القائمة الرئيسية

الصفحات

ملخص قانون المسطرة المدنية الفصل السادس القانون خاص

تعريف المسطرة المدنية

تعني “المسطرة” اصطلاحا، وهي الترجمة العربية للكلمة الفرنسية Procedure المشتقة بدورها من الكلمة اللاتينية Procedere التقدم والسير نحو الأمام، وبالنظر لهذا فإن أفضل تعريف يمكن أن نعطيه للمسطرة هو أنها تلك الطريق الواضحة المعالم التي يتعين على المتقاضين أن يتبعوها إن هم أرادوا أن يتم فحص موضوع الدعوى التي تقدموا بها، بل ويمكن القول أن إلزامية سلوك تلك الطريق تهم كل المتدخلين في مرفق القضاء، فعلى الرغم من أن ولوج القضاء يشكل حقا لكل المتقاضين، فإن ممارسة هذا الحق تبقى مقيدة بضرورة احترام الشكليات المحددة قانونا.
ومن الناحية القانونية، يمكن تعريف المسطرة بأنها ذلك الفرع من القانون الذي يعني بالشكليات التي يتعين احترامها من طرف المتقاضين والقضاة وكل مساعدي العدالة سواء من أجل عرض نزاع ما على القضاء أو إيجاد حل له، وتبعا لذلك يمكن القول بأن المسطرة، أيا كان نوعها، تلعب دور المنظم لولوج مرفق القضاء، وخلافا للرأي الذي عبر عنه الفقه القديم فإنه من الحيف اعتبار القواعد القانونية المسطرية، بالنظر لأهمية الدور الذي تضطلع به، أقل أهمية من القواعد القانونية الموضوعية، على الرغم من أن المشرع المغربي وغيره على مستوى القانون المقارن كثير، قد كرس مجموعة من المبادئ التي تساعد على مأسسة هذا التمييز وتدعم أطروحة مسانديه.


تعريف المسطرة المدنية و تحديد أطراف الدعوى
خصائص قانون المسطرة المدنية
تدخل النيابة العامة في الدعوى
تمييز المسطرة المدنية عن القوانين المماثلة
الحق في محاكمة محايدة
الحق في محاكمة عادلة
إشكاليات التبليغ وآجاله
طرق تبليغ الإستدعاء لحضور الجلسة
مباشرة الدعوى و الفرق بينها وبين الحق
تسليم الإستدعاء و إجراءاته
شروط قبول الدعوى
تصنيف الدعاوی

الطلبات الأصلية
آثار الطلب
تقديم الطلبات العارضة خلال سريان الدعوى
الدفوع الموضوعية و الشكلية
الدفوع بعدم قبول الدعوى المدنية
إجراءات التحقيق
تصنيف إجراءات التحقيق
الإجراءات المتعلقة بالحجة الكتابية
إجراءات التحقيق – اليمين و الشهادة
تصنيف الأحكام
شروط صحة المقررات القضائية
آثار الحكم القضائي في الدعوى المدنية
المساطر الخاصة بالإستعجال
الأوامر الإستعجالية
الطابع الإستعجالي للأمر بالأداء
التنفيذ الجبري للمقرر القضائي
طرق التنفيذ الجبري – الحجز التحفظي
طرق التنفيد الجبري – الحجز التنفيذي
طرق التنفيد الجبري – الحجز التنفيذي العقاري
طرق التنفيد الجبري – الحجز على السفن و البواخر
طرق التنفيذ الجبري – مسطرة التوزيع
طرق التنفيذ الجبري – حجز ما للمدين لدى الغير
طرق الطعن العادية – التعرض و الإستئناف
طرق الطعن غير العادية – النقض و إعادة النظر و التعرض الخارج عن الخصومة
الدفع بعدم القبول
حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي
الطعن بإعادة النظر و القواعد المسطرية المتبعة
الطعن بالنقض و أسبابه
مسطرة الطعن بالنقض و آثاره
تبليغ الإستدعاء لحضور الجلسة

طبيعة المسطرة المدنية

وتماشيا مع التعريف السابق، يمكن القول بأن المسطرة المدنية فرع من فروع القانون المسطري، وتضم هذه المسطرة كافة القواعد القانونية التي تهم تنظيم الدعوى المدنية عبر كافة المراحل التي تقطعها، وتعني تلك القواعد أيضا بتحديد الشروط الضرورية لممارسة الدعوى وكيفية رفعها والإطار العام للمراحل التي تقطعها إلى غاية إصدار المحكمة لحكم قضائي في النزاع.
کما تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن إعمال قواعد المسطرة المدنية لا يتوقف بمجرد صدور الحكم الأول الفاصل في النزاع، فمبدأ التقاضي على درجتين والمراقبة التي تمارسها محكمة النقض على العمل القضائي المحاكم الموضوع يترتب عنها تمديد مجال المسطرة المدنية إلى ما بعد ذلك
و تعني المسطرة المدنية كذلك بتنظيم ممارسة كافة طرق الطعن المخولة قانونا. ويتمثل هذا التنظيم في تحديد مجال كل طريق من تلك الطرق التي تمكن المتقاضي الذي لم ينل الحكم الأول الصادر في النزاع رضاه إمكانية عرض النزاع على نفس المحكمة أو على محكمة أخرى أعلى درجة من أجل الفصل فيه من جديد.
کما تعني المسطرة المدنية أيضا بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن مختلف المحاكم، وتحدد في هذا الإطار الطرق الكفيلة بتمكين المتقاضين الذين صدرت الأحكام لصالحهم، من مباشرة تنفيذها رغما عن إرادة المنفذ عليه.

أطراف الدعوى

يتواجه في إطار الدعوى المدنية طرفين أساسين، الطرف الأول هو الذي يباشر الدعوى عن طريق إيداع مقال افتتاحي أمام المحكمة المختصة لعرض طلباته عليها والذي يسمى المدعي، والطرف الثاني هو الذي يقدم المقال في مواجهته ويسمى المدعي عليه.
ويمكن أن يطالب أحد الطرفين السابقين بإدخال أحد الأغيار في الدعوى إذا تبين له بأن ذلك يمكن أن يدعم موقفه فيها، كما يمكن لأحد من الأغيار أن يتدخل تلقائيا في الدعوى من أجل الدفاع عن مصالحه إذا كان يخشى أن يلحقه ضرر من جراء الحكم الذي سيصدر في النزاع، ويمكن أيضا أن تتدخل في الدعوى المدنية النيابة العامة. ويكون هذا التدخل إما إلزاميا في الحالات التي يحددها القانون أو اختيارا إذا كان متروكا للسلطة التقديرية لممثلي الهيئة المذكورة لدى المحكمة التي تنظر في النزاع،

أ- المدعي:

يمكن لكل شخص يدعي التوفر على حق معين أن يرفع دعوى أمام المحكمة التي يعتبرها مختصة للبت فيه ويعرض عليها طلباته، ويشترط لقبول الدعوى توفر ثلاث شروط وهي الأهلية، المصلحة والصفة.
و المدعي هو الطرف الذي يستعمل الحق في الولوج إلى القضاء، فهو الذي يبادر بعرض النزاع على المحكمة من خلال إيداع مقال إفتتاحي للدعوى أو الإدلاء بتصريح في الموضوع أمام كتابة الضبط، ويتحمل المدعي بالنظر لذلك عبء إثبات الوقائع التي بني عليها طلبه.
ومن حيث المبدأ تمارس الدعوى من طرف مدع واحد، غير أنه لا يوجد ما يمنع مجموعة من الأشخاص من ممارسة دعوى واحدة والتقدم بمقال مشترك، وعلى الرغم من أن القانون لم ينص صراحة على ذلك فإن قبول هذه الدعوى لا يثير أدني تحفظ إن على مستوى الفقه أو القضاء، إلا أنه يشترط أن يتوفر كل المدعين على مصلحة مشتركة وأن تتعلق الدعوى التي يباشرونها بنفس النزاع.

ب- المدعى عليه:

المدعى عليه هو الطرف الذي يوجه ضده المقال الإفتتاحي للدعوى، ويجب أن تتوفر فيه من ضمن الشروط الثلاث الضرورية لقبول الدعوى شرطي الصفة والأهلية، فالدعوى لا يمكن توجيهها ضد قاصر أو شخص غير مؤهل للمثول أمام القضاء،
ويمكن للمدعي أن يوجه دعواه ضد أكثر من مدعي عليه، ويتعين لقبول هذه الدعاوى توفر شرطين إضافيين، ويتعلق الأول بالموضوع ويستلزم هذا الشرط أن تكون لكل المدعى عليهم علاقة بالنزاع، أما الشرط الثاني فهو يهم الشكل، ويترتب عنه ضرورة الإدلاء بعدد كاف من نسخ المقال الافتتاحي للدعوى بنفس عدد الأطراف المدعى عليهم.
_____________________________

تدخل النيابة العامة في الدعوى

تنظم مسألة تدخل النيابة العامة في الدعوى قواعد آمرة، ويتميز هذه القواعد بين الحالة التي تتدخل فيها النيابة العامة باعتبارها طرفا رئيسيا في الدعوى والحالة التي تتدخل فيها كطرف منضم.

أ – تدخل النيابة العامة كطرف رئيسي

 يتعين على النيابة العامة أن تتدخل من تلقاء نفسها كمدعية أو مدعى عليها في لحالات التي يحددها القانون على سبيل الحصر، وتستفيد النيابة العامة في هذه الحالة من كافة طرق الطعن المتاحة للمتقاضين ماعدا التعرض، ويتعين، على الرغم من حضورها للجلسات، أن يتم تبليغ الأحكام الصادرة في الدعاوى التي تتدخل فيها کطرف رئيسي إليها، وتبدأ أجل الطعون في السريان بمجرد القيام بهذا الإجراء، کہا تسمح هذه الصفة للنيابة العامة بالإجابة عن طلبات الأطراف والتعقيب على مذكراتهم.
وتلزم النيابة العامة التي تتدخل في الدعوى كطرف رئيسي أن تحضر لكافة الجلسات طبقا لمقتضيات الفصل 10 من قانون المسطرة المدنية، ويتعرض كل حکم صدر من غير احترام هذه الشكلية الجوهرية للبطلان.

ب – التدخل كطرف منضم

يمكن كذلك للنيابة العامة أن تتدخل كطرف منضم في الدعوى، ويجب التمييز في هذا الصدد بين الحالات التي يكون فيها هذا التدخل إجباريا والحالات التي يترك فيها لتقدير ممثل النيابة العامة لدى المحكمة المعروض عليها النزاع، ولا تستفيد النيابة العامة في هذه الحالة من طرق الطعن المتاحة لأطراف الدعوى، كما أن حضورها للجلسات لا يعد ضروريا، ويمكن تجريح أعضائها من قبل الخصوم.

1 – التدخل الإجباري

يجب على النيابة العامة أن تتدخل إجباريا في كل القضايا التي تبلغ إليها، وقد حدد المشرع هذه القضايا في المادة التاسعة من قانون المسطرة المدنية، ويتعين على النيابة العامة أن تدلي في هذه القضايا بمستنتجاتها.
 ويجب أن يباشر إجراء التبليغ على الأقل ثلاث أيام قبل تاريخ الجلسة، وتسهر عليه كتابة ضبط المحكمة التي تنظر في النزاع، كما يمكن أن تباشر إجراءات التبليغ إذا كان النزاع مرفوعا أمام محكمة الدرجة الأولى خلال الجلسة، ويمكن لممثل النيابة العامة أن يطالب في هذه الحالة بإحالة الملف على الجلسة المقبلة ليتسنى له تقديم مستنتجاته الكتابية أو الشفوية، ولا تملك المحكمة إلا الاستجابة لهذا الطلب.
ويشكل عدم احترام هذا الإجراء خرقا لقاعدة مسطرية، ويمكن لمن له المصلحة في ذلك أن يثير هذا الخرق ضمن وسائل الإستئناف، ولا يترتب عنه إلغاء الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى، إذ يمكن لمحكمة الدرجة الثانية أن تتدارك الأمر بإحالة الملف على النيابة العامة، كما يمكن أن تتم هذه الإحالة تلقائيا من طرف المحكمة المذكورة.
ويمكن إثارة خرق الشكلية التي تنص على ضرورة إحالة الملف للنيابة العامة قصد الإدلاء بمستنتجاتها أمام محكمة النقض، إلا أن هذا السبب لا يمكن أن يستند عليه إلا الطرف الذي تكبد ضررا بفعل ذلك، فعلى سبيل المثال إذا كان النزاع الذي لم تتم إحالته على النيابة العامة بهم شخصا عديم الأهلية فإن خصمه لا يمكنه التمسك بذلك ضمن أسباب النقض.

2 – التدخل الاختياري

 يمكن لممثلي النيابة العامة لدى مختلف المحاكم الإطلاع على كافة القضايا المعروضة عليها والتدخل في بعضها، وتتوفر النيابة العامة على سلطة تقديرية مطلقة في هذا الصدد، كما يمكن لمحاكم الموضوع، خارج الحالات المنصوص عليها في الفصل التاسع أن تقرر من تلقاء نفسها إحالة ملف معين على النيابة العامة، وأيا كان الحال فإن ممثل الحق العام لا يمكنه استعمال مختلف طرق الطعن المنصوص عليها قانونا في هذه الحالة.
وأيا كانت طبيعة تدخل النيابة العامة في النزاع، فإن الحكم الصادر يجب أن يشير صراحة إلى أن ممثلها قد أدلى بمستنتجاته الكتابية أو أنه تمت تلاوة المستنتجات الشفوية خلال الجلسة، ويترتب عن خرق هذه الشكلية بطلان الحكم الصادر في النزاع.
ولا يتحتم على النيابة العامة حين تتدخل كطرف إضافي حضور الجلسات، ولا يترتب عن غيابها أي أثر بخصوص صحة الحكم الذي يصدر في النزاع.
__________________________

طرق تبليغ الإستدعاء لحضور الجلسة

التبليغ هو” إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى علم شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد الأعوان القضائيين، أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقة الإدارية والهدف من ذلك هو ضمان علم المبلغ إليه بالأمر المراد تبليغه “.
ومن خلال هذا التعريف تكمن أهمية التبليغ في عدم جواز احتجاج المبلغ بجهله لما تم تبليغه به حتى أن بعض الفقه اعتبر حجية التبليغ كحجية نشر التشريع بالجريدة الرسمية إذ لا يجوز الاعتذار بجهل ما تم التبليغ به قياسا على قاعدة عدم جواز الاعتذار بجهل القانون.
تطبيقا لمبدأ الحضورية فإنه يتعين مباشرة بعد إيداع المقال الإفتتاحي للدعوى أو الإدلاء بتصريح شفوي، إستدعاء طرفي النزاع ويجب أن تتم الإشارة في الإستدعاء إلى اليوم والساعة التي سيتم فيها عقد الجلسة إضافة إلى باقي البيانات التي حددها الفصل 36 من قانون المسطرة المدنية.

المطلب الأول: طرق التبليغ

يتم التبليغ بإستعمال واحدة من الطرق التي حددها الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية، وتتمثل هذه الطرق في تسليم الإستدعاء إلى الأشخاص الموجه إليهم شخصيا أو في مكان تواجدهم عن طريق مفوض قضائي أو عون المحكمة، كما يمكن تسليمه إلى الموجه إليه عن طريق البريد أو بالطريقة الإدارية أو الدبلوماسية في الحالات التي يسمح فيها القانون بذلك، وقد حددت مقتضيات المسطرة المدنية الحالات التي يمكن فيها اللجوء إلى كل واحدة من هذه الطرق، کما حددت التراتبية التي ينبغي إحترامها في بعض الحالات.

الطريقة الأولى للتبليغ

هي التي يتم من خلالها تسليم الإستدعاء إلى الطرف الموجه إليه عن طريق مفوض قضائي أو عون المحكمة، ويتعين على العون المكلف بالتبليغ، سواء كان ينتمي إلى الفئة الأولى أو الثانية، بعد إتيانه الإجراء المذكور، ملا شهادة لتمكين المحكمة من الإطلاع على الظروف التي تم فيها تنفيذ الإجراء ومراقبة مدى مطاقبته للشكليات المتطلبة قانونا. كما يجب على عون التبليغ أن يشير في تلك الشهادة لمجموعة من البيانات الإلزامية ويستعرض فيها مستنتجاته عند الإقتضاء وتجدر الإشارة إلى أن هذه الطريقة من طرق التبليغ هي التي يتم اللجوء إليها عادة في بداية الدعوى، إذا كان المدعى عليه يتوفر على موطن بالمغرب أو يعلم تواجده بمكان معين عند رفع الدعوى.

الطريقة الثانية من طرق التبليغ

هي التي تتم فيها الإستعانة بالبريد المضمون، ويتم نقل الإستدعاء في هذه الحالة من خلال رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل تحت إشراف كتابة ضبط المحكمة التي تنظر في النزاعة، ولا يتم اللجوء إلى هذه الطريقة إلا في الحالة التي يعجز فيها عون التبليغ على تسليم الإستدعاء لشخص معين في العنوان الذي يتواجد به المدعى عليه وكذا في الحالة التي يوجد فيها موطن المدعي الطرف المراد تبليغه خارج تراب المملكة.

الطريقة الثالثة من طرق التبليغ

هي التي يتم فيها تسليم الإستدعاء لحضور الجلسة بالطريقة الإدارية، وتتم الإستعانة في هذه الحالة بأعوان السلطة أمثال الشيوخ والمقدمين وعناصر الشرطة والدرك الملكي، ويبقى اللجوء إلى هذه الطريقة محصورة على المناطق النائية أو تلك التي يصعب على المفوضين القضائيين الوصول إليها.

الطريقة الرابعة من طرق التبليغ

، فيتم اللجوء إليها في الحالة التي يكون فيها الشخص المراد تبليغه مقيما في دولة أجنبية، ويتم التبليغ في هذه الحالة عن طريق نقل الإستدعاء عبر السلم الإداري إلى غاية وزارة الشؤون الخارجية، وتتكلف مصالح هذه الأخيرة بنقله إلى السفارة أو القنصلية الأقرب لمحل إقامة الشخص المراد تبليغه وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه يتم ترجيح مقتضيات الإتفاقيات الدولية بخصوص التبليغ في حالة وجودها، على مقتضيات قانون المسطرة المدنية السابقة الذكر، وقد أتاح المشرع المغربي من خلال التعديلات التي أدخلها سنة 2011 إمكانية الاستعاضة عن هذه الطريقة بالبريد المضمون کا سبقت الإشارة إلى ذلك.
________________

إشكاليات التبليغ وآجاله

تعتري مرحلة التبليغ إشكاليات كثيرة، وقد حاول المشرع المغربي صياغة الحلول الكفيلة بالإجابة عن كل تلك الإشكالات، لكن على الرغم من ذلك فإن جدوى الحلول المقترحة تبقى محدودة مما يترتب عنه تأخير سريان الدعوى، سواء في بدايتها عند مباشرة التبليغ أو بعد صدور الحكم الإنتهائي ومباشرة التنفيذ.

الفقرة الأولى: رفض التوصل

حتى في حالة عثور العون المكلف بالتبليغ على الشخص المراد تبليغ الطي إليه أو أي شخص آخر متواجد في العنوان المحدد، فإن قبول التوصل يبقى رهينا بإرادة  هؤلاء، وينبغي التمييز هنا ما بين رفض التوصل بالطي على إطلاقه ورفض التوقيع على شهادة التسليم، فهذا الأخير لا ينتج إلا آثارا بسيطة، إذ يكفي في هذه الحالة أن يشير العون المكلف بالتبليغ إلى أن الشخص الذي توصل مع ذكر هويته وصفاته عند الإقتضاء، قد رفض التوقيع على الرغم من قبوله تسلم الطي، أما الحالة الأولى والتي يتم فيها رفض التوصل بالطي فإنها تنتج آثارا متباينة.
ويتم استنباط هذا الرفض من خلال البيانات والمستنتجات التي يضمنها العون المكلف بالتبليغ في شهادة التسليم التي يتم إرجاعها للمحكمة، وتبقى صحة التبليغ في هذه الحالة رهينة بإنصرام أجل عشرة أيام ابتداء من تاريخ الرفض، ويتعلق الأمر هنا أيضا بآجال كاملة، ولا يدخل ضمنها الأجل الذي نص عليه المشرع بشكل عام والذي ينبغي أن يفصل ما بين تاریخ التبليغ وتاريخ الجلسة الأولى وإنها تضاف إليها،
فعلى سبيل المثال لا يمكن إعتبار التبليغ في حالة رفض المدعى عليه الذي يوجد عنوانه في دائرة المحكمة التي تنظر في النزع إلا إذا كانت تفصل ما بين تاريخ التبليغ وتاريخ الجلسة الأولى خمسة عشر يوما، ويضم هذا الأجل خمسة أيام التي يستفيد منها المدعى عليه الكائن بدائرة المحكمة التي تنظر في النزاع وعشرة أيام التي تهم حالة رفض التوصل

الفقرة الثانية: مسطرة القيم

 لا تشكل مسطرة القيم في واقع الأمر إشكالا من إشكالات التبليغ وإني حلا من الحلول التي أفردها المشرع لإحدى تلك الإشكالات، ويتم الإلتجاء إلى هذا الحل في الحالة التي يتعذر فيها على المدعي إخبار المحكمة التي تنظر في النزاع بموطن المدعى عليه أو محل إقامته أو المكان الذي يتواجد فيها.
وتتلخص هذه المسطرة التي يقتضيها مبدأ الحضورية من رئيس المحكمة المختصة تعيين شخص من الغير فيها عن المدعى عليه، وفي المجال العملي فإن التعيين ينصب في الغالب على كاتب الضبط الذي يحل محل المدعى عليه ويصبح بالإمكان تبليغه باستدعاءات الحضور وبكافة الإجراءات المسطرية التي يتم اتخاذها.
ويتعين على القيم الذي تم تعيينه طبقا للنصوص القانونية المنظمة لمسطرة القيم، أن يقوم بالبحث عن المدعى عليه، ويمكنه الإستعانة في ذلك بالنيابة العامة والسلطات الإدارية، كما يمكنه الإدلاء أمام المحكمة التي تنظر في النزاع بكافة الوثائق والدفوعات الضرورية للدفاع عن مصالح المدعى عليه.
وإذا تم العثور على المدعى عليه في أية مرحلة من مراحل الدعوى، فيتعين على القيم إخبار المحكمة بذلك. وتنتهي مهمته في هذه الحالة بمجرد إخبار المدعى عليه عن طريق البريد المضمون بكافة الإجراءات التي تمت في غيابه وبالمرحلة التي بلغتها الدعوى.

الفقرة الثالثة: آجال التبليغ

يشترط لصحة التبليغ أن تفصل ما بين تأريخ إتيانه وتاريخ الجلسة الأولى التي تعقدها المحكمة التي تنظر في النزاع آجالا حددها المشرع المغربي بشكل دقيق، وتختلف هذه الآجال باختلاف المكان الذي يتواجد فيه المحل الذي تم فيه التبليغ، فإذا كان ذلك المحل يوجد بدائرة نفوذ المحكمة التي تنظر في النزاع فإن ذلك الأجل لا يمكن أن يقل عن خمسة أيام، أما إذا كان المحل خارج دائرة تلك المحكمة فإنه يرتفع إلى خمسة عشر يوما.
وقد مكن المشرع المغربي الأشخاص الذين لا يتوفرون على موطن داخل تراب المملكة من آجال أكبر، وقام المشرع بتحديد تلك الآجال في الفصل 41 من قانون المسطرة المدنية بالإستناد على البلد أو القارة التي يوجد فيها موطن المدعى عليهم.
______________

شروط قبول الدعوى

يتوقف قبول الدعوى من حيث الشكل على توفر مجموعة من الشروط، ويضمن تحقق هذه الشروط الحد الأدنى من جدية الطلب المعروض على القضاء، ويكمن الهدف من التنصيص عليها في رغبة المشرع وضع حد ولو بشكل نسبي لكافة الدعاوى الكيدية التي تحرك خيوطها الحقد والضغينة، ويرتبط بعض تلك الشروط بالمتقاضين أنفسهم، في حين يرتبط الجزء الآخر بطبيعة الدعوى التي تم رفعها.
وترتبط الشروط الذاتية لقبول الدعوى إما بالمتقاضين أنفسهم أو بالدعوى، وقد تم التنصيص على هذه الشروط في الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه : “لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة و المصلحة والأهلية”، ويتعين التأكد من توفر شروط القبول في بداية الدعوى، وقبل الخوض في مناقشة الموضوع أو باقي الشروط الشكلية، ويمكن أن يكتسي غياب أحد هذه الشروط طابع النظام العام، ويتيح ذلك لمحكمة الموضوع التي تنظر في النزاع إمكانية إثارة دفع بخصوصه بشكل تلقائي.
وعلى عكس الشروط الذاتية التي تتميز بعموميتها والتي يلزم توفرها في جميع الدعاوى، فإن الشروط الموضوعية تهم فقط بعض القضايا المعينة على سبيل الحصر، وترتبط هذه الشروط بضرورة إتيان إجراء معين قبل ممارسة الدعوى أو ضرورة تحريك الدعوى داخل أجل يحدده القانون، فعلى سبيل المثال وعلاقة بضرورة القيام بإجراء معين قبل رفع الدعوى، يمكن ذكر الدعاوى الرامية إلى تعويض ضحية حادثة سير على الطريق والتي يتوقف قبولها على فشل محاولة الصلح، أما بخصوص الأجل الذي يتعين على المتقاضين إحترامه فیمکن سرد دعوى الحيازة والتي يتعين ممارستها داخل أجل سنة تحتسب من تاريخ انتزاعها.

المبحث الأول: المصلحة

تعتبر المصلحة أول شرط يلزم تحققه لمباشرة الدعوى، وخير دليل على أهمية هذا الشرط هو كثرة الأمثال القانونية التي تجعل من ركن المصلحة أساس كل دعوی
 ويمكن تعريف المصلحة بأنها ذلك الربح أو الكسب سواء كان ماديا أو معنويا الذي من الممكن أن يجنيه المدعي من وراء الدعوى التي قام بمباشرتها، وتجدر الإشارة إلى أن المصلحة التي يتعين توفرها لقبول الدعوى يجب أن تستجيب بدورها لمجموعة من الشروط، فالمصلحة الضرورية يجب أن تكون شخصية ومشروعة وقانونية وآنية، وإلى جانب هذه الشروط التي يجمع عليها الفقه هناك من الفقهاء من يشترط كذلك لقبول الدعوى أن تكون المصلحة في رفعها كافية ومباشرة.
کما أن توفر المصلحة وتحققها ليس ضروريا فقط عند رفع الدعوى، بل أنه يتعين استمرارها طوال مختلف مراحل سريانها، ويمكن إثارة إنعدام المصلحة كدفع من طرف المدعى عليه، كما يمكن إثارتها في بعض الحالات تلقائيا من طرف المحكمة التي تنظر في النزاع.

المطلب الأول: المصلحة الشخصية

تنعث المصلحة بأنها شخصية عندما يكون بإمكان الدعوى التي تمت مباشرتها أن تمنح للمدعي بصفة شخصية فائدة مادية أو معنوية، ويترتب على ذلك عدم قبول الدعاوى التي تهدف إلى الدفاع عن مصالح الغير أو مجموعة من الأشخاص ما لم يتوفر المدعي على توكيل صريح بذلك.

المطلب الثاني: المصلحة المشروعة:

يمكن تعريف المصلحة المشروعة بأنها تلك المصلحة التي لا تخالف القانون والأخلاق الحميدة والنظام العام، وبمفهوم المخالفة فإن المصلحة غير المشروعة هي تلك التي تخالف الأنظمة السابقة الذكر، وكمثال على ذلك نذكر الدعوى التي ترفعها المرأة التي فقدت خليلها قصد الحصول على تعويض عن الأضرار المعنوية وربما المادية التي تكبدتها والتي يكون مصيرها هو عدم القبول.

المطلب الثالث: المصلحة القانونية

 يشترط كذلك في المصلحة لكي تكون مناط الدعوى أن تكون مؤسسة على حق يكفله القانون أو تسعى لحمايته، إذ لا يمكن للمحاكم النظر في النزاعات والإدعاءات التي لا تجد أساسها في المقتضيات القانونية ولا تستند عليها، فكل نزاع غير قانوني كالنقاشات الأخلاقية أو العلمية المحضة التي لا يتوخى منها إلا معرفة من أخطأ ومن صادف رأيه الصواب لا يمكن عرضه على المحاكم للفصل فيه.
 وتقبل المصلحة القانونية أساسا للدعوى سواء كان لها طابع مادي أو معنوي، والمصلحة المادية هي التي يمكنها أن تعود على المدعي بمنفعة مادية، وهذا هو الحال بالنسبة للمدعي الذي يطالب بأداء دین ما، أما المصلحة المعنوية فهي تلك تهدف إلى جبر ضرر غير قابل للتقدير.

المطلب الرابع: المصلحة الحالة أو الفورية

 لكي تكون المصلحة حالة يجب أن يكون خرق القانون متحققا عند رفع الدعوى المدنية، فمحاكم الموضوع لا يمكن أن تنظر إلا في النزاعات المحققة والحالة لا في تلك التي من الممكن أن تنشأ في المستقبل أيا كان درجة إحتيال وقوعها.
 ويترتب عن إشتراط الطبيعة الحالة للمصلحة إستبعاد كل من المصلحة الإحتمالية والمصلحة المنقضية من دائرة المصالح التي تنظر فيها المحاكم، فالمصلحة الإحتيالية هي تلك التي لم تتحقق بعد لحظة رفع الدعوى، أما المصلحة المنقضية فهي التي تحققت فيها مضى وانقضت بإختفاء كافة الآثار التي تجد سندها فيها.
فمن حيث المبدأ لا يمكن اللجوء إلى القضاء قصد المطالبة بإيقاف التهديدات أو المخاطر التي تحوم حول الحقوق ما دامت لم تتحول تلك التهديدات أو المخاطر إلى أضرار محققة، ومع ذلك فقد سمح المشرع المغربي في بعض الحالات وإستثناءا من المبدأ السبق برفع دعاوی تهدف إلى وضع حد لسلوكات تهدد بعض الحقوق أو تنتج عنها بعض المخاطر.

المطلب الخامس: المصلحة المباشرة

 يهدف إشتراط الطابع المباشر للمصلحة إلى التحديد الحصري للأشخاص الذين يحق لهم رفع دعوى معينة أمام القضاء إستنادا على نفس الإدعاء، فلا علاقة القرابة التي تربط بين المدعي وذي المصلحة، ولا إنتماء ذي المصلحة لهيئة معينة تتوفر على شخصية معنوية يسمحان باللجوء إلى القضاء
 وكمثال على ذلك يمكن سرد نموذج النقابات المهنية، فإذا كان تأسيس هذه الأشخاص المعنوية يجد تبريره في الدفاع عن مصالح فئة معينة من الأشخاص فإنها لا يمكن أن تكون طرفا في الدعاوى التي تهم عضوا واحدا من أعضائها، إذ أن ذلك العضو بعينه هو الوحيد الذي يحق له اللجوء إلى القضاء قصد الدفاع عن مصالحه الشخصية، ما لم يكن لتلك المصلحة إرتباط بالوضعية القانونية لباقي الأعضاء أو جزء منهم على الأقل.

المبحث الثاني: الصفة

الصفة هي العنصر الذي يربط ما بين طرفي الدعوى والنزاع المعروض على المحكمة، فتلك الرابطة هي التي تخول للمدعي الحق في الولوج إلى القضاء. ولا يكفي توفر هذا العنصر لدى المدعي فقط، بل لدى المدعى عليه أيضا، وعلى سبيل المثال فإن الدعوى الرامية إلى أداء دين لا يمكن رفعها إلا من طرف الدائن، کیا لا يمكن أن ترفع إلا في مواجهة المدين شخصيا، والأمر نفسه يقال عن الدعوى الرامية إلى التعويض،
فرافعها لا يمكن أن يكون إلا الشخص الذي تكبد ضررا، كما أنه لا يمكن توجيهها إلا ضد الشخص الذي صدر عنه الفعل أو الخطأ أو المسؤول عنها قانونا
ويتعين على المدعي تحديد صفته وصفة خصمه في الدعوى بشكل واضح في المقال الذي يتقدم به، إذ عليه أن يحدد إذا كان يباشر الدعوى بإسمه أو بناء على توكيل أو بصفته وصيا أو الممثل القانوني لشخص معنوية.

المبحث الثالث: الأهلية

 تعرف الأهلية قانونا بأنها تلك القدرة على إكتساب الحقوق والوفاء بالإلتزامات، ويميز المشرع ما بين نوعين من الأهلية، النوع الأول المسمى أهلية الوجوب هو الذي يمكن الشخص الذي يتوفر عليها من إكتساب كافة الحقوق التي يكفلها القانون، أما النوع الثاني المسمى أهلية الأداء فهو الذي يسمح للحاصل عليه بممارسة كافة الحقوق التي يتمتع بها
 ويبقى الحق في ولوج القضاء ورفع الدعاوی مشروطا بضرورة التوفر على النوع الثاني من الأهلية ، ويقصي بالتالي من هذا الحق كل شخص لا يتوفر على الأهلية  المذكورة على غرار القاصرين والسفهاء، ويشترط لقبول الدعاوى التي من الممكن أن ترفع دفاعا عن مصالح هذه الطبقة ممارستها من طرف الأشخاص الذين يعتبرهم القانون بمثابة ممثلين قانونيين لمن له المصلحة.
___________________

الطلبات الأصلية

يمكن تعريف الطلبات بأنها تلك الوسائل التي يستعملها الطرف الذي كان وراء تحريك الدعوى المدنية، ويتم التقدم بالطلبات وعرضها على المحكمة التي تنظر في النزاع سواء في بداية هذا الأخير من خلال المقال الإفتتاحي للدعوى، أو خلال سريان الدعوى عن طريق مقال عارض، وتنعش الطلبات التي يقوم المدعي باستعراضها في المقال الإفتتاحي للدعوى الطلبات الأصلية، أما باقي الطلبات فتنعت بكونه عارضة. وأيا كانت طبيعة الطلب فإنه لا يمكن الأخذ به إلا إذا كان مؤسسا من حيث الواقع والقانون.
 تتطلب دراسة الطلبات الأصلية في البداية تحديد الأشكال التي يتم عرضها بها، وبعد ذلك سنقوم بمناقشة وتحليل الآثار التي تترتب عن التقدم بها.

كيفية التقدم بالطلبات الأصلية

يمكن التقدم بالطلبات الأصلية أمام محاكم الدرجة الأولى إما عن طريق مقال إفتتاحي للدعوى أو تصريح يدلى به أمام كتابة ضبط المحكمة المختصة، غير أن اللجوء إلى التصريح الشفوي لا يمكن إعماله إلا في القضايا التي لا تخضع للمسطرة الكتابية، ويضاف إلى ذلك أنه غالبا ما تتم الإستعاضة من الناحية العملية عن التصريح بمقال محرر من طرف المدعي شخصيا أو أي شخص آخر، ولا يخضع المقال المدلى بها في هذه الحالة لنفس الشروط الشكلية التي يخضع لها المقال المقدم بواسطة محام في إطار المسطرة الكتابية

1 – المقال الإفتتاحي للدعوى

يمكن تعريف المقال الإفتتاحي للدعوى بأنه تلك الوثيقة المكتوبة التي يتقدم بها محامي المدعي أمام المحكمة التي يراها مختصة بالنظر في النزاع، ويتعين تحت طائلة عدم القبول أن يقوم المدعي بالإشارة في المقال الإفتتاحي للدعوى الذي يتقدم به للعديد من البيانات، إذ يتعين عليه تحديد إسمه الشخصي والعائلي وإسم المدعى عليه بشكل واضح وكذا صفته،
كما يتعين الإشارة بشكل مقتضب إلى موضوع الدعوى وسببها والوقائع والوسائل التي يستند عليها في إدعائه، ويهدف تحديد أطراف و موضوع وسبب الدعوى إلى مراقبة سينية صدور حکم حائز لحجية الأمر المقضي به في النزاع ذاته، ويتمثل موضوع النزاع في الإدعاء الذي تقدم به المدعي، أما السبب فيتمثل في الوسيلة أو الوسائل التي يستند عليها الإدعاء.
ويجب أيضا إرفاق المقال الإفتتاحي للدعوی بكافة الوثائق التي ينوي المدعي الاستناد عليها لإثبات جدية طلبه، كما يجب في حال تعدد المدعى عليهم أن يتم الإدلاء بنسخ كافية من المقال الإفتتاحي، غير أنه تجدر الإشارة إلى أن الفصل 32 من ق.م.م الذي نص على ضرورة إحترام هذه الشكلية لم يرتب أية عقوبة على مخالفتها.
وبصفة عامة فإن عدم إحترام المقال الإفتتاحي للدعوى للشكليات المتطلبة قانونا يترتب عنه عدم قبول الدعوى، غير أن المشرع المغربي رغبة منه في التضييق من مجال عدم القبول، ألزم القاضي الذي ينظر في النزاع قبل البت في الدعوى بضرورة توجيه أعذار بتصحيح المسطرة للطرف المعني بالأمر قبل التصريح بعدم القبول.

2 – التصريح

إذا كان المقال هو الوثيقة الكتابية التي يتقدم بها محامي المدعي في القضايا التي تخضع للمسطرة الكتابية، فإن التصريح الشفوي هو ذلك الإجراء الشفوي الذي يباشره المدعي شخصيا في القضايا التي لا تدخل ضمن مجال المسطرة المذكورة، ويتم التقدم بالتصريح المذكور والذي تم تقليص مجال العمل به في الواقع العملي أمام كتابة ضبط المحكمة المختصة، ويقوم كاتب الضبط الذي يتلقى التصريح بتحرير محضر يضمنه ما جاء فيه ليحيله بعد ذلك على الهيئة المختصة.
ويمكن للمدعي الذي اكتفى بالإدلاء بتصريح شفوي أن يتقدم خلال سريان الدعوى بمذكرة إضافية، وتخصص هذه المذكرة لاستعراض أسباب الطلب وباقي الوسائل التي ينوي الإستناد عليها.
_______________

آثار الطلب

يترتب على التقدم بطلب أمام المحكمة عدة آثار، وتمتد هذه الآثار على حد سواء لأطراف النزاع وللمحكمة التي تنظر فيه، ويتمثل أول هذه الآثار في التحديد النهائي لمجال النزاع، وهو ما يترتب عنه بشكل غير مباشر تحديد السلطات التي تتوفر عليها المحكمة وحصرها في الحدود التي رسمها الأطراف.

المطلب الأولى : تحديد مجال النزاع:

165- لا يمكن للأطراف أن يناقشوا إلا النقط التي تم تحديدها في الطلبات التي تقدموا بها، فتلك الطلبات هي التي ترسم معالم النزاع بشكل نهائي لا رجعة فيه، غير أنه يمكن لطرفي النزاع تعديل ذلك المجال، بتمديده إلى نقط أخرى كلما اجتمعت الشروط التي ينص عليها القانون، ويبقی توسيع مجال النزاع في الواقع العملي أمرا إستثنائيا لا يتم اللجوء إليه إلا في حالات نادرة.

أ- مبدأ ثبات النزاع:

يمكن الحق في التصرف في النزاع أساسا المدعي وإستثناء المدعى عليه، من تحديد مجاله وعناصره بكل حرية، وكنتيجة لذلك فإن كل تصرف يصدر عن الأطراف في هذا الصدد يصبح ملزما لهم بشكل نهائي ويقيد من حقهم في مراجعة أو تعدیل مجال النزاع.
 ويجد منع الأطراف من تعديل مجال النزاع المعروض على المحكمة سنده في مبدأ ثبات النزاع المستمد من القانون الروماني، ويترتب عن إعماله بشكل حتمي تحويل النزاع إلى جسم صلب، وتفاديا للإنعكاسات السلبية لهذا الطابع فقد نصت معظم التشريعات المقارنة على مجموعة من الآليات التي تسمح للأطراف بتعدیل مجال النزاع، إلا أن الإستفادة من هذه الرخصة تم تقييدها بضرورة توفر مجموعة من الشروط.
ويرتبط مبدأ الثبات بشكل جوهري بمبدأ حق التصرف في النزاع وسرعة البت في النزاع، ويمكن اعتباره بمثابة نتيجة منطقية لإعمال الميادين السابقين، فإذا كان المبدأ الأول يمكن المدعي من رسم معالم النزاع بكل حرية، فإنه من الطبيعي أيضا أن يتحمل النتائج المترتبة عن تصرفه طوال المدة التي يستغرقها سريان النزاع وإلى غاية البت فيه، كما يضمن المبدأ الثاني للمتقاضين الحق في الحصول على حكم فاصل في الموضوع داخل آجال معقولة،
ولا يمكن الوصول إلى هذا المبتغى إذا كان بإمكان الأطراف تعدیل مجال النزاع بكل حرية في أية مرحلة من مراحل الدعوى من خلال التقدم بطلب مغاير لذلك الذي تقدموا به في البداية، وقد تستعمل هذه الوسيلة بالخصوص من طرف المدعى عليه بغية تأخير البت في النزاع والإضرار بمصالح المدعي، وهذا ما يتناقض مع مبدأ التقاضي بحسن النية المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية

ب- الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ:

 يتم إستبعاد مبدأ ثبوتية النزاع وإضفاء بعض الليونة عليه من خلال السياح للأطراف بتعديله في حالتين إثنتين، الحالة الأولى هي التي يسمح فيها للأطراف بالتقدم بطلب عارض، أما الحالة الثانية فهي التي يسمح لهم فيها بالتقدم بطلب جدید أمام محكمة الدرجة الثانية، ولا يتم في هذه الحالة الأخيرة إستبعاد مبدأ الثبات لوحده بل يتم أيضا المساس بأحد المبادئ الرئيسية للمسطرة المدنية ألا وهو مبدأ التقاضي على درجتين.

المطلب الثاني: إلزامية البت في الطلب:

لا يهم هذا الأثر الأطراف بل المحكمة المرفوع أمامها النزاع، ويترتب عنه إلزامية البت في الدعوى والطلبات التي تقدم بها الأطراف في جميع الأحوال، وتعتبر كل هيئة حكم رفضت بدون سبب مشروع البت في نزاع معين، بأنها مرتكبة لجريمة إنكار العدالة، ولا يعتبر سبیا مشروعا عدم تنظيم المشرع للمسألة المطروحة في النزاع تنظيما دقيقا.
وتحدد السلطات المخولة لهيئة الحكم التي تنظر في النزاع أيضا طبقا للطلب، إذ أن كل ما يتعين عليها فعله هو البت فيه من خلال الإجابة عن المسألة القانونية المطروحة، فلا يمكنها تحوير الطلب أو تجاوزه والبت في أكثر مما طلب منها أو الإكتفاء بإعطاء إجابة جزئية عن بعض العناصر دون غيرها.

أ- إنكار العدالة:

إنكار العدالة جريمة يتمثل ركنها المادي في إحجام هيئة قضائية معينة عن البت في الدعوى التي تم رفعها أمامها بدون سبب مشروع، ويمكن اعتبار تجريم هذا الفعل بمثابة صيانة أساسية يتمتع بها المتقاضون، كما أن هذا التجريم يتماشى ومبدأ الإسراع في البت الذي ينص عليه القانون، ولا يعتبر سببا مشروعا يبرر عدم البت في النزاع جهل القاضي بالمقتضيات القانونية المنظمة للنازلة بل ولا حتى غياب النصوص القانونية القابلة للتطبيق.

 ب- إلزامية البت في حدود الطلب:

 يتعين على محكمة الموضوع المعروض أمامها النزاع أن تبت في حدود الطلب المرفوع أمامها، فلا يمكنها البت في أكثر مما طلب ولا بأقل من ذلك، وتعتبر المحكمة بأنها بتت بأكثر مما طلب إذا منحت ما لم يطلب منها أو تجاوزت ما طلب منها، وتعتبر بأنها بنت بأقل مما طلب منها إذا إكتفت بالفصل في بعض أجزاء الطلب دون غيرها. وتجدر الإشارة إلى أنه من الضروري التمييز بين البت في أقل مما طلب ومنح المدعي أقل مما طلب، إذ أن هذه الحالة الثانية تدخل ضمن السلطة التقديرية لمحاكم الموضوع، وكمثال على ذلك تحديد التعويض في مبلغ يقل عن ذلك الذي طالب به
 ويجد الإلتزام بالبت وفق الطلب أساسه في مقتضيات الفصل 3 من ق.م.م ويشكل عدم إحترام هذه القاعدة خرقا للقانون، ويشكل هذا الخرق سببا موجبا لإلغاء الحكم أو نقضه، كما يشكل أيضا سببا من الأسباب الموجبة للطعن بإعادة النظر.

المطلب الثالث: قطع أجل التقادم:

 يترتب على رفع الدعوى أمام المحكمة قطع أجل التقادم، وينتج عن القطع عدم إحتساب الأجل الذي انصرم قبل رفع الدعوى، ليبدأ إحتساب أجل جدید للتقادم إنطلاقا من تاريخ البت، وتنتج نفس الآثار حتى ولو تم رفع النزاع أمام محكمة غير مختصة.
________

الطلبات العارضة

الطلبات العارضة هي تلك التي يتم التقدم بها خلال سريان الدعوى، وتضاف هذه الطلبات للطلبات الأصلية وتشكل إلى جانبها وحدة متكاملة غير قابلة للفصل، ويمكن التقدم بطلب عارض الأطراف من تعدیل مجال النزاع وتوسيعه ليشمل وقائع وعناصر جديدة لم تتم الإشارة إليها في المقال الإفتتاحي.
ولا يستفرد المدعي وحده بالحق في التقدم بالطلبات العارضة، إذ يمكن للمدعى عليه أيضا إستعمال نفس الوسائل من أجل مواجهة الطلب الأصلي الموجه ضده، بل أكثر من ذلك، يمكن إستعمال نفس الوسائل من طرف الغير الذي يرى أنه من الضروري التدخل في النزاع الذي لم يكن في الأصل طرفا فيه مخافة أن يضر الحكم الذي قد يصدر فيه بمصالحه.
 ويمكن التمييز بيت ثلاث أنواع من الطلبات العارضة، ويستند هذا التصنيف على معیار واضح وهو صفة الشخص الذي يتقدم بها.

المطلب الأول: الطلبات الإضافية:

تعريف الطلبات الإضافية:

 يمكن تعريف الطلبات الإضافية بأنها تلك الطلبات التي يتقدم بها طرف في النزاع قصد تعديل الطلب الذي سبق له التقدم به أمام المحكمة التي تنظر في النزاع، ويمكن أن يصدر الطلب الإضافي على حد سواء من المدعي والمدعى عليه، إلا أنه يشترط لكي يستفيد المدعى عليه من هذه الإمكانية أن يكون قد سبق له التقدم بطلب مقابل، وبإمكان الغير أيضا الذي سبق له التقدم بطلب التدخل في الدعوى أن يتقدم بطلب من نفس الفئة.
ويترتب على التقدم بطلب إضافي أيا كان مصدره توسيع مجال النزاع الذي سبق وأن حدده المدعي في مقاله الإفتتاحي من خلال الطب الأصلي، فعلى سبيل المثال يمكن للمدعي الذي سبق له وأن طالب بالتعويض عن الأضرار التي تكبدها في طلبه الأصلي، أن يتقدم خلال سريان النزاع بطلب إضافي رام إلى رفع سقف التعويضات التي مطالب بها بفعل تفاقمها بعد رفع الدعوى، كما يمكن للطرف الذي تقدم في طلبه الأصلي بطلب رام إلى أداء دين، التقدم بطلب إضافي قصد المطالبة بالفوائد أو بتعويض عن التماطل.

شروط الطلبات الإضافية:

الشرط الأول : عنصر الإرتباط :

وقد إشترط المشرع المغربي لقبول الطلبات الإضافية من حيث الشكل أن تكون تلك الطلبات متصلة بالطلب الأصلي اتصالا لا يقبل التجزئة. ولم يقم المشرع المغربي بتعریف مفهوم الإتصال المذكور ودرجته. ويترتب على ذلك أن تقدير هذه المسألة يبقى متروکا لمحاكم الموضوع. ولا تمارس محكمة النقض أية رقابة عليها في هذا الشأن.
ومن الملاحظ كذلك أن الفقهاء لا يجمعون على مدى إمكانية إثارة غياب الإرتباط ما بين الطلب العارض والطلب الأصلي تلقائيا من طرف محاكم الموضوع، والشأن نفسه بالنسبة للإجتهاد القضائي المغربي والمقارن، إذ نلاحظ بالنسبة لمحكمة النقض الفرنسية على سبيل المثال بأنها تلجأ في بعض الحالات إلى نقض الأحكام الصادرة بالنظر لعدم مراقبة توفر عنصر الإرتباط بين الطلبين، وتؤيد في أخرى عدم إثارة هذا الدفع تلقائيا من طرف محاكم الموضوع
ولا يهم هذا الشرط طلبات المقاصة التي تشكل أيضا طلبا مقابلا هدف من ورائه المدعى عليه إلى حمل المحكمة على إجراء مقاصة ما بين الدين الذي يطالب المدعي بأدائه والدين الذي لا يزال في ذمته، وقد استثنى المشرع المغربي هذا النوع من الطلبات المقابلة من ضرورة تحقق الشرط المذكور بنص صريح، بل أكثر من ذلك فقد نص المشرع المغربي على إمكانية التقدم بهذه الطلبات ولو لأول مرة أمام محكمة الدرجة الثانية.

الشرط الثاني : عنصر التأثير :

وإلى جانب الشرط الأول المتمثل في عنصر الإرتباط، أخضع المشرع المغربي قبول الطلبات المقابلة من حيث الشكل لضرورة تحقق شرط ثاني يتمثل في مدى تأثير مناقشة موضوعها من طرف المحكمة التي تنظر في النزاع على الوقت الذي سيتم فيه البت في الطلب الأصلي، فقد تم التنصيص على أن قبول تلك الطلبات رهين بعدم تأخيرها للبت في الطلب الأصلي،
وعلى الرغم من عمومية هذا الشرط إلا أن الملاحظ هو أن الإجتهاد القضائي يختزله في معيار مبسط هو الوقت الذي تم فيه الإدلاء به، وتبعا لذلك يتم إعتبار كافة الطلبات المقابلة التي تستجيب للشرط الأول مقبولة إذا ما تم الإدلاء بها في أي مرحلة من سريان الدعوى ما لم يكن الطلب الأصلي جاهزا للبت.
 وعلى الرغم من ذلك فإن مسألة تحديد الحيز الزمني الذي يمكن فيه التقدم بطلب مقابل والحيز الذي يتعين فيه التصريح بعدم قبول الطلبات المذكورة تبقى خاضعة للسلطة التقديرية لمحاكم الموضوع، غير أنه في الغالب ما يتم الرجوع إلى معیار مبسط للتمييز ما بين المرحلتين ألا وهو صدور الأمر بالتخلي عن القاضي المقرر أو المكلف بالقضية، وبناء على هذا المعيار يمكن القول بأن التقدم بالطلبات المقابلة يبقى ممكنا طالما لم يصدر الأمر السابق الذكر وأن الأبواب توصد أمامها بمجرد صدوره بالنظر لصيرورة الطلب الأصلي جاهزا للبت.
ويرجع الإختصاص بالبت في الطلبات الإضافية إلى المحكمة التي تنظر في الطلب الأصلي، غير أن التقدم بطلب إضافي بإمكانه أن يؤثر على إختصاص تلك المحكمة القيمي أو النوعي، إذ قد ينتج عن التقدم بالطلب المذكور رفع قيمة النزاع بشکي يخرجه من دائرة النزاعات التي تدخل ضمن إختصاص المحكمة التي تنظر في الطلب الأصلي.

المطلب الثاني: الطلبات المقابلة:

 الطلبات المقابلة هي تلك التي يتقدم بها المدعى عليه الأصلي بهدف الحصول على حكم لصالحه، فاستعمال هذه الوسيلة هو بمثابة تعبير من المدعى عليه عن نيته في عدم الإكتفاء بالدفاع عن نفسه من خلال دحض إدعاءات خصمه، ويتحول المدعى عليه الذي تقدم بطلب مقابل بشكل نسبي إلى مدعي، كما يتحول المدعي الأصلي إلى مدعى عليه.
 وتختلف الطلبات المقابلة عن الدفوع وعلى الخصوص الدفوع الموضوعية فهذه الأخيرة تهدف فقط إلى التصريح برفض طلب المدعي، أما الطلبات المقابلة فتلعب دورا مزدوجا، فإلى جانب كونها وسيلة دفاع فهي تهدف أيضا إلى تمكين المدعى عليه من الحصول على حماية حق أو تقرير وجوده
وتخضع الطلبات المقابلة للعديد من التصنيفات الفقهية، ويبقى التصنيف الأكثر أهمية هو ذلك الذي يميز ما بين الطلبات المقابلة الصرفة والطلبات المقابلة المختلطة، فالأولى يكون لها موضوع خاص بها، مستقل عن إدعاءات الخصم، ويترتب عن ذلك عدم تأثير أخذ المحكمة بها على الطلب الأصلي، أما الثانية فهي تشكل في نفس الوقت طلبا ووسيلة دفاع، وبالتالي فإن أخذ المحكمة بها يؤثر بشكل مباشر على الحكم الصادر بخصوص الطلب الأصلي،
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن غالبية فقهاء المسطرة المدنية لا يؤيدون قبول الطلبات المقابلة الخالصة من حيث الشكل، بالإستناد إلى غياب عنصر الإرتباط الذي اشترط المشرع توفره لأجل ذلك.
وتصدر الطلبات المقابلة من حيث المبدأ عن المدعى عليه، إلا أن هناك بعض الفقهاء الذي يرون أنه يحق كذلك للمدخل في الدعوى التقدم بها.
ويخضع قبول الطلبات المقابلة من حيث الشكل لنفس الشروط التي تخضع لها الطلبات الإضافية، كما أنه يمكن في حالة ما إذا تبين للمحكمة التي تنظر في النزاع بأن اللجوء إلى إستعمال تلك الطلبات كان بهدف إستدراج المدعي للتقاضي خارج دائرة المحكمة المختصة ترابيا للبت في الطلب المقابل أن تأمر إستنادا على مقتضيات الفصل 30 من ق.م.م بإحالة المدعى عليه على من له النظر.

المطلب الثالث: طلبات التدخل:

 تتشكل الفئة الثالثة من الطلبات المقابلة من طلبات التدخل بنوعيها، أي سواء كانت صادرة عن شخص من الغير أو موجهة ضده، وتسمى طلبات التدخل الصادرة عن شخص من الغير بطلبات التدخل الإرادي، أما الطلبات الموجهة ضد أحد الأغيار قصد حمله على التدخل في الدعوى فتسمى طلبات التدخل الإجباري.

الفقرة الأولى: طلبات التدخل الإرادي:

طلب التدخل الإرادي هو الطلب الذي يتقدم به شخص من الغير بهدف الانضمام إلى الدعوى الرائجة أمام المحكمة، ويتعين وجوبا تحت طائلة عدم القبول أن يتم توجيه هذا الطلب ضد أحد الأطراف
ويجب التمييز بين نوعين من طلبات التدخل الإرادي، النوع الأول هو التدخل الأصلي، أما النوع الثاني فيسمى التدخل الإضافي أو الإنضمامي، فالنوع الأول هو الذي يقوم فيه شخص من الغير بالتقدم بطلب مستقل عن الطلبات التي تقدم بها خصوم الدعوى، أنا النوع الثاني فهو الذي يهدف من ورائه من تقدم به إلى دعم إدعاءات الخصوم.
ويتوقف قبول طلبات التدخل الإرادي الأصلي على ضرورة إستجابة المتدخل لكافة الشروط الضرورية لرفع الدعوى المنصوص عليها في الفصل 1 من ق.م.م كما أن توفر عنصر الإرتباط ما بين الطلب الذي تقدم به المتدخل والطلب الأصلي الذي تقدم به المدعي يعد ضروريا، يضاف إلى ذلك أنه يتعين أن لا يترتب عن التدخل الإرادي الأصلي تأخير البت في الدعوى.
ولا يتوقف قبول طلبات التدخل الإنضمامية على ضرورة توفر نفس الشروط کا أن هذه المسألة لا تطرح بنفس الحدة من الناحية العملية، فهذه الطلبات وعلى الرغم من صدورها عن شخص من الغير إلا أنها لا تؤدي إلى تعديل مجال النزاع، غير أنه يشترط مع ذلك ضرورة توفر المدخل على مصلحة في النزاع، وتكمن هذه المصلحة في أن يكون التدخل في الدعوى ضروريا لتمكين المتدخل من الدفاع عن حقوقه وتجنب الإضرار بها.

الفقرة الثانية: طلبات الإدخال الإجباري:

طلب الإدخال الإجباري هو طلب عارض يتقدم به أحد طرفي النزاع في مواجهة أحد من الغير قصد إجباره على الانضمام إلى الدعوى الرائجة أمام المحكمة،
ويميز الفقه بين نوعين من طلبات الإدخال، ويستند هذا التمييز على معيار واضح وهو الهدف الذي يصبو إليه الطرف الذي تقدم بهذا الطلب، فالنوع الأول هو الذي يكون الهدف منه إصدار حكم في مواجهة المدخل في الدعوى، ويمكن أن يتقدم بهذا الطلب المدعي والمدعى عليه على حد سواء، أما النوع الثاني فهو الذي يهدف من خلاله الطرف الذي تقدم بالطلب إلى تمديد آثار الحكم على الخصوص ما يتعلق بحجية الأمر المقضي به في مواجهة المدخل على الرغم من عدم صدور الحكم في مواجهته.
ويخضع قبول طلبات الإدخال الإجباري من حيث الشكل لنفس الشروط الضرورية لقبول الطلبات العارضة، كما يشترط توفر عنصر الارتباط بين موضوع طلب الإدخال وموضوع الطلب أو الطلبات التي سبق للأطراف التقدم بها.
____________

الدفوع الموضوعية و الشكلية

يمكن تعريف الدفوع بأنها الوسائل التي يستعملها المدعى عليه قصد رد مزاعم خصمه في الدعوى، ويميز الفقه بين ثلاث أنواع من الدفوع، ويستند هذا التمييز على طبيعة كل وسيلة من هذه الوسائل وعلى ما يمكن أن تنتجه من آثار.
وعلى أساس هذا التمييز فإن الوسائل التي يثيرها المدعى عليه والتي تهم جوهر الطلب الذي تقدم به المدعي تسمى الدفوع الموضوعية، أما الوسائل التي يثيرها قصد مناقشة خرق الشكليات المنصوص عليها قانونا والتي تهم الكيفية التي يتعين إتباعها ترفع الدعوى ومباشرتها دون التطرق لموضوع هذه الأخيرة فهي تسمى الدفوع الشكلية، وإلى جانب الصنفين السابقين يوجد صنف ثالث من الدفوع التي يمكن نعتها بالمختلطة، وتندرج ضمن هذه الفئة كل الوسائل التي تتم إثارتها من طرف المدعى عليه والتي تهم الحق في مباشرة الدعوى. وتسمى هذه الفئة الثالثة: “الدفوع بعدم القبول “

المبحث الأول: الدفوع الموضوعية:

يمكن تعريف الدفوع الموضوعية بأنها تلك الوسائل التي يهدف المدعى عليه من خلال إثارتها إلى حمل المحكمة على رفض الطلب الذي تقدم به خصمه المدعي، ونهم هذه الوسائل بشكل مباشر المزاعم التي استند عليها المدعي بغية توضیح أنها لا تستند على أساسه.
والمدعى عليه الذي يثير هذا النوع من الدفوع هو الذي يتوفر على القدرة على نفي الحق الذي يستند خصمه عليه، ويمكن أن يتخذ هذا التقي إحدى الصورتين، الصورة الأولى هي التي يزعم فيها المدعى عليه أن ذلك الحق لم يتحقق البتة، والصورة الثانية هي أن يزعم أن ذلك الحق الذي تستند عليه الدعوى انقضى بفعل تحقق سب من أسباب انقضاء الالتزام.
وتعتبر الدفوع الموضوعية من أهم أنواع الدفوع على الإطلاق بالنظر للآثار التي يمكن أن تترتب عنها، ويرجع ذلك إلى كون هذه الدفوع تؤدي في حالة ما إذا أخذت بها المحكمة التي تنظر الدعوى إلى وضع حد نهائي للنزاع، إذ تتميز الأحكام التي تقضي برفض الطلب على إثر الأخذ بدفع موضوعي بتوفرها على حجية الأمر المقضي به التي تحول دون إمكانية عرض النزاع على محكمة أخرى أو نفس المحكمة التي سبق لها البت في الدعوى.
وبالنظر لطبيعتها السابقة الذكر، فإن الدفوع الموضوعية يمكن إثارتها في أية مرحلة من مراحل التقاضي من طرف المدعى عليه ودونها حاجة إلى احترام أية تراتبية، بل أكثر من هذا يمكن لمن له مصلحة في ذلك أن يثيرها ولو لأول مرة أمام محكمة الدرجة الثانية أو حتى أمام محكمة النقض.

المبحث الثاني: الدفوع الشكلية :

على عكس الدفوع الموضوعية فإن الدفوع الشكلية لا تهم الحق الذي أسس عليه المدعي دعواه، فهذه الدفوع تتعلق فقط بخرق الشكليات المسطرية المحددة قانونا والتي يتعين احترامها عند مباشرة الدعوى، وتهدف إثارة هذه الدفوع إلى التصريح بعدم قبول الدعوى التي تم رفعها بالنظر للعيوب المسطرية التي تم ارتكابها من طرف المدعي وبغض النظر عن الحق الذي تستند عليه
وبالنظر لطبيعتها هذه، فإن إثارة الدفوع الشكلية يجب أن تتم تحت طائلة عدم قبولها، في آن واحد عند بداية الدعوى، وكنتيجة لذلك فإن المدعى عليه الذي يبدأ في مناقشة موضوع الدعوى يفقد الحق في التمسك بها، وتهدف هذه القاعدة المنصوص عليها في الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية إلى إلزام المدعى عليه على احترام مبدأ التقاضي بحسن نية.
وبالمقابل فالأخذ بالدفوع الشكلية من طرف المحكمة التي تنظر في الدعوى لا يؤدي إلا إلى وضع حد مؤقت للنزاع بالنظر لافتقاد الأحكام القضائية المصرحة بعدم قبول الدعوى لحجية الأمر المقضي به، ولعل هذا هو السبب الذي دفع بالكثير من الفقهاء إلى وصف هذه الفئة بالدفوع “المطيلة للنزاع”، فالمدعي الذي كان مصير دعواه هو عدم القبول بإمكانه ما لم يحل التقادم أو السقوط أن يرفع دعوی جديدة أمام نفس المحكمة أو محكمة أخرى من نفس الدرجة قصد النظر في موضوع الحق الذي تستند عليه.

المطلب الأول: الدفع بعدم الإختصاص

يمكن تعريف الإختصاص بأنه أهلية محكمة ما بالنظر في نزاع معين، وبناء عليه فإن إفتقاد المحكمة التي وقع عليها إختيار المدعي لهذه الأهلية يمكن أن يثيره المدعى عليه لكي يتم التصريح بعدم الاختصاص بالنظر في الدعوى الموجهة ضده،
ويستند عدم الإختصاص إما على نوع النزاع أو محله، ويسمى الأول بعدم الإختصاص النوعي، أما الصنف الثاني فيوصف بعدم الإختصاص المحلي أو المكاني أو حتى الترابي لارتباطه بدائرة الإختصاص الترابي للمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى
وإذا كان الدفع بعدم الاختصاص الترابي لا يثير إشكالات كثيرة من حيث تحديد النظام القانوني الذي يحكمه فإن الأمر مختلف بالنسبة للدفع بعدم الإختصاص النوعي، ويرجع هذا الأمر بالأساس إلى تعدد الأنظمة القانونية التي تنظمه واختلافها بل وتناقضها أحيانا

الفقرة الأولى: النظام القانوني المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية:

لم يضع الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية على العموم أي تمييز ما بين الدفع بعدم الاختصاص المحلي والدفع بعدم الإختصاص الترابي، والإستثناء الوحيد الوارد على هذا المبدأ هو الذي جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل المذكور الذي نص على إمكانية إثارة الدفع الأول تلقائيا من طرف محاكم الدرجة الأولى بمناسبة النزاعات التي تنظر فيها
وبناءا عليه يمكن القول أن المسطرة المدنية لم تخص كل واحد من الدفعين السابقين بنظام قانوني خاص به، كما أنها لم ترقي بالدفع بعدم الإختصاص النوعي إلى مصاف الدفوع التي ترتبط بالنظام العام.
وقد درج الفقه والإجتهاد القضائي المغربيين على إعتبار أن الدفع بعدم الإختصاص الترابي ليس دفعا من النظام العام، والأساس الذي تستند عليه هذه الأطروحة وبغض النظر عن مقتضيات الفصل 16 السابق الذكر، هو أن أطراف الدعوى يمكنهم في كافة الأحوال الإتفاق على منح الإختصاص لمحكمة من المحاكم، على الرغم من دخول النزاع في دائرة الإختصاص الترابي لمحكمة غيرها.
ويعتبر بعض الفقهاء بالنظر للمقتضيات السابقة الذكر، أنه يجب إثارة الدفع بعدم الإختصاص سواء كان أساسه نوع القضية أو دائرة الإختصاص الترابي، قبل كل دفع أو دفاع تحت طائلة عدم قبوله، بل إنهم يضيفون تماشيا مع مقتضيات الفصل 16 أنه يتعين على المدعى عليه الذي يثير إحدى الدفعين السابقي الذكر تحت طائلة عدم القبول أيضا، أن يحدد المحكمة المختصة بالنظر في النزاع لتتم إحالة القضية عليها تلقائيا في حالة أخذ المحكمة بالدفع المذكور.
كما أن المحكمة التي تتم إثارة هذا الدفع أمامها سواء كان نوعيا أو مکانيا، غير ملزمة بالبت فيه عن طريق حکم مستقل عن ذلك الذي تصدره في الجوهر، فبإمكانها على الرغم من وجاهة الطرح الأول أن تقرر ضم الدفع للموضوع والبت فيها معا بحكم واحد.
وإذا تبين للمحكمة المثار أمامها الدفع أن هذا الأخير يستند على أساس فإنها تقرر إحالة الملف تلقائيا على المحكمة المختصة التي قام المدعى عليه بتعيينها عند إثارته للدفع”، ويترتب عن هذه الإحالة المباشرة إعفاء المدعي من الإدلاء بمقال إفتتاحي جديد للدعوى وكذا من أداء الرسوم القضائية التي سبق له أداؤها أمام المحكمة التي صرحت بعدم إختصاصها.
وفي الختام، يجب التذكير بأن النظام القانوني الذي وضع معالمه قانون المسطرة المدنية لا يسمح بإثارة الدفع بعدم الإختصاص للمرة الأولى أمام محكمة الإستئناف إلا في مواجهة الأحكام الصادرة غيابيا، كما أن الطرف الذي لم يثر هذا الدفع أمام محاكم الموضوع لا يمكن أن يستند علیه کسبب من أسباب النقض”.

الفقرة الثانية: النظام القانوني المنصوص عليه في القانون المحدث للمحاكم الإدارية:

بدأ الدفع بعدم الاختصاص النوعي يطرح الكثير من الإشكالات مباشرة بعد إحداث المحاكم التجارية والمحاكم الإدارية، وكان السؤال الذي تم طرحه بحدة يتعلق بمدى إمكانية تطبيق مقتضيات القانون 41. 90 أمام المحاكم العادية، وعلى الرغم من التناقض الذي طبع الإجتهاد القضائي الصادر عن مختلف المحاكم فإن الطرح الذي يبدو وجيها والذي تم الأخذ به في الختام هو الذي يرى أن المقتضيات التي أتی بها القانون المذكور في موضوع الدفع بعدم الاختصاص النوعي قابلة للتطبيق أيضا أمام المحاكم العادية.
ويعتبر القانون المحدث للمحاكم الإدارية أن الدفع بعدم الإختصاص النوعي من النظام العام، ويترتب عن ذلك إمكانية إثارته في أية مرحلة من مراحل التقاضي، بل أنه يمكن إثارته ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ، كما أن إثارته يمكن أن تتم على حد سواء من قبل الأطراف أو تلقائيا من طرف المحكمة المعروض عليها النزاع.
ويتعين على المحكمة التي تنظر في النزاع طبقا للقانون نفسه البت في الدفع بعدم الاختصاص النوعي بحكم مستقل يصدر قبل ذلك التي تصدره المحكمة في الموضوع، في حالة ما إذا صرحت بإختصاصها، ويمكن الطعن في هذا الحكم بشكل مستقل عن الحكم البات في الجوهر بالإستئناف، ونظرا لعدم تحديد المشرع لأي أجل خاص فإن هذا الطعن يجب أن يمارس داخل أجل ثلاثين يوما، ويرجع الإختصاص للبت في هذا الطعن لمحكمة النقض، ويتعين على الجهة القضائية العليا أن تبت فيه داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ إحالة الملف عليها.
وإعمالا لمقتضيات الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية والمواد 12 و 13 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية فإنه يمكن القول بأن الدفع بعدم الإختصاص النوعي يخضع، أيا كانت المحكمة التي تنظر في النزاع وشريطة أن هم تنازع الإختصاص محكمة عادية ومحكمة إدارية لمقتضيات القانون الأخير، الذي ارتقى به إلا مصاف الدفوع التي تنتمي للنظام العام، أما الدفع بعدم الاختصاص المحلي فإنه يخضع دائما لمقتضيات قانون المسطرة المدنية أيا كانت المحكمة التي تمت إثارته أمامها.

الفقرة الثالثة: النظام القانوني للدفع بعدم الإختصاص طبقا للقانون المحدث للمحاكم التجارية:

حدد القانون المحدث للمحاكم التجارية القواعد التي يخضع لها الدفع بعدم الإختصاص النوعي في الفصل الثامن، وعلى الرغم من أن الفصل المذكور توخي الدقة فيما يخص العديد من الأحكام التي تنظم مسألة إثارة الدفع بعدم الإختصاص أمام المحاكم التجارية، إلا أنه من الملاحظ أنه لم يأت بجواب كان فيها يتعلق بعلاقة هذا الدفع بالقواعد التي يحددها قانون المسطرة المدنية والقانون المحدث للمحاكم التجارية.
لم يتطرق القانون المحدث للمحاكم التجارية بشكل صريح لمسألة الطبيعة القانونية للدفع بعدم الاختصاص، وعلى الرغم من ذلك وبإستقراء مقتضيات المادة 8 من القانون السابق الذكر يتضح أن هذا الدفع يتميز بطبيعة مختلطة، فجزء من أحكامه تطابق تلك التي تنظم المسائل المتعلقة بالنظام العام، بينما لا نلمس في الباقي أي إرتباط به.
ويقبل الحكم الصادر بخصوص الدفع بعدم الإختصاص النوعي من طرف المحكمة التجارية الإستئناف داخل أجل عشرة أيام من تاريخ تبليغه للأطراف، وتنظر في هذا الإستئناف محكمة الإستئناف التجارية التي يتعين عليها البت فيه داخل أجل عشرة أيام من تاريخ توصلها بالملف، ويمكن ممارسة هذا الطعن من قبل الطرف الذي له مصلحة في ذلك، ولا يقبل القرار الصادر عن محكمة الإستئناف التجارية في هذا الصدد أي طعن.
ويتعين على محكمة الإستئناف التجارية بعد بتها في الدفع إحالة الملف تلقائيا على المحكمة التي تراها مختصة للبت فيه، ويتعين أن تتم هذه الإحالة داخل أجل عشرة أيام من تاريخ إصدار الحكم.

الفقرة الرابعة: النظام الواجب التطبيق:

يهم الدفع بعدم الإختصاص النوعي بحكم طبيعته نزاعا مفترضا للإختصاص ما بين محكمتين مختلفتين، ويتطلب تحديد النظام القانوني الذي يحكم إثارة الدفع المذكور التمييز بين المحاكم التي تتنازع الاختصاص، إذ يتعين في هذا الصدد التمييز بين حالتين، الحالة الأولى هي التي يكون فيها الإختصاص متنازعا ما بين محكمة إدارية ومحكمة عادية، سواء كانت محكمة إبتدائية أو محكمة تجارية وأيا كانت طبيعة المحكمة التي تمت أمامها إثارة هذا الدفع، أما الحالة الثانية فهي التي تكون فيها بصدد تنازع للإختصاص ما بين محكمة إبتدائية ومحكمة تجارية
ففي الحالة الأولى، فالدفع بعدم الاختصاص النوعي يخضع من حيث القواعد المنظمة له للمقتضيات المنصوص عليها في القانون المحدث للمحاكم التجارية، أما في الحالة الثانية فإنه يخضع للنظام المنصوص عليه إما في قانون المسطرة المدنية إذا تمت إثارته أمام محكمة إبتدائية أو النظام المنصوص عليه في القانون المحدث للمحكمة التجارية في الحالة التي تتم فيها إثارة هذا الدفع أمام المحكمة التجارية.

المطلب الثاني: الدفع بالإرتباط والدفع بعرض النزاع على محكمة أخري

يتعلق الدفع بعرض النزاع على محكمة أخرى بالحالة التي يكون فيها النزاع نفسه معروض في الوقت نفسه على محكمتين مختلفتين ومختصين للنظر فيه، أما الدفع بالإرتباط فهو يهم الحالة التي يكون فيها نزاعان مختلفان معروضان على محكمتين مختلفتين مرتبطتين بشكل وثيق،
ويهدف الدفع بعرض النزاع على محكمتين مختلفتين إلى تصريح إحداهما بتخليها عن النظر فيه لفائدة الأخرى وبإحالة الملف عليها، ولعل هذا ما دفع بالفقه إلى تسمية هذا الدفع بالدفع بالإحالة على محكمة أخرى، أما الدفع بالإرتباط فهو يهدف إلى عرض دعويين مختلفتين تجمعهما روابط مشتركة على نفس المحكمة، ويهدف هذا الضم إلى تفادي صدور احکام متناقضة ومتعارضة في نفس النزاع
ولا يتعلق أي من الدفعين السابقين بالنظام العام، وبالنظر لذلك يتعين إثارتها في بداية النزاع وقبل الخوض في مناقشة الموضوع، كما أنه لا يمكن للقاضي إثارتها من تلقاء نفسه.
ولم يحدد قانون المسطرة المدنية المغربي أي من المحكمتين التي يمكن إثارة كلا الدفعين أمامها وأي منهما يتعين عليها أن تتخلى عن النزاع لصالح الأخرى، وعلى الرغم من ذلك فإن المعيار الذي يرجح كفة أول محكمة وضعت يدها على النزاع يبدو وجيها على الرغم من عدم توفره على أي سند قانوني.

المطلب الثالث: الدفع بالبطلان:

يخضع رفع دعوى أمام القضاء وتدبير مختلف المراحل التي تمر منها لقواعد وشكليات حددها القانون بشكل دقيق، ويتعين على الأطراف والمحكمة وكل مساعدي القضاء الذين قد يتدخلوا في النزاع إحترامها، وإذا ما تم خرق إحدى هذه الشكليات السابقة فإنه يحق لمن له مصلحة أن يثير دفعا شكليا، ويهدف هذا الدفع إما إلى إبطال كلي أو جزئي للإجراءات التي تم خرقها أو إلى التصريح بعدم قبول الدعوى.
إلا أن الدفع بالبطلان أيا كان الإجراء الذي ينصب عليه لا يمكن الأخذ به من طرف المحكمة إلا إذا أثبت الطرف الذي أثاره تضرر مصالحه بفعل ذلك، ويجد هذا الشرط سنده في مقتضيات الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية، وتخضع مراقبة مدى تحققه للسلطة التقديرية المطلقة للمحكمة الموضوع، وكنتيجة لذلك فإن الإجتهاد القضائي لعب دورا هاما في تحديد الشكليات التي يترتب عن خرقها إضرار بمصالح أحد الأطراف وتلك التي لا يترتب عنها أي ضرر وبالتالي لا تنتج إثارتها أمام المحكمة أي أثر.
ويبقى قبول هذا الدفع رهينا بالوقت الذي تتم فيه إثارته، إذ يتعين تحت طائلة عدم القبول إثارة كل الدفوع بالبطلان في وقت واحد وقبل كل دفع موضوعي، وهو ما يعني أن الطرف الذي يناقش الموضوع يفقد الحق في إثارة الدفوع بالبطلان.
______________

الدفوع بعدم قبول الدعوى

تشكل الدفوع بعدم قبول الدعوى الصنف الثالث من الدفوع التي يمكن للمتقاضين إثارتها أمام المحكمة التي تنظر في النزاع، ويهدف المتقاضين من وراء هذه الإثارة إلى تصريح المحكمة بعدم قبول الدعوى التي تم رفعها لعدم توفر رافعها على الحق في ولوج القضاء بسبب غياب إحدى الشروط الضرورية لذلك، ويترتب عن أخذ المحكمة بهذا الدفع إحجامها عن مناقشة موضوع الدعوى“.
وتقترب الدفوع بعدم القبول من حيث موضوعها من الدفوع الشكلية، فكلا الدفعين معا لا ينصب على مناقشة جوهر الدعوى، إلا أنها تختلف عنها من حيث الآثار التي من الممكن أن تنتجها، فالأخذ بالدفع بعدم القبول ينتج في الغالب نفس الآثار التي ينتجها الدفع الموضوعي، إذ أنه يترتب عن ذلك وضع حد نهائي للنزاع نتيجة لحيازة المقرر القضائي الصادر بصدده لحجية الأمر المقضي به، وهو ما يعني عدم إمكانية عرض النزاع من جديد على نفس المحكمة أو محكمة أخرى.
ويتعين إثارة الدفوع بعدم القبول تحت طائلة عدم قبولها في آن واحد وفي بداية النزاع، ويفقد الطرف الذي يخوض في مناقشة الموضوع لحقه في الإستناد عليها

المطلب الأول: الدفع بإنعدام شرط من شروط رفع الدعوى:

 لقد حدد الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية الشروط التي ينبغي التوفر عليه من أجل رفع دعوى أمام المحكمة، وفي حالة إنعدام شرط من هذه الشروط فإن المدعي يفقد الحق في ولوج القضاء للبت في النزاع الذي يجمعه بالمدعى عليه؟
ويتعين على المدعى عليه أو المدعي في حالة تقدم الأول بطلب مقابل، إثارة الدفع بعدم القبول لإنعدام شرط من الشروط الضرورية لرفع الدعوى في بداية النزاع وقبل مناقشة الموضوع، كما يمكن للمحكمة المعروض عليها النزاع أن تثير هذا الدفع تلقائيا، إلا أن محكمة النقض لا تعتبر من خلال القرارات التي أصدرتها، أن عدم إثارة هذا الدفع تلقائيا من قبل محاكم الموضوع بشكل دائما سبيا من أسباب النقض.
وعلى الرغم من خضوعهم لنفس القواعد القانونية، فإنه يستحسن أن يتم التطرق للدفوع بعدم القبول بسبب إنعدام شرط من الشروط الضرورية لرفع الدعوى بشكل مستقل، ويكمن الهدف من ذلك في توضيح العناصر التي تشكل خصوصية كل واحد من هذه الدفوع الثلاث و تميزه عن غيره.

الفقرة الأولى: الدفع بإنعدام الصفة:

تعد الصفة أول شرط من الشروط التي يتعين توفرها من أجل رفع الدعوى أمام محكمة الموضوع، ويمكن تعريف الصفة بكونها أحقية متقاضي معين برفع دعواه أمام القضاء قصد البت في مدى وجاهة إدعائه ويمكن أن تكتسي الصفة إما شکلا إيجابيا أو سلبيا، فالصفة بمعناها الإيجابي هي تلك التي يتعين توفرها لدى المدعي، وتمكن هذه الصفة من تحديد حصري للأشخاص الذين يحق لهم رفع الدعوى أمام القضاء، أما الصفة بمفهومها السلبي فهي التي يتعين توفرها لدى المدعى عليه.
وتنعت الصفة لدى المدعي والمدعى عليه على حد سواء بأنها مستقلة، ويمكن هذا الوصف من تمييز صفة طرفي النزاع الأساسيين المدعي والمدعى عليه عن الصفة التي من الضروري توفرها لدى باقي المتدخلين في الدعوى والتي تنعث بالتابعة.
ويعتبر بعض الفقهاء بأن الصفة تشكل نتيجة طبيعية لمبدأ الأثر النسبي للأحكام، ويهدف هذا المبدأ إلى تجنب إشراك الغير في النزاع وتمديد الآثار التي تنتج عن المقررات الصادرة فيه إليهم, وعليه يمكن إثارة الدفع بإنعدام الصفة من طرف المدعى عليه أو من طرف محكمة الموضوع تلقائيا، ويتعين على المدعى عليه الذي يرغب في التمسك بهذا الدفع إثارته قبل كل دفع في الموضوع وفي نفس الوقت الذي يثير فيه باقي الدفوع المرتبطة بالشكل، ويترتب عن عدم إحترام هذه القاعدة التصريح بعدم قبول الدفع المثار دونيا حاجة إلى مناقشة موضوعه.
ولا يمكن لمحكمة الموضوع التي تمت إثارة هذا الدفع أمامها أن تبث فيه إلا بعد إنذار المدعي بإصلاح المسطرة، ويحق لهذا الأخير الإستفادة من أجل قصد تحقيق ذلك، ويتم تحديد هذا الأجل من طرف محكمة الموضوع التي تنظر في النزاع بالنظر الملابسات هذا الأخير، غير أنه يتعين في كافة الأحوال أن يكون هذا الأجل كافيا.
  ويمكن إثارة الدفع بانعدام الصفة ولو لأول مرة أمام محكمة الإستئناف، وقد درجت محكمة النقض على إعتبار الدفع بانعدام الصفة دفعا من النظام العام مع ما يترتب عن ذلك من آثار
ولا تجبر محاكم الموضوع على إثارة الدفع بإنعدام الصفة تلقائيا إلا إذا تضمن الملف عناصر تمكنها من الإطلاع على ذلك وملامسته، ويمكن في هذه الحالة إذا  لم تثر محكمة الموضوع هذا الدفع تلقائيا أن تتم إثارته من طرف المدعى عليه لأول مرة أمام محكمة النقض ضمن جملة الأسباب التي يمكن لطالبه الإستناد عليها.
 وعلى الرغم من ضرورة إثارته في بداية النزاع وقبل كل دفع في الموضوع، فإن الدفع بعدم القبول لإنعدام الصفة يعتبر في نظر الإجتهاد القضائي بمثابة دفع يرتبط بالموضوع وليس بالشكل، وتبعا لذلك فإن المقرر القضائي الصادر بعد أخذ المحكمة به یکون حائزا لحجية الأمر المقضي به .

الفقرة الثانية: الدفع بإنعدام الأهلية:

الأهلية هي الشرط الثاني الذي يلزم تحققه لدى المتقاضين، فكل دعوى أيا كان نوعها لا يمكن ممارستها إلا من طرف وفي مواجهة من يتوفر على أهلية قانونية
ويمكن للمدعى عليه أن يثير الدفع بعدم القبول لإنعدام أهليته أو أهلية المدعي، ولا يمكن تناقص الأهلية أن يباشر الدعوى بنفسه أمام القضاء إلا عن طريق ممثله القانوني، ويتم تحديد هذا الأخير بالرجوع لمقتضيات الباب الثاني من قانون الأسرة، وبالمقابل فإن الدعوى لا يمكن توجيهها مباشرة في مواجهة قاصر، بل يتعين الإشارة إلى هوية ممثله القانوني المؤهل لتمثيله في النزاع.
تخضع إثارة الدفع بعدم القبول لإنعدام الأهلية لنفس القواعد والشكليات القانونية التي تهم الدفع بعدم القبول لإنعدام الصفة والتي سبق لنا التطرق إليها، ويعتبر هذا الدفع من النظام العام بالنظر لكون أن الهدف منه هو حماية مصالح المتقاضين، وعلى العكس من ذلك فإن واقعة إنعدام الصفة تعتبر من النظام العام، ويعني ذلك أنه من الضروري على محكمة الموضوع أن تبحث من تلقاء نفسها مدى توفر هذا الشرط الضروري لرفع الدعوى أمامها.

المطلب الثاني: الدفوع المرتبطة بانصرام أجل أو عدم إتيان إجراء:

 يجب رفع كل دعوى أمام المحكمة المختصة داخل الأجل القانوني المحدد لذلك، ويهدف المشرع من وراء سن هذه الآجال إلى ضمان إستقرار العلاقات بين الأفراد، ففي هذا الصدد ينص الفصل 387 من قانون الإلتزامات والعقود على أن كل الدعاوى الناشئة عن إلتزام تتقادم بمرور خمسة عشر سنة، كما ينص الفصل 388 على أجل أقصر وهو خمسة سنوات في الدعاوى التي يكون طرفيها من التجار، وقد حدد هذا الفصل الأخير آجال أقصر لرفع بعض الدعاوى الخاصة، فالدعوى التي ترفع من طرف الأطباء من أجل استيفاء مقابل العمليات الجراحية التي قاموا بإجرائها بتعين رفعها داخل أجل سنتين، والدعوى التي يرفعها الأساتذة من أجل إستيفاء الواجبات التي تقع على عاتق تلامذتهم تتقادم بمرور سنة واحدة
والسقوط هو عقاب يواجه به المتقاضي الذي رفع دعواه بعد انصرام الأجل المنصوص عليه قانونا، فعلى سبيل المثيل يواجهة بالسقوط المتقاضي الذي لم يطعن بالإستئناف في الحكم الإبتدائي الصادر في مواجهته داخل أجل الثلاثين يوما المحدد قانونا والذي يبدأ سريانه من تاريخ التبليغ
ولا يرتبط الدفع بالسقوط بانصرام أجل معين كان يتعين على أحد المتقاضين إحترامه، بل على العكس من ذلك يشكل هذا الأخير عقوبة تلم بالمتقاضي الذي لم يباشر إجراءا معين ينص القانون على ضرورة إتيانه قبل رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة.
والدفع بعدم القبول الناتج عن انصرام أجل أو عدم إتيان شكلية معينة ليس من النظام العام، إذ يتعين على المدعى عليه الذي له مصلحة في ذلك أن يثير هذا الدفع بنفسه، ولا يمكن البتة أن تثيره المحكمة تلقائيا، كما يتعين إثارة هذه الدفوع في بداية النزاع وقبل كل دفع في الموضوع تحت طائلة عدم القبول.

المطلب الثالث: الدفع بحجية الأمر المقضي به

تجد حجية الأمر المقضي به مصدرها في القانون الروماني، ويهدف منح هذا الأثر للمقررات القضائية إلى منع التقدم بعدد لا منتهي من الدعاوى بخصوص نزاع سبق وأن تم البت في موضوعه من طرف إحدى محاكم الموضوع ، وتجدر الإشارة إلى أن حجية الأمر المقضي به لا تهم فقط الأحكام الصادرة في الموضوع، فهي تهم كل المقررات القضائية بما فيها الأحكام التمهيدية.
ولا يمكن إثارة الدفع بحجية الأمر المقضي به إلا في مواجهة طلب بهم نزاعا مطابقا من حيث جميع عناصره لذلك الذي سبق البت فيه، وتتمثل العناصر الثلاث للنزاع في الأطراف والسبب والموضوع، وفي غياب التطابق التام فإن هذا الدفع لا يمكن الأخذ به.
ولا يعتبر الدفع بحجية الأمر المقضي به من النظام العام، حيث يتعين طبقا لمقتضيات الفصل 432 من قانون الإلتزامات والعقود، أن تتم إثارته من طرف المدعى عليه في بداية النزاع، كما أنه لا يمكن للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها.
 ويتعين على المدعى عليه الذي يثير هذا الدفع أن يدلي بنسخة من الحكم الذي يدعي سبقية صدوره في نفس النزاع، ويترتب عن عدم إحترام هذه الشكلية التصريح بعدم قبول الدفع المثار, ولا يمكن إثارة الدفع بحجية الأمر المقضي به لأول مرة أمام محكمة النقض، كما لا يمكنه أن يشكل سببا من أسباب النقض إلا إذا سبقت إثارته أمام محكمتي الدرجة الأولى والثانية.
________________

تصنيف الأحكام القضائية

  من الممكن إخضاع المقررات القضائية الصادرة عن المحاكم إلى مجموعة كبيرة من التصنيفات، ويبقى أهم تصنيفين هما اللذان يميزان ما بين المقررات القضائية بالاستناد إلى قابليتهم للتنفيذ وعلى نوعية المسائل التي تم البت فيها
فالمعيار الأول يمكن من التمييز ما بين المقررات النهائية والمقررات الوقتية، أما المعيار الثاني فهو الذي يصب في إتجاه التمييز ما بين المقررات الصادرة في الجوهر والمقررات التمهيدية، وفئة ثالثة من المقررات التي تجتمع فيها المواصفات الخاصة بكل واحدة من الفئتين الأولتين والتي تنعث بالمختلطة.
بالمقابل وإلى جانب التصنيفين الأساسيين الذين سبقت الإشارة إليها، يوجد تصنيف آخر لا يقل أهمية يفضي إلى التمييز ما بين المقررات الصادرة في حضور الأطراف وتلك التي صدرت في غيبتهم.

المبحث الأول: المقررات الإبتدائية والمقررات الإنتهائية:

يستند هذا التصنيف على معياريين أساسيين، المعيار الأول هو الذي يستند إلى مدى قابلية المقرر القضائي للطعن بالإستئناف، أما المعيار الثاني فهو الذي يجد أساسه في مدى إمكانية الطعن في المقرر القضائي بأي طريق من طرق الطعن المحددة قانونا.

المطلب الأول: المقرر الإبتدائي:

يدخل ضمن فئة المقررات الإبتدائية كل المقررات القضائية التي تقبل الطعن بالإستئناف أمام محكمة الدرجة الثانية، ولا تقبل هذه المقررات التنفيذ من حيث المبدأ بالنظر لكونها تحتمل التعديل خلال المرحلة الثانية من النزاع، وقد كان هذا الوصف ينطبق فقط على الأحكام الصادرة عن محكمة الدرجة الأولى إبتدائيا وإنتهائيا باستثناء تلك التي تهم القضايا التي تقل قيمتها عن ثلاثة آلاف درهم، أما بعد التعديل الذي أدخل على قانون المسطرة المدنية بمقتضى القانون والذي جعل كافة الأحكام قابلة للطعن بالإستئناف أيا كانت قيمتها، فإن هذا الوصف أصبح هم كافة الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى.

المطلب الثاني: الأحكام الإنتهائية:

 تعتبر بمثابة مقررات إنتهائية المقررات التي لا تقبل الطعن بالإستئناف. وبعد التعديل السابق الذكر الذي جعل كافة الأحكام الصادرة عن المحكمة الإبتدائية قابلة للإستئناف فإن الأحكام الإنتهائية أصبح وصفا لا يهم إلا القرارات الصادرة عن محاكم الدرجة الثانية حضوريا أو غيابيا وكذا على الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى بعد إنقضاء أجل الطعن فيها بالإستئناف.

المطلب الثالث: الحكم القطعي:

يعرف فقهاء القانون الحكم القطعي بأنه المقرر الذي لا يقبل أي طريق من طرق الطعن سواء كانت عادية أو غير عادية والذي أصبح بالتالي لا يقبل التعديل وبالنظر لهذا التعريف فإنه يمكن القول بأن الحكم القطعي ضرب من ضروب الخيال الذي لا يوجد إلا في الأدبيات القانونية أو أن الوصف الذي يعطي له يندرج ضمن الأوصاف الطوبوية التي لا يستحق أي مقرر قضائي الحصول عليها، فإذا كان المشرع قد حدد آجالا لممارسة معظم طرق الطعن المنصوص عليها، عادية كانت أو غير عادية فإنه لم يفعل الأمر نفسه مع تعرض الغير الخارج عن الخصومة، وإن كانت الآجال الأولى تنصرم مع مرور الوقت فإن تعرض الغير الخارج عن الخصومة يبقى مفتوحا مهما مر الزمان.
وبالنظر لهذا، فإنه من الصعب أن نتصور تحصن مقرر قضائي من كافة طرق الطعن التي ينص عليها القانون، إذ لا يمكن تصور إستنفاد كافة طرق الطعن في مواجهة مقرر قضائي معين، فحتى على افتراض ممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة في مواجهة مقرر معين فإن ذلك ليس من شأنه الحيلولة دون ممارسة الطعن نفسه في مواجهة نفس الحكم من طرف شخص آخر من الغير الذي يدعي أن مصالحه تضررت أيضا منه.
وبالنظر لهذه المعطيات فإن التعريف القانوني للأحكام القطعية يتطلب إخضاعه المراجعة عميقة إذا كان الفقه يتشبث بإستمراريته التي لا تتجاوز أهميتها الجانب النظري، فالأصح هو القول بأن الحكم القطعي هو ذلك المقرر القضائي الذي لا يقبل أي طعن عادي أو غير عادي ما عدا تعرض الغير الخارج عن الخصومة
 وتجدر الإشارة إلى أنه في الغالب ما يتم خلط هذا الحكم الذي يعد وجوده على أرض الواقع ضربا من الخيال، حسب التعريف الرائج، مع الأحكام الإنتهائية أو الأحكام المشمولة بقوة الشيء المقضي به على الرغم من الفرق الكبير بين هذه الفئات الثلاث، فالطابع القطعي لا يستند على مدى قابلية المقرر للتنفيذ ولا على مدى تطرق محاكم الموضوع للمسألة القانونية التي أثارها أطراف النزاع، فالمعيار الذي يستند عليه هو مدى إمكانية تعديل المقرر من عدمه في إطار الطعون التي يمكن أن تمارس في مواجهته .

المبحث الثاني: الحكم الإنتهائي والحكم التمهيدي:

يكمن الهدف من رفع الدعوى أمام القضاء وعرض النزاع عليه في حمله على البت في جوهره، إلا أن هذا البت قد يتطلب في بعض الأحيان قبل التطرق للموضوع، أن تتم تهيئة الحل أو الحسم في بعض المسائل الأولية، وتتم هذه التهيئة أو الحسم في المسائل الأولية من خلال إصدار أحكام تنعث بالتمهيدية تمييزا لها عن الأحكام النهائية الصادرة في موضوع أو جوهر النزاع.

المطلب الأول: الحكم النهائي:

 الحكم النهائي أو الحكم الموضوعي هو ذلك الحكم الذي يفصل في النزاع من خلال الإجابة عن الطلبات التي يتم الإدلاء بها من قبل المتقاضين إما أصليا أو بشكل عرضي، فالطلبات الأصلية هي التي يتم التقدم بها في بداية الدعوى، أما الطلبات العارضة فهي تلك التي يتم الإدلاء بها خلال مختلف مراحل النزاع.
ويتميز الحكم الصادر في موضوع النزاع باکتسابه لحجية الشيء المقضي به، ويترتب على ذلك عدم قابلية عرض النزاع نفسه من جديد على المحكمة التي سبق لها الفصل فيه أو على غيرها من المحاكم، ويمكن لكل من له مصلحة في ذلك أن يثير هذا الدفع أمام المحكمة التي تنظر في نزاع سبق البت في جوهره من أجل دفعها إلى رفع يدها عنه،
 ويمكن أن يكون الحكم النهائي إما حكمها حضوريا أو غيابيا، فالحكم الحضوري هو الذي يصدر في ختام دعوى بين طرفين تم استدعاؤهما بصفة صحيحة، أما الحكم الغيابي فهو الذي يصدر في غيبة الطرف المدعى عليه ودون أن يتم إستدعاؤه بصفة قانونية

المطلب الثاني: الحكم التمهيدي

 على عكس الحكم النهائي الصادر في جوهر النزاع، فإن الحكم التمهيدي هو ذلك الحكم الذي لا يتم من خلاله البت في جوهر النزاعة، فالمحكمة التي تصدره تكتفي بتهيئة الحل، ولهذا السبب يتم نعته أيضا بالحكم التحضيري.
وتبعا لذلك تعتبر بمثابة أحكام تمهيدية تلك التي تصدرها محاكم الموضوع خلال سريان الدعوى، وتأمر من خلالها بإنجاز إجراء من إجراءات التحقيق ، ولا تقبل هذه الأحكام الطعن إلا في نفس الوقت الذي يتم فيه الطعن في الحكم الصادر في الجوهر، وتهدف هذه الأحكام إلى تمكين القاضي من التثبت من واقعة معينة أو حماية مصلحة أحد طرفي الدعوى في انتظار البت في جوهر النزاع.

المطلب الثالث: الحكم المختلط:

تتميز الأحكام التي تنعت بالمختلطة بطابعها المركب، فهذه الأحكام تهم في الوقت نفسه الفصل في جزء من جوهر النزاع کیا تعنى بالبت في نقطة أولية يتعين تسويتها قبل التطرق للجوهر، فهذا هو حال الأحكام التي تحسم في مدى قيام مسؤولية المدعى عليه تجاه الضرر الذي تكبده المدعي وتأمر في الآن نفسه بإجراء خبرة قصد تحديد قيمة تلك الأضرار.
ولا تهم حجية الأمر المقضي به إلا الجزء الذي بنت المحكمة في جوهره، وتبعا لذلك فلا يمكن لمحكمة الموضوع، بعد أمرها بإنجاز إجراء من إجراءات التحقيق أن تناقش إلا الجزء من النزاع الذي لم تتطرق إليه، كمسألة قيمة التعويض في المثال الذي سبق ذكره.

المبحث الثالث: الحكم الحضوري والحكم الغيابي:

 328- يكتسي التمييز ما بين الأحكام الحضورية والأحكام الغيابية أهمية كبيرة في تحديد نوعية طرق الطعن التي يمكن ممارستها في مواجهة مختلف الأحكام القضائية .
وترجع هذه الأهمية إلى كون أن الأحكام الصادرة غيابيا تتميز بقبولها للطعن بالتعرض، وتهدف هذه الطريق من طرق الطعن إلى جبر الضرر الذي تكبده الطرف الذي حرم من حقه في الدفاع عن نفسه بسب عدم إستدعائه بكيفية قانونية.

المطلب الأول: الأحكام الحضورية

 تمنح صفة الحضورية للأحكام الصادرة في الدعاوى التي تم فيها إستدعاء طرفي النزاع بكيفية قانونية، ويعتبر بمثابة إستدعاء قانوني كل إستدعاء تم طبقا المقتضيات الفصول 36 وما يليها من قانون المسطرة المدنية.
ويدل منح هذه الصفة على تمكين طرفي الدعوى من حقهم في الدفاع عن مصالحهم أمام محكمة الموضوع التي كانت تنظر في النزاع، ويمكن أن يتم ذلك بشكل شفوي إذا كانت الدعوى تدخل ضمن تلك التي يتم فيها إعمال المسطرة الشفوية. أما في إطار المسطرة الكتابية التي تشكل کا سبق الذكر القاعدة العامة فإن هذا الحضور لا يجسد إلا من خلال الإدلاء بمذكرات أو مستنتجات كتابية، ولا يمكن القيام بهذه الإجراءات الكتابية إلا من طرف محام بإعتبار إحتكار من يمارسون هذه المهنة لحق تمثيل الغير أمام المحاكم.

المطلب الثاني: الأحكام الغيابية:

من حيث المبدأ لا يمكن إصدار حكم في أية دعوى إلا بعد التأكد من إستدعاء المدعى عليه أو المستأنف عليه، إلا أن إعمال هذا المبدأ لا يجب أن يترتب عنه المساس بحق المدعي أو المستأنف في صدور حكم يفصل في الطلبات التي أدلى بها أمام المحكمة، ويمنح صف الغيابية للأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى والقرارات الصادرة عن محاكم الإستئناف في غياب الطرف المدعى عليه أو الذي قدم الإستئناف في مواجهته، ويمكن أن يحدث ذلك في الحالة التي لا يحضر فيها الطرفان المذكوران رغم تبليغها بإستدعاء الحضور أو الحالة التي يتم فيها اللجوء إلى مسطرة القيم، وفي الحالة الأولى لا تعتبر غيابية إلا الأحكام أو القرارات الصادرة دونما توصل الطرف المعني بالأمر شخصيا باستدعاء الحضور.

المطلب الثالث: الأحكام بمثابة حضورية:

 يطلق وصف الأحكام بمثابة حضورية أيضا على الأحكام الصادرة في غيبة المدعى عليه أو المستأنف عليه، غير أن هذه الأحكام ينطبق عليها ما ينطبق على الأحكام الحضورية من حيث قابليتها لطرق الطعن، فهي لا تقبل على الرغم من ذلك الطعن بالتعرض
ولا يطلق هذا الوصف على الأحكام الابتدائية الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى إلا في حالتين، الحالة الأولى والتي لم يعد لها وجود بعد التعديل الأخير الذي تم إدخاله على قانون المسطرة المدنية، هي التي تهم الأحكام الصادرة إبتدائيا وإنتهائيا إذا توصل المدعى عليه شخصيا، الحالة الثانية هي التي تهم الأحكام الصادرة في حالة تعدد المدعى عليهم والتي لم يحضر فيها البعض منهم بعد إستدعائهم للمرة الثانية، ويبعث الحكم الصادر في هذه الحالة بمثابة حضوري في مواجهة المدعى عليهم الذين تخلفوا عن الحضور رغم إستدعائهم إستدعاءا قانونيا، ولا يهم إن كانوا قد توصلوا شخصيا أو أن التبليغ تم في محل إقامتهم.
أما القرارات الصادرة عن محاكم الدرجة الثانية فإنها تنعث بمثابة حضورية في حالة واحدة، وتتعلق هذه الحالة أيضا بتعدد المستأنف عليهم، وتعتبر القرارات الصادرة فيها بمثابة حضورية في مواجهة المستأنف علیهم الذين تخلفوا عن الحضور ولم يدلوا للمحكمة بمستنتجاتهم على الرغم من إشعارهم بذلك من طرف المستشار المقرر
 ولا يقتصر هذا الوصف على المدعى عليهم أو المستأنف عليهم، إذ يمكن أن توصف الأحكام أيضا بمثابة حضورية في مواجهة المدعي، ويتم هذا بخصوص الأحكام الإبتدائية الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى في غيبة المدعي بعد إعمال المحكمة لمقتضيات الفصل 47 من قانون المسطرة المدنية التي تخولها إمكانية البت إذا ما ارتأت بأنها تتوفر على كافة العناصر الضرورية دون حاجة تعرض الطلبات والمستندات المدلى بها للنقاش.
_____________

آثار الحكم

 يتوفر كل حكم قضائي على حجية الأمر المقضي به، ويترتب عن ذلك عدم إمكانية عرض النزاع نفسه الذي سبق لإحدى محاكم الموضوع البت فيه على نفس المحكمة أو محكمة أخرى من نفس الدرجة، كما يمكن أن تتوفر المقررات القضائية أيضا على قوة الأمر المقضي به. وتكمن أهمية هذه الخاصية في إمكانية مباشرة تنفيذه بشكل ودي أو بالإستناد على إحدى طرق التنفيذ المنصوص عليها قانونا.

 المبحث الأول: حجية الأمر المقضي به:

تتوفر كافة الأحكام القضائية الصادرة بخصوص جوهر النزاعات على حجية الأمر المقضي به، ويترتب عن هذه الخاصية التي تجد أساسها في القانون الروماني الحيلولة دون تحول الدعاوى القضائية إلى وسائل تعسفية تهدف إلى الإضرار بمصالح المدعى عليهم.
فحجية الأمر المقضي به يترتب عنها رفع المحكمة التي سبق لها البت في الدعوى يدها بشكل نهائي عن النزاع، وينتج عن ذلك عدم إمكانية التراجع عن الحكم الصادر أو تعديله ما لم يتم عرضه عليها في إطار طرق الطعن التي تعرض أمام نفس المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه على غرار التعرض أو إعادة النظر، كما أن هذه الحجية تمتد أيضا إلى باقي محاكم الموضوع والتي لا يمكنها وضع يدها على النزاع الذي سبق المحكمة أخرى البت فيه،
ولا يمكن إثارة حجية الأمر المقضي به من خلال الدفع بسبقية البت في الدعوى إلا إذا كانت الدعويين المعنيين بالأمر، أي تلك التي سبق البت فيها وتلك التي لا تزال معروضة على إحدى محاكم الموضوع، تهمان نزاعين متطابقين من حيث عناصرهما الأساسية، إذ يتعين أن يكون للنزاعين نفس الموضوع وأن بها نفس الأعراف ويستندا على نفس السبب، ويتمثل موضوع النزاع في الشيء الذي يطالب به المدعي، أما سببه فيتمثل في الوسائل التي يستند عليها في طلبه.
ولا تتوفر على حجية الأمر المقضي به إلا المقررات الصادرة في المادة القضائية، أما الأوامر الولائية والتي لا تستند على نزاع ولا تتطلب وجوده فإنها لا تتوفر على أية حجية.

المبحث الثاني: قوة الشيء المقضي به:

يترتب على توفر مقرر قضائي على قوة الشيء المقضي به إمكانية مباشرة تنفيذه من قبل الطرف الذي له مصلحة في ذلك، ولا يهم هذا الأمر إلا الأحكام الإنتهائية التي لا تقبل الطعن بطريق من طرق الطعن العادية، غير أنه يمكن مباشرة تنفيذ مقرر قضائي غير انتهائي إذا كان مشمولا بالنفاذ المعجل، ويتم ذلك إما بالإستناد على المقتضيات القانونية التي تصنف حکما معينا ضمن الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل أو بمقتضى حكم محكمة الموضوع بناء على طلب أحد الأطراف، وتتوفر المحكمة في الحالة الثانية على سلطة تقديرية مطلقة للإستجابة لطلب إشمال حكم بالنفاذ المعجل أو رفضه.

المطلب الأول: تبليغ الأحكام:

لا يتم تبليغ المقررات القضائية تلقائيا وإنما بناء على طلب الطرف الذي له مصلحة في ذلك، ويتم التبليغ عن طريق تسلیم نسخة مطابقة للأصل من الحكم المعني بالأمر للشخص المراد تبليغه إليه قصد مباشرة تنفيذه في مواجهته، ويتم هذا التبليغ بإستعمال الطرق المنصوص عليها في الفصول من 37 إلى 39 من ق م م.
وكما هو الشأن بالنسبة لتبليغ الإستدعاءات فإن تبليغ الحكم الشخص يجهل عنوانه يجب أن يتم عن طريق مسطرة القيم، ولا تسري آجال الطعن بالإستئناف والنقض إلا بمرور أجل ثلاثين يوما من تاريخ تعليق القرار في الجدول الخاص بهذا الغرف ونشره عند الإقتضاء بكافة الوسائل التي يحددها رئيس المحكمة بالإستناد على أهمية القضية، ويتحمل مصاريف هذه الإجراءات المستفيد من الحكم، وبإمكانه إسترجاعها بعد التنفيذ.
 أما فيما يخص الأحكام المشمولة بقوة الشيء المقضي به الصادرة عن المحاكم الأجنبية فإن تنفيذها في المغرب يخضع لمسطرة خاصة، وتتوج هذه المسطرة بتذييل الأحكام السابقة الذكر بالصيغة التنفيذية التي تسمح بمباشرة تنفيذها في المغرب طبقا للقواعد العادية

المطلب الثاني: تنفيذ المقررات الصادرة عن المحاكم المغربية:

تقبل المقررات الصادرة عن مختلف المحاكم المغربية التنفيذ داخل أجل ثلاثين سنة، ويحتسب هذا الأجل إنطلاقا من تاريخ صدورها، وبعد انقضاء الأجل المذكور فإن الأحكام تنتهي صلاحيتها.
ولا يمكن مباشرة التنفيذ إلا إذا كان طالبه يتوفر على حكم نهائي حائز القوة الشيء المقضي به، وتمنح هذه الصفة للمقررات التي لا تقبل الطعن بطرق الطعن العادية، غير أنه يمكن أيضا مباشرة تنفيذ الأحكام الإبتدائية في الحالة التي تكون فيها هذه الأخيرة مشمولة بالنفاذ المعجل.
وقد يكون النفاذ المعجل قانونيا أو قضائيا، فالنفاذ المعجل القانوني هو الذي ينص عليه القانون ويمنحه تلقائيا للأحكام الصادرة في مادة معينة حتى ولو لم يطالب الطرف الذي له مصلحة به، وهذا هو حال الأحكام الصادرة في مادة قانون الأسرة والمادة الإجتماعية على غرار الشق المتعلق بالنفقة والأحكام الصادرة في مادة حوادث الشغل والشق المرتبط بالأجر فيما يخص الأحكام الصادرة في مجال نزاعات الشغل،
 أما النفاذ المعجل القضائي فهو الذي تصرح به المحكمة بناء على طلب الأطراف، وتتمتع محاكم الدرجة الأولى في هذا الصدد بسلطة تقديرية مطلقة، وقد جرت العادة على مستوى الإجتهاد القضائي على الإستجابة للطلب الرامي إلى شمول الحكم الابتدائي بالنفاذ المعجل في الحالة التي تكون فيها أمام إقرار قضائي من المدعي عليه أو أمام سند تنفيذي، ويمكن للمحكمة عند الإقتضاء في هذه الحالة الثانية إشتراط إيداع المدعي الذي طالب بالنفاذ المعجل لكفالة مالية من أجل الإستفادة منه .
بالمقابل يمكن للطرف الذي صدر في مواجهته حكم ابتدائي مشمول بالنفاذ المعجل أن يباشر مسطرة إيقاف التنفيذ بعد تقدمه بالتعرض أو الإستئناف، ويتعين التقدم بهذا الطلب أمام المحكمة التي تنظر في الطعن المتقدم به عن طريق مقال مستقل، ولا يتم ضم الطلب الرامي إلى إيقاف التنفيذ للدعوى التي تهم الجوهر. إذ تتم مناقشته والبت فيه وداخل غرفة المشورة أجل ثلاثين يوما.
وإذا تم قبول هذا الطلب فإن المحكمة تقضي بإيقاف تنفيذ الحكم المعني بالأمر إلى غاية صدور حکم في الموضوع، كما يمكن للمحكمة التي تنظر في طلب الإيقاف أن تحصر آثاره على جزء أو أجزاء معينة من الحكم أو أن تربطه بأجل معين يمكن بمجرد إنصرامه مباشرة التنفيذ من جديد أو إستئنافه.
ويمكن في كافة الأحوال للطرف المحكوم عليه أن يتجنب النفاذ المعجل بإيداع مبلغ أو سندات كافية لضمان تنفيذ الحكم المشمول بالنفاذ المعجل، ولا يمكن مباشرة الإيداع إلا بناء على إذن من المحكمة المختصة التي تنظر في الطعن المدارس في مواجهة الحكم المطلوب تنفيذه

المطلب الثالث: تنفيذ الأحكام الأجنبية:

يرجع الإختصاص للنظر في مسألة تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية للمحاكم الإبتدائية، ويتم تحديد المحكمة الإبتدائية المختصة ترابيا بالرجوع إلى موطن أو محل إقامة الطرف المحكوم عليه المراد مباشرة التنفيذ في مواجهته. وإذا لم يكن لهذا الأخير موطن أو محل إقامة بالمغرب فإن الإختصاص يرجع إلى المحكمة التي سيتم التنفيذ في دائرتها.
ويتم التقدم بالطلب الرامي إلى تنفيذ مقرر قضائي أجنبي بناء على مقال،  ويجب أن يتقدم بهذا المقال الشخص المستفيد من المقرر الأجنبي أو وكيله، ويحدد  الفصل 431 من ق. م. م. كافة الوثائق التي يتعين على طالب الصيغة التنفيذية الإدلاء بها رفقة مقاله تحت طائلة عدم القبول
ويتعين على المحكمة التي تنظر في طلب الصيغة التنفيذية التأكد من صحة الحكم، كما يتعين عليها التأكد من كون أن المقرر المراد تذییله صادر عن المحكمة المختصة، وفي كافة الأحوال لا يمكن الإستجابة للطلب الرامي للتذييل بالصيغة التنفيذية إذا كانت مقتضيات المقرر الأجنبي مخالفة للنظام العام المغربي.
_______________________

المساطر الخاصة بالإستعجال

 تتميز المساطر التي تم إدراجها من طرف المشرع المغربي في هذا الصدد بطابعها الإستعجالي، ويمكن إستعمال هذه المساطر من طرف المتقاضين في الحالات المحددة قانونا وعند إجتماع الشروط الضرورية لذلك، وينتج عن سلوكها صدور أمر قضائيا.
ويرجع الإختصاص للبت في الطلبات المقدمة في هذا الإطار الرئيس محكمة الدرجة الأولى المختصة نوعيا وترابيا، كما يمكن أن يرجع الإختصاص للرئيس الأول المحكمة الإستئناف في بعض الحالات التي يكون فيها النزاع في الجوهر معروضا على أنظار هذه المحكمة.
وتخضع هذه المساطر للمقتضيات المنصوص عليها في الفصول من 148 إلى 165 من في م م، وتمكن إما من الحصول على أمر يقضي على الطرف الموجه ضده الطلب بالأداء أو بإنجاز تدبير من التدابير التي لها طابع تحفظي سواء كان وقتها أو إستعجاليا.

الفصل الأول: الأمر بناء على طلب:

 تخضع الأوامر بناء على طلب المقتضات الفصل 148 من قيم م، ويرجع الإختصاص في إصدارها لرئيس محكمة الدرجة الأولى المختصة نوعية التي يوجد في دائرتها محل تنفيذ الإجراء المطلوب، وقد حدد المشرع المغربي على سبيل الحصر الحالات التي يجوز فيها إصدار هذه الأوامر، ويهدف الإجراء المؤقت المطلوب الأمر به إلى حماية حق يخشي ضیاعه بمرور الوقت والذي يهدده خطر محدق.
 ولا يجمع الفقهاء على طبيعة الأوامر الصادرة بناء على طلب، فبعض الفقه يدرجها ضمن الأعمال الولائية للمحاكم التي تصدر في غيبة النزاع، أما البعض الآخر فيرى بأن هذه الأوامر تندرج ضمن الأعمال القضائية المرتبط وجودها بقيام نزاع، ويرى التوجه الثالث بأن طبيعة هذه الأوامر تختلف بحسب الظروف وطبيعة الإجراء المطلوب.
 ويختص رئيس محكمة الدرجة الأولى التي ينفذ في دائرتها الإجراء بالبت في هذه الطلبات، وفي الغالب يقوم الرئيس بإسناد هذه المهمة لأحد نوابه.

المبحث الأول: مجال الأوامر بناء طلب:

  لم يحدد المشرع المغربي بوضوح مجال الأوامر بناء على طلب، فالإضافة إلى إثبات حال وتوجيه إنذار، فإن الفصل 148 من قي.م.م ينص على أن رئيس المحكمة الإبتدائية بإمكانه إصدار أوامر تهم كل إجراء مستعجل، وعلى الرغم من هذه المقتضيات غير الواضحة وصيفة العموم التي تم إستعمالها فإن مجال هذه الأوامر يبقى محدودا بالإختصاصات الممنوحة لقاضي المستعجلات، فالإختصاصات الممنوحة لهذا الأخيرة تخرج بالضرورة من تلك التي يمكن الفصل فيها في إطار الفصل 148 من قي، م. م.
ويشترط ليكون رئيس المحكمة الإبتدائية مختصا بالبت في الطلبات المعروضة عليه بالإستناد على الإطار القانوني المشار إليه توفر عدة عناصر، فبغض النظر عن العناصر الثلاث التي يلزم توفرها لقبول كل دعوى قضائية فإنه يتعين تحقق شرطين إضافيين، والشرط الأول يتمثل في الطابع الإستعجالي للطلب، أما الشرط الثاني فيتمثل في ضرورة ألا يترتب عن إصدار الأمر المذكور مساس بجوهر النزاع.
و يختلف تقدير تحقق هذين الشرطين من عدمه بالنظر لطبيعة الإجراء المطلوب، ففي مجال الطلبات الرامية إلى تبليغ إنذار أو إثبات حال فإن تحقق الشرطين السابقين يكون مفترضا، كما تنعدم الجدوى من مراقبة مدى تحققها في الحالة التي يكون فيها رئيس المحكمة مختصا بالبت بناء على طلب بالإستناد إلى مقتضیات قانونية خاصة، أما في غير هذه الحالات فإنه يتعين على الرئيس مراقبة مدى توفر الشروط الضرورية السلوك هذه المسطرة الخاصة.

المبحث الثاني: أهم الأوامر بناء على طلب:

 كما سبقت الإشارة إلى ذلك فإن الأوامر بناء على طلب يمكن أن تهم إثبات حال أو توجيه إنذار أو أي تدبير آخر يتميز بطابعه الإستعجالي، وتبعا لذلك يمكن القول بأن المشرع لم يحدد على سبيل الحصر الحالات التي يجوز فيها إصدار أوامر بناء على طلب، وستقوم في ما يلي بتحديد أهم أنواع هذه الأوامر.

المطلب الأول: الأمر بإجراء حجز تحفظي:

 يمكن الأمر بإجراء حجز تحفظي الدائن المفترض من إيقاع حجز على الأموال المنقولة أو العقارية لمدينة في إنتظار صدور حکم بات في الجوهر وحائز لقوة الشيء المقضي به، وفي الغالب مما يسلك الدائن هذه المسطرة قبل رفع دعوى في الموضوع للمطالبة بالأداء، كما أن الدائن بإمكانه بمجرد حصوله على سند تنفيذي أن يقوم بتحويل الحجز التحفظي إلى حجز تنفیذي بهدف إستخلاص المبالغ المحكوم له

المطلب الثاني: الأمر بإجراء حجز لدى الغير:

يمكن هذا الأمر الدائن من حجز الأموال والسندات التي يملكها المدين والتي توجد بين يدي الغير، ولا يجمع الفقهاء حول طبيعة هذا الحجز، فالرأي الأول يرى أنه يدخل ضمن طرق التنفيذ الجبري، أما الرأي الثاني فهو يدرجه ضمن فئة الإجراءات التحفظية التي تمكن الدائن من ضمان حقوقه، يمكن القول بأن الحجز لدى الغير يتميز بطبيعته المختلطة، فهذا الحجز يكون له في البداية طابع تحفظي محض، إلا أنه يتحول في نهاية المطاف إلى طريق من طرق التنفيذ الجبري.
ويكرس المشرع المغربي هذا الطابع المختلط، فالفصل 49 من قانون المسطرة المدنية حدد حالتين يمكن فيها إستصدار أمر بإجراء حجز لدى الغير، الحالة الأولى هي التي يتوفر فيها طالب هذا الإجراء على سند تنفيذي، فالحجز لدى الغير يدخل في هذه الحالة في خانة طرق التنفيذ الجبري،
 أما الحالة الثانية فهي التي يتم فيها إيقاع هذا الحجز بالاستناد على أمر قضائي يصدره رئيس المحكمة المختصة، ومن حيث المبدأ يكون للحجز لدى الغير في الحالة الثانية طبيعة تحفظية فقط، إلا أن الملاحظ من خلال إستقراء التوجه العام للمحاكم هو أن هذه الأخيرة تشترط في كافة الأحوال تصد إصدار أمر بإجراء حجز لدى الغير التوفر على سند تنفيذي، ويعني هذا إقصاء الحالات التي يتم فيها إجراء حجز لدى الغير بشكل تحفظي.

المطلب الثالث: الأمر بإثبات حال:

 يمكن للمتقاضي الذي يرى أن من مصلحته، سواء سبق له رفع دعوى في الموضوع أو لم يفعل ذلك، إثبات واقعة معينة يخشی زوالها أو إستجواب أشخاص معينين أن يلجأ إلى رئيس المحكمة المختصة قصد المطالبة بإصدار أمر بتكليف أحد المفوضين القضائيين التابعين للمحكمة بذلك، ويتعين على المفوض القضائي على إثر إنجازه لهذا الإجراء تحرير محضر بما عاينه أو بالتصريحات التي تلقاها، ويمكن لطالب الإجراء الاستناد على هذا المحضر قصد إثبات الوقائع التي شملها الإجراء أمام المحكمة التي تنظر في جوهر النزاع.
 كما يمكن عند الاقتضاء للرئيس تعيين خبير قصد مرافقة المفوض القضائي ومساعدته على إتمام مهامها، وتطرح في هذه الحالة مسألة تمييز المعاينة المنجزة من طرف الخبير بالخبرة التي يمكن أن يأمر رئيس المحكمة بإنجازها في إطار الفصل 149 من ق م م، ويكمن الفرق بين الإجراءين في كون أن الإجراء الأول لا يمكن أن يهم إلا إثبات الوقائع المادية، إذ تبقى إختصاصات الخبير الذي تعينه المحكمة ضيفة، فهذا الأخير لا يمكنه الإدلاء برأيه الشخصي ولا يتوفر على سلطة البحث والتقدير ولا يمكنه الإستماع إلى الشهود، وعلى العكس من ذلك فإن الخبير الذي تعينه المحكمة في إطار الفصل 149 من قيم م يتمتع بكافة هذه السلط،
 ولعل هذا ما جعل الكثير من الفقهاء يصنفون هذه الخبرة بكونها إجراء من إجراءات التحقيق. وبالنظر لأهميتها، فإن الأمر بإنجاز هذا الإجراء لا يمكن أن يصدر إلا في إطار مسطرة تواجهية.

المطلب الرابع: الأمر بإجراء تقييد إحتياطي:

 يمكن لرئيس المحكمة المختصة أن يأمر المحافظ على الأملاك العقارية بناء على طلب يصدر في غيبة الأطراف بإجراء تقييد إحتياطي لحق عيني على الرسم العقاري الخاص بعقار معين، ولا يمكن أن يصدر هذا الأمر الذي يكون مشمولا بالنفاذ المعجل إلا إذا أدلى طالبه بالوثائق التي تثبت توفره على مصلحة في ذلك.
 وقد حصر المشرع المغربي في مدونة الحقوق العينية آثار التقييد الإحتياطي الذي يتم إجراؤه بناء على أمر من رئيس المحكمة المختصة في ثلاث أشهر، ويتعين على المستفيد منه أن يتقدم بطلب آخر في حالة رفعه دعوي في الموضوع، ويستمر مفعول التقييد الإحتياطي الذي يتم إجراؤه في هذه الحالة الأخيرة إلى غاية البت في جوهر النزاع .

المطلب الخامس: تذییل مقرر تحكيمي بالصيغة التنفيذية :

 لا يمكن مباشرة تنفيذ مقرر تحكيمي صادر طبقا لمقتضيات الفصول 306 وما يليها من ق م م إلا بعد تذييله بالصيغة التنفيذية، ويرجع الإختصاص في التذييل بالصيغة التنفيذية لرئيس المحكمة الإبتدائية التي ستتم فيها مباشرة تنفيذ المقرر المذكور.
ويجب إيداع أصل المقرر التحكيمي من قبل المحكمين أو الطرف الذي له مصلحة في ذلك لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة، كما يجب إرفاق الطلب بإتفاق التحكيم وعند الاقتضاء بترجمة له إلى اللغة العربية .
 ويقبل الأمر القاضي برفض الطلب الإستئناف في كافة الأحوال، أما الأمر الصادر بالموافقة على الطلب فلا يقبل الإستئناف إلا في الحالات المحددة على سبيل الحصر في المادة 327-49 من ق م م، وتتم ممارسة هذا الطعن أمام محكمة الإستئناف المختصة ترابيا، ويتعين ممارسته داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغ الأمر

المبحث الثالث: القواعد المسطرية:

 يتم تقديم الطلب الرامي إلى الحصول على أمر قضائي في إطار الفصل 148 من قيم م إلى كتابة ضبط محكمة الدرجة الأولى المختصة، ويتم عرض هذا الطلب فورا من طرف كتابة الضبط على رئيس المحكمة أو أحد نوابه للبت فيه.
ولا يتم إستدعاء الطرف الآخر المعني بالأمر، إذ أن الأمر بناء على طلب يتم إصداره في إطار مسطرة غيابية لا تخضع للقواعد العامة للتقاضي التي يشترط فيها إحترام حقوق الدفاع، بل إن رئيس المحكمة المعروض عليها الطلب أو النائب المختص يبت فيه في مكتبه وفي غيبة كاتب الضبط، ويتم تبليغ هذا الأمر عند الإقتضاء بعد إصداره للطرف الآخر المعني بالأمر.
ويمكن لرئيس المحكمة المختصة إما الموافقة على الطلب إذا ما تبين له أنه مبني على أساس أو رفضه أو التصريح بعدم قبوله، ويتم التصريح بعدم القبول بالإستناد على القواعد العامة في حالة عدم توفر شرط من الشروط الضرورية للتقاضي، أما الرفض فيصدر في الحالة التي يتضح فيها للرئيس بأن الطلب لا يستند على أساس
 ولا تتوفر الأوامر الصادرة بناء على طلب على حجية الأمر المقضي به، ويترتب عن ذلك أنه يمكن للطرف الذي تقدم بالطلب الذي تم رفضه التقدم به من جديد في أي وقت سواء أمام نفس المحكمة التي سبق لها البت فيه أو أية محكمة أخرى مختصة.

المبحث الرابع: الطعن في الأوامر الصادرة بناء على طلب:

يقبل الأمر الصادر عن رئيس المحكمة بناء على طلب في حالة تصريحه برفض هذا الأخير الطعن بالإستئناف، ويتعين ممارسة هذا الطعن من قبل المتقدم بالطلب داخل أجل خمسة عشر يوما، غير أن هذا الأجل يبتدأ إحتسابه من تاريخ صدور الأمر المذكور لا من تاريخ تبليغه، ويتم الطعن بالإستئناف بناء على مقال يعرض على محكمة الإستئناف التي ينعقد لها الإختصاص،
غير أن هذا الطعن لا يمكن ممارستها في الحالة التي يكون فيها الطلب يرمي إلى توجيه إنذار أو إجراء معاينة، ولا تنظر محكمة الإستئناف في الطعن المرفوع أمامها باعتبارها محكمة موضوع ولكن في نفس الإطار العام المنظم للأوامر الصادرة في إطار الفصل 148 من قي م م، كما أن القرار الصادر عن محكمة الإستئناف بناء على الطعن المذكور يكون بدوره قابلا للطعن بالنقض في إطار القواعد العامة.
 وبالمقابل لا يقبل الأمر الصادر بقبول الطلب أي طعن، غير أنه وبالنظر المقتضيات المادة 148 من ق م م يمكن للطرف الذي صدر الأمر في مواجهته أن يلجأ الرئيس المحكمة التي أصدرت الطلب وهو يبت باعتباره قاضيا للمستعجلات ويلتمس منه البت في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ الأمر الذي سبق صدوره.

حجز ما للمدين لدى الغير في القانون المغربي

الحجز التحفظي في القانون المغربي

الفرق بين الحجز التنفيذي والحجز التحفظي في القانون المغربي

_____________________

الأوامر الإستعجالية

يختلف مجال الأوامر الإستعجالية عن ذلك الذي بهم الأوامر الصادرة بناء على طلب، غير أنه تجدر الإشارة إلى أن المسطرتين معا قد تتقاطعان في بعض الأحيان عندما تشكل المساطر الإستعجالية إستمرارية للأوامر الصادرة بناء على طلب، ويرجع هذا التقاطع إلى الإحالة التي يقوم بها الفصل 148 في فقرته الأولى على الفصل 149 في الحالة التي تثار فيها إشكالية من إشكالات التنفيذ المتعلقة بالأمر الصادر بناء على طلب.
وإلى جانب الحالات التي تثار فيها إشكالية من إشكالات التنفيذ بخصوص الأمر بناء على طلب، فإن قاضي المستعجلات يختص أيضا بالبت في الإشكالات الناتجة عن تنفيذ الأحكام وباقي السندات التنفيذية، كما يمكنه إصدار أمر بالوضع تحت الحراسة أو أي تدبير تحفظي آخر.
و تتطلب دراسة الأوامر الإستعجالية في البداية أن يتم تحديد الشروط التي يلزم توفرها قصد انعقاد إختصاص قاضي المستعجلات، وبعد ذلك سنقوم بتحديد مجال هذه الأوامر لننهي هذا الفصل بتحليل القواعد المسطرية والطعون التي من الممكن أن تمارس في مواجهة الأوامر الصادرة في هذا الإطار.

المبحث الأول: إختصاص قاضي المستعجلات:

يتوقف إختصاص قاضى المستعجلات للبت في الطلبات المعروضة عليه على توفر شرطين وهما عنصر الإستعجال وعدم المساس بالجوهر، وينتج عن هذا أن قاضي المستعجلات يتعين عليه في حالة تخلف أحد الشرطين أو كلاهما معا التصريح بعدم إختصاصه، إذ على عكس قضاء الموضوع فإن قاضي المستعجلات لا يمكنه التصريح برفض الطلب، فهو إما أن يكون مختصا ویبت طبقا له أو يستنتج تخلف الشروط الضرورية لإنعقاد إختصاصه ويصرح في هذه الحالة الثانية بعدم الإختصاص

المطلب الأول: ركن الإستعجال:

ولم يعطي المشرع المغربي أي تعريف لعنصر الإستعجال وقد حاول فقهاء القانون المسطري سد هذا الفراغ من خلال إقتراح مجموعة من التعاريف، وعرفه الفقيه الفرنسي بیرو Perrot بكونه: “الحالة التي يمكن أن تتضرر فيها مصالح الطالب إذا لم يتم إصدار أمر بإجراء تدبير تحفظي في أقرب وقت ،
ومن جهته عرف الفقيه الفرنسی کارسوني Garsonnet الإستعجال بأنه :”حالة الضرورة التي لا تحتمل أي تأخير في التصدي لها”، والملاحظ هو أن كلا التعريفين السابقين وغيرهما من التعاريف الفقهية بل وحتى تلك التي تبنتها مختلف المحاكم تصب في إتجاه تعريف عنصر الإستعجال بكونه ينطبق على الحالة التي يكون فيها الطالب أمام خطر حقيقي ويترتب عن هذا الوضع كون أن أي تأخر في البت في الطلب من الممكن أن يتسبب للطالب في ضرر يصعب تداركه أو رفعه فيما بعد.
وتعتبر مسألة تحقق الضرر من عدمه مسألة واقع تدخل في نطاق السلطة التقديرية المطلقة لرؤساء محاكم الموضوع، ولا تمارس محكمة النقض أي رقابة عليها، فإذا رأى رئيس المحكمة بأن هذا العنصر يتوفر في النازلة المعروضة عليه تعين عليه الإستجابة للطلب، أما إذا استخلص عكس ذلك فيتعين عليه التصريح بعدم إختصاصه.
وتتوفر الأوامر الإستعجالية شأنها شأن الأحكام الصادرة في الموضوع على حجية الأمر المقضي به، غير أن هذه الحجية تتميز بطابعها المؤقت، ويعني ذلك بأن آثارها تبقى محصورة على العناصر التي تم عرضها على قاضي المستعجلات، إذ بحق النفس المتقاضي أن يسلك نفس المسطرة في حالة ظهور عناصر جديدة

المطلب الثاني: عدم المساس بالجوهر:

لا ينعقد إختصاص رئيس المحكمة الإبتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف للبت بصفته قاضيا للمستعجلات إذا كان من شأن ذلك المساس بجوهر النزاع، إذ يتعين أن يكون للتدبير المطالب بتحقيقه طابعا تحفظيا ووقتيا فقط،
فقاضي المستعجلات عليه أن يصرح بعدم إختصاصه كلما كانت المسألة المعروضة عليه تهم جوهر النزاع أو بإمكانها التأثير عليه باعتبار أن الإختصاص للبت فيها برجع لمحاكم الموضوع، وعلى المتقاضي الذي تقدم بطلبه أمام قاضي المستعجلات أن يعرض الأمر في هذه الحالة على محكمة الموضوع المختصة
غير أن المبدأ الذي يمنع قاضي المستعجلات من المساس بالجوهر لا يمنعه من الإطلاع على المستندات والوثائق المعروضة عليه التي يقوم الأطراف بالإدلاء بها، غير أنه لا يمكنه أن يقيم تلك الوثائق أو يصرح عند الإقتضاء ببطلانها، وفي نفس السياق لا يمكن لقاضي المستعجلات وعلاقة بالمسألة المعروضة عليه أن يأمر بإنجاز أي إجراء من إجراءات التحقيق التي من شأنها التأثير على المقرر الذي قد تصدره محكمة الموضوع التي تنظر أو ستنظر في جوهر النزاع .
وبخلاف عنصر الإستعجال فإن هذا الشرط الذي يهم عدم المساس بالجوهر يعتبر بمثابة مسألة قانون، ويترتب عن ذلك خضوع الموقف الذي تبنته المحكمة إزاءه لرقابة محكمة النقض.

المبحث الثاني: مجال الأوامر الإستعجالية:

حدد المشرع المغربي إختصاص قاضي المستعجلات من خلال مقتضيات الفصل 149 من ق.م. م. في أربع مواد، إذ يرجع له البت في صعوبات تنفيذ الأوامر الصادرة بناء على طلب، کیا يختص بالبت في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات التنفيذية ، كما يختص أيضا بالبت في الطلبات الرامية إلى الوضع تحت الحراسة القضائية وتلك التي تهم كافة التدابير التحفظية التي يتعين إتخاذها صيانة الحقوق المتقاضين، ويترتب عن إختصاص قاضي المستعجلات بخصوص المادة الأخيرة إمكانية نشوء تداخل ما بينه وبين إختصاصات رئيس المحكمة وهو يبت بناء على طلب في إطار الفصل 148 من ق م م.

المطلب الأول: صعوبات تنفيذ الأوامر بناء على طلب:

يمكن في حالة ما إذا اعترض تنفيذ أمر صادر بناء على طلب صعوبة من أي نوع كان سواء للمتقاضي الذي تقدم بالطلب أو ذلك الذي قدم الطلب في مواجهته أن يتقدم بطلب في هذا الشأن إلى قاضي المستعجلات، ويعتبر بمثابة صعوبة في التنفيذ كافة العراقيل التي من شأنها الحيلولة دون تنفيذ الأمر الصادر ؟، وقد تكون إثارة هذه الصعوبة تصب في مصلحة طالب الأمر أو الذي صدر الأمر في مواجهته.
كما يمكن أيضا أن يتم عرض الصعوية على قاضي المستعجلات من طرف العون المكلف بالتنفيذ، وتكتسي مسطرة الإستعجال في الحالة التي يتم فيها عرض الصعوبة على قاضي المستعجلات بناء على طلب من المتقاضي الذي صدر الأمر بناء على طلب في مواجهته صبغة تقربه من حيث الآثار التي تنتج عنها من تلك التي تنتجها مختلف طرق الطعن.
وتدخل في هذا الإطار أيضا الطلبات الرامية إلى رفع الحجز التحفظي أو الحجز لدى الغير التي من الممكن أن يأمر بإجرائها رئيس المحكمة وهو يبت بناء على طلب في غيبة الأطراف، ويمكن ذلك المدين المفترض الذي تم إيقاع حجز على أمواله المنقولة أو العقارية أو النقدية المتواجدة بين يدي الغير بناء على أمر صادر في غيبته أن يلجأ لقاضي المستعجلات قصد الحصول على رفع تلك الحجوزات في الحالة التي لا تستند فيها هذه الأخيرة على أي سند قانوني ويكون لها بالتالي طابعا تعسفيا.

المطلب الثاني: صعوبات تنفيذ الأحكام والسندات التنفيذية:

يمكن تعريف السندات التنفيذية بأنها تلك السندات الرسمية المذيلة بالصيغة التنفيدية والتي تصبح بالتالي قابلة للتنفيذ، وتدخل ضمن السندات التنفيذية على سبيل المثال بناء على هذا التعريف المقررات التحكيمية، ومحاضر الصلح التي يتم تحريرها في مادة حوادث الشغل والقرارات الصادرة عن نقیب هيئة المحامين بخصوص تحديد الأتعاب في حالة تحصنها من كل طعن بعد إنقضاء الأجل المحدد لذلك ، كما تشمل السندات التنفيذية أيضا الأحكام الإنتهائية التي لا تقبل أي طريق من طرق الطعن العادية.
أما صعوبات التنفيذ فهي تشمل كافة العوارض التي بإمكانها أن تحول دون تنفيذ حكم أو سند تنفيذي، ولا يمكن إثارة هذه الصعوبات إلا من لدن الأطراف أو من قبل العون المكلف بالتنفيذها، وقد تتعلق تلك الصعوبات بالقانون کا يمكن أن ترتبط بالواقع، ويمكنها أن تهم الموضوع نفسه أو يكون لها فقط طابعا وقتيا وتكون بالتالي مرتبطة وجودا وعدما بظروف معينة.

I– الصعوبات الواقعية:

يمكن تعريف الصعوبات الواقعية التي يصطلح عليها الفقه أيضا الصعوبات المادية بكافة الأفعال الصادرة عن المنفذ عليه أو عن الغير والتي تعترض تنفيذ الحكم أو السند التنفيذي، كما يمكن أن ترتبط هذه الصعوبات أيضا بالظروف التي يتعين أن يتم فيها التنفيذ، ويمكن لرئيس محكمة التنفيذ عند الإقتضاء أن يأذن من أجل تجاوز هذه الصعوبات للعون المكلف به الإستعانة بالقوة العمومية.

II– الصعوبات القانونية:

ترتبط هذه الصعوبات إرتباطا وثيقا بالقواعد القانونية المنظمة للتنفيذ القضائي الجبري، ولا تمت بأية صلة للظروف التي يتم فيها التنفيذ كما لا يمكن نسبتها الإرادة الطرف المنفذ عليه، ويمكن أن تكون الصعوبات القانونية مرتبطة إما بجوهر النزاع أو ذات طبيعة وقتية فقط، ولا يمكن لقاضي المستعجلات البت إلا في النوع الثاني من الصعوبات، أما الصنف الأول فيدخل ضمن إختصاصات رئيس المحكمة المشرفة على التنفيذ بصفته هذه.

III– الصعوبات القانونية الجوهرية:

يمكن أن يترتب عن البت في هذه الصعوبات إلى وضع حد بشكل نهائي للتنفيذ أو على الأقل إلى إدخال تعديل جوهري على الحكم أو السند التنفيذي الذي يباشر التنفيذ على أساسه، ولا يدخل البت في هذه الصعوبات ضمن إختصاص قاضي المستعجلات، فهي تدخل أيضا ضمن إختصاصات رئيس المحكمة المكلفة بالتنفيذ بصفته هذه، ويمكن إثارة هذه الصعوبات أيضا في إطار المسطرة المنصوص عليها في الفصل 26 من قمم المتعلقة بتأويل الأحكام، ويرجع الإختصاص بالبت فيها للمحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه التي تصدر حكم أو قرارا تفسر فيه المقتضيات الغامضة التي تسببت في الصعوبة، ولا تقبل الأحكام الصادرة في هذا الإطار الطعن إلا إذا كانت الأحكام الأصلية التي تم تفسيرها قابلة له.

IV– الصعوبات الوقتية:

لا يهدف المتقاضي الذي يثير هذه الصعوبات إلا لتأخير تنفيذ الحكم أو السند التنفيذي، ويرجع الإختصاص للبت في هذه الصعوبات لرئيس المحكمة المختصة وهو يبت بصفته قاضيا للمستعجلات في إطار الفصل 149 من قمم أو النفس الجهة القضائية وهي تبت ولائيا في إطار الفصل 436 من قيم مول ، وإذا تبين القاضي المستعجلات أو رئيس محكمة التنفيذ بأن الصعوبة المثارة جدية فإن بإمكانه أن يأمر بإيقاف التنفيذ مؤقتا إلى غاية البت في جوهر المنازعة، وبالمقابل إذا تبين له بأن الصعوبة غير جدية فإنه يتغاضى عنها ويأمر بمواصلة إجراءات التنفيذ
أ- الصعوبات المثارة قبل البدء في التنفيذ:
وحدها الصعوبات التي تتم إثارتها قبل مباشرة التنفيذ تدخل ضمن الإختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات، كما يمكن أن تثار هذه الصعوبات أيضا أمام الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف المعروض أمامها النزاع على إثر الطعن المقدم في مواجهة الحكم المراد تنفيذها، ويمكن إثارة هذه الصعوبات من قبل كافة الأطراف بمن فيهم المتدخلين في الدعوى.
ب- الصعوبات المثارة خلال مسطرة التنفيذ:
كل صعوبات التنفيذ التي تتم إثارتها بعد مباشرة التنفيذ وقبل الإنتهاء منه يرجع الإختصاص في البت فيها لرئيس محكمة التنفيذ وهو يبت في إطار الإختصاصات المخولة له من خلال مقتضيات الفصل 436 من قمم، ولا يمكن القاضي المستعجلات البت في هذه الصعوبات في حالة ما إذا تم عرضها عليه، ولا يمكن إثارة هذا النوع من الصعوبات إلا في مواجهة الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به
لا يمكن إثارة هذه الصعوبات إلا من قبل الأطراف المعنيين بتنفيذ الحكم، ووحدهما طالب التنفيذ والمنفذ عليه يتوفران على الصفة الضرورية لإثارتها، يضاف إليها طبعا العون المكلف بالتنفيذ
ويتعين أن تتم إثارة هذه الصعوبات في البداية أمام العون المكلف بالتنفيذ، ويقوم هذا الأخير بعرض المسألة على رئيس محكمة التنفيذ قصد البت فيها، ويبت الرئيس في الصعوبة بمقتضى أمر قضائي، ويمكنه من خلال الأمر المذكور إما أن يأمر بوقف التنفيذ إلى حين البت في جوهر النزاع أو يأمر بمواصلته إذا ما تبين له بأن السبب غير جذي، ويفقد الطرف الذي أثار الصعوبة الحق في إثارتها من جديد ولو كانت تستند على سبب آخر مختلف
د- الصعوبات المثارة بعد إنتهاء التنفيذ:
من الممكن أن يتم تنفيذ حكم قضائي على الرغم من عدم إستنفاد كافة طرق الطعن في مواجهته، ففي حالة تأييد الحكم الذي تم تنفيذه فإن الإشكال لا يطرح، أما في الحالة التي يتم فيها إلغاؤه أو تعديله فإننا سنكون أمام إشكالية حقيقية تتمثل في حق الطرف الذي سبق الحكم عليه في المطالبة بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ.
ويتعين على المنفذ عليه في هذه الحالة أن يمارس دعوى أمام قاضي المستعجلات من خلال مقال مستقل، ويصدر قاضي المستعجلات أمرا بإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه سواء من خلال الحكم على طالب التنفيذ بإرجاع الأموال التي إستخلصها أو وضع حد لما نتج عن الحكم إذا كان الإلتزام موضوع الحكم من نوع آخر غير أداء مبلغ معين، ولا يعتبر اللجوء لقاضي المستعجلات في هذه الحالة على الرغم من إيجابياته إجباريا، إذ يمكن للمنفذ عليه أن يعرض الطلب نفسه على محكمة الموضوع المختصة.

V– الطلب الرامي لإيقاف النفاذ المعجل:

تختلف صعوبة التنفيذ من حيث مجاها عن طلب إيقاف النفاذ المعجل إذ لا تهم هذه الأخيرة إلا الأحكام الإبتدائية التي لا تزال قابلة للإستئناف والتي تكون مشمولة بالنفاذ المعجل ، ويهدف هذا الطلب إلى إيقاف تنفيذ الحكم المذكور إلى غاية صدور حکم انتهائي في جوهر النزاع، وتخضع إثارة هذا الطلب المقتضيات الفصل 147 من ق م م. ويرجع الإختصاص في البت فيها للمحكمة التي تنظر في الإستئناف أو في التعرض الذي تمت ممارسته.
ولا يمكن ضم الطلب الرامي لإيقاف النفاذ المعجل لموضوع الدعوية، إذ أن هذا الطلب يتعين التقدم به في إطار مقال مستقل يخضع لنفس الشكليات التي تحددها القواعد العامة، ويتم البت في هذا الطلب في إطار مسطرة تواجهية يستدعي لها أطراف النزاع طبقا للقانون في غرفة المشورة، ويمكن لأطراف النزاع التقدم بإستنتاجاتهم ودفوعاتهم سواء كتابة من خلال مذكرات أو شفويا، ويتعين على غرفة  المشورة البت في الطلب داخل أجل أقصاه شهر واحد من تاريخ إيداع المقالة

المطلب الثالث: الوضع تحت الحراسة القضائية:

يدخل الوضع تحت الحراسة القضائية ضمن زمرة التدابير التحفظية التي من الممكن أن يأمر بها القضاء، ويمكن هذا التدبير الذي يتميز بطابعه الوقتي فقط من وضع الأموال المنقولة أو العقارية التي يملكها شخص ذاتي أو معنوي بين يدي شخص من الغير يعينه القضاء، ويسمى الشخص الذي يتولى تدبير تلك الأموال حارسا، ولا يؤثر إيقاع هذا التدبير بأي شكل من الأشكال على جوهر النزاع ويدخل الأمر بالوضع تحت الحراسة القضائية بشكل حصري ضمن إختصاصات قاضي المستعجلات طبقا لمقتضيات الفصل 49 من ق م م.
ويشترط للأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية وجود نزاع جدي بخصوص الأموال التي يتم إيقاعه عليها، كما لا يمكن لقاضي المستعجلات وبغض النظر عن الشرط السابق ذكره الموافقة على إيقاعه إلا إذا توفرت الأركان الضرورية الإنعقاد إختصاصه والمتمثلة في عنصر الإستعجال وعدم المساس بالجوهر.

المطلب الرابع: باقي التدابير التحفظية:

يمكن لقاضي المستعجلات طبقا لمقتضيات الفصل 49 من ق م م، أن يأمر إلى جانب الوضع تحت المراقبة القضائية بكل تدبير تحفظي آخر يعد ضروريا للحفاظ على حقوق المتقاضين، وكما سبق ورأينا ذلك، فإن هذا الإختصاص نفسه منحه المشرع المغربي من خلال مقتضيات الفصل 148 لرئيس المحكمة وهو يبت بناء على طلب،
وأمام هذا الوضع يجدر بنا التساؤل حول مدى إمكانية حدوث تداخل ما بين الإختصاصات الممنوحة لرئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة وتلك التي يتوفر عليها قصد البت بناء على طلب في إطار مسطرة غير تواجهية.
على الرغم من أن مقتضيات الفصلين 148 و149 تبدو متشابهة في جزء منها إلا أنه من غير المنطقي أن يكون المشرع منح الإختصاص نفسه لرئيس المحكمة وهو پیث بصفتين مختلفتين وفي إطار مسطرتين إحداهما غير تواجهية والأخرى حضورية تتميز بالسرعة التي يتم البت فيها، وحتى إن كان ذلك فإن إختيار المتقاضين سيرجح حتما مسطرة الأمر بناء على طلب بالنظر لغياب التواجهية فيها وهو ما يترتب عنه تجاوز مسألة إستدعاء الطرف الذي وجه الطلب في مواجهته.
والحقيقة هي أن التدابير التحفظية التي يمكن أن يأمر بها قاضي المستعجلات تختلف عن تلك التي يمكن أن يأمر بها رئيس المحكمة وهو يبت بناء على طلب. فعلى الرغم من الغموض الذي تكرسه مقتضيات الفصلين 148 و149 من ق.م.م الذين يتميزان بعموميتها هناك واقع آخر، ويكمن في كون أن الصفة التي يبث بها رئيس المحكمة تحددها مقتضیات قانونية خاصة منصوص عليها في باقي فصول قانون المسطرة المدنية، وهو ما يعني أن الرجوع إلى القواعد العامة التي تحدد إختصاصات رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات وبصفته الولائية أي وهو يبت بناء على مطلب نادر جدا بالنظر لتوفر النصوص الخاصة التي سبقة الإشارة إليها والتي تهم بشكل مستقل كافة التدابير التحفظية، ويترتب عن هذا كونه من الخطأ اعتبار أن المسطرتین تهمان نفس المجال وبأن الإختيار موضوع بين يدي المتقاضين.

المبحث الثالث: القواعد المسطرية:

يرجع الإختصاص للبت في القضايا المستعجلة لرئيس محكمة الدرجة الأولى المختصة نوعيا وترابيا، ويحدد الإختصاص الترابي بالنظر للمكان الذي سيتم فيه تنفيذ الأمر الإستعجالي الصادر، غير أنه إذا كان النزاع في الجوهر معروض على أنظار محكمة من الدرجة الثانية فإن البت في الأمور المستعجلة يصبح من اختصاص رئيسها الأول طبقا لمقتضات الفصل 149 من ق م م.
ويتم عرض الطلب على قاضي الأمور المستعجلة بناء على مقال، ويمكن في حالة الإستعجال القصوى التقدم بهذا المقال في أية ساعة وحتى خلال أيام العطل والسبت والأحد ولو في مقر سكنى القاضي المختص
و يصدر الأمر الإستعجالي في إطار مسطرة تواجهية يستدعي لها الأطراف طبقا للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في الفصول من 36 فيا بعد، غير أنه لا يتم إعمال الآجال التي من الضروري أن تفصل بين التبليغ والجلسة الأولى التي تهم قضايا الموضوع في هذا الصدد 21، كما يمكن القاضي الأمور المستعجلة أن يعمل مقتضيات الفصل 151 من ق م م ويستعيض عن إستدعاء المدعى عليه، ولا يتم إعمال هذه المقتضيات إلا في حالة الإستعجال القصوى، ولا تحضر النيابة العامة للجلسات التي يعقدها قاضي الأمور المستعجلة أيا كان موضوع الطلب.
وتكون الأوامر الإستعجالية مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، غير أنه يمكن القاضي المستعجلات عند إصدارها أن يرهن تنفيذها على شرط إيداع ضمانة يتم تحديد قيمتها في نفس الأمر.
ولا تتوفر الأوامر الإستعجالية إلا على حجية نسبية، كما أنه لا يمكن مواجهة محكمة الموضوع التي تنظر في جوهر النزاع بها، وتبقى إمكانية تعديلها أو إلغائها من طرف نفس القاضي الذي أصدرها رهينة بظهور عناصر جديدة لم تكن متوفرة أو لم تتم إثارتها من قبل الأطراف في البداية.

المبحث الرابع: طرق الطعن الأمر الإستعجالي:

لا يقبل الأمر الإستعجالي الطعن بالتعرض، فهذا الأمر يعتبر في كافة الأحوال حضوريا حتى ولو صدر في غيبة الأطراف إعمالا لمقتضيات الفصل 151 من ق م م.
وعلى العكس من ذلك يقبل الأمر الإستعجالي الطعن بالإستئناف، ويتعين على الطرف الراغب في الإستفادة من هذه الطريق من طرق الطعن إيداع مقال إستئنافه داخل أجل 15 يوما، وتحدد محكمة الإستئناف المختصة للبت في هذا الطعن طبقا للقواعد العامة للإختصاص النوعي والمكاني، غير أن محكمة الإستئناف لا تنظر في الدعوى المرفوعة أمامها باعتبارها محكمة موضوع ولكن في إطار نفس القواعد التي تنظم سلطات قاضي المستعجلات.
وعلى عكس الأمر الصادر بناء على طلب يمكن الطعن بالإستئناف في مواجهة كافة الأوامر الإستعجالية بما فيها تلك التي يصرح فيها قاضي المستعجلات بعدم إختصاصه، ولا يمكن لقاضي المستعجلات کا سبقت الإشارة لذلك أن يصرح برفض الطلب نظرا لكونه لا ينظر في جوهر النزاع.
ويبدأ سريان أجل الطعن بالإستئناف في مواجهة الأمر الإستعجالي من تاریخ تبليغه طبقا لمقتضيات المواد من 36 وما بعد من ق م م، غير أن ذلك الأجل من الممكن أن يبدأ في السريان من تاريخ النطق بالأمر إذا ما تم ذلك في جلسة حضرها کلا الطرفين.
ويقبل القرار الصادر عن محكمة الإستئناف عقب الطعن في الأمر الإستعجالي الطعن بالنقض، ويتعين ممارسة هذا الطعن داخل الآجال وطبقا للشكليات التي تهم كافة طرق الطعن.
______________

الأمر بالأداء

يصدر الأمر بالأداء في إطار مسطرة تتميز أيضا بطابعها الإستعجالي وتخضع الأوامر الصادرة في هذا الإطار للمقتضيات المنصوص عليها في الفصول من 155 إلى 165 من ق م م، ويتم اللجوء إليها قصد تحصيل ديون تستند على سندات ثابتة أو اعتراف بدین.
وتتميز هذه المسطرة بطابعها الإختياري، فعلى الرغم من مزاياها فإن الدائنين الذين تستجيب ديونهم للشروط السابقة الذكر غير مجبرين على سلوكها، إذ بإمكانهم الإستعاضة عنها برفع دعوى في الموضوع أمام المحكمة المختصة قصد بلوغ نفس الهدف.
وتتطلب دراسة مسطرة الأمر بالأداء بداية أن يتم تحديد الشروط الضرورية لرفعها، وبعد ذلك سنحدد الشكليات والإجراءات التي تخضع لها على أن تختم هذا الفصل بدراسة كيفيات تنفيذها.

المبحث الأول: شروط قبول طلبات الأوامر بالأداء:

يتعلق الشرط الأول الذي يتعين تحققه لسلوك مسطرة الأمر بالأداء بمبلغ الدين الذي يطالب بأدائه، إذ أن المشرع المغربي حصر الحق في سلوك هذه المسطرة على الدائنين الذين تتجاوز قيمة الدين الذين يسعون لإستخلاصه 5000 درهما، ويجد إستبعاد الديون التي تقل قيمتها عن المبلغ المذكور سندها في كون أن النزاعات التي تكون لها تلك القيمة تدخل ضمن إختصاصات محاكم القرب.
ويتعين أيضا أن يكون الدين المطالب بتنفيذه عبارة عن مبلغ مالي معين، وتبعا لذلك فإن الديون المتمثلة في إلتزام بتسليم مال منقول لا تسمح بسلوك مسطرة الأمر بالأداء، كما تستبعد هذه المسطرة أيضا في الحالة التي ينصب فيها التزام المدين في الوقت نفسه على أداء مبلغ من المال وتسليم منقول أو القيام بعمل معين، كما تستبعد في الحالة التي يتم التنصيص فيها صراحة في سند الدين على حق المدين في الإختيار ما بين أداء مبلغ معين من المال والوفاء بالتزام ذو طبيعة أخرى.
 ويرتبط الشرط الثاني الذي يلزم تحققه بسند الدين، إذ لا يمكن سلوك مسطرة الأمر بالأداء إلا إذا كان الدين الحال المطالب بأدائه يجد أساسه في سند أو إعتراف بدین ، وعلى سبيل المثال فإن هذه المسطرة يمكن سلوكها من طرف حامل الكمبيالة أو الشيك أو السند لأمره ويرجع السبب في اشتراط المشرع لذلك إلى كون أن مسطرة الأمر بالأداء بالنظر لسرعتها ولطابعها الغيابي لا يمكن أن تهم إلا الديون المحققة التي من الصعب نفيها أو إثبات تحللها

المبحث الثاني: الإجراءات المسطرية:

يرجع الإختصاص للنظر في الطلبات الرامية إلى إصدار أوامر بالأداء إلى رئيس محكمة الدرجة الأولى المختصة، ويتم رفع هذا الطلب عليه من خلال مقال مکتوب، ويتعين أن يتضمن هذا المقال مجموعة من البيانات الإلزامية، إذ يتعين أن يشير إلى إسم المدين وعنوانه و مبلغ الدين وسنده، ويتعين على المدعي أن يرفقه بأصل سند الدين.
وإذا تبين لرئيس المحكمة المختصة بأن الطلب مبني على أساس فإنه يصدر في أصل الطلب أمرا في مواجهة المدين يقضي بأدائه لمبلغ الدين والمصاريف لفائدة المدعي، ويقبل الأمر الصادر في هذا الصدد الطعن بالإستئناف، وتتم ممارسة هذا الطعن داخل أجل ثمانية أيام تحتسب من تاريخ التبليغ
بالمقابل إذا اعتبرت المحكمة المختصة بأن الشروط المتعلقة بنوعية الدين وسنده غير متوفرة في النازلة المعروضة عليها فإنه يتعين عليها التصريح برفض الطلب ويجب أن يكون الأمر القاضي برفض الطلب معللا تعليلا كافيا، ولا يقبل هذا الأمر أي طعن، ويتعين على المدعي الذي تم التصريح برفض طلبه بأن يتقدم بدعوى في مواجهة نفس المدين أمام محكمة الموضوع المختصة.

المبحث الثالث: تنفيذ الأمر بالأداء:

 يتعين في البداية أن يتم تبليغ نسخة من الأمر بالأداء إلى المدين المراد التنفيذ عليه، ويتم هذا التبليغ في إطار المقتضيات المنصوص عليها في الفصول 36 وما يليه من قم م، ويجب أن ترفق نسخة الأمر المذكور بنسخة من السند الذي صدر الأمر بناء عليها ويجب على المدين أن ينفذ الأمر المذكور في أجل ثمانية أيام إنطلاقا من تاريخ التبليغ، وبعد مرور هذا الأجل يمكن إجباره على ذلك بكافة طرق التنفيذ الجبري
 ولا يقبل الأمر القاضي بالرفض أي طعن ، أما الأمر الصادر وفق الطلب فإنه يقبل التعرض، ويتعين ممارسة هذا الطعن داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغ الأمر المراد تنفيذه، كما يقبل الحكم الصادر عن المحكمة في إطار التعرض الطعن بالاستئناف، ويتعين ممارسة هذا الطعن داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغ الأمر.
وإذا اتضح بأن الإستئناف الذي تم رفعه لم يكن الهدف منه سوى التماطل فإنه يمكن للمحكمة المعروض عليها الطعن أن تحكم على المستأنف بأداء غرامة مدنية لفائدة الخزينة العامة لا تقل قيمتها عن 5 في المائة من قيمة الدين ولا تزيد عن 15 في المائة من نفس القيمة.
 ويمكن للمدين المحكوم عليه أن يطالب بالإستفادة من آجال قصد الأداء، ويتوفر رئيس المحكمة الإبتدائية المكلفة بالتنفيذ على سلطة تقديرية مطلقة في هذا الصدد، وعلى العموم لا تمنح هذه الآجال إلا لفائدة المدين الذي يثبت وجود مبررات مشروعة للإستفادة من أجال إضافية.
___________

طرق الطعن العادية

يمكن تعريف طرق الطعن بكونها تلك الوسائل التي وضعها القانون رهن إشارة المتقاضين والتي تمكنهم من عرض النزاع الذي صدر فيه مقرر قضائي سواء على نفس الجهة القضائية التي سبق لها البت فيه أو على محكمة أخرى بغية تعديله، وتتم مباشرة طرق الطعن عن طريق مقال يتقدم به الطرف الذي له مصلحة في ذلك والذي يدعي أن المحكمة التي أصدرت المقرر المطعون فيه جانبت الصواب .
وقد اعتاد الفقهاء على تقسيم طرق الطعن المحددة قانونا بالإستناد إلى معیارين إثنين، المعيار الأول هو الذي يمكن من التمييز بين الطرق التي ينتج عنها تعديل المقرر المطعون فيه وتلك التي يكون الهدف منها هو دفع المحكمة التي سبق لها البت إلى التراجع عن مقررها، المعيار الثاني هو الذي يميز ما بين طرق الطعن التي تمارس في مواجهة كل المقررات و الطرق التي لا يمكن ممارستها إلا في حالات خاصة، وتسمى الأولى بطرق الطعن العادية، فيما تنعت الثانية بطرق الطعن غير العادية
وطرق الطعن التي قد يترتب عنها تراجع المحكمة عن المقرر الذي سبق لها أن أصدرته هي الطرق التي تمكن من عرض النزاع على المحكمة مصدرة المقرر المطعون فيه، وينطبق هذا الوصف على كل من التعرض وإعادة النظر، أما طرق الطعن التصحيحية فهي التي تمكن من عرض النزاع على محكمة أخرى أعلى درجة من تلك التي سبق لها البت في النزاع بهدف إلغائه وإصدار مقرر جدید محله، ويدخل ضمن هذا التصنيف كل من الإستئناف والنقض.

طرق الطعن العادية:

تعرف طرق الطعن العادية بأنها تلك الوسائل التي يمكن للمتقاضين إستعمالها في مواجهة كافة المقررات الصادرة عن مختلف المحاكم، وعلى الرغم من شیوع هذا التعريف وترسخه في الفكر القانوني فإن الصواب يستدعي التخلي عنه وتبني آخر أكثر دقة منه، ويستند هذا التعريف الثاني على معيار وحيد وهو مدى تحديد المشرع حصريا للحالات التي يمكن سلوك هذه الطرق فيها، وعلى ضوء هذا المعيار يمكن تعريف طرق الطعن العادية بأنها تلك الطرق التي لم يحصر المشرع الأسباب التي يتعين الإستناد عليها لممارستها، فهذا التعريف يأخذ بعين الإعتبار خصوصية التعرض الذي لا يهم إلا فئة معينة من الأحكام والاستئناف الذي تم إستبعاد في مواجهة بعض المقررات القضائية.

 المبحث الأول: التعرض :

التعرض طريق من طرق الطعن العادية التي يمكن للمتقاضين سلوكها في مواجهة المقررات الصادرة غيابيا، ولا يستفيد منها إلا المتقاضي الذي لم يتم استدعاؤه لإحدى مراحل التقاضي، ويترتب عنها عرض النزاع من جديد على المحكمة التي سبق لها البت فيه من أجل إقناعها بالتراجع عن الحكم الذي أصدرته.
 وتتطلب دراسة هذه الطريق من طرق الطعن بداية تحديد المقررات القضائية التي تدخل ضمن دائرة تطبيقها، بعد ذلك ستباشر تحديد القواعد المسطرية التي تحكم ممارستها، على أن ننهي هذا المبحث بتحليل الآثار التي يمكن أن تنتج عنها.

المطلب الأول: المقررات القضائية القابلة للتعرض:

لا يهم التعرض إلا المقررات القضائية الصادرة غيابيا والتي لا تقبل الطعن بالإستئناف، ويستنتج من هذا أن ممارسة التعرض يقتضي توفر شرطين، الشرط الأول هم طبيعة المقرر الصادر في النزاع والذي يتعين أن يكون غيابيا،
والشرط الثاني هم مدى إمكانية سلوك طريق أخرى من طرق الطعن العادية في مواجهة نفس المقرر القضائي، إذ تقتضي القاعدة التي تبناها المشرع المغربي إسوة بالكثير من التشريعات إلى حصر مجال التعرض على الأحكام التي لا يمكن أن تكون محل طعن بالإستئناف، وهو ما نختصره القاعدة الفقهية التي تقول: “يقفل باب التعرض حينما يفتح باب الإستئناف “
وإعمالا للتعديلات التي تم إدخالها حديثا على قانون المسطرة المدنية والتي ترتب عنها توسيع نطاق الإستئناف ليشمل كافة الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى بغض النظر عن قيمة النزاع، فإنه تتعين الإشارة إلى أن التعرض كطريق من طرق الطعن لم يعد يهم إلا القرارات الصادرة عن محاكم الدرجة الثانية.
ويهم التعرض بإعتباره طريق من طرق الطعن، على سبيل الحصر، المقررات الصادرة في الموضوع، ويعني هذا بأن التعرض لا يمكن أن ينصب على المقررات القضائية التمهيدية والتي قد تصدرها المحكمة تمهيدا للبت في النزاع المعروض عليها بمفردها، فالطعن في هذه الأحكام بالتعرض يجب أن يتم، تحت طائلة عدم القبول، في نفس الوقت الذي يتم فيه الطعن في الحكم الصادر في الموضوع.
من جهة أخرى، إستثنی المشرع المغربي من زمرة الأحكام الغيابية القابلة للتعرض تلك الصادرة في مجال الكراء التجاري والتحفيظ بمقتضى نصوص خاصة، کما لا يمكن أن ينصب هذا الطعن على القرارات الصادرة عن محكمة النقض والأوامر الصادرة بناء على طلب في حالة الموافقة عليها

المطلب الثاني: القواعد المسطرية:

 تتم ممارسة التعرض عن طريق مقال يودع لدى كتابة ضبط المحكمة الصادر عنها المقرر الغيابي المطعون فيه، ويتيعن أن يتم ذلك داخل أجل عشرة أيام يبتدأ إحتسابها من تاريخ تبليغ المقرر القضائي الغيابي للمعني بالأمر، ويسري هذا الأجل على كل المتقاضين الراغبين في سلوك هذه الطريق، بغض النظر عن ما إذا كانوا يتوفرون على محل للإقامة بالمغرب من عدمه

المطلب الثالث: آثار التعرض:

تنتج ممارسة التعرض توعين الأثر، يترتب عن النوع الأول إيقاف تنفيذ المقرر القضائي المطعون فيه، وينتج عن الثاني نشر النزاع برمته أمام المحكمة التي تنظر في التعرض، وعلى العكس من ذلك لا يترتب عن سلوك هذه الطريق من طرق الطعن إلغاء المقرر الصادر في النزاع، كما لا يترتب عنه عكس المراكز القانونية للأطراف، إذ  يبقى المدعي مدعيا و المدعى عليه مدعي عليه

أ – الأثر الواقف:

يترتب عن إمكانية الطعن بالتعرض وممارسته، بل وحتى سريان الأجل القانوني المخصص له أثر واقف، ويعني ذلك عدم إمكانية مباشرة تنفيذ المقرر القضائي الذي لا يزال يقبل الطعن بالتعرض، كما أنه يمكن إذا كان المقرر الذي يهمه التعرض مشمولا بالنفاذ المعجل أن يتقدم المتقاضي الذي سلك هذه الطريق من طرق الطعن بطلب رام إلى إيقاف التنفيذ أمام المحكمة التي تنظر في النزاع، وتبت المحكمة المذكورة في هذا الطلب في غرفة المشورة.

ب – الأثر الناقل:

 يترتب عن ممارسة التعرض إعادة نشر النزاع برمته من جديد أمام المحكمة التي تنظر فيه، ويمكن هذا الأثر المحكمة المذكورة من بسط سلطاتها على المسائل المرتبطة بالقانون وتلك المرتبطة بالواقع على حد سواء، ولا يحد من سلطتها إلا النقط التي أثارها المتعرض في المقال الذي تقدم به ا

ج- احتفاظ الأطراف بمكانتهم الأولى:

 المحكمة التي يرجع لها الإختصاص للبت في التعرض هي نفسها التي سبق لها البت فيه، ولا تؤدي ممارسة هذه الطريق من طرق الطعن إلى عكس مكانة الأطراف في النزاع، إذ تبقى لمن تقدم بالمقال الأولي صفة مدعي ويحمل المتعرض صفة المدعى عليه، فيحاول الأول إثبات جدية الطلبات التي تقدم بها فيما يقوم الثاني بإثارة كافة الدفوع الضرورية لدحض إدعاءات خصمه

د- عدم إلغاء المقرر المطعون فيه:

على عكس ما هو عليه الحال في المادة الجنائية، فإن التعرض في المادة المدنية لا ينتج عنه إلغاء المقرر القضائي المطعون فيه وإعتباره كأن لم يكن، فالمقرر السابق الذكر يبقى صحيحا على الرغم من عدم إمكانية تنفيذه بالنظر للأثر الواقف للطعن الذي مورس في مواجهته، ما لم يتم شموله بالنفاذ المعجل
و يترتب عن ذلك أن ما قضت به المحكمة غيابيا يستمر وجوده ويتعين على الأطراف مناقشته كما يمكنهم الإستعانة به، فالمدعي بإمكانه أن يستند لحيثياته وبالمقابل، يتعين على المدعى عليه إثبات ما يعيبه عليه، فغياب هذا الأثر له أهمية كبيرة، على الأقل على مستوى طبيعة ونوعية المناقشة التي تتم بين طرفي الدعوى.

المبحث الثاني: الإستئناف:

  الإستئناف هو الطريق الثاني من طرق الطعن العادية، ويتيح سلوك هذا الطريق إمكانية عرض النزاع على محكمة أعلى درجة من تلك التي سبق لها البت فيه وهي محكمة الإستئناف وذلك قصد تصحيح الحكم المطعون فيه، ويمثل الإستئناف نتيجة حتمية لإعمال مبدأ التقاضي على درجتين الذي يلزم بعرض النزاع نفسه على محکمتين من درجتين مختلفتين.
 وتقتضي دراسة الإستئناف تحديد القواعد المسطرية التي يتعين على المتقاضين الراغبين في الإستفادة منه إحترامها وكذا الآثار التي يمكنه إنتاجها، لكن قبل ذلك يتعين القيام بتحديد الأحكام القابلة للطعن بالإستئناف

أولا – الأحكام القابلة للطعن بالإستئناف:

الإستئناف طريق من طرق الطعن العادية، وهو مفتوح في مواجهة كافة الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى بمختلف أنواعها وأيا كانت قيمتها”، غير أن المشرع ربط تحديد المحكمة المختصة بنظر النزاع بقيمة هذا الأخير، فاستئناف الأحكام الصادرة في نزاع تقل قيمته المالية عن عشرون ألف درهم يعود إلى غرفة الإستئناف لدى المحكمة الإبتدائية التي بنت في النزاع،
أما إستئناف الأحكام الصادرة في نزاع تفوق قيمته المبلغ المذكور أو في النزاعات غير محددة القيمة فإنها تدخل ضمن إختصاصات محكمة الإستئناف، ويتم إحتساب قيمة النزاع بالنظر للطلبات التي تقدم بها أطراف الدعوى وليس بها قضت به المحكمة، كما أن قيمته في حالة تعدد الطلبات تساوي مجموع كل الطلبات التي تقدم بها الأطراف.
 وتقبل الأوامر التي يصدرها رؤساء محاكم الموضوع بكاملها الإستئناف، سواء أكانت صادرة بناء على طلب أو إستعجالية أو أوامر بالأداء، ولم يستثني المشرع من مجال الإستئناف إلا الأوامر الصادرة بناء على طلب بالموافقة.

ثانيا – مسطرة الإستئناف:

کما هو عليه الحال عند تقديم مقال افتتاحي للدعوى، فإن الإستئناف طريق من طرق الطعن التي لا يمكن ممارستها إلا من قبل الطرف الذي له مصلحة في ذلك والذي تضرر من الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى، كما لا يمكن توجيهها إلا ضد من كان طرفا خلال المرحلة ذاتها، ويتعين في حالة وفاة المستأنف أن تقوم محكمة الإستئناف بإشعار ذوي حقوقه قصد مواصلة الدعوية
وحدد المشرع الأجل الذي يتعين ممارسة الإستئناف فيه في ثلاثين يوما ويبتدئ احتساب هذا الأجل من تاريخ التوصل بالتبليغ، إلا أنه إذا تمت ممارسة هذا الطعن من قبل طالب تنفيذ الحكم الإبتدائي فإن الأجل المذكور يبتدأ من التاريخ الذي تقدم به هذا الأخير بالطلب الرامي إلى تبليغ الحكم لخصمه، ويستفيد المتقاضي الذي لا يتوفر على محل إقامة بالمغرب من أجل مضاعف ثلاث مرات.
وتتعين الإشارة في هذا الصدد إلا أن الأجل المذكور يشكل القاعدة ويطبق في مواجهة الأحكام الصادرة عن المحاكم العادية وهي تبت في موضوع الدعوى، أما بخصوص الأحكام الصادرة عن غيرها من المحاكم فإن تطبيقه رهين بغياب مقتضيات خاصة تنص على أجل مختلف،
وقد حدد المشرع آجالا أخرى أقصر في العديد من المجالات، فإستئناف الأوامر الإستعجالية أو تلك الصادرة بناء على طلب يجب أن يتم داخل أجل خمسة عشر يوما، كما أن إستئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم التجارية يجب أن يتم داخل الأجل نفسه تفعيلا للمقتضيات الخاصة للقانون المحدث لها، أما الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية فإنه يخضع لنفس الأجل العادي بالنظر لغياب مقتضی مخالف في القانون المحدث لها.
أما الإستئناف الفرعي فيمكن التقدم به في كل وقت، حتى بعد إنصرام أجل الإستئناف القانونية، ويستفيد من هذا النوع من الإستئناف الطرف الذي وجه ضده إستئناف أصلي والذي لم يتمكن من ممارسة حقه داخل الأجل المنصوص عليه قانونا، ويرجح أن يكون هذا التخاذل ناتجا عن اعتقاده بأن الحكم لن يتم إستئنافه من قبل خصمه
وتتم ممارسة الطعن بالإستئناف عن طريق مقال مكتوب يتم إيداعه لدى كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم الإبتدائي المطعون فيه ، ويتعين على كاتب الضبط الذي يتسلم المقال الإستئنافي أن يسلم للمستأنف توصيلا يثبت إلى جانب أداء الرسوم القضائية تاريخ ممارسة هذا الطعن
ويتعين أن يتضمن المقال الإستئنافي مجموعة من البيانات المنصوص عليها في الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية. إذ يجب أن تتم الإشارة فيه إلى جانب أسماء الأطراف وعناوينهم إلى ملخص لوقائع النزاع بغية تمكين محكمة الدرجة الثانية من إستيعاب معطياته وكنهه بسهولة، كما يجب أن يحدد المستأنف في مقالة الإستئنافي الوسائل التي يستند عليها، وتحدد كل وسيلة بدقة ما يعيبه المستأنف على الحكم الإبتدائي المطعون فيه، والهدف المتوخي من وراء هذه الشكلية هو تمكين محكمة الإستئناف من إستيعاب خيوط النزاع والنقطة الفيصل فيه من خلال المقال الإستئنافي.
وتسري هذه المقتضيات التي تهم شكليات المقال الإستئنافي على الطعن بالإستئناف الممارس في مواجهة كل المقررات القضائية، دون تمييز بينها على أساس نوع المقرر والمحكمة التي أصدرته.
وعلى غرار المقال الإفتتاحي للدعوى، يتعين على المستأنف أن يدلي بنسخ من المقال تساوي عدد الأطراف تحت طائلة عدم قبول الإستئناف، غير أن محكمة الإستئناف لا يمكنها أن تعمل العقوبة المذكورة إلا إذا لم يقم المستأنف تسوية وضعيته على الرغم من إشعاره بذلك .
ويتعين أيضا على المستأنف أن يدلي رفقة مقاله بنسخة من الحكم المطعون فيه، إلا أن هذا الإجراء لا يعد جوهريا، فلا يترتب عن عدم إحترامه عدم قبول الإستئناف، إذ بالرجوع إلى مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية نجدها تنص على ضرورة تقدم كاتب الضبط الذي تلقى المقال الإستئنافي بطلب قصد الحصول على نسخة من الحكم المطعون فيه من المحكمة التي أصدرته في حالة عدم الإدلاء به من طرف المستأنف.
وتتم إجراءات تحقيق الدعوى وسريانها أمام محكمة الإستئناف طبقا الشكليات تشبه تلك التي يتم إعمالها أمام محكمة الدرجة الأولى، إذ يقوم في البداية الرئيس الأول للمحكمة بتحديد الهيئة التي يعهد لها بالنظر في النزاع، ويقوم رئيس الهيئة المذكورة بتعيين المستشار المقرر من بين الأعضاء، ويعهد لهذا الأخير أسوة بالقاضي المقرر مباشرة جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية من أجل تهيئة الملف. وكلما أشعر ذلك فإنه يتعين على المستشار المقرر أن يصدر أمرا بالتخلي لتتم إحالة الملف على الهيئة الجماعية برمتها من أجل البت فيه.
ويمكن أن يتم الحكم على المستأنف الذي يخسر استئنافه بغرامة. كما يمكن أن يحكم عليه بأداء تعویض لفائدة المستأنف عليه، إلا أنه لا يمكن الحكم بهذا التعويض إلا في حالة تقدم المستأنف عليه بطلب في هذا الشأن خلال المرحلة الإستئنافية، ويتم البت في هذا الطلب بمقتضى الحكم نفسه الذي بيت في موضوع الإستئناف.

ثالثا – آثار الإستئناف:

 ينتج عن الإستئناف ثلاث آثار مختلفة، الأثرين الأول والثاني هما الذين يترتب عنهما على غرار الطعن بالتعرض إيقاف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإعادة نشرها من جديد أمام محكمة الإستئناف، أما الأثر الثالث فيتمثل في حق التصدي الذي تتوفر عليه محاكم الدرجة الثانية.

أ – الأثر الواقف:

يترتب عن كون الأحكام قابلة للاستئناف وعن ممارسة هذا الطعن عدم إمكانية مباشرة التنفيذ، ويستثنى من ذلك الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل، إلا أنه يمكن للمستأنف أن يتقدم في هذه الحالة بطلب رام إلى إيقاف النفاذ المعجل أمام غرفة مشورة المحكمة الذي تنظر في موضوع الطعن الذي تقدم به.

ب – الأثر الناشر:

إن الإستئناف يؤدي إلى إعادة نشر النزاع من جديد برمته أمام محكمة الدرجة الثانية. ويمكن هذا الأثر محكمة الإستئناف من إعادة النظر في كل المسائل المرتبطة بالنزاع سواء أكانت لها علاقة بالواقع أو بالقانون. غير أنه يجب التنبيه إلى أن مفعول هذا الأثر يحده مبدءان، المبدأ الأول يترتب عنه حصر سلطة محكمة الاستئناف على الوسائل التي أثارها الأطراف في المقالات الاستئنافية، أما المبدأ الثاني فهو الذي يمنع على الأطراف التقدم بطلبات جديدة خلال المرحلة الاستئنافية.
 ويجد المبدأ الأول الذي يترتب عنه حصر سلطة محكمة الإستئناف على الوسائل الواردة في المقال الإستئنافي تبريره في معيار المصلحة في النزاع، كما يجسده التعبير الذي ينص على أنه: “لا تنشر إلا المسائل موضوع الإستئناف”، وبناء عليه فإن الأطراف إذا ما رأوا أن لا مصلحة لهم في إثارة مسألة سبق البت فيها من طرف محكمة الدرجة الأولى، فإن على محكمة الدرجة الثانية أن تخضع لرغبتهم ولا تمد يدها إليها.
 أما المبدأ الثاني المتمثل في منع الأطراف من التقدم بطلبات جديدة خلال المرحلة الإستئنافية فإنه يجد سنده في مبدأ التقاضي على درجتين، إذ من الطبيعي أن يترتب عن إعماله تمكين محكمتي الدرجة الأولى والثانية من النظر في النزاع ذاته. وهو ما يعني أن كل طلب ناتج عن النزاع ومرتبط به لم يتم عرضه على محكمة الدرجة الأولى وتم الإكتفاء بعرضه لأول مرة على محكمة الدرجة الثانية لن يخضع للمبدأ المذكور وبالتالي سيتم البت فيه من طرف محكمة واحدة. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه القاعدة تخضع لمجموعة من الإستثناءات التي تم التنصيص عليها صراحة من طرف المشرع، وتهم هذه الأخيرة طلبات المقاصة والفوائد والمتأخرات والتعويض عن الأضرار التي تكبدها المستأنف بعد صدور الحكم الإبتدائي.
وتجدر الإشارة في الختام إلى أن عدم قبول الطلبات الجديدة لا يترتب عنه عدم إمكانية إثارة وسائل جديدة أمام محكمة الدرجة الثانية، كما يمكن للأطراف كذلك أن يتقدموا بوثائق ومستندات جديدة لأول مرة أمام محكمة الدرجة الثانية .

د – الحق في التصدي:

کما تدل على ذلك تسميته، يدخل الحق في التصدي ضمن خانة السلطات التي تتوفر عليها محكمة الإستئناف أكثر من دخوله ضمن الآثار الناتجة عن ممارسة هذا الطعن، ويجد هذا الحق سنده القانوني في مقتضيات الفصل 146 من قانون المسطرة المدنية، ويتيح هذا الحق لمحكمة الدرجة الثانية إمكانية التصدي والبت في كل المسائل المرتبطة بالنزاع إذا ما اعتبرت أنها تتوفر على علم بكافة العناصر الضرورية لذلك.
وفي الحالة المقابلة فإنه يتعين على محكمة الإستئناف أن تكتفي، بعد إلغاء الحكم المطعون فيه ، بإرجاع الملف لمحكمة الدرجة الأولى التي سبق لها البت فيه. ويمكن القول على العموم بأن ممارسة محكمة الإستئناف لحقها في التصدي رهين بالأساس بمدی بت محكمة الدرجة الأولى في موضوع النزاع، وبناء عليه فإن كل النزاعات التي تصدر فيها محاكم الدرجة الأولى أحكاما لا تهم البت في موضوع النزاع، وذلك مثل الأحكام التي تصرح فيها هذه المحاكم بعدم قبول الدعوى من حيث الشكل إذ لا يمكن لمحاكم الدرجة الثانية أن تتصدى فيها.
وعلى ضوء الإجتهاد القضائي الصادر في القضايا التي تهم هذه المسألة، فإنه يمكن القول بأن محاكم الدرجة الثانية لا تتوفر بخصوص ممارستها لحقها بالتصدي على سلطة تقديرية مطلقة، فالتوجه الذي تتبناه بهذا الشأن يخضع لرقابة محكمة النقض.
_______

طرق الطعن غير العادية

على عكس طرق الطعن العادية فإن طرق الطعن غير العادية لا يمكن ممارستها إلا إذا توفرت إحدى الأسباب المبررة لذلك والمنصوص عليها على سبيل الحصري من طرف المشرع، كما أنه لا يمكن لأي متقاض أن يمارس إحدى هذه الطرق إذا كان مكانه ممارسة طريق من طرق الطعن العادية
وتتميز طرق الطعن غير العادية أيضا عن سابقتها بكون الإستفادة منها متاحة أيضا إلى جانب أطراف النزاع للغير الذي لم يكن طرفا فيه، ويسمى الطعن الذي پمارسه الغير “تعرض الغير الخارج عن الخصومة”، أما الطرق التي يمكن أن يمارسها  أطراف النزاع فهي الطعن بإعادة النظر والطعن بالنقض.

المبحث الأول: تعرض الغير الخارج عن الخصومة:

تعرض الغير الخارج عن الخصومة طريق من طرق الطعن غير العادية التي لا يمكن أن يمارسها إلا المتقاضي الذي لم يكن طرفا في النزاع الذي صدر فيه الحكم المطعون فيه، كما يشترط لقبولها أن يكون هذا الغير قد تكبد ضررا بفعل صدور الحكم المذكور دون أن يكون ممثلا فيه أو تم إستدعاؤه، وتمكن ممارسة هذا  الطعن الغير من الدفاع عن مصالحه والمطالبة بتعديل الحكم الصادر في شقه الذي يمس بمصالحهم.

المطلب الأول: المقررات القابلة لتعرض الغيرة:

 تعرض الغير الخارج عن الخصومة باعتباره طريقا من طرق الطعن غير العادية لا يمكن أن يمارسه إلا المتقاضي الذي لا يتوفر على إمكانية ممارسة إحدى طرق الطعن العادية، وبناء عليه فإن القرارات القابلة لتعرض الغير الخارج عن الخصومة هي القرارات الصادرة على حد سواء عن محاكم الدرجة الثانية ومحكمة النقض.

المطلب الثاني: القواعد المسطرية:

تتم ممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة عن طريق مقال مكتوب يودع لدى كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه 29، فهذه الأخيرة هي المحكمة التي يعود لها الإختصاص للنظر في هذا التعرض، ويتعين إرفاق المقال بنسخة من المقرر القضائي الذي يدعي الغير المتعرض بأنه ألحق به ضررا، وقد إشترط المشرع القبول هذا الطعن أن يقوم الغير المتعرض بإيداع مبلغ من المال يساوي قيمة الغرامة التي يمكن أن يحكم بها عليه في حالة ما إذا خسر دعواه.
ولم يحدد المشرع المغربي أي أجل لممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة، ويعتبر هذا الأمر طبيعيا بالنظر لكون هذه الطريق من طرق الطعن لا يمكن بالنظر لخصوصيتها أن يتم ربطها بأي أجل، فالمتعرض باعتباره غيرا، لا يدخل ضمن زمرة من يتعين تبليغ المقرر إليهم لبدء سريان أجل الطعن أو مباشرة التنفيذ.

المطلب الثالث: آثار تعرض الغير الخارج عن الخصومة:

لا ينتج تعرض الغير الخارج عن الخصومة أي أثر واقف أو ناشر للدعوى، ويترتب عن غياب الأثر الأول إمكانية مباشرة تنفيذ المقرر القضائي الحامل القوة الشيء المقضي به على الرغم من الطعن فيه، أما غياب الأثر الثاني فيترتب عنه
حصر مجال الرقابة التي تمارسها المحكمة التي تنظر في تعرض الغير الخارج عن الخصومة على الجزء من المقرر الذي يهم الغير المتعرض والمسائل التي تضرر منها دون غيرها
يترتب عن قبول تعرض الغير الخارج عن الخصومة تصحيح الحكم المطعون فيه. غير أن آثار هذا التصحيح لا تمتد إلا إلى ما يضر مصلحة الغير المتعرض ويبقى بالتالي الحكم المطعون فيه منتجا كافة آثاره في غير ذلك من النقط التي تم الفصل فيها.

المبحث الثاني: إعادة النظر:

يدخل الطعن بإعادة النظر ضمن زمرة الطعون التصحيحية، إذ ينتج عن ممارسته عرض النزاع على نفس المحكمة التي سبق لها البت فيه بمقتضی مقرر لا يقبل أي طريق من طرق الطعن العادية قصد تصحيحه .
وتتطلب دراسة هذا الطريق من طرق الطعن تحديد المقررات القضائية التي تقبله، بعد ذلك سنقوم بدراسة أسبابه والقواعد القانونية التي تحكم ممارسته.

المطلب الأول: المقررات القابلة للطعن بإعادة النظر:

تقبل الطعن بإعادة النظر المقررات القضائية التي لا تقبل أية طريق من طرق الطعن العادية، ويجد هذا التوجه تبريره في كون أن طرق الطعن العادية تمكن من بلوغ نفس الهدف.
وبالمقابل فإن كون مقرر قضائي لا زال يقبل الطعن بالنقض لا يترتب عنه إغلاق باب إعادة النظر، إذ يمكن إستعمال كلا الطعنين، بل أكثر من ذلك فلا يوجد ما يمنع من ممارستها في نفس الوقت.

المطلب الثاني: أسباب إعادة النظر:

حدد المشرع المغربي أسباب الطعن بإعادة النظر في الفصل 402 من قانون المسطرة المدنية، وتجتمع كل هذه الأسباب في كونها تتعلق إما بأخطاء مادية شابت المقرر القضائي المطعون فيه والتي تهم إما النقط القانونية أو المتعلقة بالواقع.

I– البت في أكثر مما طلب أو في أقل مما طلب:

 يتعين على محاكم الموضوع أن تلتزم بالطلبات التي تقدم إليها من طرف خصوم الدعوى وأن لا تبت إلا في حدودها، ويعتبر كل خرق لهذه القاعدة المنصوص عليها في الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية سببا من الأسباب التي تسمح بممارسة الطعن بإعادة النظر.
ويحق للطرف الذي يدعي بأن محكمة الموضوع بتت في أكثر مما طلب منها أو لم تبت في كل ما طلب منها، إذا تضررت مصالحه بفعل ذلك، أن يتقدم في مواجهة المقرر الصادر بطعن بإعادة النظر، ويترتب عن هذا الطعن عرض النزاع من جديد على نفس المحكمة التي سبق لها النظر فيه من أجل البت في الطلب الذي أهملت البت فيه أو من أجل تصحيح المقرر الذي أصدرته تماشيا مع الطلبات التي تقدم بها أطراف الدعوى.

II– حصول تدلیس خلال تحقيق الدعوى:

 يمكن كذلك الطعن بإعادة النظر في المقرر القضائي إذا ادعى أحد أطراف النزاع بأنه وقع تدلیس خلال تحقيق الدعوى، ويتعين لقبول هذا الطعن أن يكون للتدليس طابع حاسم في النزاع، وتبعا لذلك فإن الأفعال التي تشكل تدلیسا و التي تهم وقائع غير مؤثرة في النزاع لا يمكن أن تعلل سلوك هذا الطريق من طرق الطعن.
 ولا يكتسي مصدر التدليس أية أهمية، فسواء كان هذا الأخير يعزي للأطراف أو للمحكمة التي كانت تنظر في النزاع فإن ذلك يفتح باب الطعن بإعادة النظر 29، والشرط الوحيد الذي يتعين تحققه هو أن يتم إكتشافه من قبل الطرف الذي يمارس الطعن بعد صدور المقرر القضائي المطعون فيه، أما التدليس الذي تم إكتشافه أثناء سريان الدعوى وقبل فصل محكمة الموضوع فيه فيتعين على مكتشفه أن يثيره على الفور کدفع، ولا يشكل هذا التدليس سببا من أسباب الطعن بإعادة النظر.

III– المقرر الذي يستند على وثائق مزورة:

 يجد هذا السبب من أسباب الطعن بإعادة النظر أساسه في إكتشاف زورية الوثائق التي استند عليها المقرر القضائي المطعون فيه، ولا يمكن ممارسة الطعن بإعادة النظر الذي يستند عليه إلا بعد أن يحوز المقرر الصادر عن المحكمة الزجرية بالإدانة من أجل جنحة التزوير لقوة الشيء المقضي به، ولا يتعين أن يكون الشخص الذي تمت إدانته من أجل الجنحة السابقة بالضرورة أحد أطراف الدعوى، إذ يكفي لقبول الطعن بإعادة النظر أن تثبت إستفادة الطرف الآخر من الوثائق المزورة حتى ولو لم يكن له علم بطابعها.

VI– اكتشاف وثائق حاسمة:

يرتبط هذا السبب الرابع من أسباب الطعن بإعادة النظر بالحالة التي يكون فيها أحد أطراف الدعوى عاجزا عن الإدلاء بوثيقة حاسمة تهم النزاع خلال سريان الدعوى، فإذا ثبت بأن ذلك العجز راجع إلى كون أن تلك الوثائق كانت ممسوكة من قبل الطرف الآخر فإن باب الطعن بإعادة النظر يفتح في وجه المتضرر، غير أنه يشترط لقبول هذا الطعن أن لا تتم حيازة تلك الوثائق من طرف طالب إعادة النظر إلا بعد صدور المقرر المطعون فيه.

V– تناقض فقرات الحكم أو تناقض حكمين :

من الممكن أن يشوب فقرات مقرر قضائي معين على الرغم من كونه معللا، تناقض واضح، ويمكن للطرف الذي له مصلحة في ذلك أن يثير هذا التناقض کسبب من أسباب الطعن بإعادة النظر، إذا هم كذلك منطوق المقرر المطعون فيه، وبالمقابل فإن التناقض الذي لا يهم سوى التعليل لا يشكل سببا من أسباب الطعن بإعادة النظر وأن كان يدخل ضمن أسباب الطعن بالنقض.
ويهدف الطعن الذي يتم التقدم به في هذه الحالة إلى وضع حد للتناقض المذكور وتحقيق الإنسجام بين مختلف فقرات المنطوق، وتتمثل أهمية التصحيح الذي يطال المقرر المطعون فيه في كونه يعد ضروريا لمباشرة التنفيذ دون صعوبة.
من جهة أخرى يهدف المشرع من خلال التنصيص على مبدأ حجية الأمر المقضي به إلى تجنب صدور أكثر من مقرر قضائي إنتهائي في نفس النزاع، وتتمثل أهمية ذلك في تجنب مباشرة التنفيذ أكثر من مرة في مواجهة المحكوم عليه أو في تجنب تناقض
المقررات القضائية الجائزة لقوة الشيء المقضي به، مما سيطرح لا محالة مجموعة من الإشكالات في مرحلة التنفيذ، لكن وبالنظر لكون الدفع بحجية الأمر المقضي به لیست من النظام العام وهو ما يترتب عنه ضرورة إثارته من طرف أطراف الدعوى فإن محاكم الموضوع يمكن أن تبت في النزاع على الرغم من علمها بسبقية البت فيه من طرفه

VII– المس بحقوق الإدارة وعديمي الأهلية:

بهدف آخر سبب من أسباب الطعن بإعادة النظر إلى ضمان حماية حقوق الدفاع المخولة للإدارات العمومية والمتقاضين الناقصي الأهلية، ويمكن هذا السبب الأشخاص الذين يحق لهم تمثيلهم أمام القضاء التقدم بطلب رام إلى تصحيح المقررات القضائية الصادرة دون تمتيع الفئة السابقة الذكر من المتقاضين بالحماية التي يخولها لها القانون. .
وقد لخص الفقه الحالات التي يتم فيها المساس بحقوق الدفاع المخولة للجهات والأشخاص السابقي الذكر في إثنتين، الحالة الأولى هي التي تتعلق بتمثيلهم أمام القضاء والتي يتبين فيها أنهم لم يكونوا ممثلين من طرف الشخص المخول له ذلك قانونا، والحالة الثانية والتي يلفها الكثير من اللبس هي التي يثبت فيها بأن الممثل القانوني للجهات والأشخاص السابقين أخل بالإلتزامات المنوطة به.

المطلب الثالث: القواعد المسطرية:

يجب ممارسة الطعن بإعادة النظر داخل أجل ثلاثين يوما، ويبدأ إحتساب هذا الأجل من تاريخ تبليغ المقرر القضائي المراد الطعن فيه، ويضاعف هذا الأجل ثلاث مرات بالنسبة للأطراف الذين لا يتوفرون على محل إقامة بالمغرب، غير أن الطعن بإعادة النظر الذي يستند على التدليس أو التزوير لا يبدأ أجله في السريان إلا من التاريخ الذي يتم فيه إكتشاف الواقعتين السابقتي الذكر.
 ويتم الطعن بإعادة النظر عن طريق مقال مكتوب، ويتعين إيداع ذلك المقال لدى كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت المقرر المطعون فيه، ومن حيث الشكل يبقى قبول الطعن بإعادة النظر رهينا بإثبات إيداع طالبه لمبلغ يساوي قيمة الغرامة التي يمكن أن يحكم عليه بأدائها إذا ما ثبت أن ممارسة هذا الطعن تكتسي طابعا تعسفيا
في حالة قبول الطعن بإعادة النظر فإنه تتم إعادة الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور المقرر المطعون فيه، ويترتب عن قبول الطعن بإعادة النظر نشر الدعوى من جديد أمام المحكمة التي تنظر فيه، ويمكنها هذا الأثر من البت في موضوع النزاع، وإذا كان السبب الذي تم الإستناد عليه في الطعن بإعادة النظر هو تناقض مقربين قضائيين إنتهائيين فإن النتيجة التي تترتب عن قبول هذا الطعن هي إلغاء آخر مقرر تم إصداره بالنظر لخرقه لمبدأ سبقية البت.
 ولا ينتج الطعن بإعادة النظر أي أثر واقف، وهو ما يترتب عنه إمكانية تنفيذ المقررات المعنية به، ما لم تحل دون ذلك إثارة صعوبة في التنفيذ من طرف من له مصلحة في تعطيله.

 المبحث الثالث: الطعن بالنقض:

 النقض طريق من طرق الطعن غير العادية التي تمكن أطراف النزاع من عرض الحكم الإنتهائي الصادر فيه والذي يدعون أنه أضر بمصالحهم على محكمة النقض، والتي هي أعلى جهة قضائية بهدف التصريح بإلغائه، ويمكن ممارسة هذا الطعن سواء من طرف المدعي الذي رفض طلبه أو المدعى عليه الذي صدر الحكم في مواجهته.
 وباعتباره طريق من طرق الطعن غير العادية فإن الطعن بالنقض لا يمكن ممارسته إلا في الحالات التي حددها القانون على سبيل الحصر، کا يشترط لقبول هذا الطعن عدم توفر الطرف الذي مارسه على إمكانية ممارسة طريق من طرق الطعن العادية.
ويتمثل الدور الأساسي الذي تضطلع به محكمة النقض في توحيد الإجتهاد القضائي الصادر عن مختلف محاكم الموضوع ومراقبة مدى إحترام تلك المحاكم للقانون، وعلى هذا الأساس فإن محكمة النقض تتعث بأنها محكمة قانون لا محكمة واقع، ويعني ذلك بأن الرقابة التي تمارسها في إطار الطعون التي تنظر فيها تمتد فقط للمسائل القانونية المحضة، أما المسائل المرتبطة بالواقع فإنها تخرج من مجال الرقابة التي تمارسها محكمة النقض وتخضع بالتالي للسلطة التقديرية المطلقة المحاكم الموضوع.

 المطلب الأول: المقررات القابلة للطعن بالنقض:

يمكن ممارسة الطعن بالنقض طبقا لمقتضيات الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية في مواجهة كافة المقررات القضائية الإنتهائية الصادرة عن محاكم الموضوع ، إلا أن المشرع المغربي استثنی من مجال الطعن بالنقض المقررات الانتهائية التي تهم نزاعات تقل قيمتها عن عشرون ألف درهم وتلك التي تهم مراجعة الوجيبة الكرائية أو أدائها أو أداء كافة المصاريف المتعلقة بها.
وتبعا لذلك فإن مجال الطعن بالنقض هم كافة القرارات الصادرة عن مختلف محاكم الدرجة الثانية، أما الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى فهي لم تعد قابلة للطعن بالنقض بعد التعديل الذي تم إدخاله مؤخرا على قانون المسطرة المدنية، وذلك بالنظر لكون أن هذه الأحكام أصبحت قابلة للإستئناف بغض النظر عن قيمة النزاع، وهو ما يعني أن الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم لا يمكن أن توصف في أي حال من الأحوال بأنها انتهائية،
ويشترط كذلك في القرارات الصادرة عن محاكم الإستئناف لتكون قابلة للطعن بالنقض أن تكون حضورية، أما القرارات الصادرة غيابيا فإنها لا تقبل الطعن بالنقض مادامت تقبل التعرض، غير أنها تصبح قابلة للطعن بالنقض بعد إنصرام أجل التعرض
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للقرارات القابلة للتعرض فإن الأمر يختلف بالنسبة للأحكام القابلة للإستئناف، إذ أن هذه الأخيرة لا تصبح قابلة للنقض بعد إنصرام أجل الاستئناف، وهو ما يعني أنها تتحصن بصفة نهائية.
 وتقبل الأحكام التمهيدية بدورها الطعن بالنقض، إلا أن هذا الطعن لا يمكن ممارسته إلا في نفس الوقت الذي يتم فيه الطعن في الأحكام الباتة في الموضوع، ويتعين في هذه الحالة على طالب النقض الذي يرغب في تحديد مجال الطعن بالنقض حكم تمهيدي أن يشير إلى ذلك صراحة في مقال النقض، أما إذا لم يفعل ذلك فإن مجال الطعن لا يمتد إلا للحكم البات في الجوهر.

المطلب الثاني: أسباب النقض:

  کسائر طرق الطعن غير العادية فإن الطعن بالنقض لا يمكن ممارسته إلا في الحالات التي حددها القانون على سبيل الحصر، ويتعين على طالب النقض أن يقوم في مقاله بتحديد الأسباب التي يستند عليها في طعنه بشكل واضح، ويترتب على عدم تحديد تلك الأسباب عدم قبول الطعن بالنقض.
وقد حدد الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية خمسة أسباب يمكن الإستناد عليها في الطعن بالنقض، وتتمثل هذه الأسباب في خرق القانون الداخلي، خرق القانون المسطري، عدم الإختصاص، الشطط في إستعمال السلطة ونقص التعليل أو انعدام الأساس القانوني
وعلى الرغم من أن هذه الأسباب تبدو مختلفة من حيث ظاهرها إلا أن هناك قاسم مشترك يجمع بينها وهو خرق القانون، وبالنظر لطبيعة محكمة النقض كمحكمة قانون فإن الأسباب المرتبطة بالواقع لا يمكن إثارتها أمامها.

I– خرق القانوني الداخلي:

 بهم هذا السبب من أسباب النقض على الرغم من تسميته التي من الممكن أن تثير بعض التساؤلات، كل خرق يهم القواعد القانونية الموضوعية، وتتمتع هذه الفئة من القواعد بحماية خاصة، إذ يتم نقض كل المقررات التي يشوبها هذا العيب دون  أي تمييز مبني على أساس أهمية القاعدة القانونية الموضوعية التي تم خرقها، على عكس القواعد الشكلية التي خصها المشرع المغربي بحماية أضعف.
ويمكن تعريف القواعد القانونية الموضوعية بأنها تلك القواعد التي تحكم العلاقات بين الأطراف، وتقوم هذه القواعد بتحديد الحقوق والإلتزامات التي تقع على عاتقهم، ومن الخطأ الاستناد على التدوين الذي اتبعه المشرع للتمييز بين القواعد القانونية الموضوعية والقواعد القانونية الشكلية، لأن هناك الكثير من القواعد القانونية الشكلية التي تم إدماجها ضمن المدونات القانونية التي تهم الموضوع، فقانون الإلتزامات والعقود مثلا يحتوي العديد من القواعد الشكلية التي تهم ممارسة بعض الدعاوى بل وحتى شروطها والدفوع التي يمكن إثارتها
ويمكن أن يأخذ خرق القانون الموضوعي أشكال عدة. الشكل الأول هو الذي يتمثل في رفض تطبيق قاعدة قانونية على واقعة معينة، الشكل الثاني هو الذي يتم فيه تطبيق قاعدة قانونية على واقعة لا تدخل ضمن مجال تطبيقها، والشكل الثالث هو الذي يتم فيه تأويل قاعدة قانونية تأويلا خاطئا، وأيا كان الشكل الذي اتخذه فإن خرق القانون الموضوعي لا يمكن إثارته إلا من قبل الطرف الذي تضررت مصالحه من جراء ذلك
ويشبه التطبيق الخاطئ للقانون الخطأ في التكييف، إذ يتمثل هذا الخرق في قیام محكمة الموضوع بتطبيق قاعدة قانونية على وقائع لا تدخل في مجال تطبيقها بسبب التكييف الخاطئ الذي أعطته لها.  أما التأويل الخاطئ للقانون فإنه يتمثل في إعطاء نص قانوني معين معنی مختلف عن ذلك الذي أراده المشرع له، فالفرق بين هذه الحالة وسابقتها هو أن محكمة الموضوع تستند في الحالة الثانية على النص القانوني السليم الذي يهم النازلة، إلا أنها تخطى بخصوص مفهوم النص المذكور وتعتمد في المقرر الذي تصدره تأویلا خاطئا.

II– خرق قاعدة مسطرية:

على العكس من القواعد القانونية الموضوعية، فإن خرق القواعد القانونية الشكلية لا يكون دائما سببا من أسباب النقض، ويكمن أساس هذا الإختلاف في كون أن المشرع المغربي إشترط من أجل نقض المقرر المطعون فيه أن يترتب عن الخرق الذي تمت إثارته من طرف طالب النقض إضرار بمصالحه،
ويتحمل طالب النقض عبء تحقق هذا الشرط المتمثل في تحقيق الضرر إلا أن المبادئ التي كرستها محكمة النقض من خلال الإجتهادات القضائية الصادرة عنها تصب في إتجاه ربط شرط الضرر بمعيار أكثر وضوحا وهو المساس بحقوق الدفاع، وبالإعتماد على هذا المعيار الشبيه بذلك الذي تم إعتماده في المسطرة الجنائية، فإن الضرر يعتبر متحققا كليا أدي خرق قاعدة مسطرية إلى حرمان طالب النقض من حق من حقوق الدفاع.
كما أن شرط الضرر يتحقق بالرجوع دائما إلى الإجتهاد القضائي كلما ترتب عن خرق القاعدة المسطرية التي أسس طلب النقض عليها بطلان المقرر الصادر، ويفترض الضرر كلما كانت القاعدة الشكلية التي تم خرقها من النظام العام، ويمكن في هذه الحالة الأخيرة أن يثار سبب النقض المبني على خرق قاعدة مسطرية تلقائيا من طرف محكمة النقض

III– عدم الإختصاص:

حدد المشرع المغربي، من خلال نصوص قانونية مختلفة إختصاص كل محكمة من المحاكم، ويتمثل عيب عدم الاختصاص في خرق القواعد المنظمة للإختصاص وبت محكمة من محاكم الموضوع في نزاع لا يدخل ضمن إختصاصاتها وتشكل هذه الحالة سببا من أسباب النقض.
ويجدد إختصاص كل محكمة من محاكم الموضوع على أساس ترابي وآخر نوعي، فالإختصاص النوعي هو الذي يتم اعتماده في الأنظمة القضائية المزدوجة التي تتعايش فيها محاکم تنتمي إلى نظامين مختلفين أو أكثر، ويتحقق عدم الاختصاص في هذه الحالة عندما تقوم محكمة بالبت في نزاع يدخل من حيث نوعه ضمن إختصاصات محكمة أخرى تنتمي إلى نظام آخر، أما عدم الاختصاص الترابي فهو يتحقق عندما تنظر محكمة في نزاع لا يدخل ضمن دائرتها الترابية على الرغم من أحقيتها في البت فيه بالنظر لنوعه، ولا يمكن إثارة عدم الإختصاص ضمن أسباب النقض إلا إذا سبقت إثارته أمام محاكم الموضوع،
إلا أن هذه القاعدة لا تطبق في كل الأحوال على عدم الإختصاص النوعي، ويكمن السبب في ذلك إلى كون أن مقتضيات الفصل 12 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية تعتبر بأن الدفع المذكور من النظام العام، وهو ما يسمح بإثارته ولو لأول مرة أمام محكمة النقض،
وفي غير هذا فإن القواعد التي تحكم إختصاص قاضي المستعجلات تطابق تلك التي تحكم إختصاص قاضي الموضوع، فهي تحدد على أساس المعيارين السابقي الذكر وهما المعيار الترابي والنوعي، كما أن طبيعتها من حيث إعتبارها من النظام العام من عدم تخضع لنفس القواعد السابقة الذكر.

VI– الشطط في استعمال السلطة:

 يتعلق هذا السبب من أسباب النقض بالحالة التي تقوم فيها محكمة من محاكم الموضوع بالإعتداء على الإختصاصات التي يمنحها القانون لسلطة أخرى، غير السلطة القضائية، ونظرا لطبيعته هذه، فإن عيب الشطط في إستعمال السلطة يقترب كثيرا من عيب عدم الاختصاص، فكلا السببين معا يتعلق بعدم أهلية محكمة الموضوع التي أصدرت الحكم المطعون فيه للبت في النزاع .
غير أن ما يفرق بينهما هو طبيعة الجهة التي وقع إعتداء على السلطات الممنوحة لها، إذ أن السبب المرتبط بعدم الاختصاص بهم الحالة التي تبت فيها محكمة موضوع في نزاع يدخل ضمن إختصاصات محكمة أخرى، أما الشطط في إستعمال السلطة فهو يهم الحالة التي تعتدي فيها محكمة موضوع على الإختصاصات الممنوحة لجهة غير قضائية کالسلطة التشريعية أو التنفيذية

V– نقصان التعليل وإنعدام الأساس القانوني:

لا يدخل نقصان التعليل وإنعدام الأساس القانوني في تكوين سبب واحد من أسباب الطعن بالنقض، فكلاهما يشكل سببا مستقلا بذاته من حيث جوهره ومفهومه، ويرجع ربط المشرع المغربي بينها إسوة بالتشريع الفرنسي إلى المعطيات التاريخية التي أدت إلى تبني كلا السببين معا الذين يحيلان على حالتين مختلفتين، على الرغم من إرتباطها الوثيق بالمقرر القضائي التي تم إصداره.
أ- انعدام الأساس القانونية:
 يشكل إنعدام الأساس القانوني عيب من العيوب التي يمكن أن تشوب المقررات القضائية الصادرة عن محاكم الموضوع، ومن الشائع ربط هذا السبب من أسباب النقض عن خطأ بالحالة التي لا يستند فيها المقرر المطعون فيه على أية مقتضيات قانونية بإمكانها أن تبرر التوجه الذي تبنته المحكمة والجواب الذي أعطته للمسألة أو المسائل القانونية التي يطرحها النزاع. وفي الحقيقة، فإن إنعدام الأساس القانوني بعيد كل البعد عن ذلك، فلا علاقة له بالقاعدة أو القواعد القانونية التي يتعين تطبيقها على النزاع، كما أن الحالة التي سبقت الإشارة إليها والمتعلقة بعدم تطبيق القاعدة القانونية الصحيحة تشكل خرقا للقانون الداخلي وتدخل بالتالي ضمن أول أسباب الطعن بالنقض،
وعلى الرغم من تسميته فإن انعدام الأساس القانوني يرتبط بالحالة التي لا تقوم فيها محكمة الموضوع بتبیان وقائع النزاع وعناصره في المقرر الذي أصدرته . ويترتب عن ذلك أنها تعفي نفسها من تعليل إستبعادها لبعض تلك الوقائع وعدم أخذها بعين الإعتبار عند البت في النزاع.
ب- إنعدام التعليل:
يكتسي تعليل المقررات القضائية أهمية كبيرة بالنظر لمساهمته في ترسيخ مصداقية المقررات القضائية التي تصدرها محاكم الموضوع، ناهيك عن أن سرد التعليل يمكن محكمة النقض من ممارسة رقابتها بسهولة على المقررات التي يطعن فيها أمامها
 ويعتبر عيب عدم التعليل من العيوب التي يمكن أن تشوب المقررات القضائية، وهم هذا العيب غياب التطابق ما بين النتيجة التي تم استخلاصها والمعطيات الأولية التي تهم النزاع، ويتخذ هذا العيب صورتين، الصورة الأولى هي التي ينعدم فيها التعليل بشكل مطلق ، إذ لا تكلف محكمة الموضوع نفسها في هذه الحالة تفسير المنطق الذي اعتمدته قصد الوصول إلى الإستنتاجات التي خلصت إليها، وهي حالة نادرة في الواقع، والحالة الثانية هي التي يكون فيها التعليل ناقصا، وهو ما يعني أن إستقراء ما أوردته المحكمة بصدده لا يمكن من الوصول إلى النتيجة ذاتها، وهذه هي الحالة الأكثر شيوعا.

المطلب الثالث: الطعن بالنقض من طرف الوكيل العام:

 إلى جانب الطعن بالنقض الذي يمكن أن يتقدم به الأطراف، فإن قانون المسطرة المدنية يسمح كذلك للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بالطعن بالنقض في المقررات الإنتهائية الصادرة عن محاكم الموضوع، ويخضع هذا الطعن الخاص للمقتضيات والقواعد المنصوص عليها في الفصلين 381 و382 من قانون المسطرة المدنية، ويمكن ممارسته إما لمصلحة القانون أو بسبب الشطط في إستعمال السلطة .

I – الطعن بالنقض لمصلحة القانون:

يتم التقدم بهذا الطعن تلقائيا من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ولم يربط المشرع المغربي ممارسته بضرورة إحترام أي أجل قانوني، غير أن قبوله يبقى رهينا بإنصرام الأجل الذي يحق فيه للأطراف الطعن بالنقض

II– الطعن من أجل الشطط في استعمال السلطة:

 تتم ممارسة هذا الطعن بالنقض من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بأمر من وزير العدل، وهم هذا الطعن الحالة التي يتبين فيها بأن محكمة من المحاكم الموضوع قد ارتكبت شططا في إستعمال السلطة، وعلى غرار سابقه فإن الطعن بالنقض بسبب الشطط في إستعمال السلطة غير مقيد بأي أجل قانوني.

المطلب الرابع: مسطرة الطعن بالنقض:

تتم ممارسة الطعن بالنقض عن طريق إيداع مقال مكتوب لدى كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت القرار المطعون فيها، ويتعين على طالب النقض أن يشير في مقاله الأسماء الأطراف وعناوينهم، كما يتعين عليه أن يقوم بسرد موجز للوقائع وتحديد الأسباب الذي يستند عليها في طعنه والتي تمثل ما يعيبه على القرار المطعون فيه.
ويمكن لطالب النقض أن يتقدم عند الإقتضاء بمذكرة تفصيلية من أجل تكملة النواقص التي اعترت المقال الذي تقدم به، غير أن ما جاء في تلك المذكرة لا أخذ بعين الإعتبار إذا تم تقديمها بعد إنصرام أجل الطعن بالنقض المحدد قانونا.
 ويتعين ممارسة الطعن بالنقض داخل أجل ثلاثين يوما، ويحتسب هذا الأجل من التاريخ الذي تم فيه تبليغ القرار المطعون فيها، ويتوفر المطلوب في النقض على أجل مماثل قصد الجواب، يحتسب من تاريخ تبليغه بمقال الطعن بالنقض، ولا يمكن أن يمثل الأطراف داخل هذه المسطرة الكتابية إلا المحامون المقبولون للترافع أمام محكمة النقض
 وتتشابه المسطرة المتبعة أمام محكمة النقض مع تلك التي يتم إعمالها أمام محاكم الموضوع، إذ يقوم الرئيس الأول بتعيين مستشار مقرر، ويضطلع هذا الأخير بدور شبيه بذلك الذي يلعبه القاضي المقرر والمتمثل في توضيح النقط الجوهرية للنزاع التي يتعين على هيئة الحكم الفصل فيها، كما يقوم بعد أن تصبح القضية جاهزة بتحرير تقرير وإصدار الأمر بالتخلي.
وتتم إحالة التقرير الذي يعده المستشار المقرر على النيابة العامة من خلال إصدار أمر بخصوص ذلك، ويتعين على ممثل الحق العام الإدلاء بمستنتجاته داخل أجل ثلاثين يوما يبدأ إحتسابه من تاريخ التبليغ، ويقوم بعد إنصرام هذا الأجل رئيس الهيئة بتعيين القضية في جلسة سواء أدلت النيابة العامة بمستنتجاتها أو تقاعست عن ذلك، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المسطرة التي تهم تحقيق الدعوى ليست إجبارية، إذ يمكن تجاوزها إذا ما رأى رئيس الغرفة التي تمت إحالة القضية عليها أنه لا حاجة لذلك
 ويمكن لمحكمة النقض في حالة الإستعجال القصوى أن تطبق المسطرة السريعة بالإستناد على مقتضيات الفصل 367 من قانون المسطرة المدنية، ويمكن أعمال هذه المسطرة من تقليص الآجال المنصوص عليها إلى النصف.

 المطلب الخامس: آثار الطعن بالنقض:

بخلاف طرق الطعن العادية فإن الطعن بالنقض لا ينتج عنه أي أثر واقف أو ناشر للدعوى، كما أن محكمة النقض لا تتوفر على الحق في التصدي إلا استثناءا في الحالات التي حددها القانون على سبيل الحصر، إلا أنها تتوفر على إمكانية نقض القرار المطعون فيه دون إحالته إذا رأت أنه لم يعد هناك ما يمكن البت فيه.
وعلى شاكلة جميع المساطر القضائية، يتعين ممارسة الطعن النقض بحسن نية ويترتب عن هذه القاعدة إمكانية الحكم على المتقاضي الذي تبين أنه مارس الطعن بالنقض بشكل تعسفي بالعقوبات المقررة قانونا، إذ يحق للمطلوب في النقض في هذه الحالة أن يتقدم بطلب رام إلى التعويض في مواجهته، ويتعين على محكمة النقض أن تبت في هذا الطلب في نفس القرار الذي تصدره في الدعوى.

I– غياب الأثر الواقف:

  بخلاف طرق الطعن العادية لا ينتج عن الطعن بالنقض أي أثر واقف، وتبعا لذلك فإن القرار المطعون فيه بالنقض يمكن مباشرة تنفيذه خلال سريان أجل الطعن بالنقض أو حتى بعد ممارسته، وقد كانت مقتضيات المسطرة المدنية تسمح المحكمة النقض بإمكانية وقف تنفيذ المقررات المطعون فيها أمامها، إلا أن هذا الأمر تغير بعد التعديلات التي أدخلها المشرع المغربي سنة 1993، وذلك من خلال إلغاء الفقرة الثانية من الفصل 361.
 ولا تستثنى من هذه القاعدة إلا المواد التي قام المشرع بتحديدها على سبيل الحصر، وتتمثل هذه المواد في القضايا المتعلقة بالحالة المدنية والتحفيظ العقاري وكذا الحالات التي تتم فيها إثارة الزور الفرعي، ولا تتوفر محكمة النقض على أية سلطة تقديرية في هذا الصدد، إذ يتعين الأمر بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه تلقائيا إذا كان النزاع المعروض يدخل ضمن تلك التي يحددها القانون.

II– غياب الأثر الناشر للدعوى:

تعتبر محكمة النقض بمثابة محكمة قانون لا محكمة واقع، وتكمن المهمة المسندة إليها في مراقبة مدى تطبيق محاكم الموضوع للقانون، فمحكمة النقض ليست محكمة درجة ثالثة، وكنتيجة طبيعة لذلك فإن الطعن بالنقض لا يترتب عنه إعادة نشر النزاع من جديد.
فالغرض من إعادة النشر هذه كما سبق أن وضحنا ذلك بخصوص الإستئناف يتمثل في تمكين المحكمة التي تنظر في الطعن من إعادة النظر في كل المسائل المرتبطة بالنزاع، بما فيها تلك التي لا ترتبط إلا بالواقع، ومحكمة النقض بإعتبارها محكمة قانون فقط لا تبسط رقابتها على وقائع النزاع، وبالتالي فلا حاجة لإعادة نشر هذا الأخير أمامها وإلا تحولت لمحكمة درجة ثالثة وهو ما يخالف جوهر هذا الطعن.

III– الحق في التصدي:

منذ أن تم إلغاء مقتضيات الفصل 368 من قانون المسطرة المدنية لم يعد بإمكان محكمة النقض أن تتصدى للنزاع، وتبعا لذلك فإن هذه المحكمة يتعين عليها في حالة نقض القرار المطعون فيه وإلغاؤه إحالته على نفس المحكمة التي سبق لها البت أو محكمة أخرى من نفس الدرجة لتقوم بالبت فيه من جديد، وإذا لم تمتثل محكمة الإحالة للمبدأ الذي تم التنصيص عليه في قرار النقض، وفي حالة الطعن من جديد بالنقض في القرار الصادر عن محكمة الإحالة فإن محكمة النقض يمكنها أن تبت بغرفتين أو بكل الغرف مجتمعة، ويهدف هذا الإجراء إلى منح القرار الثاني الصادر عن محكمة النقض سلطة معنوية تفوق القرار الأول.
ويسمح الفصل 369 من قانون المسطرة المدنية لمحكمة النقض بإمكانية نقض القرار المطعون فيه دون إحالة، ولا يمكن اللجوء لذلك إلا في الحالة التي لا يبقى فيها بعد التصريح بالنقض ما يتعين الفصل فيه من جديد، وكمثال على ذلك القرار الذي تصرح فيه محكمة النقض بعدم إختصاص المحكمة التي سبق لها البت في النزاع.

 VI– جزاء الطعون التعسفية:

يتم الحكم على طالب النقض الذي تم رفض طعنه أو التصريح بعدم قبوله بأداء المصاريف، كما يمكن لمحكمة النقض عند الإقتضاء الحكم عليه في الحالة ذاتها بأداء غرامة لصالح الخزينة، ولا يمكن أن تتعدى الغرامة المحكوم بها في هذه الحالية مبلغ ثلاث آلاف درهم، ويمكن للمطلوب في النقض أن يرفع دعوى مدنية في مواجهة طالب النقض للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تكبده.

V – الطعن في قرارات محكمة النقض:

 لا تقبل القرارات الصادرة عن محكمة النقض الطعن بالتعرض، ولا يمكن أن يطعن فيها إلا من خلال طرق الطعن المحددة في الفصلين 378 و379 من قانون المسطرة المدنية، وتتمثل هذه الطرق في إعادة النظر، تصحيح الأخطاء المادية وتعرض الغير الخارج عن الخصومة.
 ويمكن ممارسة إعادة النظر في الحالات التي يحددها القانون، ولا يمكن ممارسة هذا الطعن إلا مرة واحدة، ولا ينتج عنه وقف تنفيذ القرار المطعون فيه
ويتوقف قبول هذا الطعن من حيث الشكل على إيداع المتقاضي الذي يمارسه لمبلغ يساوي قيمة الغرامة التي من الممكن أن يتم الحكم عليه بأدائها.
ويجب أن تتم ممارسة الطعن بإعادة النظر في مواجهة القرارات الصادرة عن محكمة النقض داخل أجل ثلاثين يوما يبدأ إحتسابها من تاريخ التبليغ، إلا أن هذا الأجل لا يتم تطبيقه في الحالات التي تتم ممارسة الطعن بإعادة النظر فيها بالاستناد على السبب الأول الذي تم تحديده في الفصل 379 من قانون المسطرة المدنية
 أما طلب التصحيح فيهم الحالة التي يكون فيها القرار الصادرة عن محكمة النقض مشوبا بخطأ ماديا، ولا يتم قبوله إلا إذا كان من شأن الخطأ المذكور التأثير على القرار الصادر في موضوع النزاع
وتخضع القرارات الصادرة عن محكمة النقض أيضا لتعرض الغير الخارج عن الخصومة، ولا يهم هذا الطعن إلا القرارات الصادرة بناء على الطعون بالإلغاء التي تم التقدم بها في مواجهة القرارات الإدارية.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تقسيم الموضوع