لجنة وزارية مكلفة بتنمية وترقية التجارة الالكترونية بالمغرب، وقد أعدت هذه اللجنة تقريرا ضم خلاصة أعمالها، وقد تم تضمين هذا التقرير مجموعة من مشاريع القوانين، من بينها مشروع قانون بخصوص حماية الأشخاص الطبعين في مواجهة المعالجة الآلية للمعطيات.

    ويحتوي هذا المشروع على، تسعة أبواب، و25 مادة.

-       الباب الأول: يتعلق بالأحكام العامة.

-       الباب الثاني: استعمال قواعد للمعطيات الاسمية.

-       الباب الثالث:تجميع وحفظ المعطيات.

-       الباب الرابع: حق النفاذ إلى المعطيات.

-       الباب الخامس: السلطة المكلفة بمراقبة الممارسة المعلوماتية في مجال المعطيات الاسمية.

-       الباب السادس: المهام الرقابية والإخبارية للجنة المراقبة.

-       الباب السابع: موارد اللجنة.

-       الباب الثامن: مقتضيات زجرية.

-       الباب التاسع: مقتضيات ختامية.

 وهكذا تم في الباب الأول تحديد المقصود بالمصطلحات التالية:( المعطيات الاسمية، قواعد المعطيات الاسمية، المسؤول عن قاعدة المعطيات الاسمية).

   في حين تم تخصيص الباب الثاني، لكيفية إنشاء قواعد المعطيات الاسمية ولإجراءات والضوابط التي يتعين احترامها عند إنشاء مثل هذه القواعد.

    أما الباب الثالث، فقد تم فيه تحديد الضوابط التي ينبغي احترامها، عند القيام بوضع جذاذات تتضمن معلومات اسمية، وإلى ضرورة استعمالها للأغراض التي وضعت من أجلها، و إلا تعرض المسؤول عن القاعدة للمساءلة المدنية والجنائية.

   أما الباب الرابع، فقد تطرق إلى حق الشخص الذي يضن معطياته الشخصية محل معالجة آلية، في طلب الإطلاع على هذه الجذاذات.

    في حين خصص الباب الخامس والسادس والسابع، للحديث عن لجنة المراقبة، بحيث تطرق الباب الخامس للتعريف بهذه اللجنة وللهدف منها( المادة14)، ثم لتشكيلتها ولكيفية تعيين أعضائها( المادة15)، ولكونها تعتبر سلطة إدارية( المادة16)، ولالتزام أفرادها بكتمان السر المهني ( المادة 17)، أما الباب السادس فقد خصص للحديث عن المهام الموكولة لهذه اللجنة المتمثلة في المراقبة والإعلام، أما الفصل السابع فقد تكلم عن موارد ومصاريف هذه اللجنة.

    أما الفصل الثامن فقد تم تخصيصه للحديث عن المقتضيات الزجرية، التي يتم تطبيقها على الأشخاص المخالفين مقتضيات هذا القانون.

     في حين خصص الفصل التاسع، للحديث عن المهلة الممنوحة لمسئولي القواعد التي بدأت في العمل قبل صدور هذا القانون، من أجل إعادة هيكلة هذه القواعد، وقد حددت هذه المدة في سنة، كما تم في هذا الفصل الحديث على التاريخ الذي سيبتدئ فيه تطبيق هذا القانون.

    ولن نخوض في مناقشة مدى فعالية هذا القانون في حماية حقوق الأفراد، ما دام أنه ما يزال عبارة عن مشروع فقط، بالرغم من مرور أزيد من خمس سنوات على إعداده، وقد تم في بداية هذه السنة معاودة الحديث عن هذا القانون( بالإضافة إلى مشروع قانون التوقيعات الإلكتروني) بحيث تم توجيه اللوم إلى وزارة الشؤون الاقتصادية والشؤون العامة، لأن المشروع تمت صياغته على شكل مبادئ عامة، كما أنها اكتفت بإعطاء مجرد وعود دون أن تسعى إلى تفعيل هذا القانون، كما أنها اكتفت بإعطاء مجرد وعود دون أن تسعى إلى تفعيل هذا القانون.

    وفي هذا الصدد، قامت الأمانة العامة للحكومة باقتراح، اختزال هذا المشروع في فصل يتم ضمه إلى قانون حماية المستهلك، غير أن هذا الاقتراح لم تتم الموافقة عليه من قبل الأطراف المهتمة، وقد اقترح أحد المختصين أنه ينبغي لقبول هذا الاقتراح من القيام بتوسيع مفهوم المستهلك، مع إضافة " استعمال الإدارة".

   والمهم من كل هذا هو أن هذا القانون لم يرى النور بعد، فهل يعني هذا ترك الأجراء عرضة للمساس بحقوقهم من قبل المشرع؟

   في حالة عدم وجود قانون خاص بتنظيم وضع قانون معين، ينبغي البحث عن سند قانوني أخر، وهذا ما سنقوم به، وهكذا ومن خلال الإطلاع على مدونة الشغل يتضح لنا أن المشرع المغربي لم يضع نصوصا تنظم وضع الجذاذيات الاسمية، باستثناء ما أشير إليه في المادة 479 من مدونة الشغل التي تنص على أنه يجب أن تتم معالجة البيانات الشخصية لطالبي الشغل من قبل وكالات التشغيل الخصوصية بكيفية تراعي احترام الحياة الخاصة للمعنيين بالأمر، مع اقتصارها على المسائل التي ترتبط بمؤهلاتهم وخبراتهم المهنية.

    غير أن هذه المادة تلزم وكالات التشغيل، وليس المشغلين، زيادة على أنها لم تتطرق لمسألة مدة تخزين البيانات الشخصية، وذلك على عكس ما هو وارد في المادة 6 من الاتفاقية رقم 181 المتعلقة بوكالات التشغيل الخصوصية، والتي صادق عليها المغرب.

   ومع ذلك فإننا نرى إمكانية تطبيق مقتضى المادة 479 حتى على المشغل، وذلك بعلة أن هدف المشرع من هذا المقتضى على وكالات التشغيل هو حماية طالبي الشغل من خطر معالجة بياناتهم الشخصية، من تدوين بيانات طالب الشغل، فإنه من باب أولى تمديد هذه الحماية إلى الأجير، هذا من جهة.

   من جهة أخرى، حتى المقتضيات الواردة في المادة 6 من الاتفاقية رقم 181 ينبغي تمديدها للأجير، والسبب في ذلك هو أن المغرب صادق على هذه الاتفاقية، مما يعني أنه ملزم بتطبيق مقتضياتها، حتى ولو لم يتم التنصيص عليها في القانون الوطني، وسمو الاتفاقيات على التشريع الوطني يجد سنده في ما يلي:

أولا: اتفاقية فيينا لسنة1969 حول المواثيق الدولية، والتي تنص على أنه لا يمكن للدول الاتفاقية التشبث بمقتضيات قانونه الوطني لتبرير عدم تنفيذها لاتفاق ما.

ثانيا: الدستور، الذي يؤكد تشبث المغرب بالشروط المرتبطة بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وهو بذلك جعل للقانون الدولي مكانة في النظام الداخلي، لكن دون تحديد أي مستوى في الترتيب القانوني يندرج المعيار الدولي.

ثالثا: موقف المجلس الأعلى الذي يؤكد في بعض قراراته على سمو الاتفاقيات الدولية على القانون الوطني.

رابعا: ديباجة مدونة الشغل، التي تم فيها وضع الترتيب الذي ينبغي مراعاته في حالة وقوع نزاع، بحيث تم وضع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها في نفس مرتبة مقتضيات المدونة أي في المرتبة الأولى.

     وهكذا فإنه يجب على القاضي المغربي، الرجوع إلى الاتفاقيات المصادق عليها، من أجل ضمان حقوق الأجراء.

     تؤثر المعلوميات بشكل كبير على صحة الأجير، فالاحتكاك اليومي مع الآلة لا يخلو من خطورة، تتمثل في ارتفاع نسبة حوادث الشغل خاصة في أوساط الأجراء الذين لا يتوفرون على تكوين تقني ومعلوماتي كاف، فالعمل الطويل أمام شاشة الكمبيوتر يسبب في الغالب ضعفا في البصر، وازدواجية في الرؤية، كما يؤثر على الجهاز العصبي إلى غير ذلك من الآثار المضرة بالصحة...، فرغم ما يبدو في الظاهر من ملاءمة المعلوميات لظروف العمل، فإن تأثير المعلوميات يكون سلبيا على صحة الأجير وسلامته البدنية، مما يؤدي إلى ظهور اضطرابات مرضية عديدة.

     هنا يمكن أن نتساءل عن مدى اعتبار هذه المخاطر الصحية، أمراضا مهنية؟

     ولمناقشة هذه النقطة بنوع من التفصيل سنتناولها في فقرتين، نقف في الأولى على القصور التشريعي والاجتهاد القضائي في تحديد الأمراض المهنية على أن نقف في الفقرة الثانية على مدى كفاية قواعد الوقاية التي تم التنصيص عليها في مدونة الشغل على توفير حماية فعالة لصحة الأجير.

الفقرة الأولى: القصور التشريعي والاجتهاد القضائي في تحديد الأمراض المهنية

     تخضع الأمراض المهنية لظهير 31 ماي 1943، وقد أدخلت عليه عدة نصوص معدلة وأخرى إضافية تبين كيفية تطبيق، ويستفيد المصاب بإحدى هذه الأمراض من التعويضات التي يقررها القانون.

     لم يعط المشرع المغربي تعريفا دقيقا للمرض المهني، شأنه في ذلك شأن نظيره الفرنسي،بل اكتفى بالإشارة في الفصل الثاني من ظهير 31 ماي 1943 إلى أنه" تعتبر كأمراض مهنية...الأعراض المرضية والالتهابات التي هي نتيجة تعفن الجراثيم وكذا الأمراض المبينة في قرار وزير الشغل والشؤون الاجتماعية المتخذ بعد استشارة وزارة الصحة العمومية.

     هذا القرار يشتمل على جداول تبين ما يلي:

    أولا: مظاهر أمراض التسمم الحادة أو المزمنة الناتجة عن التعرض لمواد سامة يشار في القرار إلى أهمها على سبيل الإرشاد.

   ثانيا: الأمراض الناتجة عن الجو  الذي يوجد فيه العامل أو عن الوضعيات الملزم باتخاذها لإنجاز عمل من الأشغال المبينة بنفس الجدول المذكور.

   ثالثا: الأمراض المتسببة عن الجراثيم التعفنية التي يكون عرضة لها، الذين يشتغلون عادة في الأشغال المبينة في الجدول المذكور.

    إذن فظاهر النص يوحي بأن الأمراض المهنية واردة على سبيل الحصر، وبالتالي لا يمكن اعتبار كل الأمراض على اختلاف أنواعها الناجمة عن الشغل أمراضا مهنية، لأن المشرع قد حدد هذه الأخيرة كما حدد المهن التي تتسبب فيها على سبيل الحصر.

    نقول أن هذا التحديد الذي سلكه المشرع المغربي يجافي المفهوم العلمي للمرض المهني، بحيث يصعب إدخال الحالات المرضية المهنية الجديدة التي تفرزها الحياة المعاصرة بوجه عام، والأمراض الناتجة عن استعمال المعلوميات بوجه خاص.

     ويزداد قصور هذا التحديد التشريعي، إذا علمنا أن لائحة الأمراض المهنية قد مضى على وضعه أزيد من ثلاثة عقود، دون أن تشملها أية مراجعة.

   بالنسبة لموقف القضاء المغربي، فلم نعثر على قرار يعرف المرض المهني، وإنما صدر اجتهاد قضائي مهم عن المجلس الأعلى في قراره عدد 435 بتاريخ 21/9/1987، قضى بأن الأمراض المهنية موضوع ظهير 31/5/43 وقرار 20/5/1967 ليست مذكورة على سبيل الحصر وإنما على سبيل الإرشاد، وأن على الطبيب المزاول لمهنة الطب أن يقدم تصريحا بالمرض المهني أو المظنون أنه كذلك...سواء أكان ذلك المرض مبينا أو غير مبين في الجدول.

   وهو نفس المنحى الذي سار عليه المجلس في قرار اخر، عدد 318، بتاريخ 25/4/2000، الذي قضى بأن الأمراض الواردة في الجدول بظهير 31/5/1943، إنما هي واردة على سبيل الإرشاد، وأنه إذا كان المرض المصاب به الأجير غير وارد في جداول الأمراض المهنية، فإن ذلك لا يمنعه من إثبات العلاقة السببية بين ذلك المرض والعمل الذي يقوم به.

      ويرى أستاذنا عبد الكريم غالي، أن هذه الاعتبارات تدفع للقول أن التعب البصري الناتج عن العمل على الشاشة يعتبر مرضا مهنيا، فالأمراض الناجمة عن استعمال المعلوميات في مؤسسة الشغل عموما تعتبر بالضرورة أمراضا مهنية إذا ثبتت العلاقة السببية بينها وبين العمل الذي يقوم به الأجير.

الفقرة الثانية: إدراج قواعد الوقاية في مدونة الشغل

  إدراج قواعد حفظ صحة وسلامة الأجراء، في مدونة الشغل كان من المطامح التي رغب فيها كل الفاعلين في مجال الشغل، إيمانا منهم بكون الوقاية وحدها بإمكانها التقليل من مخاطر حوادث الشغل، ويمكن للدولة أن تلعب الدور الأكبر في هذا المجال، إذ وحدها بإمكانها تكريس مفهوم الاحتياط داخل المؤسسات من خلال النصوص التي تصدرها.

   وبالفعل قام المشرع المغربي، بتخصيص القسم الرابع من مدونة الشغل كله لصحة الأجراء وسلامتهم.

   هكذا فقد تم تحديد مجموعة من الالتزامات التي تقع على عاتق المشغل والمتمثلة في السهر على نظافة أماكن الشغل وتوفير شروط الوقاية الصحية ومتطلبات السلامة الضرورية للحفاظ على صحة الأجراء.

   كما يتحمل المشغل التزاما بعرض الأجراء الذي ينوي تشغيلهم في أعمال معينة للفحص الطبي الذي تتطلبه هذه الأعمال، ويؤدي لهم الأجور عن الوقت الذي يقضونه في سبيل مراعاة التدابير الفردية التي تفرضها عليهم قواعد حفظ الصحة تحت طائلة العقوبات التي يمكن أن يتحملها في حالة خرقه لهذه المقتضيات.

   وقد تعرض المشرع المغربي في باب مستقل للمصالح الطبية للشغل ونص بهذا الخصوص على مجموعة من التدابير من أهمها:

-       وجوب إحداث مصالح طبية للشغل في المقاولات، والاستغلالات التي يمكن لعمالها أن يتعرضوا للأمراض مهنية.

-       التزام هذه المصالح الطبية بمجموعة من الأمور كمراقبة مدى ملائمة الشغل للعامل به والسهر على تحسين ظروف الشغل.

 وأخيرا وفي نفس الإطار المتعلق بالوقاية، فقد نص المشرع على إحداث لجان السلامة وحفظ الصحة داخل المؤسسة، حيث نص على وجوب إحداث هذه اللجان لدى المؤسسات الصناعية التي تشغل 50 أجيرا على الأقل.

   حيث تتكلف هذه اللجان بمحاولة تقصي المخاطر المهنية التي تهدد المؤسسة، والسهر على حسن صيانة استعمال الأجهزة المعدة للوقاية، كما تسهر على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بحفظ الصحة والسلامة.

   غير أن ما يلاحظ على هذه النصوص أنها جاءت بصيغة عامة ولم تتطرق بصفة مباشرة وصريحة للمعلوميات والمخاطر الصحية التي قد تنتج عنها.

    فالمشرع استعمل في كثير من المواد عبارة الآلات الشيء الذي نطرح معه التساؤل: هل تشمل هذه الآلات أجهزة الحواسب.

    على أي فلتفادي مخاطر المعلوميات على صحة الأجير يجب اتخاذ مجموعة من تدابير الوقاية كتركيب أجهزة واقية للبصر واعتماد كرسي تتوفر فيها شروط معينة وتحديد مدة العمل أمام الشاشة.

    وهذا هو الاتجاه الذي يسير عليه المشرع الفرنسي الذي وضع بمقتضى مرسوم، بتاريخ 14 ماي 1991 مجموعة من تدابير حفظ السلامة والصحة في مجال العمل المعلوماتي.

     إجمالا يمكن القول أن هذا القصور التشريعي في التطرق لخصوصية مخاطر المعلوميات، وتأثيرها على صحة الأجراء تفرض على القضاء المغربي التعاطي مع هذه الإشكالية واضعا نصبا عينيه الظروف والمستجدات التي تعرفها المقاولة المغربية في زمن العولمة والتنافسي.

    فإذا صح لدينا أن الضرورة تفرض إدخال المعلوميات إلى مؤسسة الشغل، أضحى لزاما تقدير الضرورة حق قدرها بتوفير القضاء المغربي لضمانات كافية تحمي الأجراء من كل المخاطر الصحية التي تحدق بهم نتيجة إدخال المعلوميات إلى مؤسسة الشغل.
من إعداد: نورة بوطاهر/ أنس الأعرج/ رشيد الأشهب/ حسن الابراهيمي 
مستجدات قانون الشغل المغربي
تعريف قانون الشغل
مدونة الشغل المغربية 2019 pdf
قانون الشغل المغربي 2018
قانون الشغل المغربي القطاع الخاص 2018
شرح قانون الشغل المغربي pdf
حماية الاجير في قانون الشغل المغربي
مستجدات قانون الشغل المغربي 2019
  

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تقسيم الموضوع