القائمة الرئيسية

الصفحات

الإشكالات العملية في شأن مسطرة كفالة الأطفال المهملين في القانون المغربي


مقدمـــة عامــــة :حول حماية الناشئة في مدونة الأسرة.الفصـــــل الأول : المقتضيات القانونية المنظمة لكفالة الأطفــــــــال .المحـــور الأول : الأطفـــال المهمليــــن .المحـــور الثاني : الأطفال غير المهملين .الفصــل الثانــي : الصعوبات العملية بشأن البت في طلبات الكفالة علـــى مستـــوى البحـــث الاجتماعـــي .علـــى مستـــوى مسطــــرة التقاضــــــــي .علــــــى مستـــــــوى التتــــبــــــــــــــــــع . خـــاتمـــــــــة : الى أي مدى نجحت مدونة الأسرة في إقرار الضمانات الكفيلة بحماية الاطفال المهملين.

    الأطفال هم رياحين الحياة و أزهارها و عبقها و أريجها و هم قطرات الندى الندية، و ورود المجتمع الزكية، هم الذين يبثون السعادة و المرح في اسرهم و أوساطهم ببراءتهم و عفويتهم و تلقائيتهم، و هم الذين يملأون البيوت بهجة و نضارة و حيوية، و هم في ذات الوقت جيل الغد و رجاله، و أمل الأمة و ضمان استمرارها و بقائها و رقيها، و في المستقبل المنظور هم مؤديو الناشئة و مفكرو المجتمع، بإيمانهم و حسن سلوكهم و سمو اخلاقهم و نبل نفوسهم و مشاعرهم و حبهم و صدقهم و صلاحهم، ترقى المجتمعات و تتقدم و تزدهر، و بانحطاط اخلاقهم و تردي سلوكهم و ضعف ايمانهم و فتور عزائمهم و تقصيرهم و ميوعتهم تنحط المجتمعات و تهوي .
و الطفولة كما هو معلوم، هي تلك الفترة الممتدة من اول يوم يولد فيه الإنسان و الى غاية بلوغه سن الرشد او وصوله مرحلة النضج و القدرة على الاعتماد على النفس، و هي لذلك احرج فترة في عمر الفرد، و عليها يتوقف بناء شخصيته في المستقبل، فلا غرو اذن ان تكون محط اهتمام كل التشريعات و المحور الأساس في دراسات و تحاليل علماء الصحة و التربية و النفس
 و الاجتماع .
و قد كانت الشريعة الاسلامية سباقة الى سن المبادئ المثلى و الأسس التربوية الفضلى التي يجب ان ينشأ الطفل في ظلها و يترعرع في كنفها و يتربى عليها ليكون ذلك الإنسان الصالح في ذاته النافع لأسرته و العنصر الفاعل في مجتمعه و امته، كما ان المواثيق الدولية قد نحت نفس المنحى و اوجبت توفير ظروف الرعاية اللازمة للأطفال و تربيتهم التربية الصحيحة المتشبعة بروح المثل العليا و القيم السامية من سلم و كرامة و تسامح و حرية و مساواة و إخاء، مع الحرص على تنشئتهم في بيئة سليمة و منسجمة يملؤها جو السعادة و المحبة و التفاهم، كما هو الشأن بالنسبة للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادق عليها المغرب .
و في مملكتنا السعيدة، و في ظل رعاية ملكية سديدة حكيمة و متبصرة تم سن مجموعة من التشريعات الحضارية و الرائدة المتشبعة بروح الشريعة الاسلامية و بمبادئ المواثيق و الاوفاق الدولية منها ما يرمي الى حماية و رعاية الأطفال و ضمان كافة حقوقهم داخل اسرهم كما هو الشأن في مدونة الأسرة التي اوجبت لمادة 54 منها على الأبوين تجاه ابنائهم حماية حياتهم                      و صحتهم منذ الحمل الى بلوغ سن الرشد و العمل على تثبيت هويتهم و الحفاظ عليها خاصة بالنسبة للاسم و الجنسية و التسجيل في الحالة المدنية، و اثبات نسبهم و القيام بواجب الحضانة                 و الإرضاع و النفقة و اتخاذ كل التدابير الممكنة لنموهم الطبيعي بالحفاظ على سلامتهم الجسدية و النفسية و العناية بصحتهم وقاية و علاجا، مع توجيها دينيا و تربيتهم على السلوك القويم و قيم النبل المؤدية الى الصدق في القول و العمل، و اجتناب العنف المفضي الى الاضرار الجسدي،       و الحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالحهم و تعليمهم و تكوينهم بما يؤهلهم للحياة العملية و للعضوية النافعة في المجتمع، مع تهيئ الظروف الملائمة قدر المستطاع لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري و البدني هذا مع تشمل المصابين منهم بإعاقة اضافة الى ما ذكر، بالحق في الرعاية الخاصة بحالتهم و لا سيما التعليم و التأهيل المناسبان لإعاقتهم قصد تسهيل ادماجهم في المجتمع .
و من هذه التشريعات : ايضا ما يرمي الى معالجة حالة الأطفال الذين يوجدون في وضعيات صعبة، كما هو الشأن بالنسبة للقانون 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين ، و منها ما يهدف الى حمايتهم من كل اعتداء يقع عليهم كما هو الشأن في مجموعة من بنود القانون الجنائي التي تشدد عقوبات جرائم العنف و الإيذاء التي تطال الأطفال القاصرين، و منها اخيرا ما يسن قواعد خاصة بالأحداث  الجانحين، كما هو الشأن بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية الذي يعج بمجموعة من تدابير الحماية و التهذيب و اعادة التربية بغية اصلاح الحدث الجانح و تقويم سلوكه و اعادة ادماجه في المجتمع .
أما عن كفالة الأطفال غير المهملين، فهي ليست منظمة تشريعيا و انما ورد الحديث عنها و بيان مسطرتها في بعض الرسائل الدورية التي اصدرتها وزارة العدل وفق ما سيأتي بيانه، فعلى بركة الله نبدأ الحديث عن هذا الموضوع الذي ارتأينا تقسيمه الى فصلين نتحدث في الأول منهما عن المقتضيات القانونية المنظمة لكفالة الأطفال، و تخصص الثاني للصعوبات العملية بشأن البت في طلبات الكفالة .

الفصل الأول : المقتضيات القانونية المنظمة لكفالة الأطفال : 

للإحاطة بهذه المقتضيات لابد من الحديث في المحور الأول عن الأطفال المهملين 
و تخصيص الثاني بغير المهملين .

المحور الأول : المقتضيات القانونية المنظمة لكفالة الأطفال المهملين :

لقد كانت كفالة الأطفال المهملين منظمة بمقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.93.165 الصادر في 10 شتنبر 1993، الى ان تم سن القانون 15.01 المنفذ بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.02.172 الصادر في يونيو 2002 و الذي تم نشره في العدد 5031 من الجريدة الرسمية
19 غشت 2002، و قد انتظم هذا القانون الأخير في اثنين و ثلاثين مادة و عمل على سد كل ثغرات القانون الأسبق بل و نسخ كل مقتضياته، و جاء مقسما الى سبعة ابواب خصص الأول منها للحديث عن الأحكام العامة المتعلقة بكفالة هذا النوع من الأطفال، و تطرق الثاني للوضعية القانونية للطفل المهمل، بينما تحدث الثالث عن اجراءات تسجيل الأمر الصادر بالكفالة بسجلات الحالة المدنية و تناول الرابع الحديث عن آثار الأمر المتعلق بإسناد الكفالة في حين خصص الخامس لجرد اسباب انتهائها، و اورد السادس مقتضيات زجرية في مادتين اثنتين بينما جاء السابع، بمادة فريدة نسخت مقتضيات الظهير الشريف بمثابة القانون المشار اليه اعلاه .
و كفالة طفل مهمل بمفهوم هذا القانون هي الالتزام برعايته و تربيته و حمايته و النفقة عليه، كما يفعل الأب مع ولده دون ان يترتب عنها حق في النسب و لا في الإرث، ( المادة الثانية ) .
اما الطفل المهمل، فهو كل مولود من كلا الجنسين دون الثامنة عشرة من عمره  اذا وجد في احدى الحالات التالية :
- اذا ولد من ابوين مجهولين او من اب مجهول و ام معلومة تخلت عنه بمحض ارادتها .
- اذا كان يتيما او عجز ابواه عن رعايته و ليست له وسائل مشروعة للعيش .
- اذا كان ابواه منحرفين و لا يقومان بواجبهما في رعايته و توجيهه من اجل اكتساب سلوك حسن، كما في حالة سقوط الولاية الشرعية، او كان احد ابويه الذي يتولى رعايته بعد فقد الآخر او عجزه عن رعايته منحرفا و لا يقوم بواجبه المذكور ازاءه ( المادة الأولى ) .
   و قبل شروع السيد القاضي المكلف بشؤون القاصرين في البحث عن مدى توفر الزوجين المسامين او المرأة المسلمة او المؤسسة العمومية المكلفة برعاية الطفولة او المنظمة او الجمعية ذات الطابع الاجتماعي المعترف لها بصفة المنفعة المتوفرة على الوسائل المادية و الموارد 
و القدرات البشرية الكفأة و المؤهلة لرعاية الأطفال و حسن تربيتهم و تنشئتهم تنشئة اسلامية حسب الحالات و تبعا للشروط الواجب توفرها في الجهة طالبة الكفالة طبقا للمادة التاسعة من القانون، فإنه لابد من المرور بمجموعة من الإجراءات أولها إيداع الطفل الموجود في احدى الحالات المذكورة سلفا من قبل السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الواقع بدائرة نفوذها مقر اقامة الطفل،
 او مكان العثور عليه بإحدى المؤسسات الصحية او بأحد مراكز او مؤسسات الرعاية الاجتماعية المهتمة بالطفولة سواء منها التابعة للدولة او للجماعات المحلية او للهئيات و المنظمات و الجمعيات المتوفرة على الوسائل المادية و البشرية الكافية او لدى اسرة او امرأة ترغب في كفالته او في رعايته فقط، شريطة توفر الاشخاص المذكورين او المؤسسات المشار اليها على الشروط الواردة بالمادة التاسعة من القانون، و هو ايداع مؤقت يقوم به السيد وكيل الملك، و يتبعه بإجراء بحث في شأن الطفل ( المادتان الرابعة و الثامنة ) .
و ثاني هذه الإجراءت هو تسجيل الطفل بسجلات الحالة المدنية، و هو مسعى وضع القانون مسؤولية القيام به على عاتق السيد وكيل الملك ما لم يتبين ان الطفل مسجل بسجلات الحالة المدنية قبل ذلك، اما الإجراء الثالث فهو قيام وكيل الملك ايضا وفور الانتهاء مما ذكر بتقديم طلب للمحكمة الابتدائية الواقع بدائرة نفوذها اما مقر اقامة الطفل او مكان العثور عليه او مقر المركز الاجتماعي المودع به، لاستصدار حكم تصريحي يقضي باعتباره مهملا، و هو طلب يعززه بجميع عناصر
 و معطيات البحث الذي اجراه لإقامة الحجة على ان ذات الطفل مهمل فعلا .
و خلال بحثها في النازلة للمحكمة كامل الصلاحية، لإجراء كل بحث اضافي او خبرة تكميلية إن رأت القيام بذلك ضروريا .
و إذا تأكدت ان الطفل مجهول الأبوين، اصدرت حكا تمهيديا يتضمن كافة البيانات اللازمة للتعريف بالطفل و منها اوصافه و مكان العثور عليه، و تأمر وكيل الملك بالقيام بكل ما يلزم لتعليقه في مكاتب الجماعة المحلية و القيادة بمكان العثور على الطفل، او عند الاقتضاء في مقر اقامة الطفل او مقر المركز الاجتماعي المودع به او فيهما معا، او في أي مكان آخر تراه ملائما، و ذلك لمدة ثلاثة اشهر يمكن اثناءها لأبوي الطفل ان يعرفا بنفسيهما ويطالبا باسترداده و اذا انصرمت المدة المذكورة، دون ان يتقدم أي شخص لإثبات ابوته للطفل و يطالب تبعا لذلك باسترداده، فإن المحكمة تصدر حكما مشمولا التنفيذ المعجل بقوة القانون رغم كل طعن، تصرح فيه بأن الطفل مهمل، ( المواد الرابعة و الخامسة و السادسة ) .
و بعد ذلك توجه نسخة من الحكم المذكور الى السيد القاضي المكلف بشؤون القاصرين لدى المحكمة المختصة اما بطلب من السيد وكيل الملك او من طالب او طالبي الكفالة او من الجهة المعنوية الراغبة في ذلك ايضا ( المادة السابعة ) و هو ما يشكل نقطة الانطلاق لبدء البحث الذي يجريه القاضي المذكور وفقا للمسطرة الآتي بيانها لإصدار امر بقبول طلب اسناد الكفالة او رده .
و يشار الى انه عند تزاحم طلبات الكفالة بشأن نفس الطفل المهمل، فإن الأسبقية طبقا للمادة العاشرة من القانون 15.01 تعطى للزوجين اللذين ليس لهما اطفال، او اللذين تتوفر لهما افضل الظروف لضمان المصلحة الفضلى  للطفل، و اذا تجاوز الطفل المهمل الثانية عشرة من عمره، فإنه لا تسند كفالته لزوجين مسلمين او لامرأة مسلمة ممن تتوفر فيهم شروط المادة التاسعة، الا بناء على موافقته الشخصية ( المادة الثانية عشرة ) و لا يمكن بحال من الأحوال و في آن واحد اسناد كفالة نفس الطفل لعدة كافلين ( المادة 13 ) .
المسطرة المتبعة لكفالة طفل مهمل :
تبدأ هذه المسطرة بتقديم الشخص او الجهة الراغبة في الكفالة طلبا بشأن ذلك الى السيد القاضي المكلف بشؤون القاصرين الواقع بدائرة مقر اقامة الطفل، مرفقا بالوثائق المثبتة لاستيفاء شروط المادة التاسعة و بنسخة من رسم ولادة الطفل المراد كفالته وفور تقديم هذا الطلب يفتح له القاضي المذكور ملفا يسجل بالسجل المعد لذلك حسب رقمه التسلسلي ثم يعمد الى جمع المعلومات و المعطيات المتعلقة بالظروف التي ستتم فيها كفالة الطفل المهمل عن طريق بحث خاص يجريه بواسطة اللجنة المنصوص عليه في المادة 16 من القانون .
و قد حدد المرسوم رقم 2.03.600 الصادر بتاريخ 07 يونيو 2004 المطبق للمادة المذكورة الأشخاص الذين تتكون منهم لجنة البحث المشار اليها و هم كالآتي :
- وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التابع لدائرة نفوذها القاضي المكلف بشؤون القاصرين المختص او من يعينه من نوابه لهذه الغاية بصفته رئيسا .
- ناظر الأوقاف و الشؤون الاسلامية الموجود بدائرة نفوذ نظارته مقر اقامة الطفل المهمل او من ينوب عنه .
- ممثل السلطة المحلية الموجود بدائرة نفوذها مقر اقامة الطفل المهمل او من ينوب عنه .
- مساعدة اجتماعية معينة من السلطة الحكومية المكلفة بالطفولة تقترحها السلطة الحكومية المكلفة بالصحة او من ينوب عنها .
و عند انتهاء كل جهة ممن ذكر من القيام بما كلفت به تودع نتائج بحثها بالملف المفتوح لهذه الغاية حيث يقوم القاضي المكلف بشؤون القاصرين بدراستها للتأكد من كفايتها للبت في الطلب 
و الوقوف على مدى توفر الشخص او الجهة الراغبة في الكفالة على جميع الشروط المتطلبة، 
و اذا ما تبين له توفر كل الشروط اصدر امرا بإسناد كفالة الطفل المهمل الى الشخص او الجهة التي تقدمت بالطلب، و هو امر قابل للاستئناف، لكنه رغم ذلطك يصدر مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون .
و يحسن ان يضمن القاضي المكلف بشؤون القاصرين في امره المذكور الإشارة الى مجموعة البيانات اللازمة و الكافية للتعريف بهوية الكافل شخصا ذاتيا او جهة و كذا بشخص المكفول، و ان يثير انتباه من اسند اليه الكفالة الى مجموعة من النقط منها على الخصوص :
1- ان الكفالة هي الالتزام برعاية الطفل و تربيته و حمايته و النفقة عليه كما يفعل الوالد مع ولده و لا يترتب عنها حق في النسب و لا في الإرث طبقا للمادة الثانية من القانون 15.01.
2- ان الأمر الذي اصدره يترتب عنه تحمل الكافل تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالنفقة على الطفل و حضانته و رعايته و ضمان تنشئته في جو سليم، و الحرص على نلبية حاجياته الأساسية الى حين بلوغ سن الرشد القانوني، مع الإشارة اذا كان المكفول أنثى الى ان النفقة عليها تستمر الى ان تتزوج، اما اذا كان معاقا او عاجزا عن الكسب فيشار الى ان النفقة عليه تستمر دون توقف طبقا للمادة 198 من مدونة الأسرة .
3- ان الكافل يستفيد من التعويضات و المساعدات الاجتماعية المخولة للوالدين عن اولادهم من طرف الدولة او المؤسسات العمومية او الخصوصية او الجماعات المحلية او هيئاتها .
4- ان الكافل بعتبر مسؤولا مدنيا عن المكفول، و تطبق على هذه المسؤولية مقتضيات المادة 85 من قانون الالتزامات و العقود ( المادة 22 ) .
5- ان الكافل و المكفول تجري عليهما مقتضيات القانون الجنائي بخصوص الجرائم التي يرتكبها الوالدان ضد الأولاد و الأولاد ضد الوالدين ( المادة 30 ) .
6- ان الكفالة تنتهي ببلوغ المكفول سن الرشد القانوني اذا كان ذكرا او بموته او بموت الزوجين الكافلين او فقدانهما معا لأهليتهما او بموت المرأة الكافلة او فقدانها لأهليتها،
 او بحل المؤسسة او الهيئة او المنظمة او الجمعية الكافلة او بإلغاء الكفالة بأمر قضائي في حالة اخلال الكافل بالتزاماته او تنازله عن الكفالة، او اذا اقتضت ذلك المصلحة الفضلى للطفل المكفول ( المادة 25 ) .
هذا و يعين القاضي المكلف بشؤون القاصرين الكافل مقدما عن المكفول و ينص على ذلك في الأمر الذي يصدره ( المادة 17 ) كما يأمر بتوجيه نسخة من ذات الأمر الى السيد ضابط الحالة المدنية المسجل لديه رسم ولادة الطفل المكفول من اجل ترسيم و تثبيت مضمون امره المذكور بطرة رسم ولادة الطفل، و يقوم بنفس الإجراء في حالة الغاء الكفالة او اصدار امر باستمرارها، طبقا لما تنص عليه المواد 21، 25 و 26 من القانون .
و يجب تنفيذ امر بإسناد الكفالة داخل اجل 15 يوما من تاريخ صدوره من طرف المحكمة الابتدائية التابع لها القاضي الذي اصدره، و يحرر محضر بتسليم الطفل المكفول الى الشخص او الجهة الكافلة في ثلاث نظائر يوجه احدها الى القاضي المكلف بشؤون القاصرين ليودعه بملف الكفالة و يسلم الثاني للكافل و يحتفظ بالثالث في ملف التنفيذ، و يتم التنفيذ بحضور ممثل النيابة العامة و السلطة المحلية و المساعدة الاجتماعية،و قد اكد كتاب السيد وزير العدل عدد 16س 2/ك.ع بتاريخ                  18 مارس 2005 على ضرورة الحرص على ان يتم تسليم الطفل المهمل بحضور ممثل السلطة المحلية و المساعدة الاجتماعية .
و يتعين التنصيص في محضر التنفيذ على الخصوص على هوية كل من الكافل و المكفول
 و الأشخاص الذين حضروا واقعة التسليم،و مكان و ساعة هذا التسليم، مع وجوب شفعه بتوقيع مأمور التنفيذ و الكافل، او وضع هذا الأخير بصمته اذا كان لا يستطيع التوقيع، طبقا لمقتضيات المادة 18 .
هذا و لا ينتهي الأمر عند هذا المستوى، بل يعهد الى القاضي المكلف بشؤون القاصرين الواقع بدائرة نفوذه مقر اقامة الكافل، بمهمة تتبع و مراقبة شؤون المكفول للتأكد من مدى وفاء الكافل بالتزاماته، و له في سبيل ذلك ان يعهد بإجراء ما يراه ضروريا من ابحاث الى النيابة العامة             او السلطة المحلية او المساعدة الاجتماعية او اللجنة المنصوص عليها في المادة 16 او الى اية جهة مختصة اخرى .
و تقوم الجهات المذكورة او اللجنة بموافاة القاضي بتقاريرها حول ما قامت به من ابحاث مقترحة عليه التدابير التي تراها ملائمة، و منها الأمر بإلغاء الكفالة، و له كامل الصلاحية للاستجابة لذلك او اتخاذ ما يراه مناسبا لمصلحة الطفل ( المادة 19 ) .
و من جهة اخرى يمكن للقاضي المكلف بشؤون القاصرين ان يأذن للكافل بالسفر بالمكفول للإقامة الدائمة خارج المملكة متى تماشت مصلحة الطرفين مع ذلك .
و لتيسير هذا الأمر و تفادي الوقوع في اية مشاكل او مصادفة اية عراقيل و صعوبات تفضي سحب الطفل ممن اذن له بالسفر به خارج التراب الوطني من طرف  سلطات بلد الاستقبال، أوجبت الرسالة الدورية للسيد وزير العدل رقم 50 س 2 بتاريخ فاتح يوليوز 2003، على القاضي قبل اصدار اذنه بالترخيص بمغادرة المكفول ارض الوطن في اتجاه الدولة التي يردي الكافل اخذه اليها، التأكد من وجود اتفاقية قضائية تسمح بنظام الكفالة او ادلاء الكافل بإشهاد من سلطات ذلك البلد يثبن سلامة الوضعية القانونية التي سوف يعيشها المكفول اثر انتقاله اليه، كما اوجب كتاب السيد وزير العدل رقم 16 س2/ك بتاريخ 28 مارس 2005 كلما كان طالب الكفالة اجنبيا تعميق الأبحاث المنجزة من طرف الضابطة القضائية حول اهليته و مدى مؤهلاته للتكفل بالطفل مع تأكد القاضي من توفره على هذه المؤهلات و ما اذا كان له من الضمانات ما يجعل الرقابة تمتد لتتبع احوال الطفل المكفول .
و إذا اذن القاضي بالسفر بالطفل خارج المملكة وجب عليه توجيه نسخة من اذنه هذا الى المصالح القنصلية المغربية بمحل اقامة الكافل لتقوم بدور تتبع وضعية الطفل و مراقبة مدى وفاء كافله بالالتزامات المنصوص عليها في المادة 22، بجميع الوسائل التي تراها مناسبة، مع اخبار القاضي الذي اصدر الإذن بكل اخلال يطرأ على هذه الالتزامات، طبقا لما جاء في المادة 24 التي اضافت ان القنصل يوجه الى القاضي تقارير تتعلق بحالة الطفل يشفعها باقتراحاته بكل التدابير التي يراها ملائمة و منها الغاء الكفالة، ليتخذ القاضي على ضوئها ما يراه ملائما من إجراءات لمصلحة الطفل اما تلقائيا و اما بطلب من وكيل الملك او ممن له مصلحة في ذلك .
هذا وقد أوجب كتاب السيد وزير العدل رقم 16س2/ك.ع المشار اليه اعلاه حصول تنسيق بين السادة القضاة المكلفين بشؤون القاصرين و بين المصالح القنصلية و السفارات المغربية التابع لها محل اقامة الكافل من اجل السهر على تنفيذ ما يتعلق بكفالة الأطفال المهملين المغاربة الذين يتم تسليمهم للكافلين المقيمين بصفة دائمة خارج ارض الوطن، و خاصة الأجانب منهم، و تتبع وضعيتهم و مراقبة مدى وفاء الكافلين بالالتزامات المنصوص عليها قانونا .

المحور الثاني : المقتضيات المنظمة لكفالة الأطفال غير المهملين :

يمكن القول ان الطفل غير المهمل هو كل طفل لا يدخل في زمرة احدى حالات المادة الأولى من القانون رقم 15.01 المتعلق بالأطفال المهملين، و هو في الغالب، كل طفل له ابوان غير منحرفين و غير عاجزين في الوقت ذاته عن اعالته، لكنهما بمحض ارادتهما يرغبان في تسليمه لأحد اقاربهما المقيمين بالمهجر، كأخ الطفل او عمه او جده او غيرهم، لما يأنسون في ذلك من امكانية عيشه في ظروف احسن من تلك التي يعيش في ظلها معهم، و لما يتوسمون من صلاح فيمن يريد كفالته و اصطحابه معه خارج ارض الوطن .
و كفالة هذا النوع من الأطفال غير منظمة قانونا، و انما ورد الحديث عنها و توضيح مسطرتها في بعض الرسائل الدورية التي اصدرتها وزارة العدل كالرسالة الدورية رقم 12433/2 بتاريخ 09 اكتوبر 1990 و الرسالة الدورية رقم 1858/2 بتاريخ 07 فبراير 1996 في موضوع
" حــــول كفالــــة الأطفـــــــال " .
و الرسالة المذكورة اخيرا هي التي اوضحت المسطرة التي يتعين سلوكها لكفالة هذا النوع من الأطفال، و هكذا فبعدما اوضحت انه لا يكفي عقد كفالة عدلي بين الراغب في الكفالة و والدي او اولياء المكفول، يتسلم بمقتضاه الأول الطفل موضوع العقد من ابويه او اوليائه للنفقة عليه و تربيته و رعاية شؤونه خارج ارض الوطن على وجه البر و الإحسان دون أي يشترط في الكافل، اوجبت، حرصا على ان لا يتعرض الطفل للإهمال و الضياع و الضرر و يؤدي وضعه هذا الى تدخل سلطات بلد الإقامة لاستصدار حكم قضائي بإيداعه بأحد ملاجئ الأطفال المشردين، اقول حرصا على عدم وصول الطفل الى هذا الوضع، اوجبت الرسالة الدورية المذكورة على السيد القاضي المكلف بشؤون القاصرين القيام بتحريات خاصة، و عليه، فعندما يتقدم اليه الراغب في الكفالة يرمي الى التكفل بطفل غير مهمل بموافقة والديه او اوليائه حسب الأحوال، وجب عليه ان يفتح للطلب ملفا يسجل بالسجل المعد لذلك حسب رقمه التسلسلي، بعدما يتأكد من ان الطالب قد ارفقه بما يكفي من وثائق و مستندات كرسم ولادة المطلوب كفالته و بطاقة السوابق العدلية لطالب الكفالة و الشهادة الطبية المثبتة لخلو هذا الأخير من الأمراض المعدية، و ما يفيد توفره على الإمكانات المادية الكافية لتغطية حاجيات الطفل، و بطاقة اقامته بدولة المهجر، و وصورة جواز سفره، و غيرها مما يراه القاضي ضروريا لتعزيز الطلب، ثم يرفع الكل الى السيد وكيل الملك قصد اجراء بحث بواسطة الضابطة القضائية حول اذا كان الراغب في الكفالة صالحا لها اخلاقيا و اجتماعيا و له مؤهلات مادية كافية لتوفير احتياجات الطفل، و لم يسبق الحكم هعليه من اجل جريمة ماسة بالأخلاق او مرتكبة ضد الأطفال، و كونه سليما من كل مرض معد، و من كل مانع يعوق قيامه بالواجب، و كلها شروط كانت تنص عليها المادة السابعة من الظهير بمثابة قانون المتعلق بالأطفال المهملين و الذي تم الغاؤه و نسخه بالقانون 15.01 هذا الأخير الذي سطر في مادته التاسعة نفس الشروط و اضاف اليها غيرها .
و بعد انجاز البحث المذكور، يرجع السيد وي=كيل الملك نتيجته الى السيد المكلف بشؤون القاصرين الذي يقوم بدراستها للتأكد من استيفاء البحث جميع النقط السالفة الذكر، و اذا ما تبدي له ان النتيجة المحصل عليها كافية للبت في الطلب استدعى طالب الكفالة و والدي المكفول أو اولياءه، حسب الأحوال لإنجاز محضر رسمي يضمنه على الخصوص عرض نتيجة البحث على الطرفين و تسجيل ملاحظتهما حولها، مع الإدلاء بأية وثيقة اخرى يراها ضرورية لتعزيز الطلب، ثم يتأكد من موافقة ابوي الطفل او اوليائه على السفر به خارج ارض الوطن، و ما اذا كانا يسمحان لطالب الكفالة بممارسة السلطة الأبوية عليه بدولة الإقامة، و بعد ذلك يصدر امره لعدلين لإنجاز رسم كفالة عدلي يتضمن كل ما ذكر لاستعماله كما يجب من طرف طالب الكفالة .
و بعد الخطاب على الرسم العدلي يتعين تقديم طلب الى المحكمة الابتدائية التي يعمل بها القاضي المذكور يرمي الى اصدار حكم يقضي بإثبات و تصحيح هذه الكفالة و هو طلب يرفقه الكافل بالرسم المنجز و بنتيجة بحث الضابطة القضائية لتصدر المحكمة على ضوء ذلك حكما يقضي بإثبات هذه الكفالة و المصادقة عليها، و يمكن ان يتضمن الحكم، بناء على طلب الكافل الإذن له بممارسة السلطة الأبوية على المكفول بدولة الإقامة .
و قد كانت السلطات الأجنبية تكتفي بعقود الكفالة العدلية الا انها مؤخرا اوجبت على الكافلين الإدلاء بأحكام قضائية تصادق على ذات الكفالة، و هو ما اشارت اليه الرسالة الدورية رقم 12433/2 بتاريخ 09 اكتوبر 1990، و السبب في ذلك راجع الى حرص بعض المؤسسات المعنية بشؤون الأجانب المهاجرين كمصلحة الإقامة و مؤسسة الضمان الاجتماعي على التأكد من صحة المعلومات المضمنة بعقود الكفالة و لا يتأتى لها ذلك الا بصدور احكام تصادق على ما ورد بتلك العقود، لما للأحكام القضائية من مصداقية وحجية .
هذا كل ما اتسع المقام لبسطه بشأن كفالة الأطفال غير المهملين، و منه ننتقل بعون الله تعالى الى طرق الفصل الثاني المتعلق بالصعوبات العملية التي يصادفها العمل القضائي عند بته في طلبات الكفالة .

الفصل الثاني : الصعوبات العملية بشأن البت في طلبات الكفالة :      

اذا كانت مسطرة البت في طلبات كفالة الأطفال غير المهملين، لا تثير كبير اشكال لسهولة مسطرتها و سرعة انجاز الأبحاث المتعلقة بها و العقود العدلية المأذون بإقامتها و الأحكام المصادقة عليها و المثبتة لها، فإن الأمر على خلاف ذلك فيما يخص كفالة الأطفال المهملين، و التي تعتري مسطرتها مجموعة من الصعوبات و الاشكالات، إن على مستوى البحث الاجتماعي، او على مستوى مسطرة التقاضي، او على مستوى التتبع، و اليكم بعض النماذج من تلك الصعوبات .

اولا : على مستوى البحث الاجتماعي :

المقصود بالبحث الاجتماعي هنا، الذي تجريه المساعدة الاجتماعية كجهة من الجهات التي نص عليها المرسوم رقم 2.03.600 بتاريخ 07 يونيو 2004 المطبق للمادة 16 من القانون  .
و اذا علمنا ان البحث الذي تجريه هذه المساعدة يستوجب تحريات دقيقة لا يتأتى جمعها
الا بالانتقال الى مكان تواجد طالب الكفالة فإنه في منطقة مترامية الأطراف كإقليم الرشيدية الذي نعمل به، و الذي تتوفر دائرته القضائية على محكمة ابتدائية و ثمانية عشر مركزا قضائيا متباعدة فيما بينها، بشكل قد تصل معه المسافة بين مركزين اثنين الى ما يقارب الأربعمائة كيلومتر، لا يبدو ان مساعدة اجتماعية واحدة بمقدورها القيام بجميع الأبحاث و التحريات المطلوبة، خصوصا و انها تقوم بعمل مهني صرف في اطار وظيفتها بوزارة الصحة التابعة لها، ثم انها قد تنتدب من قبل السيد قاضي الأسرة المكلف بالزواج للقيام ببحث اجتماعي بشأن طلب تزويج القاصر في اطار المادة 20 من مدونة الأسرة، و حتى ان تمنكت من القيام بذلك، فإن بحثها قد لا يكون بالجودة و المواصفات المطلوبة و التي تفيد القاضي عند بته في الطلب .
و الذي يزيد في اعباء المساعدة الاجتماعية ان اجراءات تسجيل الطفل المهمل المودع بإحدى المؤسسات الصحية، نتيجة ولادة غير شرعية ترتبت عن علاقة زنى، و هي الصورة الغالبة للحالات المعروضة علينا، و اجراءات استصدار حكم تصريحي بكون الطفل مهملا، و التي توجب المادتان 04 و 05 من القانون 15.01 القيام بها من طرف وكيل الملك، لا تقوم النيابة العامة بها و انما توكل ذلك الى المساعدة الاجتماعية، و هي اجراءات قد تتطلب وقتا ليس باليسير و تستوجب تردد المساعدة على المحكمة لمعرفة مآلها .

ثانيا : على مستوى مسطرة التقاضي :

المقصود هنا تلك المرحلة التي يتقدم فيها الشخص او الجهة الراغبة في الكفالة بطلب الى السيد القاضي المكلف بشؤون القاصرين المختص، مرفقا بالوثائق المتطلبة لاستصدار امر بإسناد الكفالة .
و أول اشكال نصادفه باستقراء نص المادة 15 من القانون 15.01 انها لم تحدد  شكليات خاصة للطلب المذكور و لم توضح ما اذا كان يستوجب اداء الرسوم القضائية ام معفى من كل اداء، لكننا عمليا نقبل الطلب اذا كان موضحا لهوية طالب الكفالة او معرفا بما يكفي بالجهة الراغبة فيها، و كذا بهوية الطفل المهمل موضوع الطلب، دون فرض اداء اية وجيبة قضائية عليه، ثم ان البحث يأمر القاضي بإجرائه طبقا للمادة 16 قد يستغرق وقتا طويلا، يصل في عدة احيان الى سنتين، و هو ما يفيد عدم ايلاء الجهات المختصة بالبحث طبقا للمرسوم2.03.600 الصادر بتاريخ 07 يونيو 2004 العناية اللازمة لهذه الملفات رغم كون الأطفال المعنيين بها في وضعية صعبة، و يزداد الأمر تعقيدا اذا كان السيد وكيل الملك قد سبق ان سلم الطفل مؤقتا لامرأة ترغب في كفالته اعمالا للمادة الثامنة من القانون، و كان الطفل اذاك في ايام حياته الأولى فإنه لا يفتح عينه الا على هذه المرأة، فكيف يتأتى بعد ذلك نزعه منها، اذا طالت مدة البحث و اسفرت نتائجه عن عدم توفرها على الشروط المطلوبة قانونا، و الحال ان علاقة حميمية تكون قد نشأت بينهما بشكل يصعب معه فصله عنها حفاظا على استقراره النفسي، و في وقت ليس من السهل فيه ايضا اسناد كفالة الطفل الى شخص او جهة اخرى الا بالمرور عبر نفس المسطرة .
إنها وضعية تستوجب حث جهات البحث على القيام بما يطلب منها بالكفاءة اللازمة
 و السرعة المتطلبة احترازا من الوقوع في اوضاع شائكة بعد ذلك .
ان عدم التعجيل بالبحث المأمور به، قد يؤدي ايضا الى عدم انجازه بالمرة كما هو الشأن في حالة المرأة التي تتسلم الطفل مؤقتا من وكيل الملك بمقتضى محضر تسليم مؤقت، و تغادر المدينة التي كانت تستقر بها قبل قيام لجنة المادة 16 بالبحث المطلوب منها، خصوصا اذا لم تكن موظفة بأحد قطاعات الدولة او عاملة بإحدى المؤسسات العمومية او الخاصة او بإحدى الجماعات المحلية، و لم تعمل بعد استقرارها بعنوانها الجديد بموافاة القاضي المختص به، فيما هو مآل الملف عندئذ،            و ما هي السبل الكفيلة لمعرفة ما اذا كان الطفل المسلم لها يعيش في كنفها في وضع يلقى فيه كامل الرعاية و العناية و التربية وفق ما يستوجبه القانون 15.01 ؟ .
و نقطة أخيرة في هذا الباب، لا مجال لتجاوزها تتمثل في ان ناظر الأوقاف او مندوب الشؤون الاسلامية حاليا كجهة من جهات البحث المأمور به لجمع المعلومات و المعطيات المتعلقة بالظروف التي ستتم فيها كفالة الطفل المهمل، لا يقوم بالمطلوب منه بشكل مرضي، بل يكتفي بمراسلة تتضمن عبارة مفادها ان النظارة او المندوبية لا ترى مانعا من اسناد الكفالة لطالبها في اطار ما تنص عليه الشريعة الاسلامية من التكافل و التضامن، و في اطار مقتضيات القانون المسطر لهذا الغرض .

ثالثــــا : علـــى مستــــوى التتبــــع : 

تنص المادة 14 من القانون 15.01 انه يعهد الى القاضي المكلف بشؤون القاصرين الواقع بدائرة نفوذه اقامة الطفل المهمل بإسناد كفالته الى الشخص او الجهة الراغبة فيها طبقا للمادة التاسعة من القانون، فهل هذا القاضي هو نفسه الذي يعهد اليه طبقا للمادة 19 بمهمة تتبع و مراقبة شؤون المكفول و مدى وفاء كافله بالتزاماته، و الواقع بدائرة نفوذه مقر اقامة الكافل ان انه قاض آخر؟ ذلك ان مقر اقامة الطفل المهمل قد يكون مختلف عن مقر اقامة الكافل، حيث يتصور ان يكون الطفل مودعا بمؤسسة لرعاية الطفولة مثلا بمدينة معينة، و يكون الراغب في كفالته مقيما بمدينة أخرى، 
و اذا ما اراد التكفل به فعليه ان يتقدم بطلبه الى القاضي الذي يقع بدائرة نفوذه مقر المؤسسة المودع بها الطفل، فهل هذا القاضي هو الذي سيعمل على جمع المعلومات و المعطيات الخاصة بطالب الكفالة بواسطة لجنة المادة 16 المحددة اشخاصها بالمرسوم رقم 1.03.600 بتاريخ 07 يونيو 2004 رغم ان اعضاء هذه اللجنة لا يتواجدون بدائرة نفوذه ام انه سيلجأ الى اعمال الانابة القضائية عن طريق انتداب القاضي المكلف بشؤون القاصرين لمحل اقامة طالب الكفالة بالحلول محله لإنجاز البحث المطلوب ؟ و اذا ما سلمنا بإمكانية هذا الحل الأخير، ما دامت الإنابة القضائية وضعت اساس لحل مثل هذه الإشكالات، فهل سينتهي دور القاضي الواقع بدائرة نفوذه مقر اقامة الطفل بإصدار امره بإسناد الكفالة الى طالبها عند توفر الشروط المتطلبة فيه وفق ما اسفرت عنه نتائج الانتداب القضائي، ام سيمتد دوره للقيام بمهمة تتبع و مراقبة شؤون الطفل المكفول، و مدى وفاء كافله بالتزاماته، و الحال ان هذا الأخير لا يقطن بدائرة نفوذه؟ و اذا ما كان دوره سينتهي بإصدار امره بإسناد الكفالة، فهل معنى هذا ان دور التتبع و مراقبة شؤون المكفول و مدى وفاء كافله بالتزاماته، سيقوم بها القاضي الواقع بدائرة نفوذه اقامة الطفل، و الحال ان هذا الأخير لا يتوفر على ملف الكفالة، و انما انجز فقط ما ورد بإنابة قضائية صدرت اليه من قاض آخر .
إنه اشكال لم يعط القانون 15.01 أي توضيح بشأن تجاوزه، يخالطه واقع عملي يتمثل في الرغبة في اسناد كفالة طفل مهمل الى شخص يبدو مؤهلا للقيام بالكفالة على وجهها المطلوب لتوفره على جميع شروط المادة التاسعة، تمتزج به الرغبة في انتشال ذات الطفل من المؤسسة المودع بها 
و التي قد لا ينعم في احضانها بالرعاية و العناية و التربية اللازمة، خصوصا و ان جل المؤسسات على قلتها، لا تتوفر بالضرورة على الإمكانات المادية الضرورية و لا على الأطر البشرية الكافية و المؤهلة للقيام بالدور المنوط بها، و هي على العموم تعرف اكتظاظا ملحوظا بالأطفال الموجودين في وضعية صعبة .
ان اشكالا مماثلا قد يطرح بشأن تتبع وضعية الطفل المكفول المأذون لكافله بالسفر به خارج ارض الوطن، خصوصا و ان آليات التنسيق و القنوات التي يتعين المرور عبرها لتفعيلها بين السادة القضاة المكلفين بشؤون القاصرين و بين المصالح القنصلية و السفارات المغربية التابع لها محل اقامة الكافل، غير محددة لا بنص قانوني و لا بمقتضى كتاب السيد وزير العدل رقم 16س2/ك.ع بتاريخ 28 مارس 2005 .
أكتفي بهذا القدر من الاشكالات و الصعوبات العملية المواكبة لمسطرة البت في كفالة الأطفال المهملين، علما ان الواقع العملي قد يفرز غيرها، مشيرا فقط الى ان عدد الأطفال المهملين يتزايد بشكل مطرد، و بوثيرة لا تتماشى مطلقا مع العدد القليل للأشخاص الذين يرغبون في الكفالة، كما ان المؤسسات و الهيئات و المنظمات و الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة، لا تتواجد الا بإعداد محدودة، و هي ان وجدت، لا تتوفر على كل الوسائل المادية و الموارد و القدرات البشرية المؤهلة لرعاية الأطفال و حسن تربيتهم و تنشئتهم تنشئتهم تنشئة اسلامية .

خاتمــــــة :
في نهاية هذا البحث المتواضع، نؤكد مرة اخرى انه اذا كانت مسطرة كفالة الأطفال غير المهملين لا تثير اشكالات كبيرة، فإن مسطرة كفالة الأطفال المهملين على النقيض من ذلك، تفرز صعوبات عملية تستوجب الوقوف عندها و رصدها و محاولة ايجاد الحلول الملائمة لتجاوزها، و اذا كان القانون 15.014 المنظم لهذا النوع من الأخير من الكفالة بكثير من الايجابيات و ينص على مجموعة من المقتضيات الهامة و الرائدة لحماية الأطفال المهملين، و يضع على عاتق الكافلين التزامات تقارب تلك التي اوجبتها مدونة الأسرة و غيرها من القوانين وفق ما سبق بيانه على الآباء او الأولياء تجاه اطفالهم، فإن مبادئ الشريعة الاسلامية  التي تحث على التكافل و التعاون توجب الاعتناء بهذه الشريحة من الأطفال و من على شاكلتها و معاملتها معاملة ابناء الصلب تربية و نفقة و رعاية و اهتماما و تنمية قدراتها و مهاراتها لتكون عناصر صالحة و فاعلة في مجتمعاتها بعد ذلك، و تجزل ثواب الكافلين على ما قاموا به تجاهها في الآخرة، فقد قال رسولنا الكريم  صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم : " أنا و كافـــل اليتيـــم في الجنــــة كهاتيـــن " و اشار بأصبعيه السبابة و الوسطى .
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته . 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تقسيم الموضوع